تغيّر الحليف الأميركي

 

هناك من لا يصدق بأن العلاقات السعودية ـ الأميركية قد تغيرت ودخلت منعطفاً لا يمكن معها أن تعود كما كانت في الماضي. الأمراء السعوديون لا يصدقون أن أميركا "استغنت" عن خدماتهم وأنها قاربت أن تقول ذلك في وجوههم.. هم مندهشون من حقيقة أن مكانتهم السياسية في المنطقة قد بدأت بالتزلزل بمجرد أن شعر الآخرون بأن حلفهم مع أميركا قد تفككت عراه، وبالتالي فإن الزخم السياسي الذي يمتلكونه اليوم يعكس حجم قوتهم الحقيقي.

إزاء الخوف من أميركا ومن ضياع حلفهم مع أقوى القوى في العالم، وإزاء تراجع المكانة السياسية، التزم المسؤولون السعوديون ومنذ انعطافة سبتمبر 2001 بسياسة محددة في مجال العلاقات العامة قلّما خرجوا عنها. هذه السياسة تتلخص في أمرٍ بسيط ومحدد وهو التأكيد على أن العلاقات السعودية الأميركية قويّة ومتينة وأنها لمصلحة الطرفين، و(نفي) حدوث تدهور في العلاقات، ووصف ما يجري وكأنه مجرد توتر عابر لا يؤثر على العلاقة الإستراتيجية بين البلدين.

لا يريد الأمراء السعوديون أن يؤدي تدهور العلاقات مع حليفهم الأميركي الى الاساءة لوضعهم السياسي الحالي، فهم يعتقدون بأن التأكيد على ديمومة العلاقة مع أميركا، والمبالغة في ذلك أحياناً كثيرة، يكبح الميول السياسية التي تنزع الى تجاوز الدور السعودي خليجياً وعربياً، كما أنه يمثل رسالة الى المختلفين مع النظام في الداخل والى الشعب السعودي بمجمله بأنهم ـ أي الأمراء ـ مازالوا أقوياء بالحليف الأميركي، وبالتالي قطع الطريق عليهم لانتهاز فرصة توتر العلاقات لدفع النظام الى تغيير نهجه السياسي واعتماد الإصلاحات السياسية المتأخرة جداً.

وعلى كل حال، فتدهور العلاقات السعودية ـ الأميركية صار حقيقة، حتى وإن تمّ نفيها، كما فعل مؤخراً السفير السعودي في لندن في برنامج تلفزيوني، وهذه الحقيقة تعكس نفسها إعلامياً وعلى أرض الواقع سياسياً واستراتيجياً. وخير لأمراء العائلة المالكة أن يعتمدوا على جهودهم الخاصة في بناء قوتهم السياسية الحقيقية بمعزل عن الدور والمساندة الأميركيين. وعليهم أيضاً أن يفكروا في البدائل وفي كل الإحتمالات، وأن لا يراهنوا كثيراً على أن المزيد من التنازل من جانبهم (في الثروة والكرامة الوطنية) سيرضي صانع السياسة الأميركي.

بكلمة، الزمن تغيّر، ولا يفيد قلب الحقائق، أو بناء السياسة على أماني لن تتحقق على الأرجح.