اختاروا منهجاً واحداً: إمّا القمع أو الإصلاح!

 

هي ليست مسألة تبادل أدوار: أحدهم يدعو الى استخدام الجزرة/ الإصلاح (ولي العهد) والآخر يمارس الشدّة والعصا (وزير الداخلية). فالمهمتان أبعد ما تكونا مكملتين لبعضهما. فالمشكلة ببساطة أن منهجين متناقضين لم يحسما تماماً وإن كانت الغلبة الواضحة حتى الآن للثاني ولكن ضمن حدود.

العائلة المالكة مطالبة بأن تختار أحدهما: إما أن تضرب بيد من حديد، وتتحمّل مسؤولية النتائج المترتبة على ذلك سلباً أو إيجاباً، وإما أن تشرع في منهج الإصلاح وتتحمل النتائج أيضاً. وكلا المنهجين فيهما من السلبيات والإيجابيات (من وجهة نظر العائلة المالكة).

الآن.. لا يستطيع وزير الداخلية أن يمارس العنف بطاقته القصوى مع رغبة أكيدة موجودة لديه، لأسباب داخلية وخارجية، ربما هو ـ من الناحية النظرية على الأقل ـ قادر على عدم الإعتناء بها. لكن الوزير لا يستطيع أن يفعل ذلك بدون أن يسيطر على البلاد بأكملها، ويحيد الحرس الوطني، ويتحمّل الضغط الأميركي والعالم، حيث العيون مفتوحة بالكامل على ما يجري في المملكة. أيضاً إذا ما تمّ تبنّي هذا القرار، واستخدامه بشكل موسّع (لا بد أن يكون القمع واسعاً شاملاً وعميقاً ليكون فاعلاً) فعلى الأمير الوزير نايف أن يتحمل تبعات العنف المضاد داخلياً، والذي تصاعد في الآونة الأخيرة، وكان اغتيال وكيل إمارة الجوف الدكتور الوردي وكذلك اغتيال البريطاني في الرياض، آخر ما وقع من أحداث عنف. مخاطر العنف الحكومي لا تنحصر في تصاعد الصراع بين أطراف الحكم الى حد الإقتتال الداخلي، ولا في العنف المضاد المتفاقم، ولا في تشوه سمعة العائلة داخلياً وخارجياً وتقلص مشروعية الحكم المنذرة بتذرّر الدولة وتفككها، بل وأيضاً قد لا يفيد القمع في منع الإصلاحات بقدر ما يؤجج الحاجة إليها والى الحلول الراديكالية، أي انها قد تأتي بعكس المبتغى.

أما اذا ما تم تبني الإصلاحات، ويجب أن يكون التبنّي حقيقياً (كما في حالة القمع) حتى يؤتي ثماره ويزيل الإحتقان الداخلي ويؤسس لعلاقة جديدة وصالحة بين الدولة والمجتمع، فإن مخاطره على العائلة المالكة ليست قليلة أيضاً، وبينها الصراع الداخلي في العائلة، وتقليص حجم السلطة التي بيد أفرادها. ومع ان هذا المنهج يبدو الأسلم، إلاّ أن الوضع الحالي لا يميل الى القمع الكلي مع كثرة الإعتقالات والضغط، ولا الى الاصلاح، وهذا يفسح المجال لكل طرف في العائلة أن ينفذ بعضاً من سياسته بغير رضا وبدون فائدة على الأرض لمختلف الأطراف سواء في العائلة المالكة أو الشعب نفسه. فعدم وجود الإصلاح يزيد من الإحباطات، وبغير استخدام العنف الكلي المطلق لا يمكن إلغاء العنف الداخلي والذي لا يوجد له حلّ حقيقي إلا بالإصلاح.

هذا التذبذب يجعل العجز سيد الموقف مجتمعاً ودولة وقوى إصلاحية.

بقدر ما هناك من دعوات الى المزيد من العنف للحفاظ على (هيبة الدولة) وردع المخالفين، هناك دعوات للإصلاح في الشارع وبين النخب. والتوقف ضمن الحالة الوسطية ليس على خلفية قرار وإنما بسبب العجز في حسم الموقف ضمن الخيارات المتاحة يجعل البلاد عرضة للضغوط والتدخلات الخارجية في زمن لا تتوقف فيه حركة السياسة عن الدوران والتبدّل السريع الذي لا ينتظر أحداً.

إمّا أن يحسم الأمراء خياراتهم، أو يأتي لهم من الداخل أو الخارج من يحسمه بالنيابة عنهم، فتكون قراراتهم حينئذ مجرد ردود فعل للأحداث وليس التحكّم فيها وصناعتها أو توجيهها.