آراء ومواقف حول الوثيقة الوطنية للإصلاح
التأييد الذي حصلت عليه الوثيقة الوطنية يكاد يكون إجماعياً، لكن
هناك فئات (سلفية) عارضته، لأن نصف الموقعين علمانيين والنصف الآخر
روافض! ولأن أكثر الموقعين لا يصلون (من أين عرفوا ذلك؟). البعض
انتقد العريضة من حيث اولوياتها، والبعض قال أنه ينقصها الميكانزم
لتفعيلها. قال بعضهم بأن الوثيقة رمت الكرة في ملعب الحكومة (ولي
العهد بالتحديد) وآخرون رأوا أن الوثيقة غير كافية ما لم تصبح وثيقة
شعبية. هذه المقالة تحاول متابعة المواقف تجاهها من خلال رصد ما كتب
عنها في الصحافة المحلية.
أثارت الوثيقة الوطنية للإصلاح خضة في المجتمع السعودي انعكست على
وسائل الإعلام المحلية التي تناولت موضوع الإصلاح والتغيير بشيء من
الحرية. وقد تبارى الكتاب السعوديون ولأول مرة في عرض أفكارهم
وآرائهم من أقصى اليمين الى أقصى الشمال. بعضهم مع الإنتخابات،
والاخر ضد، بعضهم مع حقوق المرأة والآخر ضد إلاّ أن تكون ضمن الضوابط
الإسلامية، ومسألة "الضوابط" لا تعدو أن تكون تفسيراً دينياً محدداً
(سلفياً) يختلف معه معظم المسلمين بعلمائهم ومفكريهم. بعض الكتاب رأى
أن الشعب السعودي غير مهيّء للديمقراطية، والآخر قال لا بد منها لكي
نتعلم، أي لا بد من خطوة نبدأ بها. البعض حيّا الأمير عبد الله على
استقباله الجمع الإصلاحي، فيما رأى آخرون أن ذلك مجرد وسيلة لتمييع
الإصلاح وإدخل الجناح اللبرالي ضمن الصراع القائم بين أجنحة الحكم
(الجناح السديري المتحالف مع السلفية المتطرفة).
الإختلاف في التوجهات تعكسه إختلافات في العائلة المالكة نفسها،
وتعكسه لعبة المصالح بين التيارات الفكرية والسياسية المختلفة في
المملكة، كما تعكسه المخاوف المتباينة من نتائج الإصلاحات فيما لو
حدثت (تقسيم كعكة السلطة) أو نتائجها الكارثية إن لم تحدث (عنف
وانشقاقات ودعوات تقسيم).
أياً كانت الآراء، فقد أطلقت الوثيقة الوطنية صوتاً هزّ جنبات الحياة
السياسية في المملكة، وحركت الراكد في الإعلام والتفكير، ووسعت هامش
النقاش في القضايا الوطنية التي كانت محظورة التداول، وأدخلت فئات
عديدة من الشعب في بوتقة النقاش المتزايد في الشأن السياسي. هذه
الإيجابيات وإن بدت غير كافية، إلاّ أنها بداية يمكن البناء عليها،
خاصة وأن شبه إجماع قد تحقق بشأن المطالب التي تضمنتها وإن اختلف
المواطنون حول وسائل تحققها أو طريقة عرضها على المسؤولين على شكل
(عريضة).
فيما يلي عرض لبعض المواقف والأفكار والتوجهات التي أثارتها الوثيقة
الإصلاحية:
الإنتخابات لا تناسبنا
غازي المغلوث
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ضرورة اتخاذ آلية الانتخابات لوصول
الأعضاء لمجلس الشورى، بالذات وسائل الإعلام الخارجية المتخصصة في
شأننا الداخلي، بكل تفاصيله المملة، ورغم وجاهة الموضوع وأهميته، إلا
أنه فيما أعلم لم يطرح في وسائل إعلامنا بشكل صريح وجريء. ولا أعلم
لماذا يتخصص الآخرون في قضايانا، ويفردون لها مساحات شاسعة من النقاش
والحوار، بينما تبقى مهمشة ومقصية في وسائل إعلامنا المحلية!
وأنا أسجل ابتداء أني لست ضد الانتخابات كآلية، ولكن لا أحسب أنها
مناسبة لتجربتنا الشوروية، النابعة من ثقافتنا الإسلامية، فالشورى في
بنيتها المعرفية كقسمة من قسمات النظام السياسي في الإسلام القائم
على الوحدة والتوحيد والجماعة، لا تتحمل آلية انتخابية، ومن ثم هي
تعبير عن المجتمع الأحادي، تتناقض تناقضا جذريا مع آلية الانتخابات
المنبثقة من نسق ثقافي مغاير تماما، قائم على التعدد والتغاير
والتعارض والتصادم، من خلال انتماءات الأفراد الأيدلوجية المختلفة،
والقبول بالآخر والاعتراف به، والاحتكام معه إلى صندوق الاقتراع.
من ناحية الجدوى والغائية من آلية الانتخابات لمجلس الشورى، فهي غير
مقنعة إلى حد بعيد، لأنه إذا وصل المنتخبون إلى المجلس، لن يتغير
شيء، فمجلس الشورى هو جهاز استشاري، ليس سلطة تشريعية مستقلة حتى
يكون للمنتخبين دور في سن القوانين والأنظمة، ومن ثم تنفذها السلطة
التنفيذية، فالعلاقة ليست أفقية بين مجلس الشورى والسلطة التنفيذية،
بل عمودية من أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى من السلطة التنفيذية
إلى مجلس الشورى إلى السلطة التنفيذية، وطالما أن صناعة ونفاذ القرار
ليس له علاقة بالمجلس الشوروي، فأي فائدة من عضو منتخب لمجلس الشورى؟
نأتي الآن إلى الجانب التطبيقي، فلو فرضنا جدلا أن حدثت آلية
انتخابات للأعضاء، فكيف سيكون المشهد الشوروي؟ فهل ستقذف طاحونة
الانتخابات إذا اشتغلت ودارت بأعضاء أفضل من الموجودين؟ من المعلوم،
أن المختارين لمجلس الشورى من أفضل الكفاءات العلمية والعملية، ومن
خيرة التكنقراط في المملكة، ولا أحسب أن بالإمكان أفضل مما كان، إذن
بماذا ستجود الطاحونة الانتخابية؟ ستطل علينا الولاءات الضيقة
القبلية والعشائرية والأسرية والمصلحية برأسها، بعد أكثر من سبعين
سنة من بناء الإنسان الذي يحمل قيم المواطنة نرجع إلى قيم ما قبل
الدولة، أي ننتج تذريرا مجتمعيا من آلية انتخابية لن تقدم ولن تؤخر
في حال المجلس الموقر.
الوطن، 8/2/2003
مرحلة جديدة
عيسى عبد الله الحليان
مع ارتفاع وتيرة الاحداث الخارجية، بدأ العد التنازلي في التعاطي مع
مسألة الاصلاحات السياسية يأخذ منحنيً جديدا ويقفز الى صدارة
الاحداث، فالأمير عبدالله بن عبدالعزيز قدم مبادرته المثيرة للجدل
للاصلاح السياسي العربي واستقبل نخبة من المثقفين الذين تقدموا
بعريضة من المطالب الاصلاحية، ويجري الحديث علانية عن حقوق الانسان
في الوقت الذي يزور وفد من احدى المنظمات الدولية لحقوق الانسان
المملكة علنا.. نحن إزاء مرحلة تؤذن ببدء حقبة جديدة في التعاطي مع
حركة الاصلاح السياسي وتطبيع للعلاقة مع بعض المصطلحات التي بقيت
ردحا طويلا من الزمن خارج اطار قاموس التداول مثل التنمية السياسية
وحقوق الانسان والحريات العامة.. الخ.
