الحرب بعيون سعودية
حاول عدد من مثقفي المملكة وكتابها الخروج من أزمة الحرب على العراق
بنتائج تفيد الداخل السعودي من جهة إصلاحه واستنهاض عناصره. بعضهم
ركّز على محنة الثقافة السياسية والدينية ودورها في ترويض المواطن
العربي وتضليله. وبعضهم كتب عن دور المواطن الذي لا يستطيع أن يدافع
عن نفسه والمسحوق في داخله بحيث لم يعد قادراً على الدفاع عن حريم
وطنه، بل ربما كان راغباً في التدخل الأجنبي بدون كرامة لكي يخرج فقط
بقوت يومه. قسم آخر ركّز على أهمية الإصلاح السياسي الداخلي في
المملكة تهيؤاً للمستقبل، فبدونه لن يكون هناك سوى الطوفان، إذ أن
الإنتهازية الأميركي ستجد في غياب الوحدة الوطنية والإصلاحات ثغرات
تمرّ من خلالها لفرض إرادتها.
من جهة أخرى كان لبعض الكتاب مقاربة مختلفة، وهي أن المواطن العربي ـ
وبينه مواطن المملكة ـ أضحى بين نارين: نار الإستعمار، ونار
الديكتاتورية الداخلية، فيما أثار أحدهم مسألة مهمة وهي ارتباط
الشعور الوطني بالحرب، إذ أن بعض السلفيين خرجوا علينا ببيان ركّزوا
فيه على الشعور الديني وطعنوا في الشعور الوطني، ربما لتحفيز الداخل
السعودي لنصرة العراق، ولكن الكاتب انتقدهم من جهة أن الشعور الوطني
لا يمكن أن يتصادم مع الشعور الديني. هناك من انتقد النخب العربية
التي كانت أداة للإستبداد في تغييب المواطن عن الوعي، وطالب
بالمصارحة والنقد الذاتي الآن، وانتقد بصراحة دعوات بعض المسؤولين
السعوديين وشعاراتهم التي يرفعونها بشأن الوضع "السعودي الخاص"
واعتبار المعارض المختلف مجرد "حاقد".
أخيراً.. حين ينعدم الإصلاح في الداخل، يأتي الحل من الخارج، وحين
تؤجل الإصلاحات تأتي نُذر الشرّ، وبقايا البشر لا يحمون وطناً ولا
يدافعون عن كرامة داستها النظم السياسية، وأخيراً ما بعد الحرب قد
يكون للمواطن العربي أفضل. مقاربات مختلفة جديرة بالقراءة.
طاغية محلي أم محتل أجنبي
سليمان العقيلي
ليس أسوأ من الخيار بين الديكتاتورية أو الاحتلال الأجنبي. هذا قدر
الشعب العراقي اليوم وهو خيار بائس ومخيف. لأنه يضع أمامه خيارين
مرّين كل منهما أسوأ من الثاني. فعندما تتابع الآلام التي يتحدث عنها
اللاجئون العراقيون في المنافي عبر شاشات الفضائيات، وهم يعتبون على
الأمة أن وضعتهم في هكذا خيار، ويطرحون عليها السؤال الصعب عن الحل..
لا تجد بدّاً من أن تكون إنسانا رقيقا يقدم الاعتبارات الإنسانية
ويتعاطف مع مأساة الإنسان العراقي. لكنك ما أن تتابع توعدات واشنطن
وغطرستها، وما يصدر عنها من مخططات شريرة للإمساك بثروات الأمة
والهيمنة عليها وتنصيب حكامها، ومصادرة حقها في الاستقلال والكرامة،
فلا يمكنك إلا أن تكون سياسياً، وأن تتلبسك الروح النضالية ضد
الأجنبي الطامع ومآربه العدوانية. الواقع أن الأنظمة العربية الرسمية
هي التي وضعتنا في هكذا مأزق، ليس لجهة عدم تماسكه أو قدرته السياسية
على مواجهة التحديات أو في طريقة أدائه على النطاق القومي فحسب.. بل
لتخلف أدائه على المستوى الوطني وهو ما جعل المواطن العربي أمام خيار
في غاية المرارة، بين أن يتنازل عن حقوقه الإنسانية والسياسية ويرضخ
لحكم الفرد والدكتاتورية فيكون ضد نفسه وضميره وحياته الحرة الكريمة.
