بقاء الملك في السلطة يضعف الدولة والمجتمع والعائلة المالكة

الحاجة الى ملك جديد

 

لا نظن أن أحداً في داخل أو خارج المملكة لا يدرك حقيقة أن الملك فهد غير قادر على القيام بمسؤولياته كملك، بسبب المرض الذي جعله عاجزاً من الناحية الجسدية والذهنية عن مواكبة الوضع المحلي أو توجيه السياسة الحكومية. هذه الحقيقة واضحة لدى الدبلوماسيين الأجانب في المملكة ولدى البعثات السعودية الدبلوماسية في الخارج، ولدى قطاع الصحافة المحلي والأجنبي. بكلمة أخرى، فإن مرض الملك فهد وعجزه بات معلوماً وغير خاف على أحد من المواطنين والمهتمين.

لماذا لا يعزل الملك ـ إذن ـ بمبرر العجز والمرض؟ فيصبح هناك ملكاً جديداً للبلاد التي عاشت وضعاً غير طبيعي منذ أن أصيب الملك بجلطة الدماغ عام 1996؟ لماذا الإصرار على إظهار الأمر مقلوباً، فكل شيء يسير وفق توجيهاته، وهو في أتم الصحة ويحضر مجلس الوزراء ويوجه المسؤولين ويستقبل الوفود الأجنبية؟ لماذا كل هذا؟

لقد وفّر مرض الملك فهد فرصة لكبار العائلة المالكة كي يرتبوا أوضاعهم الداخلية ويعملوا على تنسيق جهودهم لتجاوز أزمة الخلافة للعرش. لكن بدلاً من ذلك، أصبحت الدولة تسير بعدّة رؤوس، وبالتحديد ثلاثة رؤوس غير منسجمة: ولي العهد، ووزير الداخلية، ووزير الدفاع. كلّ اتجاه يبحث له عن حلفاء بين رؤساء الأجهزة والوزراء. وبدل أن تنتقل السلطة كاملة الى الملك الجديد المفترض (ولي العهد) جرى تقسيمها وهو ـ أي الملك ـ لايزال على قيد الحياة، لا يستطيع أحد من الثلاثة أن يأمر على ما تحت وما في يد الباقين!

السياسة الخارجية تعرضت هي الأخرى الى الشدّ والجذب بين الأطراف المتنازعة، ولذا ظهرت الكثير من التصريحات المتناقضة بين الأمير عبد الله ووزير الداخلية وسعود الفيصل حيث كان هذا الأخير يعكس في تصريحاته التناقضات داخل البيت السعودي.

داخلياً، كل طرف يجرّ النار الى قرصه. فهذا يعلن عن تأييده للإصلاح ولعريضة اللبراليين، والآخر يحثّ الخطى للتحالف مع التيار السلفي ويعلن المرة تلو الأخرى أنه ضد الإصلاح، وأنه لن يفرض على بلاده من الداخل أو الخارج. الإعلام الداخلي يبث الشيء ونقيضه، والسياسة الداخلية مزيج من القمع والإنفتاح، ومحاربة الفساد تتعثر الخطى بسبب هذا الطرف أو ذاك، والسياسات الإقتصادية المزمع إجراؤها خُنقت في المهد، وهكذا.

مرض الملك أصبح في نهاية الأمر وبالاً على الدولة والمجتمع والعائلة المالكة معاً. فقد توسع الشق بين الأمراء، وأصبحت أجهزة الدولة تدار بأكثر من رأس وبأكثر من سياسة متناقضة ومتصادمة، والأداء الحكومي يسير من تراجع الى آخر، وفي بعض المواقع التي كانت الآمال بشأنها عريضة، فإن تقدماً ما لم يلحظ البتة.

بصورة واضحة يمكن القول، أن الجناح السديري يريد أن يبقي الملك حيّاً في ذاكرة المواطنين والعالم، بحيث يكون (الترس) الذي يحفظ لهذا الجناح مكاسبه التي انتزعها على مدى نصف قرن. فقد يؤدي رحيل الملك، أو إبعاده عن الناظرين وتولي ملك جديد للعرش، قد يؤدي الى إضعاف هذا التيار، وتحوّل الصلاحيات الرسمية التي كفلها الدستور للملك، وهي كبيرة، الى ولي العهد الحالي، فيمارسها وبالتالي يقلص أدوار القائمين على شؤون الحكم الآخرين. قيل أن عروضاً قدمت لإزاحة الملك، على أن يتنازل ولي العهد عن (الحرس الوطني) فرفض ولي العهد ذلك، وقيل أن هناك من نصحه، بأن إزاحة الملك فهد ـ رغم أنها ليست سابقة في تاريخ العائلة، ففي عام 1962 أبعد الملك سعود مؤقتا وبفتوى شرعية بسبب عجزه ومرضه ـ ستفتح الطريق لإزاحته هو في المستقبل.

الأمر الثابت الآن هو أن بقاء الملك في منصبه ليس في جوهره ومؤداه في صالح العائلة المالكة ولا في صالح الوطن، وإذا كان الخلاف بين أجنحة الحكم سبباً في بقائه، فإنه أبقى الأمراء عاجزين على إتخاذ سياسات ذات أهمية أو موحدة أو في مستوى الأحداث. القضايا الكبرى والقرارات الخطيرة تمّ تأجيلها في الغالب بسبب الخلافات، ولهذا فإن المجتمع والدولة يدفعان ثمناً باهظاً لتردّي الأحوال.