ثنائية لم تحسم بعد

الاستبداد والاستعمار.. الزعيم القومي والمستبد القطري

 فؤاد ابراهيم

 الاستبداد والاستعمار.. ثنائية مثيرة تجتذب بصورة دائمة مزيداً من الفرقاء في ظل ارتجاجات فكرية وسياسية ناشئة غالباً عن حوادث كبرى كالتي نشهدها هذه الآيام والتي تمتد بتداعياتها لتشمل الأمة برمتها.سؤال سيتكرر طرحه على الدوام: ماهي خياراتـ(نا) في حرب الولايات المتحدة على العراق؟ وهل بالإمكان استعمال آلة التقييم لدى الشيخ محمد مهدي شمس الدين في الخيارات والضرورات، بحيث يمكن القول بأن للمعارضة العراقية وقواعدها الشعبية في الداخل ضروراتها في التوسل بخيار الاستعمار لازالة الحاكم المستبد، وأن للشعوب العربية والاسلامية خياراتها في مناهضة الاستعمار الانجلو أميركي وإن أفضى الى معاضدة معنوية للاستبداد؟

بمقدار ما توّلده هذه الثنائية من توترات فكرية وسياسية وانقسامات إجتماعية فإنها تنداح بإلحاح في مناظرات متنوعة: فقهية، وفكرية وسياسية، وقد تتطلب إجابات حاسمة، مع التذكير بأن هذه الثنائية قابلة للتجدد بحيث تتموضع في سياقات مختلفة.

في المجال الفقهي، هناك سوابق في التاريخ الاسلامي القديم والحديث كان فيها التجاذب حاداً بين فقهاء المسلمين أنتجته المواجهة المباشرة مع تلك الثنائية: الاستبداد والاستعمار. مولّدات الثنائية تلك وضعت الفقيه أمام قائمتين من الخيارات الصارمة والحاسمة: العدل مع الكفر أو الاسلام مع الظلم. وتنبّه حادثة تاريخية شهيرة على الأقل في زمان الدولة المغولية بعد أن عصفت جيوشها بعاصمة الخلافة العباسية بغداد في القرن السابع الهجري، وفرضت نفسها كسلطة بديلة. لقد فرضت عملية الاستئصال والحلول لنظام الحكم سؤالاً مركزياً على الفقهاء عن أي نظامي الحكم أفضل: الحكم الكافر العادل أو الحكم المسلم الجائر. لقد أحدث السؤال إرباكاً حاداً وسط الفقهاء من خلفيات مذهبية متنوعة، ولم يكن حسمه بالأمر السهل، فقد تطلب تدخل فقيه ذي مكانة متميزة مثل السيد علي بن طاووس الذي وضع ختمه بترجيح الحكم الكافر العادل.

