احتمال وصول الأكثرية الى الحكم عجّل في طرحه

سقوط بغداد يفتح الملف الشيعي

 محمد الفايز

لماذا أثير الموضوع الشيعي في المملكة بمجرد أن تهاوت (أسوار) بغداد أمام المحتل الأجنبي؟ فجأة جرى اكتشاف أن هناك في السعودية مواطنين شيعة يسكنون منطقة غنيّة وأنهم مضطهدون من السلطة السياسية السعودية وأنهم محرومون من أدنى حقوق المواطنة. بمقدمات قصيرة وسريعة، انتقلت الأضواء (مؤقتاً) من بغداد ومدن العراق الأخرى الى المنطقة الشرقية السعودية، بحيث أصبح الإعلام الأجنبي ومن ورائه الإعلام العربي (التابع والناسخ) يفتّش عن آثار ما جرى في العراق على الأراضي السعودية، باحثاً عن أدلّة سريعة للتحوّل النفسي والعمل الجمعي بين المواطنين الشيعة كانعكاس لما جرى في العراق، وكأنّ المملكة أصبحت مركز التغيير القادم المستهدف غربياً.

لا يشك مطلقاً أن آثار التغيير في العراق انعكست وستنعكس على كل المنطقة بكل مكوناتها الإجتماعية والسياسية والإقتصادية، ولا شك أن المملكة خاسر أكبر من ذلك التغيير بالمنظور الإستراتيجي، ولا شك أنها، ثالثاً، من أشد الدول في المنطقة حاجة الى إصلاح وتغيير، ولا شك أن الشيعة السعوديين، رابعاً، يتوقون الى مبادئ العدل والمساواة التي حرموا منها، والتي تشكل حافزاً لحركتهم السياسية. ورغم أن الإعلام العربي والإجنبي لم يخطئ وجهته حين حوّل أضواءه من العراق الى السعودية، لكنه لم يكن حسن النيّة بالضرورة.

في المدى العام هناك تأثير للوضع العراقي على كل المواطنين، ولكن الشيعة السعوديين أكثر المتأثرين من بين الشرائح الإجتماعية لأسباب تتعلق بواقعهم وبسياسات الدولة التي تستهدفهم، ولبروز قوى إجتماعية عراقية كانت تعيش ذات المشكل والتي ينتظر أن تقرر واقعاً سياسياً جديداً، بحيث حمل معه آمالاً وأثار مشاعر وتطلعات، وأيضاً لأن (تطييف) السياسة لم يكن أشدّ منه في المملكة منذ نشأتها الحديثة. لهذا كان متوقعاً أن يؤثر الموج العراقي على الشيعة في السعودية حتى قبل أن تبدأ الحرب، حيث صرح عدد من شخصيات الشيعة السعوديين بهذا المعنى لعدد من الصحف الأجنبية بينها صحيفة وول ستريت جورنال في 3/2/2003 الماضي، أبدوا فيها رأيهم بإن سقوط صدام سينعكس إيجابياً على وضع الشيعة في المملكة، وبدون مواربة أعلنوا امتعاضهم من سياسات التمييز الحكومية ضدهم، وأوضحوا بلا لبس مطالبهم في المساواة وأن يكونوا شركاء في بناء الوطن والدفاع عنه.

وحين سقط صدام أصدر عدد من شخصيات الشيعة بياناً يهنئون فيه العراقيين بنهاية الديكتاتورية. بعدها صرح أحد أبرز القيادات الدينية في السعودية وهو الشيخ حسن الصفار لوكالة رويترز في 21 أبريل 2003، (إن بروز الشيعة في العراق يساعد في تعرف الناس في المملكة هنا أكثر على الشيعة) وقال: (حسب علمي ليس هناك جهات في المملكة تفكر او تعمل للانفصال او من اجل التقسيم. بالنسبة لنا نحن ضد اي مسعى في هذا الاتجاه) وأضاف: (ولكن وجود حالة من التمييز الطائفي او المناطقي هو عامل مساعد لمن يريد تغذية هذه التوجهات). وقال الصفار ان المؤسسة الدينية في السعودية أساءت الى الشيعة في المناهج الدراسية ومنعتهم من بناء المساجد، وحالت دون ان يشغلوا وظائف في الحكومة كما وقفت حائلا دون عرض ارائهم عبر وسائل الاعلام. وتابع: (الشيعة وبقية الاتجاهات في المملكة ليس لها مجال في الاذاعة والتلفزيون وينبغي ان تتاح الفرصة للمواطنين في مختلف اتجاهاتهم ان يعبروا عن آرائهم، ونعتقد ان هذا يخدم الوحدة الوطنية).

