إغلاق منتدى طوى: محاولة للفهم

 

(طوى) أقوى المنتديات الحوارية السعودية، والذي استقطب نخباً إصلاحية عديدة تكتب بأسماء مستعارة فيه، وتطالب من خلاله بالحفاظ على ما يسمى بالثوابت الوطنية، مع الدعوة الى التغيير والإصلاح حفاظاً على الدولة وعلى (مكانة) العائلة المالكة كرمز للوحدة السياسية القائمة.. هذا المنتدى المفتوح الذي استقطب مختلف التيارات السياسية والفكرية في المملكة تعرض للحجب من قبل مدينة الملك عبد العزيز للتقنية، وهي المسؤولة عن مراقبة مواقع الشبكة العنكبوتية، والتي باتت تسمى (مدينة الحجب). أثار الإغلاق الذي تمّ بأمر وزير الداخلية الأمير نايف، زوبعة كبيرة في الوسط الإعلامي السعودي، وقد نقل خبر حجب (طوى) قناة الجزيرة والوكالة الفرنسية وبعض الصحف المحلية، إضافة لجرائد ومجلات عربية وعالمية. يعتقد الكثيرون بأن الإغلاق جاء على خلفية نجاح الموقع في بلورة رأي وطني سعودي تجاه الإصلاحات، وحمل الإغلاق إشارة واضحة الى حقيقة أن التيار المتشدد في العائلة المالكة (السديريون) هو (السيّد) وهو صاحب الرأي الأقوى، ويتخوف المثقفون بأن الإصلاحات السياسية التي حلموا بها لن تتحقق في المدى المنظور.

هذه المقالة معالجة مختلفة لموضوع حجب الموقع والعقلية الحكومية التي تقف وراءه ودوافعها.

 

وقفات صغيرة

 1- حرية التعبير

 المتابع عن كثب، سيرى أن سقف حرية التعبير في صحافتنا المحلية قد جرى اختراقه، ليس في صحيفة بعينها كـ"الوطن"، بل في مختلف الصحف والمجلات، ولكن الاختراق الحقيقي قد حدث في مواقع الإنترنت الفردية والمؤسساتية، من الساحات والوسطية إلى طوى وهجر والحجاز وسواها. ولذا يمكن القول بأن حالة صحية من الحوار النقدي قد تم تدشينها في قلب مجتمعنا، وأن وسائط التعبير المتعددة قد كشفت عن أن هذا القلب المجتمعي ليس نسخاً كربونية متماثلة ولا توائم متشابهة، بل أن عناصر الاختلاف فيه أكثر من عناصر المماثلة، وأن البيت الواحد يحفل في داخله بتيارات تتنازعها أقصى درجات الأطروحات اليمينية أو اليسارية، كما تتنازعها مواقع العقلانية والواقعية والبراجماتية أيضاً.

فهل كشفت هذه الوسائط عن جديد خارج عن سنّة الكون وما ألفه الناس في حياتهم؟ لا أعتقد. ولكن الذي فعلته هذه الوسائط حقاً، هو أنها أماطت الحجاب عن أعيننا، وفتحتها على اتساعها، على حقيقة اختلاف الناس في مشاربهم، ومآكلهم، ومفرداتهم، وقناعاتهم، وقراءاتهم للنصف الملآن أو الفارغ من الكأس، كما أن هذه الوسائط قد أعلنت بوضوح أن الإدعاء بأن مجتمعنا هو مجتمع منسجم، متوحد، ومحافظ، وتقليدي، ويرى أن كل الأمور في بلادنا على ما يرام، هو رأي غير صحيح، وأن الصحيح حقاً هو أن مجتمعنا كغيره من المجتمعات، يعجّ بكل الأفكار وبكل القناعات، وبكل ألوان الرؤى المتسقة والمتعارضة، القانعة والثائرة، والمستعدة للحوار بالبنادق، والأخرى المستعدة للحوار بالكلمة.

وباختصار، نرى أن مجتمعنا يشبه مرجلاً يغلي، وعلينا جميعاً مسئولية العمل على إيجاد أفضل وسائل تنفيسه والحفاظ على حرارته العالية، فالغليان دليل حياة وتطلع أما الخمود أو الانفجار فدليل عطالة أو تفكك.

 2- الحجاب

 ولأن طوى قد جرى حجبها، وهي ليست امرأة "مزيونة"، وليست قصراً يقف أمامه "الحاجب"، وليست جسداً أو امرأة ضريرة، فقد اخترت من "لسان العرب" لابن منظور ما يوائم حالتها. فهي أولاً تسمية مجازية، وهي لامعة كالضوء، ولذا رأيت أن أشبه حالتها بالشمس "حيث يقول الشاعر: إذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو أمطرت دما.