وعلى أية حال، فإن هذا الحسم الظاهري للثنائية المربكة لم يتحوّل الى مصدر هداية للأجيال اللاحقة، فقد ظلت هذه الثنائية المثيرة للجدل تولّد المزيد من الاسئلة وتحدث المزيد من الارباك أيضاً. فعلى الضد من تلك الحادثة التاريخية، دخل فقهاء الشيعة في العراق في مواجهة مباشرة مع هذه الثنائية في القرن الماضي، في سياق تحول سياسي خطير. ففي عام 1915 بدأت القوات الانجليزية بإجتياح الأراضي العراقية والتغلغل في المدن المقدسة واحتلال المراكز الحيوية للعراق الخاضع آنذاك للسلطنة العثمانية. فقهاء الشيعة الذين كانوا يدركون تماماً معاناة مقلديهم من أبناء الشعب العراقي على يد ولاة الدولة العثمانية، ولكن الاجتياح الانجليزي للاارضي العراقية خلق سياقاً فكرياً وسياسياً موازياً حمل معه سؤالاً من نوع آخر يتنكب من قيمة الى أخرى أعلى منها، أي من الخلاص من سلطة جائرة مستبدة الى الخلاص من عدو محتل خارجي. لقد صدرت فتاوى الفقهاء الشيعة الكبار مثل محمد سعيد الحبوبي ومحمد كاظم اليزدي بوجوب مجابهة القوات الانجليزية الغازية وطردها من الاراضي العراقية.وبالغ السيد اليزدي في خطبة ألقاها في النجف بأن الدفاع عن مقدسات المسلمين وبلادهم يشمل حتى الفتى العاجز بدناً لتجهيز الفقير القوي. هذه الفتاوى تأتي رغم ما كان معروفاً عن السلطة العثمانية من اسلوب متميز بالتعصب ضد الشيعة. ورغم التخاذل الواضح من القوات العثمانية التي أخلت سوح القتال للقوات الانجليزية كيما تواجه الأهالي ذوي الصدور العارية، فقد شارك فقهاء شيعة كبار في المواجهة مثل السيد محمد علي الحبوبي والسيد محسن الحكيم (المرجع الشيعي الكبير في النجف حتى عام 1970)، وقد ذهب بعضهم ضحايا الحرب الانجليزية على العراق. ورغم أن سيرورة الاحداث جاءت مناقضة تماماً لتطلعات الثوار الشيعة حيث جرى اختطاف السلطة من قبل فئة وثيقة الصلة بالمستعمر الذي إستعمل سياسة "فرق تسد" أدت الى اختلالات بنيوية في السلطة السياسية، وفي عملية توزيع الثروة والسلطة والخدمات. فالدولة التي ناضل فقهاء الشيعة من أجل تحقيق استقلالها عن الاجنبي وجّهت اليهم عنفها وقابلتهم بالحرمان والجور.

الدولة المستبدة في العراق والتي نشأت في عام 1921 التزمت بسياسة واحدة تقوم على حكم الأقلية وإقصاء الأغلبية، واعتماد سياسة طائفية في توزيع الثروة والسلطة، وقد فرضت الدولة حزمة تدابير أمنية قمعية شديدة الصرامة إتسمت في الغالب بلون الدم ضد الأغلبية السكانية، أي الشيعة. ولعل هذا ما يفسّر الى حد كبير النزوع المغالي لدى جماعات سياسية تنتمي الى هذه الأغلبية الى تبني أي خيار مهما كان طالما أنه سيفضي الى استئصال النظام الجائر.

قد لا يمكن لمن هم خارج العراق إدراك حجم المعاناة التي يعيشها شيعته على يد حكامه، كما يفترض من قوى المعارضة العراقية ألا تتوقع ممن تصدمهم مناظر الصواريخ المتساقطة على بغداد والموصل وكركوك وهكذا إجتياح القوات الغازية للأراضي العراقية أن يعربوا عن إبتاهجهم لإقتراب ساعة رحيل النظام العراقي متناسين تلك البشاعة التي تصنعها الصواريخ والقنابل المجنونة وهي تدك بلاد تمييز البيوت والمباني السكنية، لتحيلها خراباً فيما يتساقط العشرات من الأبرياء قتلى وجرحى نساءً وأطفالاً.

لقد أعادت هذه الحرب غير المبررة على العراق إحياء الثنائية التقليدية: الاستبداد والاستعمار. وقد حسمت قوى المعارضة العراقية وخلفها قطاع من المتعاطفين في الداخل لصالح تبني خيار قد ينأون عن تسميته بالإستعمار، مفضّلين توصيفه بالتقاء المصالح أو تقاطعها مع الولايات المتحدة، على حد السيد عبد المجيد الخوئي في لقائه مع فضائية العربية.