وعادت رويترز بعد يومين أي في 23 أبريل الماضي فبثت تقريراً عن المواطنين الشيعة في المملكة قالت فيه أن الشيعة في السعودية يأملون في تحقيق العدالة بعد ان عانوا على مدى عقود من التفرقة في المعاملة. وأشار التقرير الى قلق الحكومة السعودية المتنامي من تزايد نفوذ الشيعة الذي يشكلون أغلبية السكان في العراق. ونقلت الوكالة عن أحد رجال الدين الشيعة قوله (بعد حرب الكويت توجه الناس بالرجاء للحكومة وكان يساورهم الامل، لكن بعد مرور 12 عاما لم يحدث اي تغيير. النظرة الوهابية للشيعية مازالت عنيفة) وأضاف بأن الوهابيين (يخشون ولي العهد لانه يؤيد الاصلاح).

وفي نفس التاريخ 23 أبريل الماضي تحدث الشيخ حسن الصفار لوكالة الصحافة الفرنسية عن أمله بأن ينتهي التمييز الذي يستهدف الشيعة السعوديين بعد التغيرات الكبيرة التي حصلت في العراق المجاور، وأضاف: (نحن مستمرون في اتصالاتنا مع المسؤولين كما في السابق، لمعالجة بعض ما يشكو منه المواطنون الشيعة في المملكة من حالة من التمييز المنصبي والطائفي). وقال إن هذا التمييز (يتمثل في عدم السماح لهم بخدمة وطنهم في المجالين العسكري والامني، وكذلك في السلك الدبلوماسي، ومن خلال محدودية وجودهم في مجلس الشورى، وفي عدم اتاحة الفرصة لهم للتعبير عن آرائهم في وسائل الاعلام في المملكة، وفي التضييق عليهم في ممارسة شعائرهم الدينية، وفي حظر نشاطهم الديني والثقافي رسميا حيث تمنع طباعة كتب الشيعة في المملكة ودخولها الى المملكة).

وأشار الصفار الى توق المواطنين جميعاً وبينهم الشيعة الى الإصلاحات السياسية، معتبرا ان المسألة (لا ترتبط بالشيعة فقط انما باعتبار ان للشيعة بعض المعاناة التي تختلف عن سائر المواطنين، وهم يرجون ان تكون الارادة السياسية متوفرة حاليا لاصلاح شامل يأخذ الامور التي يعاني منها المواطنون الشيعة بعين الاعتبار. المواطنون السعوديون الشيعة يصرون على انهم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن ويدافعون عن وحدة الوطن... وحين يطالبون ببعض حقوقهم الدينية والوطنية انما يفعلون من اجل تعزيز الوحدة الوطنية وان تكون الدولة لكل المواطنين دون تمييز مناطقي او طائفي).

 في الرابع والعشرين من أبريل عادت وكالة الصحافة الفرنسية فأثارت الموضوع من زوايا مختلفة، حيث أفاد عدد من المدافعين عن حقوق الانسان في السعودية ان الحرية التي استعادها الشيعة العراقيون بعد سقوط نظام صدام، تعطي أملا للشيعة السعوديين بتحسين اوضاعهم داخل المملكة حيث يشكون من التمييز بحقهم. وقال عبد العزيز خميس، مدير المركز السعودي للدراسات حول حقوق الانسان في لندن: (ان التغيرات التي حصلت في العراق حملت بعضا من الامل بان يمارس الشيعة السعوديون ايضا نفس الحق) وأوضح ان الشيعة السعوديين (يتحركون على امل الحصول على حقوقهم) مشددا على أنهم (ليسوا دعاة انفصال). من جهته قال حمزة الحسن المتحدث باسم التحالف الوطني من أجل الديموقراطية، وهي مجموعة سعودية تتخذ من لندن مقرا لها (ان هذه الحرية المستعادة في العراق سيكون لها تأثير نفسي ومعنوي على الشيعة السعوديين الذين لهم نفس المرجعيات مثلهم مثل الشيعة العراقيين). واضاف حول تأثير ما حصل في العراق على شيعة السعودية: (سيتأثرون وسيطالبون بحقوق أكثر وسوف نرى ربما شيئا من التحدي للحكومة) السعودية مشيرا الى احتمال تعرض المملكة لضغوط خارجية. وحسب حمزة الحسن والخميس فان الشيعة السعوديين يمثلون ما بين 15 و20 بالمئة من السكان السعوديين المقدرين بنحو 17 مليون نسمة وهم يتركزون خصوصا في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط. وكان الشيعة السعوديون أرسلوا بعد سقوط النظام بأيام قلائل  قافلة مساعدات إنسانية الى العراق بالتعاون مع شيعة كويتيين.