فهل غابت "طوى "في الأفق ؟

يمكن التحايل على "الحجب" بالقول أن "طوى" اختطّت طريقاً مضيئاً سار بها في طريق المسموح حتى غابت في "ديرة" الممنوع، ويمكن الإشارة إلى قانون تلازم العلاقة بين الاشتعال السريع والانطفاء السريع أيضاً، ولكن كل هذه الطرائق التأويلية الممكنة والمعتسفة لا تدل على فعل الاختيار بل تدل على ردة فعل "الحجب والتغييب". وهل تم هتك حجاب الشمس أو أمطرت دما؟

الواقع أن الهتك قد تم وأن الدم قد توارى عن السيلان، وأن "طوى" أمام احتمال صعب أهون ما فيه الاحتجاب، وأصعب ما فيه أن تغير المسار، ولكن هل يخدم أي الاحتمالين مسيرة التطوير والاستقرار وتعدد قراءات الواقع ونشر ثقافة التسامح بين الأقربين تمهيداً للوصول إلى صيغة للحوار العاقل مع الآخر؟

أعتقد أن التعبير الواضح عن تعدد الأصوات في هذه المرحلة وغيرها هو الباب الذهبي لترويض النفس في أي موقع كانت على الاستماع للآخر. وهنا أشير على مسئول الحجب في المدينة العتيدة بأن يعيد حساباته، أو أن يرفع مرئياته للجهة الأعلى صاحبة البصر والبصيرة، لأنه بهذا العمل لا يحرم المجتمع من وسيط إعلامي متميز للتعبير عن طيف آخر من أطياف الثقافة والفكر في مجتمعنا، وإنما يقوم بإغلاق أحد محابس(valves) التنفيس الضرورية لبقاء كيان المرجل الاجتماعي تحت الكنترول.

 3 ـ مهنية المنافسة والعداء:

 الاختلاف خاصية كونية للأشياء ، وللحالات/ وللبشر ، والصراع هو الشكل الطبيعي للتعبير عن تمثلات ذلك الاختلاف، وحين تكون وحدة العائلة ضرورة بشرية، ووحدة الوطن ضرورة حياتية، فإن إتقان لعبة الاصطفاف ولعبة الحوار بين مختلف الأطراف، صاحبة المصلحة في تطوير آليات العمل لبلوغ الهدف الحياتي المنشود، يقتضي من الجميع إجادة أصول اللعبة حواراً أو تأييداً أو مطالبة أو اعتراضاً.

وحين تصبح حرية الصحافة، وحرية وسائط الإعلام /بما فيها الانترنت/ ضرورة من ضرورات الحياة المتحضرة، فإن على القائمين على هذه المنابر الاحتكام إلى منطق حقوق المهنة التي عرفها الآباء في مختلف الحرف المهنية. أعني به منطق الاصطفاف مهما كانت الخلافات - إزاء ما يهدد - المهنة كليا بالموت، وهنا حين يتم حجب "طوى"، فإن الدور القادم لن يركز على الوسطية أو الساحات، أو غيرهما، ولكن على حرية التعبير كلها، ولذا فإن منطق الاختلاف الثقافي أو الفكري بين هذه المنابر لا يغني عن التعاون بينها على تأكيد حرية التعبير والمطالبة به.

أما الحاجب ، فإن عليه أن يدرك بأن هذه المواقع، مع ما قد تثيره من إشكاليات، هي أفضل صمام أمان للتعبير عن مختلف الأفكار والتطلعات والانتقادات، وأنها الخطوة الأولى نحو مجتمع الحوار، واحترام الاختلاف، والتعددية الثقافية والفكرية، التي ستسهم في تطور مجتمع حر يفكر بصوت عال ويصون وحدة وطنه ويرعى أمنه واستقراره، وأنه الشكل الحضاري الأمثل لإدارة حوار الاختلاف الاجتماعي، لا تكميمه حتى يفرّخ تحت جنح الظلام مالا نريده، وأن هذه المواقع، أقل إزعاجاً وتكلفة من انفجار المرجل - لاسمح الله- مثلما أنها أقل تكلفة من أدوات الرقابة والحجب، والقمع الأخرى.