هذه الثنائية التي فرضتها الحرب على العراق تستعيد تراثاً من الثنائيات بذات المكوّنين، أي الحكم الجائر والمستعمر الكافر، أو هكذا تصاغ في ألفاظ فقهية. من الملاحظ أن الموقف هذه المرة ليس منقسماً بين الشعوب العربية والاسلامية من جهة والمعارضة العراقية من جهة أخرى، بل هو منقسم داخل الشيعة، بل بات من الصعب أيضاً التمييز في داخل الشيعة بين من هم مع الاستبداد وضد الاستعمار أو العكس أو حتى ضد الاثنين أو حتى أولئك المحايدين إزاء الاستبداد والاستعمار، رغم أن هؤلاء كثر ولكن صامتين. كان الاعتقاد الأولي بأن هناك مجموعتين: شيعة العراق وباقي الشيعة. ولكن تبيّن في وقت لاحق بأن الانقسام قابل للانسحاب الى شيعة العراق أنفسهم حيث المناهضة بدأت تتنامي وسط بعض شيعة العراق ضد الاحتلال الأجنبي. وفيما كان بعض رموز المعارضة الشيعية العراقية تقدّم تبريرات الاصطفاف مع خيار الحرب على العراق أملاً في إزالة الاستبداد، أفتى مراجع الشيعة في النجف في الخامس والعشرين من مارس الماضي لمقلديهم داخل العراق بوجوب الدفاع عن وطنهم ضد الغزاة الكافرين. وكان المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله قد أفتى قبل ذلك بفترة طويلة نسبياً بحرمة تمكين القوات الأميركية من احتلال العراق.

إن الفلسفة التي تؤسس لتلك الفتاوى تكاد تتحد في نقطة مركزية وهي أن الكرامة تعلو فوق الحرية، فالإنسان قد يتخلى في لحظة ما عن حريته، ولكنه سيدفع حياته ثمناً لصيانة وحفظ كرامته، فالحرية التي غابت عن العراق منذ نشأة دولته الحديثة وحصوله على استقلاله الشكلي بسبب أنظمة توتاليتارية شمولية فرضت نفسها على السكان بسطوة الحديد والنار، وضعت ضحايا الاستبداد أمام مفترق طرق: بين أن يناضلوا من أجل استعادة حريتهم وبأي وسيلة كانت وإن عن طريق قوى أجنبية موصومة فقهياً بالكافرة، أو أن يتنازلوا عن حريتهم والاصطفاف خلف الحاكم المستبد من أجل صيانة كرامتهم التي سيدهسها الغزاة، الأجانب. ولعل في التراث الفقهي الاسلامي والشيعي بوجه خاص حول الجهاد الدفاعي ما ينمّي ذلك النزوع التضحوي نحو صون الكرامة وإن تطلب التنازل عن جزء هام من الحقوق. فتاوى الجهاد الدفاعي كما في المدوّنات الفقهية الشيعية تصنع للمقلدين صورة التضحية المطلوبة حيث تملي عليهم تقديم ما يفوق أحياناً قدرتهم على التحمل كخروج الاطفال والنساء وبذل أقصى ما يمكنهم من مال وجهد من أجل درء العدوان الخارجي.

مما سبق، هناك نتيجة ساطعة تظهرها شواهد عديدة تاريخية ومعاصرة وهي أن المجتمعات الاسلامية ألفت أنظمة مستبدة، حتى بات الاستبداد جزءا غير منبوذ في ثقافتها وتراثها. ثانياً، هناك نتيجة أخرى وهي أن هذه المجتمعات تكون على إستعداد تام للتضحية بأرواحها من أجل درء قوى أجنبية عن حدودها، وإن أفضى ذلك الى تعزيز أركان الاستبداد الذي سينالها من العذاب الأليم بعد رحيل الغزاة.

المستوى الفكري هو الآخر يحفل بمناظرات ثرية حيال تلك الثنائية: الاستبداد والاستعمار. على أن من الجدير الاشارة اليه هنا أن التراث الفكري العربي حصراً الخاص بتلك الثنائية بدأ يتراكم من الناحية التاريخية منذ تصاعد المد القومي العربي في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وهو مد نشأ من الناحية الفعلية كرد فعل على الاستبداد التركي/العثماني، حين بدأ ابراهيم اليازجي وبطرس البستاني كتاباتهما الأدبية التي تؤسس لتكوين ثقافي بنزوع قومي، حيث نادى اليازجي في شعره:

تنبهوا واستفيقوا أيها العرب/ فقد طمى السيل حتى غاصت الركب

فيما التعلل بالآمال تخدعكم/ وأنتم بين راحات القنا سلب

كم تظلمون ولستم تشتكون/ وكم تستغضبون فلا يبدو لكم غضب

أقداركم في عيون الترك نازلـة/ وحقـكم بين أيدي الترك منتـهب

المشاعر القومية كرد فعل على الاستبداد التركي تشكّلت في مرحلتها الأولى وسط عدد من المثقفين المسيحيين، ثم أخذت في الاتساع لاحقاً لتجذب اليها علماء دين ومفكرين إسلاميين. فكتب عبد الرحمن الكواكبي (طبائع الاستبداد) وكان مكرّساً لتشريح السلطة العثمانية المستبدة. ومالبث أن تشكلت الجمعيات السياسية العروبية وتزايد انتشار الادبيات القومية، وكانت موجهة في الغالب ضد الاستبداد العثماني.

على الضد، لم ينل موضوع الاستعمار الأجنبي إهتماماً خاصاً من قبل المفكرين القوميين، فضلاً عن أن يقابل برد فعل موازٍ لرد فعل إزاء الاستبداد التركي. بل هناك ما يكفي من أدلة حول ارتباط كثير من الجمعيات القومية بالسلطات الاستعمارية الانجليزية بما في ذلك الثورة العربية الكبرى التي كانت تحظى في بعض مفاصلها على الأقل بدعم المعتمدين الانجليز.

وبقي الاستعمار كموضوع فكري في المجال العربي مهملاً، سوى ما يتم تداوله في الادبيات الحزبية القومية والاشتراكية العربية أو استغلاله في تبرير اجراءات أمنية ضد معارضين محليين، كما تخبرنا تجربة مصر عبد الناصر والنظام الحالي في بغداد.

 

الزعيم القومي والمستبد القُطري

 

ينبّه الموقف المنقسم بصورة حادة بين قطاع واسع من الشعب العراقي وباقي العرب والمسلمين حيال الحرب الانجلوأميركية على العراق بين مناهضين للنظام المستبد في بغداد ومناهضين للحرب على العراق الى ما يمكن وصفه بالمشاعر المختلطة. فها نحن نستعيد في الموقف من نظام صدام حسين وحرب الولايات المتحدة على العراق صورة الزعيم المستبد، الذي يخلق موقفاً مزدوجاً منه كزعيم قومي مناهض للمشروع الاستعماري وفي ذات الوقت كحاكم مستبد يتميز بالدموية والهلوسة الأمنية الباطشة. إذن هنا نحن أمام ظاهرتين: ظاهرة قومية وظاهرة قطرية. فصدام حسين يمثل بالنسبة للشعوب العربية وربما الاسلامية زعيماً قومياً مناهضاً للاستعمار، أو هكذا يبدو ظاهراً على الأقل بينما على المستوى القطري فإن صدام حسين يتساوى مع نظرائه من الحكام العرب في كونه حاكماً مستبداً يستمد مشروعيته من إستعماله المفرط للقوة أو التهديد بها.

ثمة ما يميّز بين الظاهرتين على المستوى العملي، فبينما ترواح المواقف العربية والاسلامية من الزعيم القومي في إطار الهيجان العاطفي دون إحداث تأثيرات حقيقية في ميزان القوى أو تغيير مسار ومصير الحرب، فإن الموقف الشعبي الداخلي يمثل الرأسمال الحقيقي للسطة، فالحرب دون ريب تسلب السلطة المستبدة سندها الحقيقي، أي الشعب وتجعلها عارية عن الشرعية، حتى وإن بدا ظاهراً وقوف الشعب خلفها، فهذا يكشف عنه إنحسار السلطة عن المناطق الخاضعة لها، هذا ما ظهر بوضوح في أعقاب حرب الخليج الثانية حيث تفجّرت انتفاضة شعبية عارمة في العراق أدت الى سقوط 14 محافظة من أصل 18 محافظة في أيدي الثوّار، ولولا التدخل العسكري الأميركي لتم زوال السلطة نهائياً.

