الورقة الأولى

 وثيقة الرؤية :خطوة تاريخية

صدور الوثيقة والتوقيع عليها يمثل دون ريب خطوة تاريخية غير مسبوقة، ويعبّر عن موقف شجاع ومسؤول من جانب الموقّعين عليها، ويجب أن يدخل الموقف ضمن رصيد النشاط الوطني الاصلاحي العام في هذا البلد. ولكن هل نكتفي بالوثيقة، وماذا بعد ذلك؟

لقد عوّدتنا العائلة المالكة على طريقة في التعامل مع العرائض وما تحمله من مطالب شعبية عادلة، وهي طريقة لا تتجاوز التفاعل السلبي، أي مجرد الاستماع أو القراءة لمحتويات العرائض، هذا إذا لم تقم باعتقال بعض الموقعين تأديباً لهم ولغيرهم! وستبقى الاستجابة الرسمية في هذه الحدود ما لم تعضد الوثيقة أنشطة أخرى كفيلة بإبقاء قضية الاصلاح الوطني حيّة في الشارع وفي الوسط النخبوي النشط سياسياً وأيضاً لدى الحكومة.

الانتظار حتى تتبدّل الظروف الخارجية، وتحديداً ما ستؤول اليه الحرب الأميركية المرتقبة على العراق، على أساس أن اختلالاً في الموازين السياسية الاقليمية سيقع بعد سقوط النظام السياسي في بغداد، لا يعدو تحليلاً داخلياً. فانتظار المجهول قد لا يسفر عن نتائج يرجوها دعاة الإصلاح ولربما قد لا تنتج إستجابة جادة من جانب الحكومة كيما تعيد تقويم الأوضاع وتبدأ تطبيق بنود الوثيقة الوطنية للإصلاح.

بكلمات أخرى، إن الجمود على الوثيقة لا يكفي من أجل تحقيق الغاية منها بداية، ولذلك يجب تثميرها لجهة بناء تحالف وطني تكون الوثيقة أساسه وغايته، بل وأن يتحوّل الموقّعون الى جهة سياسية علنية تناضل سلمياً من أجل تحقيق ما وقّعت عليه، مصاحبة لمواقف جريئة كعقد مؤتمر وطني عام محلياً كان أم خارجياً. الوثيقة تشكّل مرتكزاً صلباً من أجل كسب اصطفاف شعبي واسع حول الاصلاح السياسي، ولا بدّ أن يدرك الموقّعون بأنهم ليسوا وحدهم في الساحة بل أن ما ظهر من ردود فعل شعبية عكستها الصحافة المحلية ومنتديات الحوار على شبكة الانترنت وإزدياد عدد الموقعّين على الوثيقة قابل للاستثمار لجهة توفير غطاء شعبي لأي نشاط اصلاحي وطني. إن قدرة الموقّعين على تعميم الوثيقة الوطنية للاصلاح بحيث تتحول الى متبنى شعبي، يفتح أفق التجاذب بين السلطة والمجتمع على قضية واضحة ويجعل أهداف الإصلاح محددة.

لا بدّ من خطوات قادمة قبل أن تصبح الوثيقة الوطنية نسياً منسيّا.. فالوثيقة لم تكن لتفريغ شحنة انفعال داخلي، ولا رمي الكرة في ملعب الحكومة التي نعلم اليوم على وجه يقارب اليقين أنها لا تتجه نحو تفعيل مطالبها والتي أقرّ بها ولي العهد، وإنما جاءت الوثيقة كخطوة في مسيرة طويلة بدأت ويجب أن لا تتوقف، فهذا هو رهان دعاة الإستبداد: "تقطير" الزمن حتى ينسى الناس وتعود حليمة الى عادتها القديمة.