أو أن يتطلع إلى الأجنبي المنقذ، فيتخلى عن أية روح سياسية وطنية
مقابل عيش كريم.
الوطن 20/3
***
الوطنية والحرب
علي الموسى
يؤسفني جداً أن أنقل لكم فقرة من بيان مجموعة سعودية طلبت فيه من
المواطنين "البعد
في هذه الظروف عن المذهبية والوطنية" إلخ. وقد أتفهم كل شيء إلا أن
تطلب
نخبة مثقفة مثل هذا الطلب الغريب ثم تذيل ذات
البيان بفقرة أخرى تشير إلى ضرورة
تماسك الصف الداخلي وتؤكد في فقرة ثالثة أن الهدف
الخفي لهذه الحرب ليس إلا هذا
الوطن. كيف يتماسك الصف الداخلي وما هي
الآلية التي يبتكرها هؤلاء لدحر العدوان المفترض على هذا البلد إذا
كانوا يدعون
صراحة دون لبس إلى "البعد عن الوطنية"؟ لماذا
نختلف هنا على تعريف الوطنية ولماذا تظل الوطنية
ذاتها شبهة في أدبياتنا فقط دون كل الآخرين؟ من هو
المسؤول عن تصوير تعارض حب الأوطان مع الدين؟ الوطنية التي نحمل همها
ليست صورة أخرى لقطرية وبعثية صدام حسين ولا اشتراكية غيره. إنها
وطنية تقوم على ذات المنهج الإسلامي الذي اتخذه هذا الوطن
شعاراً له ولن نرضى بغير هذا التعريف تحت أي ضغط.
الوطن 20/3/2003
***
هذا وقت النقد الذاتي والمصارحة
سليمان الهتلان
من قادنا جميعاً إلى هذه الهزيمة؟ هل أصبحت الهزيمة جزءاً من
تركيبتنا.. من تكويننا.. تسري في عروقنا؟ قد لا تجد بداً من طأطأة
الرأس وأنت تسمع و تشاهد العالم كله يقيم الدنيا ولا يقعدها، يتفق
ويختلف، يتصالح ويتخاصم، يتحالف ويتآمر، حول العراق ونحن آخر من يعلم
و آخر من يتحرك وآخر من يقوى على عمل شيء.. أي شيء!
تباً لمن قادنا إلى هذه المهزلة. من السهل جداً أن نشير بأصابع
الاتهام إلى القيادات العربية في مجملها، وهي التي قادتنا من نكبة
إلى نكبة ومن هزيمة إلى هزيمة.. إن الحقيقة الأشد إيلاماً هي أن
قافلة من أدعياء الثقافة قد أسست لخطاب تبريري تهريجي لم يعترف
بالهزائم المتلاحقة التي قادتنا إليها الأنظمة العربية الجاهلة
والمتغطرسة والتي لا تحترم ولا تأبه لشعوبها.. وحولت الهزيمة من "أم
الهزائم" إلى "أم المعارك" وحرّضت قيادات بلدانها ضد أي صوت ناقد أو
جريء وصادق في نقده ورؤيته لأحوال الأمة. ساهمت [تلك الفئة] في نفي
كل من حذر من الكارثة واتهمته بالعمالة والخيانة والدعوة إلى الفتنة.
إلى متى تستمر هذه الحفنة في تضليلها وضلالها؟.