 

كتابات صحافية أخرى

حاول عدد من الكتاب والناشطين السعوديين استخلاص بعض الدروس من التجربة العراقية، وطالبوا معالجة الأمور بالنسبة للشيعة السعوديين على أساس المواطنة وإيقاف سياسات التمييز الطائفي التي مضى عليها قرون. كما طالب آخرون بإعادة قراءة العلاقات الشيعية السنية في المملكة على ضوء التهديدات الخارجية التي تتعرض لها البلاد. لكن التيار السلفي بكل أطيافه المعتدلة والمتشددة، رأت في سقوط النظام العراقي، وبروز قوة شيعية في العراق، وتداعيات الوضع على المملكة، كارثة وطوفان ينذر بالخطر.

فقد كتب الدكتور محسن العواجي، مسؤول منتدى الوسطية على شبكة الانترنت، موضحاً موقفه من الشيعة مطالباً بتجنب إثارة الخلافات الطائفية (في مثل هذا الظرف العصيب.. نحن نواجه عدوا لدودا جائرا ثائرا لم يدخر وسعا في حربنا في كل شيء ودخل من أكثر مفاصلنا الجغرافية حساسية وهو خط التماس الشيعي السني في الأمة الإسلامية). واعتبرت دعوته هذه بأنها ليست (إقرارا للباطل ولا دعوة للتقريب او التباعد بين الطوائف الاسلامية بالرغم ان وحدة الأمة الإسلامية هدف كل شريف). وطالب (بتأجيل مثل هذه القضايا المفرقة على الأقل الى حين وقت أوسع لمن أراد الخوض فيها). ورأى العواجي أن موقفه لم يتغير من الشيعة ولكن للظرف أحكامه و(إني لا أوافق الدكتور الكبيسي ـ يغفر الله له ـ بما قاله على قناة الجزيرة من أنه لا خلاف بين الشيعه والسنة). وأبدى العواجي قلقه من (أن العراق اليوم تحت تدفق فيضان شيعي تدعمه إيران بكل قوة يقابله غياب مخيف لأهل السنة ولا أدري لمصلحة من تذكى نار الطائفية والحال هذه). وحصر العواجي خوفه من وصول الأكثرية الشيعية الى الحكم واعتبره (تنامي شيعي بركاني هب على العراق من الشرق والشمال لم يدرك الأمريكيون تبعاته لقلة زادهم في حقيقة الطائفية) وتساءل: (هل نجهل أن العراق دولة شيعية بالنظر للغالبية السكانية! مما يعني اليقظة لئلا نزج أهل السنة في صراع طائفي غير متكافيء). وعاد العواجي فكرر ثوابته: (لا يوجد مطلع يزعم ألا خلاف بين الشيعة والسنة، ولم أقلل من الضلالات التي تعشعش في جسد الأمة من الشيعة وغير الشيعة وابرأ الى الله من السكوت عليها مطلقا فضلا عن إقرارها والعياذ بالله) وقال أنه يطالب بفترة سكوت لوضع استثنائي (مخافة الفتنة)! ألا في الفتنة سقطوا!