ان الانسان ليعجب حقيقة عندما يتأمل جحود بعض المؤسسات السياسية التي
وظفت كل طاقاتها وقدرتها على المناورة في مقاومة الانفتاح السياسي
على الداخل والاستجابة لمتطلبات التغيير.. هل يعود ذلك الى جهل
بحتمية الاصلاح والتغيير.. او عدم ادراك التكاليف المترتبة على بقاء
الامور على ما هي عليه ام ان مرد ذلك يعود الى هاجس الخوف الفطري من
التغيير الذي غالبا ما يشل القدرة على التفكير السياسي الحصيف. ورغم
حجم الانكسارات والنكبات لم ندرك بعد ان هذه التحولات هي الخيار
الوحيد للولوج الى آفاق من التغيير السلمي وتخفيف حدة زاوية دخوله في
المدار السياسي. ان قيمة ووهج الاصلاحات يكمن في استباقها للازمات
التي قد تكون من اسباب غيابها.. وان بلادنا وهي على اعتاب مرحلة
جديدة فرضتها التحديات الحاضرة موعودة باصلاحات تتفق وحجم
الاستحقاقات والمتغيرات وهذا ما وعد به سمو الامير عبدالله ونأمل ان
يسند صياغة هذا المشروع الاصلاحي الى هيئة وطنية تضم نخبة من ابناء
الوطن المخلصين يختارهم راعي هذه المبادرات لوضع الاسس وتحديد
الاولويات في اطار برنامج زمني محدد وفي ضوء مصالح الامة وثوابتها
العامة.
عكاظ، 10/2/2003
الحوار الداخلي ومعارضة
الإيجار
محمد عبد اللطيف آل الشيخ
ما يسمى تجاوزاً: المعارضة، وبالذات تلك التي تعيش خارج الوطن، فهي
على خلاف جذري مع النظام في أوطانها، وهذا الخلاف هو خلاف وجود
وبقاء، لا خلاف في الرؤى والمناهج. لذلك فالعداء بينهما عداء مستحكم،
وهي أي المعارضة لا تستحي من النيل من النظام، ولا تترفع عن الإساءة
إليه، ليس من منطلقات وطنية، أو حتى ايديولوجية، بقدر ما هي لأسباب
انتقامية كيدية، يكتنفها التشفي، وتحركها الأحقاد، حتى وإن كان
الخاسر الأول الوطن، والرابح الأخير أعداؤه.
الذي أعنيه هو كيفية إدارة هذا الاختلاف، وما هي ضوابطه، وبالتالي
كيف نوظف هذا الاختلاف في الرؤى لإثراء التجربة الوطنية، بالشكل
والمضمون والمنطلق الذي تكونُ فيه انعكاسات هذا الاختلاف إيجابية على
الوطن، لا معولاً من معاولِ هدمه، وسبباً لانفراط عقده الاجتماعي..
ولا يفضح معارضات الخارج الانتهازية مثل التمويل.
وما من شك في أن لقاءات سمو الأمير عبدالله بالفعاليات الوطنية في
المملكة، على مختلف مشاربهم، ومواقعهم الوظيفية، وفتح باب الحوار على
مصراعيه معهم، تحملُ الكثير من الدلالات التي تتكئ على مرجعية ، فليس
لدينا ما نخفيه، ولا أحد يُمنعُ من إبداء رأيه لأكبر مسؤول، حتى وإن
كانت آراؤه تختلف مع آراء القمة السياسية، فلولا الاختلاف لما كان
الحوار، ولولا الاجتهاد لما تحققت الإنجازات، والغاية مصلحة الوطن في
المنطلق وفي نهاية المطاف.
ولعل آخر لقاءاته حفظه الله مع فعاليات نخبوية وطنية، ضَمّنت أفكارها
الإصلاحية في رسالة إلى سموه، تحملُ الكثيرَ من الرؤى والأفكار
الجديرة بالبحث والنقاش، التي قد نتفقُ معها وقد نختلف، إلا أنها
سحبت البساط من تحت أقدام الانتهازيين في الخارج، وعرتهم، وفضحت
نواياهم، وكشفت ادعاءاتهم، الأمر الذي فوتَ الفرصة على من يمولهم،
ويبرزهم، ويلمع صورهم، ويتكئ عليهم، بهدف الإساءة للمملكة، من تحقيق
أغراضه في النيل من البلاد ونظامها ورموزها، لهذا فليسَ لديّ أدنى شك
في أن الرابح الأول والأخير من هذه الممارسات الحوارية والحضارية هو
الوطن نفسه، أما الخاسر الأخير فهم أعداء هذا الوطن أولاَ، ثم أولئك
الانتهازيون الذين تنقلوا بين أعداء البلاد طلباً للعون والمساعدة،
واستجداءً للتمويل، مقابل البقاء لتحقيق أغراضهم حتى ولو على حساب
بلادهم.
الجزيرة 8/2/2003
استغلال ضعف الحكومة وأزمتها
علي سعد الموسى
أصابتني الدهشة وأنا أشاهد سعوديين من منظومتين فكريتين متباينتين
يرحبون بالمشاركة في برنامج الجزيرة "الشهير" يستعرضون أكثر من رأي
حول وثيقة الإصلاح التي تقدمت بها قائمة ثقافية سعودية للهرم
السياسي. أنا أولاً لست في صف أولئك الذين يركضون خلف الفضائيات
العربية أو الصحف المعادية لنظامنا السياسي والاجتماعي والديني كلما
وقعوا بياناً أو مهروا بأسمائهم أو بأسماء غيرهم وثيقة للتطوير
والإصلاح. لست مع الذين يتهافتون على نشر غسيلنا في هذه الظروف
بالذات فوق أسطح الجيران ويسعون لإملاء الهوامش والشروحات على مسامع
الشامتين واللاقطين في ذات الوقت الذي يفتح فيه الرجل الثاني هنا باب
مكتبه وقلبه للموقعين، يستمع للمطالب ويؤكد فوقها أنها مطالبه. أنا
هنا لا أزايد على وطنية أحد ولا أدعي موقفاً أو موقعاً مختلفاً. أنا
معهم جميعاً في الأهداف والمحتوى وأنا ضدهم علنا في الآلية وإعلام
الطنطنة.
هل كان الإعلام هو الهدف من هذه البيانات والمطالبات حتى يهرب
موقعوها إلى كل الفضائيات وأوراق الصحف الصفراء؟ هل الهدف منها أن
يسمعها المشاهد والقارئ العربي في الرباط وبغداد وتورنتو وهل كان
الإصلاح والتطوير هدفاً أسمى من المزايدة والتشهير؟ أنا ثانيا ضد
سياسة لي الذراع في كل مرحلة عصبية يمر بها هذا البلد برموزه
واجتماعياته. في عام 1991 أصدر جملة من الموقعين مذكرة للنصيحة وصلت
إلي من يدي مهاجر عربي كان يسابق الوقت في شارع
"لندني" ليوزعها بالمجان وبأكبر قدر
ممكن. اليوم وقبل أيام قليلة من حرب
"مكررة" بين نفس الأسماء والرموز نكرر
ذات التجربة استغلالاً لموقف "متأزم" ونمشي جميعاً في ذات الظروف
والملابسات. نلتقط، مع الأسف، إشارة أمريكية خادعة دون أن نعلم أن
أهدافها ليست بأكثر من سحب الغطاء المناسب لتجعل لحربها القادمة
مشروعيتها في أذهان الشعوب حينما تدغدغها بالإصلاح والتطوير. أنا مع
الإصلاح والمطالبة به، مع مثل هذه الوثيقة بل مثلها تماماً، مؤيداً
لكل جملها وكلماتها ومدركاً أنها تنبع من روح وطنية صافية مسؤولة.