كلما حاولنا أن نمارس شيئاً من نقد الذات الضروري لأية مواجهة
عاقلة.. تواجهنا عصاً غليظة يرفعها في وجوهنا بعض "حراس الرأي" و
"حراس الفضيلة" تأتي حيناً بشكل سؤال بليد مثل هذا: "وهل هذا وقته؟"
أو في زعم أحمق: "نحن أصحاب خصوصية" و كأننا نوع آخر من البشر.. أو
في تهمة قبيحة مازال بيننا من لا يخجل من إطلاقها في وجه أصوات النقد
الواعدة: "هؤلاء حاقدون".
هؤلاء الذين مازالوا يطبلون لكل صغيرة و كبيرة، ويبررون أو يغضون
الطرف عن كل خطيئة تمارسها الأنظمة السياسية و يحيلون الهزيمة المرة
إلى انتصار ليس له وجود، هم مرض الأمة المزمن فعلينا أن نعزلهم عن أي
مشروع حقيقي للحوار لكيلا يؤسسوا لهزائم مقبلة مثلما مضى و ما نحن
بصدده. إننا إن لم نقرأ تجربة الظلم والاضطهاد التي مارسها صدام حسين
ضد مجتمعه بمن فيه من مثقفين وعلماء وأصوات نقد وطنية صادقة، وإن لم
نتعلم مما يحدث في عالمنا اليوم ونستقي منه دروساً لما يمكن أن يوقف
مسلسل الهزيمة، وإن لم نعترف بأن هذا الوقت فعلاً هو وقت "نقد الذات"
وكشف عيوبها.. فإننا مقبلون على مرحلة طويلة من طأطأة الرأس.
الوطن 21/3/2003
***
الجمود أمام الكارثة
وائل مرزا
العالم العربي يجني اليوم، بعامَّته وخاصَّته، وبإسلامييه وقومييه
وليبرالييه ويسارييه ويمينييه، وبحكامه ومحكوميه، ثمارَ ثقافةٍ
مهترئة فكرياً وسياسياً واقتصادياً وفنياً واجتماعياً، سمحَ لها أن
تسود.. حتى جاء اليوم الذي أصبحت فيه ـ عند بعضهم ـ أمنية السني
العراقي والشيعي العراقي والكردي العراقي الخلاص من النظام، واستعادة
شيءٍ من رمق الحياة، خيانةً وتفريطاً بمستقبل العراق وبيعاً رخيصاً
لمُقدَّراته.. وحتى جاء اليوم الذي صار فيه عند ـ بعضهم الآخرـ
القبول بالحرب وبكل ما سيترتب عليها واقعيةً وبراجماتيةً لا بد من
تبنّيها.. وحتى جاء اليوم الذي أصبح فيه بعضهم الثالث مضطراً لأن
يُعلن خلاف ما يُبطن، ولأن يفعل عكس ما يقول.
الأخطر من هذا كله، هو أن تلك الثقافة المهترئة أوصلت العرب إلى
لحظةٍ تاريخية نادرة تجري فيها المقامرة بشكلٍ غير مسبوق بين الحاضر
والمستقبل.. ففي حين يحاول بعضهم في المنطقة إقناع نفسه بأن الحرب
مقدمةٌ لاستقراره، وهو يعلم داخلياً أن حساباته يمكن أن تكون خاطئةً
تماماً، وأن رياح التغيير التي ستهب على المنطقة يمكن أن تشمل
الجميع.. يعمل بعضهم الآخر على التهويل والتخويف من تبعات الحرب،
وكأن المنطقة كانت حتى لحظة قيامها جنةً من جنات الله على أرضه، أو
على الأقل واحةً للأمن والاستقرار والحياة الحرَّة الكريمة، وبقعةً
من بقاع بناء الحضارة والتاريخ.