الدكتور إحسان بوحليقة

ولا تقتصر إثارة البثور الطائفية على الخط السلفي الوسطي!! فضلاً عن المتشدد، بل تتعداه لأصحاب الوجوه التي تزعم اللبرالية التي أثارت حفيظتها مطالبات المواطنين الشيعة بحقوقهم. فقد كتب شخص بإسم مستعار (محمد ناب) مقالاً في (إيلاف) في 20 أبريل الماضي، هاجم فيه عضو مجلس الشورى السعودي، وهو أحد عضوين ينتميان الى المذهب الشيعي. كان سبب الهجوم أنه كان من بين موقعي بيان أدان فيه محاصرة المرجع الديني الشيعي السيد علي السيستاني في النجف. وقال (ناب) (الذي يثيرُ الدهشة والاستغراب حقاً أن ينبري مواطن سعودي شيعي، يفترض أنه ليبرالي، وسعودي، ولا علاقة له بالتخصص الديني، فيصدرُ بياناً يُناصرُ فئة دينية على فئة، رغمَ أن كلتا الفئتين ُيمثلان تياراً شيعياً واحداً، ورغم أنهما من دولة واحدة، ورغم أن بوحليقة خارج الإطار الجغرافي والإنتمائي لدولة الفئتين.. تَـدخلُ ابوحليقه في الشأن الداخلي العراقي، ومن منظور ديني، أثارَ السؤال الذي دائماً ما يتكرر : هل الولاء للمرجعية أم الولاء للوطن لدى الشيعة السعوديين؟). وتوقع الكاتب مواقف سياسية شيعية تظهرهم وكأنهم طابور خامس! مع أن مشكلة الشيعة في المملكة عمرها من عمر الدولة السعودية نفسها. وزعم (ناب) بأن الدكتور إحسان بوحليفة (يُراهن على عراق شيعي أصولي، يكون فيه السيستاني مرشد الحكومة العراقية الجديدة) وخلص الى أن ولاء الشيعة (لمرجعياتهم خارج الوطن مقدمٌ على ولائهم للوطن وسلطاته الشرعية؛ وبالتالي يصبحُ إقصاؤهم من تولي المناصب القيادية في المملكة له ما يُبرره، على إعتبار أنهم أشبه ما يكونون بالطابور الخامس).

من جهته، ردّ الدكتور بوحليقة في مقال له لإيلاف تحت عنوان (لا طوابير ولا مزايدات.. ولا منافس للوطن) بتاريخ 21 ابريل قال فيه: (أجد لزاماً بيان أن ولائي لوطني، المملكة العربية السعودية، ولقيادته ولأهله ولترابه ليس محل مزايدة فأنا من أديمه، هو مقر أبائي وأجدادي وأبنائي، ترعرعت فيه وتعلمت في مدارسه وجامعاته وأكلت من تمره وتأثرت بمحيطه وأهله. ولم أتعلم، حيث نشأت في الأحساء، أن أفرق بين أهلي وأقراني شيعة وسنة بل تلقنت هناك دروساً كيف أحب الناس وأجلهم دون تفريق أو تمييز: كنت ومازلت وسأبقى كذلك. أما الولاء للوطن فهو ليس محل أخذ ورد. ولم ولن يتجه ولائي لوطني، كما غمز الكاتب ولمزّ، حيثما تهب رياح السياسة المتقلبة والأهواء المتلاعبة والمصالح الضيقة أو حتى الفسيحة.. فمن حق الوطن أن تقدم مصلحته على مصالح الأفراد وطموحاتهم).

أضاف بوحليقة موضحاً: (دعوتي لحماية السيد السيستاني لا يصح أن تخضع لشخصنة ضيقة وللوثة طائفية كارهة ولتسطيح يصادر الرأي ليخرج ما قلت عن سياقه.. فالسيد السيستاني فقيه نأى بنفسه عن السياسة وأعبائها. وقد قصدت تحميل الأمريكان المحتلين لأرض العراق مسئوليتهم).. واضاف بان (المسلمين الشيعة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يعتبرونه مفتيهم وفقيههم دون منازع).