لكنني لا أريدها وهي تسعى نحو "الإعلام" لتكشف الهدف ولست معها إذا
ما تجاوزت أي ورقة فيها حدود هذا الوطن ولست أظنها تبقى في دائرة
"الإصلاح" حينما تكون هدفاً لكل طواحين الفضاء وأوراقه ومحطاته. لست
معها إذا لم تصدر إلا عشية حرب أمريكية نحن أحوج فيها ما نكون إلى
وحدة الصف الداخلي.
الوطن، 9/2/2003
الإصلاح في السعودية.. حديث ذو شجون
عبد الرحمن اللاحم
الحديث عن (الإصلاحات) في السعودية حديث قديم وهم ظل يشغل
المخلصين من أبناء هذا البلد من الكتاب والمثقفين طوال العقود
الماضية، إلا أن
بعضهم ومع تقادم الزمن أنس بالسكوت والاحتساب بالسر والدعاء بظهر
الغيب، ووجد آخرون
في فضاء الإنترنت سلوتهم وآخرون طلقوا القضية برمتها، وأصبحت جهودهم
منصبة على
شرعنة الأوضاع السائدة وخلق التبريرات الفقهية لها. وعند استقراء
تاريخ المشاريع
الإصلاحية في السعودية نجد أنها اتسمت في أغلب صورها بالطابع
(الأيديولوجي) الضيق
الذي اختزل الإشكاليات الوطنية بمجرد مطالبات دينية وخدمية دون
الالتفات إلى إصلاحات أكثر واقعية.. لذا ظلت تلك المحاولات شيئاً من
التاريخ وتحولت إلى مجرد
نياشين يزين الكثير من الرفاق بها سيرته الذاتية بأنه وقع يوماً على
مذكرة هنا أو
هناك.
عاد الحديث عن (المطالبات الإصلاحية) إلى السطح بعد استقبال الأمير
عبد
الله مجموعة من المثقفين السعوديين الذي سلموه وثيقة مـبادرة لإصلاح
"البيت الوطني" شملت عدة محاور رئيسية سياسية واقتصادية واجتماعية
غطت معظم الإشكاليات الوطنية
برؤية عصرية رزينة، ولعل الأبرز في تلك الوثيقة ـ إضافة إلى تنوع
الخارطة الفكرية للموقعين عليها ـ أنها أكدت على الثوابت الدينية
والسياسية للدولة، واعتبارها سقفاً
لطموح الإصلاح السياسي بحيث لا يجوز المساس بها أو المساومة حولها
وهو الأمر الذي
أعطى لتلك الوثيقة زخماً وطنياً وأكد على واقعية الموقعين عليها.
كنا ننتظر مثل
تلك المبادرة في وقت مبكر وذلك في ظل تنامي الكثير من التحديات
والمخاطر الداخلية
والخارجية التي نواجهها، إلا أن ذلك التباطؤ في تناول مثل تلك
المشاريع الإصلاحية
يأتي في سياق تباطؤ نخبنا المثقفة عن ممارسة دورهم الحقيقي في دفع
عجلة التحديث السياسي وتخلصهم من عقدة (السقف الأعلى) التي ما زالت
تلازم كثيراً من الأقلام
الوطنية الفاعلة. إن مبادرة الإصلاح الجديدة تأتي في ظل تنامي الحراك
الديمقراطي في
المجموعة الخليجية التي تعد المملكة القطب الأكبر فيها، كما أن النظم
الخليجية نفسها
شهدت جملة من التطورات السياسية الهامة التي تصب في اتجاه تدعيم
قضايا المشاركة
السياسية وتجربة الانفتاح الديمقراطي.
ويعتبر نجاح
التجربة الديمقراطية بنسختها الخليجية رداً عملياً على المشككين في
مدى ملاءمة
استيراد التجربة ذاتها من الدول الخليجية المجاورة وذلك للتشابه وقل
إن شئت التوافق
بين دول مجلس التعاون الخليجي من حيث البنية السياسية والطبيعة
الاجتماعية وحضور "القبيلة".. هذا بالإضافة إلى الموروث الثقافي
المشترك والأوضاع
الاقتصادية المتقاربة.
إلا أن أية خطوات إصلاحية جادة لن يكتب لها النجاح ما لم
يكن لها دعم شعبي فاعل وهذا لن يتأتى إلا بعد تهيئة البنية الأساسية
للتنمية
السياسية من خلال إقامة مؤسسات المجتمع المدني وإقامة الجمعيات
والتنظيمات
والنقابات المهنية لأن مثل تلك المنظومات المدنية ستساهم بشكل كبير
في ترسيخ
الثقافة السياسية وإدارة الصراعات الفكرية بطرق سلمية وتعميق قيم
العمل السياسي "الشعبي"، إضافة إلى أن خلق مثل تلك المؤسسات المدنية
سيعمل على تحصين الدولة ضد
الممارسات الفردية غير المنظمة.
الوطن 4/2/2003
هل نضجت قدرات الوعي العام؟
ناصر الصرامي
قد يبدو
السؤال يحمل ملامح دفاع او معادة للديمقراطية بممارستها الشاملة، لكن
سأعيد صيغة
السؤال في هذا الحوار: في ظل تداعيات الإصلاح الراهنة، وفي ظل توجهات
مشجعة بارزة
ورسمية للسير في طريق التحديث والتطوير والمشاركة والتعددية، هل نحن
مؤهلون
لانتخابات تسمح لنا اختيار مجلس الشورى والمناطق مثلا؟ لدينا توجه
مهم وجديد
للانفتاح والمشاركة، بل مثل هذه التوجهات هي مطلب، لكن ما تفعله
الانترنت ورسائل الإصلاح وضغوطهما، هو من نوع يتجاوز (أحيانا وبحماس)
حدود الواقع والمنطق، إلى
ملامسات المشاعر والأحلام والأمنيات الجديدة! دعوات لتغييب الواقع
وتشريحه، وتلغي
البعد الاجتماعي والقبلي في مجتمعنا المحلي.
ما هي
ثقافتنا الديمقراطية، ما هو رصيدنا من هذه الثقافة المغيبة عن حياتنا
اليومية في
البيت والحارة والمسجد ومكان العمل وحتى في الأسواق؟ حيث لا يتوفر
لنا الحد
الأدنى من هذه الممارسة الحضارية، فالانتخابات هي مرحلة ممارسة
متقدمة في الوعي
الديمقراطي، ومحاولة القفز على هذه الحقائق والواقع، هو مركز خطر على
الوحدة
والأمن، وخلق مراكز قوى لا يمكن ان تكون حضارية في ظل غياب وعي
ديمقراطي او خبرة
في هذا المضمار ولو في الحدود الدنيا في حياتنا اليومية؟
فهل يعقل أن نطالب بانتخاب مجلس الشورى مثلا؟! الإجابة بنعم هي
مجازفة خطرة لتجاوز مراحل الوعي
والتجربة المفترضة، والإجابة بلا قطعية هي تهور وغلق لكل أبواب الأمل
والمستقبل
والتغير. الإجابة الأكثر واقعية وصدقاً تقع في مرحلة وسط (قد) تأخذ
سنوات من
العمل وفتح النوافذ لصقل خبرات وخلق وعي. في حالة مجلس الشورى،
وقبل الانتخاب سيبقى الأهم ومرحليا حاجة مجلس الشورى إلى صلاحيات
أوسع لمواصلة
أعماله كجهاز تشريعي واستشاري مؤثر في البلاد. [إضافة الى] إعلان
مشروعية قيام مؤسسات
المجتمع المدني كالنوادي والجمعيات والنقابات المهنية والثقافية
والاجتماعية
والاقتصادية، لتقوم بدورها في تشجيع ذوي الخبرة والرأي للإسهام في
تفعيل المشاركة
الشعبية في اتخاذ القرار.
