كم تعشقون هذا الوطن!
لماذا يخافون على الوطن؟
إذا كانت قيادة المملكة لا تزال حليفاً مقرباً للولايات المتحدة،
يرجح أن تكون هي المنتصر في المعارك.
وإذا كانت المملكة لا تشارك في الحرب وتكاد تكون لا تعنيها، الى درجة
استغنى المسؤولون عن القيام بأي أعمال وقائية للمدنيين، على أساس أن
العراق لن يهاجم المنطقة الشرقية، لأنها ليست طرفاً في الحرب.
وإذا كانت المملكة، وحسب تصريحات قادتها، واثقون من أنفسهم على تجاوز
الأزمة الإقليمية أي أزمة الحرب.
لماذا إذن هذا الهلع على "الوحدة الوطنية" التي دخلت القاموس السعودي
الرسمي حديثاً وكأنها مكتشف جديد لم يستخدم إلاّ حديثاً وقت الطوارئ؟
ولماذا التغنّي اليوم بالوطن والدفاع عنه، وكأنّه يسير الى حتفه،
يودّعه المودّعون بقصائد عصماء، ويستثمره المستثمرون بالإنفعالات
الكاذبة في مزايدات تبعث على القرف.
أمن الوطن مهدّد؟ ممن؟ ولماذا؟ ومن سيدافع عنه؟
اكتشف أحدهم الوطن حديثاً بعد أن عيّن عضواً لمجلس الشورى، فراح
يشنّع بالمارقين، ويلقي خطبه الوطنية العصماء: "نملك حياة واحدة
نهبها للوطن" و "لا مكان إلاّ للوطن وأهله" و "الأجمل أن نموت من أجل
الوطن" و "حين ننتمي الى الوطن ـ المملكة ـ فهذا يعني أننا ننتمي الى
آبائنا وأمهاتنا بل وأجدادنا"! عظيم. و"نحن لم نولد من أجل أنفسنا بل
من أجل وطننا" كما يقول افلاطون.
هذا هو الدرس الأول. اما الدرس الثاني في الوطنية فهو: "الخارجون على
الوطن والوطنية عصفور وسخ عشه، أو كأحمق يستمر في خطئه" والمقصود
بالخارجين هم المختلفين في الرأي المعارضين للإستبداد. وتستمر حلقة
الدرس فتقول: "من الحقارة أن يعيب المرء وطنه" أي حين ينتقد (ولاة
أمره)!
كان لدى الأمراء ولازال "العقيدة الصحيحة" يخيطونها كل يوم على مقاس
يلائم أحوالهم. وكانت كلمة "الوحدة" و "الوطنية" من المحرمات
"الوطنية!" التي لا يستطيع الصحافي الكتابة عنها. وها هي اليوم
الوطنية تستعمل كسلاح ـ كما الإسلام ـ في غير أغراضها، ومن قبل أناس
لم تكن لهم سابقة في التزام بالإسلام ولا بصدق الوطنية.
لقد شعروا بشيء من الخوف على مواقعهم فاستلّوا سيوف الوطنية يشهرونها
بوجه أعدائهم، مثلما فعلوا من قبل بسيف الإسلام والعقيدة الصحيحة.
أصبحت الوطنية والدعوة الى الوحدة الوطنية كلمة حقّ يراد بها باطل
عند البعض. فهي لدى رموز السلطة والمطبلين لها مجرد أداة لتسكين
الشارع السعودي المطالب بحقوقه، بحجة دفع المخاطر التي تلم بالوطن.
وهي عند المنتفعين "استثمار" مستقبلي في معركة كلامية موهومة ضد
المجهول تجعلهم يحافظون على مواقعهم ومناصبهم في المستقبل، أو لتحصيل
مواقع بالظهور وكأنهم أكثر حرصاً من رموز السلطة عليها.
ميدان الوطنية اليوم هو الدفاع عن مصالح وحق المواطن ـ وليس حق رموز
السلطة ـ في الحرية والمشاركة السياسية والتعبير عن مشاعره ومعتقداته
الدينية والسياسية. فمن أراد الوطنية فلا يخطئنّ بابها.
|