وتابع: (المزايدة على المواطنة أمر غير مقبول، إذ ليس ثمة تعارض بين مطالبتي المحتل تحمل مسئولياته لضمان سلامة فقيه يمثل قيمة دينية عالية لملايين المسلمين داخل العراق وخارجه، وبين ولائي التام غير المنقوص لوطني المملكة العربية السعودية.. أما ما قاله الكاتب من أن القضية ليست اقتصادية وأنها خارج نطاق المال والأعمال، فقد كتبت لسنوات وبانتظام في مجالات تتجاوز الاقتصاد.. لكني لم أتناول قط موضوعاً لا أعرف أولوياته).

 

جدلٌ يثار

لم لم يتوقف ناب عن كتاباته، ولكن توالت الردود عليه أيضاً للصحيفة الإليكترونية إيلاف وعبر الإنترنت. وجّه له أحدهم نقداً تحت عنوان (لمصلحة من إتهام الشيعة في السعودية) بأن كتاباته عن الشيعة تتسم بالريبة دائماً، وتساءل عن سبب طرح هذا الموضوع بعد سقوط النظام العراقي، ولماذا توجست الجهات الأمنية في المملكة من التغييرات في العراق وخشيت إنعكاساتها على الشيعة السعوديين، فراحت تحرك (أدواتها) لإثارة القلاقل حولهم؟

وقال الكاتب (حسن عبدالكريم): ( حسن.. فالشيعة طابور خامس، كما يقول ناب. ولكن لمن؟ للسيستاني؟! ومن هو السيستاني؟ هل هو موظف في البيت الابيض؟ أم يعمل في البنتاغون؟..كلا..هو مرجع ديني عراقي من مدرسة كل همها الفقه والأصول والتراث الاسلامي، لم تتدخل هذه المدرسة في السياسة ولم يكن لديها طموح سياسي).

وتساءل: هل تصريح لشخص شيعي يتضامن مع مرجع ديني يتبعه في التقليد، يدعو الى ضرورة رفع الحصار عنه..هل هذا الدليل كافٍ لوصم الشيعة في السعودية بأنهم (طابور خامس)؟.

وتابع: (عجيب .. هل هناك من يريد من الشيعة أن يضعوا أنفسهم في (تابو) ويعزلون أنفسهم عن العالم  حتى لا يتهموا بأنهم طابور خامس؟ ما هذه السياسة الترويعية التخويفية الارهابية؟ هل على المواطنين الشيعة أن يعيشوا منعزلين عن محيطهم وأن لا يتدخلوا في أي شئ حتى تلك المسائل المتعلقة بشخصياتهم وإلا اتهموا بأنهم (طابور خامس)؟ أما الآخرون حتى اولئك الذين مدوا جسورهم وشبكاتهم ليس إلى الحواضر الإسلامية في الأزهر أو غيرها بل الى الملا عمر واسامة بن لادن وجيش الفاتحين في الشيشان وأفغانستان فهم مواطنون كاملوا الإنتماء لاخوفٌ عليهم ولا هم يحزنون).

وتابع حسن عبد الكريم: (يراد من الشيعة السعوديين أن يقطعوا صلتهم بالعالم ليس عن قناعة وليس لأن الداخل الوطني يستطيع استيعابهم وليس لأننا إستطعنا بنضج أن نفتح الحاضن الوطني لإستقبالهم ورفع معاناتهم التي تبدأ من لقمة العيش ولا تنتهي عند حد الكرامة والأمن الشخصي والتعليم والصحة والعبادة والتعبير. نريد من الشيعة أن يكونوا مواطنين دونما وطن. نريدهم أن يضعوا أنفسهم في (تابو) ملئ بالرعب والخوف وأن يحملوا شهادة براءة على صدورهم ليثبتوا لنا أنهم موالون موالون موالون بالثلاث في بلد لا يعطيهم حق أو فرصة حتى لإعلان الولاء. ماذا يضرك يا (ناب) لو تقاطع الشيعة مع مرجعياتهم الدينية في العراق العربي الشقيق أو حتى مع مرجعياتهم في ايران ومع ابناء ملتهم في لبنان وسوريا والخليج؟ لماذا تريدهم أن يكونوا أسرى ومرتهنين ويعيشون الخوف ويتلفتون حولهم حتى لا يتهموا بأنهم (طابور خامس) .. لماذا هناك مئات الجمعيات الخيرية أو ذات الواجهة الانسانية تعمل للتبشير بالوهابية في العالم وتسعى لاستقطاب الموالين وتجنيد رجال الصحوة لتفخيخ الطائرات وتأزيم علاقاتنا مع العالم وتوريط بلادنا في مواجهات غير متكافئة وغير محسوبة مع النظام الدولي ولا تعد ذلك خيانة وطابور خامساً وعاشراً؟ لماذا ينتشر رجال (الجهاد) بمنح حكومية وبمساعدات وتحويلات حتى من زوجات السفراء والامراء ليزرعوا الارهاب في الدول الحليفة والصديقة ويورطوا بلادنا في مشاكل لا قبل لنا بها .. ولا تقبل ان يتواصل الشيعة (فكرياً) وثقافياً وروحياً مع مرجعياتهم الدينية؟).