الرياض 3/2/2003
هل نحن على وشك البدء بنهج إصلاحي
جديد؟
عبدالله ناصر الفوزان
المشهد الذي عرضته قناتنا الأولى
ضمن نشرة الأخبار ليلة الخميس قبل الماضي لمجموعة من المثقفين
السعوديين في مجلس
صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبدالله بن عبد العزيز وعلمنا
فيما بعد أنه كان
يناقش معهم مضامين رؤية إصلاحية كانوا قدموها لسموه.. هذا المشهد إذا
وضعناه في
إطار تلك المبادرة التي قدمتها المملكة إلى لجنة المتابعة العربية
لعرضها على القمة
العربية والتي تتضمن الأخذ بعدة خطوات لإصلاح
الوضع العربي من أهمها (الإصلاح الذاتي وتطوير المشاركة السياسية)
فإن ذلك يفصح عن
رغبة القيادة في المملكة في الأخذ بنهج إصلاحي جديد من أبرز ملامحه
تطوير المشاركة السياسية في المملكة.
وهذا الاستنتاج لا يقوم فقط على الربط بين تلك
المبادرة
واستقبال صاحب السمو ولي العهد لمجموعة المثقفين ومناقشة
رؤيتهم الإصلاحية بتلك الروح الطيبة، ولكن يقوم أيضاً على افتراض أن
القيادة
السعودية وهي تقدم مبادرتها الإصلاحية لا بد من أن تكون هي السباقة
للأخذ بها والعمل
بما جاء فيها.
ومن الواضح إذن استنتاجاً من كل ذلك أن القيادة في المملكة قد
عزمت على الأخذ بذلك النهج الإصلاحي الجديد.. وهذا أمر واضح في رأيي
أما غير الواضح فهو تفاصيل الكيفية
التي سيكون عليها النهج الإصلاحي المرتقب وبرامجه الزمنية.
ولكن إذا أخذنا في
الاعتبار أن المشاركة السياسية تعني ببساطة إتاحة الفرصة للمواطنين
بكل فئاتهم
للمشاركة في إدارة شؤونهم الداخلية والخارجية عن طريق ممثليهم، فإنه
يمكن القول إن
من أساسيات تطوير المشاركة السياسية تغيير أسلوب تشكيل المجالس
المختلفة وفلسفة
مقاصدها بحيث يصبح الرأي في تلك المجالس منبثقاً عن رغبات الناس
واحتياجاتهم
وآرائهم بشكل مباشر عن طريق ممثليهم وبالتالي فإن هذا يقتضي تغيير
أسلوب تشكيل تلك
المجالس من أسلوب التعيين إلى أسلوب الانتخاب.
فهل سيتم الأخذ بطريقة متدرجة تبدأ أولاً بإعادة أسلوب الانتخاب
ويتم الانتقال بعد ذلك إلى مجالس
للبلديات قد يتم تكوينها، ثم إلى مجالس المناطق وغيرها من المجالس
الأخرى بحيث
تنتهي تلك العملية المتدرجة بتطوير مجلس الشورى في دوره وطريقة
تشكيله بحيث يشكل
بالانتخاب ويصبح صاحب الصلاحية في الأمور التشريعية التي نسميها الآن
(تنظيمية). أم يتم تنفيذ تطوير المشاركة السياسية بطريقة عكسية بحيث
يُبدأ بالهدف
الكبير ليسهل بعد ذلك تحقيق بقية الخطوات في زمن قياسي، أم يوضع
برنامج زمني دقيق
وصارم يضمن تحقيق التطوير المقصود للمشاركة السياسية في زمن محدد،
ويضمن كذلك تحقيق
خطوات الإصلاح الأخرى في زمن يتم تحديد بدايته ونهايته؟
الوطن 3/2/2003
شروط الإصلاح متوافرة
حمد الباهلي
مثلّ اللقاء الذي تم بين سمو ولي العهد ومجموعة من المثقفين
والاكاديميين والكوادر العلمية نقلة نوعية على طريق رسم معالم
الاصلاح الذي اصبح ضرورة لتأهيل وتفعيل النهج الذي طالما نادى به سمو
ولي العهد لمواجهة التحديات الداخلية والاقليمية والعالمية. لقد كانت
وجهات النظر المتبادلة في اللقاء الذي تم في مكتب سموه بمثابة بلورة
لما ورد في دعوته الاخيرة لاصلاح الوضع العربي من خلال الاصلاح
الاقتصادي وتوسيع المشاركة السياسية.
كيف يتحقق الاصلاح؟ في عملية الاصلاح المجتمعي في اي بلد لا بد من
توافر عدد من العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية [او] العوامل
الداخلية وهي الاساس، والعوامل الخارجية، وبقدر ما تكون هذه العوامل
متقدمة ولا نقول ناضجة بقدر ما تتعزز فرص الاصلاح الداخلي.. وفي
عملية معقدة مثل عملية تطور المجتمع نحو الافضل يمكن لذوي العلاقة في
عملية الاصلاح النظر الى هذه العوامل من زوايا متعددة وفقا لمصالحهم
وقيمهم ومثلهم، وبالرغم من وضوح مصلحة اطراف العلاقة وهم الادارة
السياسية والناس والبلد في مشروع الاصلاح الا ان ضخامة المشروع
وتعقيده يمكن ان تدفع البعض باتجاه رؤية متكاملة منحازة قد ترتدي
منطقا شكليا يعرقل المشروع بينما يرى البعض في هذه الرؤية بالذات
سببا مقنعا لرسم تصور آخر يأخذ بمصلحة كافة الاطراف عبر تنازلات
متبادلة تفرضها ظروف المرحلة وتهديداتها للجميع.
ان المعطيات الواقعية لاوضاعنا الداخلية هي التي دفعت الامير عبدالله
لاصدار نداءاته المتكررة لضرورة الشفافية وما تقتضيه من اصلاح وهي
التي دفعت العديد ممن يهتمون بالشأن العام لتفعيل مبادرته والاستجابة
لدعوته الكريمة والواعية لتدارس الوضع. ان عوامل المباشرة في مشروع
الاصلاح والانخراط في العصر قد لا تكون واضحة كل الوضوح لكن ضرورتها
معترف بها من الجميع. لقد استشعرت القيادة السياسية بحسها الوطني هذه
الضرورة وعبر عدد من افراد الشعب من مختلف الاطياف عن استعدادهم
للانخراط في المشروع الذي يأتي ضمن ظروف خارجية مواتية. اليوم يمكن
القول ان ثالوث البناء : عقلية القيادة السياسية ممثلة في الامير
عبدالله، ورموز قوى المجتمع الحية، والطرف الدولي قد قطعوا العهد على
العمل سويا عبر تطوير الثوابت وليس الانقلاب عليها وذلك عبر معيار
المصلحة العامة.