من غير الممكن الهروب من إلحاح الشعور بالحاجة إلى ثورةٍ في التفكير
في كل مجالٍ من مجالات الحياة العربية... ثورةٍ في التفكير السياسي،
وثورةٍ في التفكير الاقتصادي، وثورةٍ في التفكير الاجتماعي، وثورةٍ
في التفكير الديني. من السهل والممكن، بل إنه من المحتمل جداً أن
يتمّ التعامل مع الكارثة اليوم بالطرق والأساليب القديمة نفسها، من
قبيل المواربة وممارسة التقية ومحاولة الاختفاء عن الأنظار والانحناء
في لحظة مرور العاصفة... ولكن أدنى معرفةٍ بحجم التغيير الذي جرى
ويجري في هذه الدنيا، خاصةً في العامين الأخيرين من عمر البشرية،
يمكن أن يُظهرَ بسهولة درجة الوهم وخداع الذات الكامنين في مثل ذلك
النمط من التفكير.
الوطن 21/3/2003
***
إستباق الآثار السلبية بالإصلاحات
نجيب الخنيزي
بلدان المنطقة معنية بدرجة أولى بتوحيد جبهتها الداخلية ووحدتها
الوطنية وقطع الطريق أمام مختلف السيناريوهات المطروحة والتي قد تدخل
مرحلة التنفيذ في مرحلة ما بعد الحرب، ومن خلال البوابة العراقية.
وهذا لن يتأتى إلا من خلال اعتماد منهج الإصلاح والتطوير الحقيقي
والشامل لكامل البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية
وبما يتفق مع المفاهيم والمعايير الدولية في هذا الصدد.
وفي هذا الخصوص يجب أن نكون واضحين وصرحاء مع أنفسنا ومع متطلبات
الواقع الضاغط علينا (داخلياً وخارجياً) ولن تجدي هذه المرة محاولات
الهروب أو الالتفاف إزاء الاستحقاقات الوطنية الملحة، فمطلب الإصلاح
والتطوير بات أمراً ضرورياً وملحاً وهو الجسر والمعبر الوحيد الذي من
شأنه ترسيخ وتجديد الشرعيات القائمة ومدها بأسباب البقاء. وبكلمة..
إزاء هذه الأوضاع المتفاقمة فإن الخيار سيكون بين الإصلاح أو الطوفان
الذي سيدخلنا في نفق مظلم نهايته ستكون كوارث ودماراً للجميع، فهل
نتعظ ونأخذ مصيرنا بأيدنا أم سنعطي الفرصة لما يرسم ويخطط الآخرون
لفعله وتنفيذه إزاءنا؟ هذا هو السؤال الكبير وهذه فرصة أو لحظة
تاريخية أعتقد جازما بأنها لن تتكرر على هذا النحو.
الوطن 21/3/2003
***
شعوب مقهورة من أنظمتها المستبدّة
قينان الغامدي
الجماهير العربية التي تظاهرت وقُمعت، والتي فرضت عليها الفرجة، كلها
فيما أعتقد ليست مقهورة مغبونة من الحرب على العراق فقط، إنها مقهورة
بصورة أكبر من أنظمتها العاجزة عن فعل أي شيء إيجابي لا في داخل
أوطانها ولا في خارجها، إن هذه الجماهير مغبونة مقهورة من أن هذه
الأنظمة لم تتحرك إيجابياً نحو شعوبها، وأن الأجنبي قادم بشعارات
الحرية والإنسانية ليغري بها هذه الشعوب ويغرسها أمامها كمبرر يلج
منه إلى مصالحه في وضح النهار.