وتابع: (يا سيدي حتى الليبرالية السعودية هي جزء من حركة عالمية تستمد منها زهوها ونجاحها وقوتها.. فهل الليبراليون طابور خامس؟ ثم ألم يحن الوقت لكي نضع نقطتين هامتين للإيمان بهما: الأولى: أن العالم المتحضر لا يقبل اليوم أن يمنع مواطنيه من حرية التعبير.. والانتماء جزء من حرية التعبير.. وإلا فأنت تناقض أهم أركان الليبرالية. الشيعة جزء أساسي من اوطانهم .. لكنهم أيضاً جزء رئيسي من أمتهم، وليس بمقدور أحد أن يقطع صلاتهم مع العالم بإثارة التخويف حولهم. الثاني: بدل أن تتهم الشيعة بأنهم طابور خامس دون أن تحدد الاساس القانوني لهذا المصطلح حتى، وتصمهم بهذه التهمة، أرجوك أن تدير وجهك ناحية الجهة التي دفعتك لإطلاق هذه التهمة إسألها: عن أي وطن تتحدثون؟.. هل هو الوطن الذي لا يشعر افراده بالأمن حتى في أدق خصوصياتهم وهي العبادة؟. هل هو الوطن الذي يمنع فيه مواطنون من الصلاة في المساجد ويمنع عليهم بناء أماكن العبادة؟. هل هو الوطن الذي يفصل ابناءه من الوظائف لأنهم شيعة ويمنع عنهم التعليم الجامعي ويحرمهم طيلة سبعين عاماً (حتى قبل ولادة السيستاني وولادة النظام الايراني) من بناء المساجد والعمل في الجهاز العسكري والدبلوماسي والامني ويقطع علاقتهم ببعضهم ويلاحقهم بجيوش الامن والشرطة الدينية؟. هل هو الوطن الذي ترد المحاكم شهادة أبنائه الشيعة لانهم (شيعة) ولا يحق لهم الشهادة في موضوع مرتبط بالمسلم السلفي كامل الإسلام؟! هل هو الوطن الذي يحكم على مدرس في الهفوف قبل اسبوعين بالسجن والفصل من التعليم لأنه أقام ـ في منزله ـ مجلساً حسينياً كما يفعل الشيعة في كل العالم؟. هل هو الوطن الذي يفصل استاذاً جامعياً كالدكتور محمد جعفر الحسن لأنه جهر بالظلم الذي وقع عليه وعلى إبنته من معلمة سلفية؟. عن أي وطن تتحدث؟ عن الوطن الذي يعتقل فيه الشيعي لأدنى تهمة ولأتفه سبب؟. عن الوطن الذي يمنع فيه الشيعي من السفر ومن التنقل لأدنى وشاية من (دبوس)؟. عن الوطن الذي تبتلع عصابات الاراضي خيرات ابنائه وتدمر بيئتهم البحرية لأنهم (شيعة) لا حرمة ولا كرامة لأموالهم؟. عن الوطن الذي يمزق اواصر العلاقة بين ابنائه ويفرقهم ايادي سبأ؟. عن الوطن الذي يخاف من ثقافة الوطنية ويمنع عن أبنائه الإيمان بالانتماء الوطني؟. سيدي ناب : هل تعلم ان كتب المدارس التي تدرسها وزارة المعارف تعتبر في كتاب الثقافة الاسلامية ان من المبادئ الهدامة والعقائد الضالة (الوطنية)؟! إذهب وعلّم هذا الوطن (الوطنية) قبل أن تمارس الإستاذية على مواطنيك الشيعة)!