اليوم، 6/2/2003
مستقبل
الإصلاح في ضوء المبادرة
د. عبدالله بن موسى الطاير
استقبال الأمير عبد الله لمجموعة من المثقفين السعوديين الذين قدموا
أفكارهم للإصلاح المستقبلي هو
خطوة تصب في اتجاه تفعيل مبادرته العربية، والذين حملوا الأفكار من
خلال "الرؤية"
هم
مواطنون.. والاستماع
لهم ومحاورتهم لا شك أنه قرار سياسي حكيم، فالمواطن الذي يشعر بأن
لديه شيئا يقوله
لخير وطنه ثم لا يجد أذنا مخلصة تسمعه يصاب بالإحباط ويجد من أعداء
هذه البلاد ألف أذن تسمعه، ليس بهدف الإصلاح وإنما بهدف زعزعة أمن
البلاد وإثارة القلاقل والمشكلات
وإشاعة جو من عدم الاستقرار. والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا إذا ما نظرنا
في أحوال
من يسمون أنفسهم بالمعارضين في الخارج، والذين بدأ بعضهم بأفكار
بسيطة لم تحظ
باهتمام كاف فما كان منهم إلا أن ارتموا في حضن من يرد ببلادنا سوءا.
إنني أحيي
خطوة الأمير عبد الله التي فتح من خلالها قلبه وعقله لسماع فئة من
مواطنيه لديهم
أفكاراً محددة قد تكون جميعها مقبولة، وقد يكون للبعض عليها ملحوظات
مشروعة، ولكن
بمواصلة الحوار ومداومة التواصل تتطور الأفكار وتصبح قابلة للتطبيق.
فالسعودية وطن
لكل أبنائه مهما اختلفت طبقاتهم ومسؤولياتهم ومناطقهم وأصولهم
ومذاهبهم. علينا أن
نجعل هذه حقيقة لا تناقش، ثم بعد ذلك نطرح آمالنا وتطلعاتنا ورؤيتنا
المستقبلية
لبلادنا.
المدينة، 6/2/2003
ثقافة الإصلاح
..
في زمن الأزمات
وائل مرزا
إن ثقافة الإصلاح تتشكّلُ وتنمو من أحد مدخلين، مدخل المبادئ
والمُثُل، ومدخل الحسابات المادية البحتة. إن
وجود المدخلين كليهما مطلوبٌ لإطلاق تلك الثقافة ورعاية تطوّرها. إن
مداخل الشعور
بأهمية وجود تلك الثقافة وبضرورة تجذيرها في وعي المجتمع، يمكن أن
تتنوّعَ بتنوُّعِ
هذه الشرائح، ولكن جميع المداخل يجب أن تؤدي في النهاية إلى رُواقٍ
واحدٍ مشترَك،
هو رواق ثقافة الإصلاح.
إذا عدنا إلى مدخل الحسابات، فإننا نجد أن توافر حدٍ أدنى منها عند
أصحابها، يمكن أن يكون بذاته ضماناً آخر للشعور بأهمية نشر وتبنّي
ثقافة الإصلاح،
بشرط أن تكون تلك الحسابات دقيقةً أيضاً في حدِّها الأدنى. بمعنى أن
يكون فيها شيءٌ من بُعد النظر والرؤية الاستراتيجية، وأن تتوافر فيها
القدرة على الموازنة بين المصالح العاجلة والآجلة، والقدرة على
التمييز بين الممكن وغير الممكن، والقدرة على
إدراك حجم وطبيعة التغيير الذي نعيشهُ ويعيشهُ العالم من حولنا، وهو
تغييرٌ يُمثّلُ
الإطار العام الذي تتفاعل في داخله جميع تلك العناصر.
تشيع ثقافة الإصلاح من هذا المدخل أو ذاك، ويُصبح ممكناً معها ومن
خلالها التأكيدُ على ضبط
كثيرٍ من الأنانيات الخاصة ومن الجموح الشخصي، وعلى النظر إلى
المصلحة الفردية من
خلال المصلحة العامة، وعلى نقد الذات قبل نقد الآخر، وعلى بناء حدٍ
أدنى من الثقة
بين مختلف الشرائح، وعلى رفع مستوى الشعور بالمسؤولية العامة، وعلى
إدراك حقيقة
المصير المُشترك، وغير هذا من عناصر تلك الثقافة. وإذا كان طبيعياً
أن هذه
العملية يجب أن تُصاحب أيّة محاولة إصلاحٍ جدّية، بل وتكون الخطوة
الأولى فيها، فإن
من نافلة القول إنّ تحقيق هذه العناصر لا يتمُّ من خلال رفع الشعارات
أو من خلال
مجرد الكلام فيها وحولها، وإنما الأمر بحاجة إلى مواقف وسياسات
وقرارات ومبادرات، من الطبيعي أن تستصحب التدريج والتوازن في
الأولويات، ولكنها يجب أن تكون في
النهاية عمليةً محسوسةً على أرض الواقع .. والأهم من ذلك أن تكون
صادرةً عن جميع
الأطراف، وملموسةَ الأثر من قبلهم جميعاً. لأن إلقاء تَبِعةِ تشكيل
وتجذير ثقافة الإصلاح على طرفٍ دون آخر يعني دقَّ المسمار الأول في
نعشها منذ لحظة الولادة.
الوطن، 14/2/2003
"نعم" للاصلاحات و"لا" للتغيير
رأي عكاظ
هل نحن في هذه البلاد ضد (الاصلاح)؟! أو على الاصح.. هل هناك من لا
رغبة له في تحقيق المزيد من الاصلاحات .. ولاسيما في القيادة أو من
أهل الحل والعقد في المملكة العربية السعودية؟!
نسأل ونحن نلاحظ ان الحديث قد كثر هذه الأيام.. عن ضرورة ادخال
اصلاحات جذرية في النظام العام ببعض دول المنطقة وفي المملكة بصورة
اكثر تحديداً.. وكما تعودنا في ظل العديد من الاحداث والتطورات التي
تشهدها المنطقة فإن وتيرة هذا الخطاب الاعلامي تتصاعد بصورة تدعو
للتعجب والاستغراب.. وكأن الاصلاح الذي يتحدثون عنه غير ممكن التحقيق
الا تحت وطأة الضغوط والابتزاز بكل صوره والوانه.
ومنذ البداية، فإنه لابد وان نؤكد على الحقائق التالية:
ثانيا: ان الاصلاح الذي ندرك اهميته وضرورة تحقيقه يعالج الأخطاء
وأوجه القصور والنقص بشجاعة كافية ولن يتوقف عند حد مادام ان في ذلك
مصلحة عليا للوطن ومكسبا جديدا لكل مواطن، وعلينا ان نتحمل جميعا
مسؤولية تحقيق هذه الاصلاحات وترجمتها الى فعل يومي يتعاون عليه
الجميع ويحاسب على عدم تطبيقه كل من يحاول الحدّ منه او عرقلته بكل
شدة أو حتى استغلاله.
ثالثا: ان مجالات الاصلاح التي يجري الحديث عنها ان على مستوى
السلطة التشريعية أو القضائية أو التنفيذية إنما تأخذ في حسابها كل
معطيات الخير لهذا البلد من توسيع لقاعدة المشاركة .. وحرية الكلمة
وتحقيق المزيد من العدالة ومحاسبة من يقصرون أو يستغلون أو يبتزون
الوطن وأهله.. وبالتالي فإن المستقبل القريب سيشهد كل ذلك بعد أن
قطعت الدولة أشواطا بعيدة استغرقت بضع سنوات من الدراسة المتعمقة
وتشكلت لديها رؤية اوضح سيكون لها مردودها الايجابي على المديين
القريب والبعيد.