لا أحد في الوطن العربي كله يستطيع الدفاع عن صدام حسين وفساده فالكل
يعرف أنه نهب أموال العراق وبدد ثرواته واستبد مع أبنائه وأصهاره
وأقاربه بالسلطة والمناصب، وشرد الشعب، وسجن أحراره وعذبهم وقتل
منهم، وكان مثالاً للغطرسة والعجرفة والكذب والجبروت والظلم
والنرجسية. والجماهير العربية تعرف هذا كله وأن الشعب العراقي تواق
إلى الحرية والعيش الكريم، لذلك لا تعترض على شعار "الحرية للعراق"،
وإنما تعبر عن عدم ثقتها في صدق الشعار وتخشى أن يخرج الشعب العراقي
من عذاب سجن صدام، إلى عذاب حرية أمريكا. وهي - أقصد الشعوب - لا
تعترض على التغيير الإيجابي في حد ذاته، وإنما تعبر عن قهرها من
أنظمتها التي لم تبادر إلى هذا التغيير قبل أن يفرض عليها بأيد
أجنبية.
وسواء صدق توجس الشعوب العربية من نوايا أمريكا السيئة أم لم يصدق،
فإن الحرب ماضية نحو أهدافها، والعراقيون لن يروا من الأمريكان
جحيماً أكثر من ذلك الذي رأوه من نظامهم الذي استغلهم وسامهم سوء
العذاب والاحتقار.
هل أبرر هنا ما يحدث؟ نعم، ليس أمامنا الآن سوى التبرير والمزيد من
الخنوع في انتظار ما سيأتي من جعبة العم سام، فالأنظمة العربية كلها
عجزت وما زالت عاجزة عن منع أمريكا وبريطانيا من شن الحرب، وهي عجزت
وما زالت عاجزة عن الاقتراب من جماهير شعوبها وإعطائها حقها في
الحرية والحياة الكريمة، وما دام الأمر كذلك فما حيلتنا سوى
التبرير!.
الوطن 23/3/2003
***
ما بعد الحرب: نُظم أكثر عدالة وإنسانية
عبد الله القفاري
لن يخلص الوجود الامريكي شعب العراق من شبح القمع الكامن في جينات
السلطة العربية، التي تستعد باختلاف مسمياتها للانقضاض على السلطة
واستلامها.. ولكنه سيسهل حتما من عمل قوى أكثر إدراكا لواقع امكانية
التغيير الايجابي من خلال طرح برامج انسانية ممكنة وعملية منذ البدء.
ومن خلال الاشتراط على الوجود الامريكي.. بأن كرازي العراق غير ممكن
تحت الحماية الامريكية، وبغداد غير كابل.. وافغانستان غير العراق..
وشعب عريق يزخر بطاقات علمية كبيرة، هو اجدر في هذه المرحلة باكتشاف
ان الطريق الى عراق حر يعبر من خلال آلية يحميها دستور اكثر تقدما
وجيش اكثر قدرة على حماية هذا الدستور وعملية سياسية تصهر الاختلافات
والتباينات ضمن حدها الوطني الممكن والمتاح والطبيعي.
حالة اللاتوازن فيما بعد الحرب سيتمخض عنها طفرة في المناشط السياسية
لجماعات وحركات ومنظمات.. سواء في العراق او خارجه.. هذه الطفرة اذا
لم تكن مؤسسة على طلب حق الاعتراف الرسمي والمشروع بدساتير ونظم أكثر
عدالة واكثر استجابة لحق الانسان.. فهي لن تكون سوى صدى بائس لثقافة
الانتهازية السياسية، التي تجيد اللعب على اوتارها بعض النظم العربية
والاقليمية والدولية.. والخشية ان تتحول الى مرحلة تصفية حسابات اكثر
منها محاولة جادة لتوظيف اللاتوازن في حسم مسائل جدلية كبرى تقرر شكل
ونوع النظام القادم.