إن ثمة درساً كبيراً تعطيه هذه الحرب وحروب أخرى مشابهة، يتمثل في اخفاق الدولة العربية الحديثة في إنماء روح وطنية ورصيد شعبي حقيقي كثمرة لسياسات متوازنة قائمة على إنصاف الجماعات المنضوية داخل حدودها، وهذا ما يجعل الأنظمة العربية قاطبة عرضة للزوال السريع كونها تفتقر الى التأييد الشعبي القابل للاستثمار في زمن الحروب والتهديدات الخارجية.

 

موقف السكان حال الحرب على السعودية؟

 

سؤال قد يجابه بإجابات عاجلة كرد فعل تلقائي ضد العدوان، ولكن الاجابات ستبدو متفاوتة الى حد كبير حين نتجاوز البعد الوجداني للمسألة، وطرحها في إطار أوسع. ثمة محرّض مشترك نشط على المنافحة والتضحية يفرض نفسه على الأفراد بصرف النظر عن خلفياتهم الايديولوجية والإثنية وهو الدفاع عن الأرض، الأرض بما تمثل إحدى التجسيدات الواضحة لمفهوم الكرامة. وكمايعبّر عنها بشكل دقيق الفلاح المصري فالارض هي العرض، ولذلك فإن الإحتلال في التكوين الثقافي لدى السكان يكاد يتساوى وهدر الكرامة.

على أن هذا المحرّض المشترك قد يأخذ معاني متباينة بالنسبة للجماعات المتنوعة في السعودية، التي لم تدخل الأرض ممثلة في إقليم جيوتاريخي في الذاكرة الجماعية للسكان، أي في غياب وطن تاريخي. ففي ظل الاصرار المتواصل على فرض مفهوم عن السلطة يقوم على القهر والاستتباع للمناطق والجماعات غير المتوافقة مذهبياً وسياسياً يجعل مفهوم الاحتلال مفتوحاً بحيث يستوعب الحكومة نفسها، وبالمناسبة هناك في القاموس السياسي ما يعرف بالاحتلال الداخلي (Internal Occupation) إذ تأخذ سيطرة الحكومة على المناطق شكلاً قريباً من الاحتلال من حيث إستحواذها المباشر على مقدّرات هذه المناطق وفرض أشكال صارمة في الادارة تفضي في نهاية الأمر الى إذلال وإهانة السكان ومصادرة هوية وثقافة وتراث هؤلاء السكان. فما حصل أن الاستعمار بدّل هويته، فبعد أن كان غربياً مسيحياً أو شرقياً شيوعياً، فقد جاء هذه المرة بهوية وطنية، وعلى حد الشاعر اليمني عبد الله البردوني:..فمن مستعمر غازٍ إلى مستعمر وطني. 

إن ما تحدثه السياسات القمعية الاستئصالية تجاه قطاعات من السكان هو توليد مشاعر قد تبدو متطرفة في ظاهرها، يعبّر عنها أحياناً بالدعوة الى زوال الدولة على يد قوى أجنبية غير محايدة ايديولوجياً وسياسياً، ولكن هذه المشاعر تمثل ترجمة شبه دقيقة لطبيعة ردود الفعل المتوقّعة إزاء سلطة قهرية أخفقت في إسترضاء من قدّر لهم الخضوع لها، فهم لا يدينون لها بالولاء سوى ما تفرضه عليهم وسائل القهر من التظاهر بالانصياع لسلطة الدولة.

لقد أفصح بعض ضحايا الدولة السعودية عن مشاعرهم المجرّدة في الرغبة في استبدال السلطة بمتوالياتها وتحديداً حليفها الديني المتشدد، وإن جاء ذلك على يد قوى خارجية معلومة أهدافها واستهدافاتها. تلك الرغبة ليست بالضرورة عاكسة لموقف ايديولوجي أو سياسي دقيق من هؤلاء الضحايا، وإنما هو (الآخر) الداخلي/المحلي/الوطني، أي السلطة السياسية وحلفائها التي تستدرج ضحاياها لمواقف متشددة تصل الى حد التوسل بـ "الشيطان" للخلاص من شقاء فرض عليهم من قريب مفترض، فهل نستوعب درساً من الحرب في زمن السلام؟.