رابعاً: ان الحديث المتكرر عن الثوابت، والتصميم على عدم التفريط
فيها يؤكد حرص هذه البلاد على ان لا ترتهن اصلاحاتنا لما يثار ويقال
وإنما لما تفرضه مراجعتنا الشاملة وفصلنا بين اصول لا يمكن المساس
بها وبين فروع واجتهادات سيطالها الاصلاح بكل تأكيد.
نحن نفهم الاصلاح على انه بناء. والفارق كبير بين مفهوم الاصلاح وبين
دعوى التغيير الذي يرقى الى مستوى الهدم والنسف لكل قواعد واسس
المجتمعات ورواسيها.. وهو ما يتحدثون عنه.. ويريدونه. ونحن في هذه
البلاد وان كنا مع كل اصلاح.. الا أننا لم ولن نكون مع اي شكل من
اشكال التدمير لبلادنا ومستقبلنا وركائز وجودنا.
عكاظ، 13/2/2003
بعد وثيقة الإصلاحيين.. هل ثمة
خطاب إسلامي جديد محليا؟
غازي المغلوث
مطالب الإصلاحيين التي اطلع عليها سمو ولي العهد، خرقت سقف مطالب
الخطاب الإسلامي بجميع فصائله وأطيافه، وتجاوزت الطرح الصحوي بمراحل،
فلأول مرة
يتحدث خطاب إسلامي محليا، عن تنظيمات للدولة المعاصرة، من خلال
ترتيبها والفصل
بينها حتى لا يحصل التداخل، ورفع سقف الحريات، وجدولة المشكلات التي
تواجهها الدولة
من البطالة والدين العام، والتعليم، ومحاربة الفساد، والعدالة
الاجتماعية.. وما إلى
ذلك، وعمل برنامج وطني لحلها، وتعزيز المشاركة السياسية، والجميل في
الأمر أنها
تساوقت مع المبادرة السعودية لمؤتمر قمة الدول العربية القادم، والتي
تضمنت بعض
مطالب الإصلاحيين. اللافت في النظر في مطالب الإصلاحيين أنها جاءت من
فصيل، وأسماء
معروفة بتوجهها الإسلامي منذ سنوات طويلة، ولا يعسر علينا أن نتفهم
طبيعة التطور
الفكري الذي طرأ على الخطاب الإسلامي محليا من خلال هذه الوثيقة، حيث
انعتق من ربقة
المطالبات الدينية السابقة والاقتصار عليها، وأكد على الاهتمام
بالشأن العام، وليس
من شك أنها نقلة كبيرة في انفتاح الخطاب الإسلامي المحلي على الآخر،
والاستفادة من
الآليات والأدوات والتنظيمات المتعلقة بالدولة المعاصرة، فهل هذا
الطرح يعد إيذانا بتشكل خطاب إسلامي جديد على الساحة المحلية؟
الراصد للحراك الفكري محليا منذ منتصف التسعينات يجد أن الكتابات
الإسلامية الفكرية المحلية خصوصا بعدما تراجع الخطاب
الصحوي، بدأت تضرب على وتر التجديد والإصلاح، وإعادة قراءة الإسلام
قراءة منفتحة
متصالحة مع الآخر والعصر والعالم، والنظر إلى التراث والتاريخ
والواقع بعيون نقدية
ليست استلابية. ويكاد يتبدى للراصد لهذه الظاهرة، أنها كل
يوم تزداد وتكبر وينظر لها كثير من المثقفين وطلبة العلم، وتأكدت بعد
أحداث الحادي
عشر من سبتمبر، حتى وجدنا كثيرا من تصريحات العلماء تتلاقى مع هذا
التوجه، والجميع
يتحدث عن تدشين خطاب إسلامي متعقل معتدل منفتح وسطي، ينطلق من كونه
جزءا من العالم،
متصالحاً معه، ليس خصما أو عدوا له، ولا يصعب علينا الحكم على أن هذا
الخطاب
الإسلامي هو حصان طروادة بالنسبة للمستقبل، والرهان عليه، أما بقية
الرؤى والتوجهات
فسيكون لها حضور على الهامش، وستغدو نوعا من الهجرة إلى المستحيل.
أما التيار
الليبرالي في هذه الوثيقة فقد خطا خطوة مهمة في تحقيق قواسم مشتركة
على الثوابت،
بتأكيده على كون الشريعة الإسلامية هي الحاكمة، والمرجعية العليا،
ومن ثم اقترب
أكثر فأكثر إلى المجتمع، وابتعد عن النخبوية والصفوية التي تتسم بها
التيارات
الليبرالية في العالم العربي، ومارس الديمقراطية على نحو واسع. ولا
نبالغ إذا
قلنا إن وثيقة الإصلاحيين السعودية، هي برنامج عمل وطني، قلما يحدث
في عالمنا
العربي والإسلامي، فالملاحظ أن القواسم المشتركة (المطالبية) بين
الموقعين من
الفرقاء على خارطة الثقافة السعودية عالية جدا، وهذا قلما يحصل من
ألوان الطيف
الفكري والسياسي في المجتمعات العربية والإسلامية، والمتفقات عليها
في وثيقة
الإصلاحيين أيضا سقفها عال جدا. ولا مراء أن القيادة
السياسية قد تفهمت ذلك كله، وتعاملت معه بشفافية عالية، لكن تبقى
قضية الآليات حتى
الآن غير واضحة، والفترة الزمنية التي تستلزمها عملية التغيير
والإصلاح مبهمة،
وأيضا نقطة البدء في المطالب مجهولة، وهل ستكون تدريجية أم إسقاطية،
هل تسبقها حملة
إعلامية وتثقيفية، أم ستطرح بطريقة إجرائية، هذه التساؤلات تساور كل
المثقفين
والنخب الفكرية، حتى رجل الشارع البسيط.
الوطن، 15/2/2003
قليل من التعقل
خليل الفزيع
من المؤسف ان يقدم مواطن على تشويه سمعة وطنه. ومن المؤسف جدا ان
ينتهز مواطن الظروف الحرجة ليلبس ثوبا على غير قياسه متباهيا بعد ان
طبع على ثوبه ذاك شعارات فضفاضة مدعيا الغيرة على الوطن وهو الذي
يسىء له اكثر من غيره، أو كأن بقية المواطنين لا يستحقون هذا الشرف
الذي يدعيه، وهو شرف المواطنة، ومن المؤسف جدا جدا ان ينجرف ذلك
المواطن وراء إغراءات الفضائيات المعروفة بمواقفها السلبية تجاه
وطنه، ليدعي انه رائد الاصلاح، وقائد كتيبة (المصلحين) وكأن الاصلاح
لا يتم إلا بالتشهير، وتشويه سمعة الوطن بدعوى المطالبة بحقوق
الانسان التي تنتهك على رؤوس الاشهاد على أيدي من يزعمون محاربة
الارهاب ثم يمارسونه بأبشع الصور وأكثر الوسائل فتكا وتدميرا.
لا أحد يدفن رأسه في الرمال، ولا أحد يتجاهل الأخطاء إن وجدت، ولا
أحد ينكر المطالبة بالاصلاح وهو هدف تضعه الدولة في قائمة أولوياتها،
مع أن الاصلاح لن يتحقق ما لم يساهم المواطن في صنعه وترجمته الى
واقع من خلال منظومة السلوكيات الاخلاقية والاجتماعية والاقتصادية،
ووفق مراحل تستجيب تلقائيا لمعطيات الواقع دون الانغماس في احلام
اليقظة التي لا تورث إلا ندما تصحبه الحسرة.