الرياض 24/3/2003
***
الحرية حمراء.. تغري الشعوب وتخيف الحكام
ناصر الصرامي
هل أمريكا هي المنقذ لهذه الشعوب، هل تتصور أننا يمكن أن نصدق أن
للحكاية نهاية؟ وأن لهذا التدمير ورائحة الموت التي تغطي منطقتنا هدف
هدف في تحرير شعوب المنطقة من الخوف والجهل والدكتاتورية؟! قد يكون
هذا هو العنوان الجميل المغري والمحرض والمخدر أيضاً، لكنه بالتأكيد
ليس الهدف النبيل الوحيد والأخير، كما أنه بالتأكيد ليس الأهم. كل ما
لدينا جرعات مخدر ووعود لا يفهمها الناس، ويخافها الحكام..؟
لا يمكن لنا أن نبتسم أو نتوقع منحة حرية أمريكية لشعوب العالم
العربي قادمة على أجنحة طائراتها الحربية النفاثة وصواريخها الذكية
المتنوعة شديدة التدمير.. العرب خسروا الكثير وسيفعلون بذات الروح
التي حولت انتصاراتهم الاقتصادية إلى اشتراكية، وبذات اللغة التي
استبدلت الهزيمة بنكسة، وبذلك الشعور المخيب الذي يبكي لقائد افقد
بلد كل مقوماته يتوسل إليه أن يبقى في الحكم لارتكاب المزيد من
الأخطاء، والآن وبهذا المفهوم الرافض لكل التغيير والانفتاح على
العالم وفتح مساحات أوسع للحرية وسيادة القانون وعدالة النظام وتفعيل
دور المؤسسات المدنية خارج شخصية القائد الواحد الممسك بكل عظائم
وصغائر الأمور، وبهذا الرفض للتعددية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية
وفتح المزيد من قنوات ومساحات الإبداع والإنتاج. بهذا الرفض سيكون
الخطر شاملاً.
علينا أن ندرك أن شماعة الديمقراطية والحرية الأمريكية الجديدة لغزو
العالم لن تمنحها لنا أمريكا كما تقول بالقوة أو بالرضى، علينا نحن
أن نسعى لها لنكون أكثر حضوراً وعملية ووعياً بالعالم وبكل احتمالات
أي خطر قادم.. أمريكا ستعد بالكثير لكنها في النهاية ستحصل هي على ما
هو أكثر وتفي بالحد الأدنى.. نحن من يفترض أن نتفاوض مع أنفسنا ومع
المرحلة ومع مصالحنا، نحو إحكام إغلاق كل مقومات الإثارة الأمريكية
القادمة.
الرياض 26/3/2003
***
بقايا البشر لا يحمون وطناً
محمد أحمد الحساني
إذا رأيتَ أمة تُهاجم من قبل أعدائها، ثم وجدت أن جيوشها ومقاتليها
يُسارعون إلى الاستسلام للجيش الغازي، فلا بد قبل اتهام المستسلمين
بالخيانة والجبن والعمالة والنذالة أن تعرف الأسباب التي أوصلتهم إلى
هذا المستوى من الهوان والذل والخنوع. إن شعارات الحماس والتحميس
والأناشيد الوطنية والدعوات إلى ملاقاة الغزاة والصمود في وجه
جحافلهم، لا تكفي وحدها لصنع جيش وطني باسل، يُضحي بالروح ويجود بها
من أجل الأوطان.
بل لابد أن تكون تلك الأوطان من قبل لأبنائها جميعاً فعلاً لا
شعاراً، وأن يكونوا فيها أحراراً لا عبيداً أو مستعبدين. وأن تُعطى
قيادتهم من نفسها مثلاً صالحاً على العطاء والإخلاص والأمانة
والقدوَةَ الحسنة ونظافة اليد والحرص على المال العام والبعد عن
الأنانية والنرجسية والكبر والغرور، وعدم اعتبار أية ملاحظة خيانة
وأية كلمة حق تمرداً لابد من قمعها والزج بصاحبها في أتون السجون أو
تشريده عبر القارات أو سحله ليصبح عبرة!