 

علي الدميني ـ طوى

لماذا تمّ خنق منبر الأحرار؟

 

بكل أسف وحزن استقبلت فجيعة حجب (طوى). اشارك الاخوة الاصدقاء ملاك المنتدى ومشرفيه بالغ العزاء في وصول الحال في بلادي الي هذا المستوى ووصول لغة التفاهم والحوار عند اصحاب القرار الى لغة الحجب، وهي لغة لا يجيدها الا من لا يوجد في جعبته الا الخواء والغثاء.. لغة لايجيدها الا المفلسون علما ومعرفة وجهلاً بقراءة المستقبل. لكن السؤال لماذا حجبت طوى؟ لماذا تم خنق منبر الاحرار لماذا؟

هناك كثير من العوامل ساهمت بشكل واخر في حجب هذا المنتدى الحر. فالذي اطلع على المقابلة الصحفية للأمير نايف في جريدة عكاظ يوم ثلاثاء 18/2/2003 يستشف منها ان التوجه الحكومي الرسمي للدولة من اعلى قمة "هرمية" خوفو وحتى أصغر "منقرع" فيه، ضد التجديد، وضد أي حديث يسمى تنويري ومطالبة، وما الوثيقة التي وقعت من (104) من المثقفين الا النار التي اشعلت الفتيل، وان المقابلة التي تمت مع ولي العهد ما هي الا خطوة سياسية ذكية مفتعلة للفت الانظار والادعاء بأن هناك تغيير قادم وتوجهات ليبرالية سياسية قادمة في الطريق لذر الرماد في عين ذلك المارد الامريكي الذي يضغط بقوة لتحقيق مبتغاه.

من السذاجة ان يعتقد المثقفون ان أي نظام ملكي يقوم على تصوير حقوق المواطن هبة او منحة "تشره" عليه من ولي الامر، هو نظام يساهم في تطوير والقيام بالاصلاح من تلقاء نفسه دون ضغط، حتى لو افترضنا حسن النية في الامير عبد الله، فهو يبقى حالة شاذه والشاذ لا حكم له. ان منطق التاريخ والحكم العربي منذ قرون لا يوحي بأن التغيير يكون وليد رغبة ونفس راضية بل لا يأتي التغيير الا وليد قسر وقوة، ولست هنا بصدد ضرب الامثال، ولكن للأيضاح فقط، فإن نظام مجلس الشورى لم يكن أبدا وليد رغبة داخلية، وبالرغم من قوة ونفوذ الملك فهد وسيطرته القوية على البلاد في تلك الفترة لم يستطع مع ذلك ان يتجاهل المطالب الامريكية بضرورة فتح قنوات تمثل الرأي الشعبي.

الامور اليوم هي نفسها تتكرر: الضغط الامريكي والمطالبة باصلاحات جذرية في الدولة. ولأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فإن الترحيب الاعلامي العلني بالاصلاحات هو الخطوة الاولى، ومن ثم فإن الضرب بيد من حديد على هذه المعاقل الحرة الراغبة في التجديد والمشاركة، سواء في المنتديات او في الصحافة او استقطاب المثقفين واستمالة افكارهم وجعلهم واجهة المثقفين السعوديون دون صلاحيات، عمليه سياسية ذكية بكل معنى الكلمة، حتى يفهم الجميع بما فيهم المارد الامريكي انه لا يوجد من هؤلاء الرعاع (المثقفين) من هو قادر على السير بالدولة عوضا عنهم (الأمراء) كما انها ايضا اشارة الى ان هؤلاء المثقفين والمخلصين منهم من الممكن ان يخدموا الحكومة في مؤسساتها السياسية وغيرها.

المتتبع للأحاديث الرسمية الصادرة من الصحافة السعودية يستكشف محاولة اقناع الاخرين بصحة هذا التوجه، فالامير سلطان يصرح انه لايوجد من يملي علينا شروطه، والامير نايف يتكلم ان السعودية شأن داخلي لاعلاقة للآخرين به، والامير سعود الفيصل في احاديثه يصرح ان لكل بلد خصوصياته واسلوب الحكم المناسب له، والامير بندر بن سلطان يوضح ان الديمقراطية لا تنفع ولا تجدي مع مجتمع مثل مجتمعنا، وحمود البدر أمين مجلس الشورى يصرح في جريدة الرياض (15/2) انه لا مجال للانتخاب في مجلس الشورى طالما 65% هم من حملة الدكتوراه وانهم امضوا عشر سنوات في الخدمة!!

ربما يصبح الانتخاب شرهة مستقبلية، لكنها لن تكون مفتوحة بأي حال من الاحوال للجميع.