ما تشهده المنطقة من نذر الكوارث يحتم الالتفاف حول القيادة، والدفاع
عن المكتسبات الوطنية، وترجمة الانتماء الوطني الى سلوك لا يقبل
المزايدة على سمعة الوطن، ولا يقبل تضخيم الأخطاء، ولا يقبل السباق
المحموم للظهور في الفضائيات. وما أحرى بمدعي الاصلاح أن يبدأ باصلاح
نفسه أولا، وتحصين نفسه من امراض (الأنا) وادران التشهير، وامتهان
كرامة الوطن عبر الفضائيات ومواقع الانترنت، فهل المطالبة بالاصلاح
تقتضي التشهير بالوطن، وهل الاصلاح لا يتم إلا بجوقة المطبلين
والمهرولين وراء اغراءات الشهرة على حساب الوطن.
اليوم، 15/2/2003
مؤشرات إصلاح جديدة في السعودية
تركي الحمد
مؤشرات كثيرة توحي بأن السعودية مقبلة على قفزة نوعية كبيرة في إعادة
تشكيل مؤسساتها السياسية الداخلية، وبناء مؤسسات جديدة كانت تبدو
صعبة التصور في عهود سابقة. لقد تغير الزمان، ومن شاء ان يحترمه
الزمان، فعليه احترام الزمان: قاعدة ذهبية ينساها الكثيرون. ليس مهما
ما هو الدافع الى هذه القفزة المنتظرة، او لماذا يمكن ان يحدث هذا في
السعودية اليوم ولم يكن ممكنا بالأمس، او هل ان الدافع خارجي بحت او
داخلي بحت او مزيج من الاثنين، بقدر ما ان المهم هو ان هنالك اليوم
حراكا في الداخل السياسي السعودي، يستجيب لحراك اجتماعي تم تجاهله
كثيراً في ايام سابقة. ولكن ان تصل متأخرا خير من ان لا تصل على
الاطلاق، وهذا هو المهم. من هذه المؤشرات المتحدث عنها هذه الشفافية
والانفتاح في طرح كثير من المسؤولين الكبار في الدولة، حيث يتحدثون
اليوم عن امور كانت من المحظورات او الاسرار فيما مضى، ومنها
الاعتراف بأن هنالك اخطاء مورست، وهل هناك من لا يخطىء؟ ومنها ان
هنالك اموراً كان يجب ان تتم في وقت معين، ولكنها لم تتم. ومن هذه
المؤشرات ايضاً، فتح الحدود السعودية بشكل يكاد يكون كاملاً امام تلك
المنظمات والهيئات التي كانت السعودية تشكل لها لغزاً عصياً على
الفهم، مثل منظمات حقوق الانسان وغيرها. ولكن اهم مؤشرين في هذا
المجال، هما وثيقة «الرؤية لحاضر الوطن ومستقبله»، التي قدمت لولي
العهد السعودي، والفتوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء في عدم جواز
تكفير الاخر المسلم المخالف لمجرد أنه مخالف، او استخدام العنف ضد
الآخر غير المسلم. ففي قراءة هذين المؤشرين، يمكن الخروج بخلاصة
مؤداها ان السعودية مقبلة على نوع من ثورة بيضاء، إن صح الوصف، في
مجال مأسسة الدولة والمجتمع من ناحية، واطلاق الحريات العامة من
ناحية ثانية، في حركة يمكن وصفها بإعادة تأسيس جديدة، بدون ان تكون
هنالك مبالغة في مثل هذا الوصف.
فالحفاوة التي استقبل بها الامير عبد الله بعضا ممن وقع وثيقة
الاصلاح الاخيرة، والشفافية التي احاطت باللقاء، تدل على ان أمر
الاصلاح، لم يكن غائباً تماماً عن ذهن صانع القرار السعودي، وخاصة في
ظروف ما بعد سبتمبر. فمما قاله الامير لمن التقى بهم هو ان ما ذكروه
ووقعوا عليه في الوثيقة انما يعبر عن قناعته الشخصية وبالتالي هو
متفق مع الموقعين في ان ما ورد في الوثيقة هو الحد الأدنى المطلوب من
اصلاحات هي ضرورية لاستمرار واستكمال كيان الدولة الحديثة في
السعودية، قبل ان يكون مطلباً لهذه الفئة او تلك من المواطنين. يحاول
البعض، في بعض وسائل الاعلام، التقليل من شأن الوثيقة وما ورد فيها،
ومن شأن النية السعودية في الاصلاح، إما بالقول انها نتيجة ضغوط
خارجية، او حتى تدبير خارجي بشكل او بآخر، أو انها في النهاية ستقبع
في احد ادراج مكتب الأمير، ولن يكون لها من الفاعلية والتنفيذ اي
نصيب. كما ان البعض يرى ان ما فعله الامير من دعوة عاجلة لموقعي
الوثيقة لمقابلته، انما هو نوع من «مكر سياسي»، الغرض منه استيعاب
هؤلاء الداعين الى الاصلاح وتخديرهم بمعسول الكلام، والا فإن الأمر
سيبقى كما كان من قبل ومن بعد. افتراضات وتأملات، وحتى تشكيكات، ليس
من الضروري ان تكون مدعومة بالحقائق والوقائع. فالأمير عبد الله،
والقيادة السعودية عموماً، ليسوا مضطرين الى المداهنة او المراوغة في
مثل هذه الامور، وكان بالامكان التعامل مع الوثيقة وموقعيها بصورة
اخرى، اقلها تجاهل المطالب، ولكن ذلك لم يحدث. هل ان الظروف غير
الظروف، وبالتالي لا يمكن اليوم ممارسة ذات السياسة التي كانت ممارسة
بالأمس؟ ربما. هل ان المجتمع وصل الى درجة احتقان معينة بحيث انه لم
يعد من الحكمة تجاهل حراكه، وخاصة في مثل هذه الظروف الدولية
المحيطة؟ ربما ايضا.
ولكن ما ليس «ربما» هو ان هنالك قناعة بضرورة التغيير، ان لم يكن من
اجل المواطن والمجتمع، فعلى الاقل من اجل استمرار كيان الدولة ذاته
وتجديد حيويته، وعبد الله بن عبد العزيز رجل دولة في المقام الأول
والاخير، بعيداً عن قراءة النوايا وخفايا الصدور. والمهم في هذه
الوثيقة، بما يفرقها عن مذكرة النصيحة التي قدمت خلال ازمة الغزو
العراقي للكويت، هو ان «المذكرة» كانت تشكل تكريساً لتلك التقليدية،
من خلال اتهام الدولة بكونها ذات اتجاه حداثي وتحديثي اكثر من
اللازم، فيما ان «الوثيقة» على النقيض من ذلك، اذ تؤكد ان الحداثة
والتحديث، وخاصة في المجال السياسي والحقوقي، هو أقل من اللازم، وهنا
تلتقي مصلحة الدولة في مثل الظروف المعيشة مع بنود تلك الوثيقة، ومن
هنا تنبع اهميتها.