إن الجوعى والمطحونين والحفاة والمسلوبي الكرامة والخائفين
والمقدَّمين حطباً ووقوداً لنيران الحروب والمغامرات حتى يبقى
الزعماء، لا يمكن أن يُدافعوا عن حياض الأوطان حتى لو أرادوا ذلك،
لأنهم بقايا بشر وأطلال إنسان، وهم لم يعطوا حقوقهم في زمن السلم ولم
تحفظ كرامتهم في أوقات الرقاد.
عكاظ 26/3/2003
***
عقد إجتماعي جديد لمواجهة العتمة القادمة
هاشم الجحدلي
في الحروب والازمات تتغير اولويات الانسان وتتبدل مشاغله، ويبدأ في
استقراء واقعه ومستقبله برؤية مختلفة ووعي جديد، لان لكل ازمة ظروفها
وتحدياتها ومتطلباتها وكما ينطبق هذا الالحاح على المواطن فانه يمتد
لينطبق على المجتمع بل الدولة او الامة الحاضنة له..
ولذلك ان كل حالة حرب ازمة.. تعني حداً ادنى من المواجهة مع المجهول
المعتم في اغلب الاحيان، ولهذا تتقوى الجبهة الداخلية، ويبدأ فصل
جديد من التصالح الاستراتيجي وليس التكتيكي بين فئات المجتمع ويتبلور
عقد اجتماعي جديد تنضوي تحت لوائه مصالح الجميع.. باعتبار ان الخطر
الداهم لن يسلم من شره احد.
الملاحظ في تركيبة مجتمعنا السعودي تجاوز مريع لمفهوم المواطنة
وحقوقها وآلية تعاملها مع الازمات لدرجة تبدو الحالة التي نعيشها كما
تصورها بعض التحقيقات حالة كاريكاتورية فمن الانانية المفجعة لدى
البعض في استثمار هذه الفرص باي شكل كان من استثمار اسعار الاراضي
الى استغلال قلق المواطنين.
عكاظ 26/3/2003
***
حل أجنبي حين يتعذر الإصلاح داخلياً
عيسى الحليان
لا بد من الاعتراف بأن المشكلة ليست في الآخر (المُستغل)، بقدر ما هي
من الداخل المُنكفئ على نفسه الخائف على متحفه الأثري الفاقد للرؤية
العصرية، وللمشروع الواقعي الذي يستمد شرعيته من الواقع الذي نعيشه
ونحياه. يقول الخبير الاستراتيجي الأمريكي (استيفان ريتشر) لمجلة
(اكسبانسيون) الفرنسية: (إن العالم العربي أصبح أشبه بالرجل المريض،
ومن ثم بات عاجزاً عن تدبير أموره بنفسه، ويتوجب على أمريكا أن تقوم
بهذه المهمة، بعد أن أثبت عجزه عن بناء الدولة والأمة، وفقد البوصلة
التي تكشف له الطريق السليم. وما يحدث في العراق هو نقطة البداية
لصياغة المنطقة من جديد).
عندما أصبح التغيير من الداخل العراقي أمراً مستحيلاً، فالتغيير لابد
أن يأتي من الخارج، فنحن نعيش عصر الحكومة الكونية. وها هو النظام
العراقي الذي يُعدّ أحد أكثر الأنظمة الايديولوجية العربية عنفاً في
التعبير عن النزعة الانفرادية في ممارسة السلطة، ونفي الآخر ونهش
الذات الوطنية والقومية.. يثبت صحة هذه المقولة. أما أولئك الذين
(ناموا في العسل) معتمدين على صرامة أمنهم الداخلي وانشغلوا عن
البناء والإصلاح بالشعارات المُضللة والايديولوجيات الزائفة، فسوف
يكونون أول ضحايا النظام العالمي الجديد. وسوف تكون الفجوة بين مصالح
بعض الأنظمة ومصالح الشعوب هي البوابة التي سيعبر من خلالها (الآخر)
نحو تحقيق أهدافه.
عكاظ 24/3/2003
***
|