ونعود لحديثنا عن طوى فنقول أن حجبه يشبه طرد صحفي سبب صداعاً للحكومة، الا ان حجب منتدى مثل طوى يحقق مصالح في اعتقادي أثمن من طرد رئيس تحرير صحيفة وسجنه. فالغاية كانت:

اولا: ضربه في المهد قبل ان يكبر فيمثل ثقلا وقلقاً للحكومة، خصوصا اذا علمنا ان كثيراً من المثقفين والكتاب الصحفيين هم في الحقيقة اعضاء فيه بأسماء مستعارة.

ثانيا: التلميح للتيارات الاسلاموية ان الحجب لا يشمل المنتديات الاسلاموية فحسب بل حتى المتحررة أو العلمانية (سموها ما شئتم).

ثالثا: إبلاغ الجميع انه حتى الحرية وباسماء مستعارة في المنتديات هي ضرب من ضروب الخيال في دولة لا تسمح بذلك. وان الدولة لازالت قادرة على كبح الجميع بما فيها المنتديات.

رابعا: ان المساهمين والقائمين على (طوى) لا يمكن تصويرهم بأنهم مارقين على الدولة او معارضين كما انهم ايضا لايحسبون على التيار الاسلاموي فيمكن تلفيق تهمة تنظيم القاعدة بحقه. انهم يعتبرون وفقا لمفهوم شعوب الارض جميعا المتحضرة اصلاحيين.

لكن السؤال الاهم والذي يبقى مثاراً في كل وقت، لماذا هذا الانغلاق من قبل الحكومة؟

الحقيقة ان هذا موضوع يطول شرحه، لكن أهم مسبباته هي تلك العقليات التي تدير الدولة في كامل شؤونها. إنها ترفض التغيير رغبة في الحفاظ على المكاسب الموجوده لديها والمستمرة بإسم المحافظة على الدولة واستقرارها من جانب، وأيضا اثبات الولاء المصطنع لولاة الامر ان ما يفعلونه هو حب فيهم، لذلك لن يجدوا من هم أكثر اخلاصا منهم، لذا فالتغيير أمرٌ مضرّ بالجميع.

ان محاربة التغيير هي سمة يمتاز بها العرب وتزداد ضراوة وشدة كلما ارتقى العربي السلم الهرمي لا يستثنى منه شيخ او فاجر. هذا ما يفسر حقيقة اننا الدولة الوحيدة في العالم التي فيها عمداء الوزراء في العالم وعمداء وكلاء الوزرات وعمداء مدراء الادارات وعمداء السلك الدبلوماسي..الخ. وفي ظل سيطرة مثل هذه العقلية على الامور في الدولة لن ينعم حر او رجل يتملس الحرية الا بمنهج قديم عفى عليه الزمن. إن عقلية (هذا غزو شيوعي، وهذا اشتراكي، وهذا اخواني، وهذا ناصري، وهذا حداثي، وهذا ملحد، وهذا متهور أو طائش أو مغرر به) هي المسيطرة على دفة الامور في الدولة. فلاعجب ان يحجب منتدى مثل طوى اصبح وفقا لمفهوم هؤلاء موطن تفريخ اصلاحيين، يكبرون ويتكاثرون مع مرور الوقت ويحبون وطنهم اكثر من هؤلاء المنافقين والمتحذلقين المنتفعين.

الهيصر ـ طوى

 غبي هو من يحاول حجب الشمس بغربال

 طوبى لكم يا أهل طوى، ومباركة هي خطاكم. أم حسبتم أنكم بالغو غاياتكم دون أن تدفعوا ثمناً؟ لكن المهم هو أنهم اعترفوا بكم أخيراً، وهم الذين كانوا ينكرون وجودكم وأثركم، فما الحجب إلا اعتراف بالوجود. الحجب تاج على رؤوس المحجوبين لا يراه الحاجبون. ستعود طوى.. أنا واثق من ذلك. لم يعد لا الزمان ولا المكان يسمحان بحاجب ومحجوب، وصي وموصى عليه. (طوى) وغيرها من منتديات عبارة عن قناة يعبر فيها الناس عما يشغلهم ويؤرقهم، وبدون ذلك تحتقن المجتمعات، والإحتقان لا يولد إلا كل ما هو مدمر. ولكن، قاتل الله الجهل. قاتل الله المرض. قاتل الله الغباء. نعم ستعود طوى، والشمس بالغة موقعها في كبد السماء، مهما حاول البعض حجب أشعتها بغربال.

 

تركي الحمد ـ طوى