الشرق الأوسط
الخطوة الأهم في بلورة خطاب وطني إصلاحي داخلي
عبدالله القفاري
ما كان همساً يدار في الجلسات الخاصة عن بلورة مشروع حوار وطني
داخلي، أصبح اليوم أمراً معلناً.. ولذا لم يكن نشر "الرياض" لخبر
اجتماع سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز السبت الماضي سوى
تجسيد لإنبعاث فكرة الحوار والقبول بها على المستوى الداخلي والتي
كثيراً ما بشر بها سمو ولي العهد واعتبرها جزءاً من نسق إدارة الحكم
لا بد من تطويرها واستحداث التصورات الممكنة لمواجهة استحقاقات
الحاضر التي لا بد من مواجهتها، خاصة وسط هذه التداعيات الدولية
والإقليمية التي أصبحت تلقي بظلال كئيبة على مستقبل المنطقة.. وقد لا
تتورع عن استغلال أي ثغرات في نسيج الوطن لبلورة مخططات الإخضاع
والهيمنة.. ووسط أيضاً مشكلات وأزمات تنموية داخلية ليس من اليسير،
السير قدماً في تفكيك مفاصلها دون الاستنارة برأي ومشاركة وطنية تلقى
اجماعاً وتتطلب انسجاماً بين جهود القيادة للإصلاح والتطوير وبين
وتطلعات الشعب لمزيد من المطالب العادلة والمشروعة.
التحديات التي تواجهنا اليوم ليست سهلة وليست يسيرة والمشكلات التي
تعترض طريق التنمية ليست أموراً يمكن البت فيها وتجاوزها بقرار
فوقي.. إنها أيضاً تحتاج مشاركة من نوع آخر تعطي المشروعية كاملة
للمواطن لتحمل المسؤولية كما تعطي القيادة الحق في مشروعية الحركة
وهي تملك التفويض الكبير الذي يتطلب أحياناً التضحية ومن هذا المواطن
بالذات.
لكن هل ثمة من وسيلة لتطوير خطاب إصلاحي داخلي دون حرص من القيادة
على تبنيه ومناقشة الشعب في مضامينه وأبعاده.. وبالمقابل هل ثمة
تطوير حقيقي دون إشراك الفعاليات الوطنية في مضامين التوجه نحو هذا
التغيير. الشاهد أن لقاء سمو ولي العهد بالمثقفين السعوديين الذين
طرحوا ربما لأول مرة مطالب محددة قابلة للحوار والنقاش.. هو النقطة
الأكثر من مهمة في خطاب الإصلاح الوطني الذي من المؤكد سينعكس نماء
وخيراً على الوطن.
إن مطالب الإصلاح والحوار حول أفضل السبل لبلوغها ليس مهمة مستحيلة
ولسيت شاقة وها هي التحولات تثبت أنها باتت أقرب إلى التحقق من أي
وقت مضى.. المهم أن نكون واقعيين وبراجماتيين في طرح تصوراتنا لعملية
الإصلاح و التطوير، فلا القفز على حقائق المجتمع وثقافته وعلاقاته من
الحكمة في شيء، ولا الانفعال لرفض الواقع وهجائه والهجوم الدائم على
كل منجز والتقليل من شأنه هو مدخل رشيد لتفكيك ثقافة الريبة والشك
بالمثقف المندفع للتغيير دون أن يدرك الحساسيات الثقافية والعلاقات
المقعدة بين الفعاليات الاجتماعية وخلفياتها الثقافية.. إن وطناً -
قارة - كالسعودية يتطلب أي تطوير نحو مزيد من المشاركة الشعبية
والحفاظ على الاستقرار والوحدة الوطنية وتعظيم العائد من تكريس هذه
المفاهيم التي يجب تطويرها باتجاه تحصيل مزيد من حقوق المواطنة
لتأسيس واجباتها على نحو يدفع للبذل والإخلاص.
بدون تلك المعادلة الضابطة لحقوق المواطنة وواجباتها ستظل المواطنة
حبراً على ورق، في وقت يتطلب منا بذل كل جهد لمواجهة استحقاقات مرحلة
مختلفة كلياً عن مراحل سبقتها كانت الدولة الراعية تتولى كل شيء حتى
حق التفكير نيابة عن المواطن الذي بلغ سن الرشد وسط تحديات مستقبل لن
يرحم المتخاذلين أو المرجئين أو الانتهازيين. لن يكون من الحكمة أن
نؤجل مشروعات إدخال هذا الإنسان إلى صلب المشاركة الشعبية في إدارة
وتطوير إمكانات بلاده بحجة أنه لم يبلغ بعد سن الرشد.. إن أولئك
الذين يتخوفون من تجربة التطوير وبالذات المرتبطة بمشروع الاقتراع
الشعبي - بكافة أشكاله أو صياغاته - بحجة أن الولاء سينصرف للفئة
والجهة والقبيلة ويدخلنا في حيز المناطقية، أولئك يتحررون من إمكانية
الضبط الدستوري والقانوني لمشروعية الاقتراع.. بالإضافة إلى أنهم
يسهمون في تأجيل سنة أولى اقتراع إلى أجل غير مسمى.. وتلك السنة
التمهيدية لاكتشاف مقدرتنا على مباشرة الإصلاح والتطوير خطوة لا بد
منها وكل تأجيل هو يحتمل تأجيلاً في مشروع التطوير ذاته كما أنه
يدخلنا في خانة مناوئي الإصلاح - على مستوى العالم الذي بات ينقد
بشدة كل نظام مغلق أو معزول ويتخذ من ذلك ذريعة لإضعاف الجبهة
الداخلية والتدخل الفج في شؤونها - ومصادري الحق الطبيعي الذي يجد
صداه في العالم الأجمع كوسيلة وآلية تمكن من حشد وتفعيل قوى المجتمع
خلف نظام يحترمه ويدين له بالولاء.. هم يقاومون رغبة شعبية في تأسيس
مختلف يناسب المرحلة وينسجم معها، ناهيك أن الحرج الثقافي/ الديني في
مسألة الاقتراع كوسيلة ديمقراطية يجب أن يتم التعامل معه بروح النظام
المؤسس لآلية تفعيل وتطوير الأداء الحكومي والرقابة الشعبية وليس من
باب التشريع الذي هو أمر محسوم كثابت وطني لا يقبل المراجعة أو
النقاش مثله مثل الوحدة الوطنية أو الولاء للقيادة السعودية.
بدون أمن واستقرار وهدوء المجتمع سيكون من المحال تحقيق الحد الأدنى
من تصورات التطوير أو الإصلاح.. لكن يجب ادراك أنه ليست كل خطوات
التطوير باتجاه توسيع هامش حرية التعبير وتطوير مؤسسات المجتمع
المدني وتفعيل وسائل الرقابة والمشاركة الشعبية هي معاول ضد
الاستقرار.. إن المسألة برمتها تعتمد على الطريقة التي يتم فيها
تأسيس علاقات المشاركة وتطوير بنيتها التحتية.. وهي مسألة يجب أن
تعتمد التدرج من جهة والالتزام القانوني والتنظيمي الصارم من جهة
أخرى.. الحريات المنضبطة بالنظام هي بديل الفوضى المرتقبة لحرية لا
تخضع لنظام.. والتمثيل الشعبي بالاقتراع الجزئي في مؤسسات الرقابة
والتنظيم.. هي البديل الأكثر رقياً واقناعاً لمستوى المشاركة
الشعبية. وهي تأسيس حقيقي لمعنى الاختلاف وتباين الرؤى وهو مصدر قوة
واثراء إذا تم استيعابه ضمن مؤسسات النظام.. وهو الذي يعول عليه
لادماج المجتمع تدريجياً في ثقافة استيعاب المختلف لا اقصاءه ونبذه
وتيئيسه.
الرياض 3/2/2003
|