 

 القينان وعثمان صيني

 

ظهرت في المقابل أصوات عاقلة معتدلة حول الملف السنّي الشيعي داخل المملكة. كتب عثمان الصيني، نائب رئيس تحرير الوطن، مقالاً عنوانه (جدل السنة والشيعة ثغرة في الجدار)(الوطن، 21/4/2003) قال فيه: (إن قراءة التاريخ تظهر لنا أن هذا الخلاف بين السنة والشيعة قد كان ثغرة خطيرة تسلل منها أعداء الأمة الإسلامية واستطاعوا اللعب على تناقضات الخلاف للوصول إلى ما يريدون وابتليت الأمة جراء ذلك بكوارث جسيمة معروفة). واستعرض الصيني أحداثاً تاريخية، حتى وصل الى العصر الحديث حيث قام (صدام بشحن عدد كبير من الشيعة إلى إيران عدا من قتل منهم أو سجن مما أوغر صدورهم فتحالفوا في حرب الخليج الثانية مع الأمريكيين الذين باعوهم لنظام صدام حسين ووقعت مذبحة البصرة الشهيرة، واليوم بعد انهيار الحكم في العراق وظهور الفوضى العارمة في أرجائها بعد دخول القوات الأنجلو أمريكية المحتلة، أصبح المناخ مهيئا لمن يريد بذر الفتنة بين المسلمين، ويستغل الخلاف التقليدي والصراع الدائم بين السنة والشيعة في تحقيق أهداف لا تخدم بالضرورة الإسلام والمسلمين أو تقوي شوكة الإسلام. وبدأنا نسمع عن بوادر للشر من تحت الرماد نخشى أن تجد من يحسن استغلالها في الكيد للمسلمين).

وانتهى عثمان الصيني الى القول: (لعلنا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا أحوج ما نكون إلى نبذ الخلاف وسد ذرائع الشر التي ينفذ منها أعداء الأمة للنيل من الإسلام، فالقوات الأمريكية ليست أحرص على المسلمين من أنفسهم، وليست مصلحة المسلمين ضمن أدنى أهدافهم أو اهتماماتهم وهم إن وجدوا ثغرة تخدم أغراضهم يفيدوا منها إلى أقصى مدى، وإن كان رد الخلاف في المسائل الشرعية مناطاً بعلماء المسلمين، فإن على حكام الأمة وحكمائها توفير الجو الملائم والواضح للتقارب بين أفراد الأمة العربية والإسلامية. وأعجب ما نراه لدى كثير من المفكرين والسياسيين الحديث عن الحوار بين الأديان والتقارب بين الشرق والغرب وحقوق غير المسلمين في بلاد الإسلام في الوقت الذي يغفلون فيه المسلمين في بلاد الإسلام أو في غير بلاد الإسلام أو يمرون عرضا على موضوع السنة والشيعة إرضاء لعوام الناس أو المتعصبين ضد طوائف من المسلمين).

من جهته كتب الأستاذ قينان الغامدي، رئيس تحرير الوطن السابق مقالاً صريحاً في 15 مارس الماضي حذر فيه من أن (الخطر يكمن في التصعيد السياسي لهذا الاختلاف حتى يصبح خلافاً بين فئتين تسعى إحداهما لنفي وإقصاء وتدمير الأخرى). ونبّه الى أن نظام الحكم في المملكة هو من يشعل نار الفتنة الطائفية، ذلك أن (الدول الحاكمة التي كانت تقدم فئة على أخرى ولا تنظر إلى رعاياها من المسلمين نظرة واحدة في تعاملها معهم، وهذا التفضيل لفئة والتوجس من أخرى أفضى إلى تلك الثغرات التي ولج منها الأعداء وعمقوها حتى وصلوا إلى ما يريدون). واعترف قينان الغامدي بأن (واقع الشيعة اليوم في معظم الأوطان العربية يقول إنهم يعيشون مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وهذا فوق كونه يتناقض مع فكرة إقامة الدول، ومع أسس بناء الأوطان، فإنه يهيئ الأرضيات المناسبة لوجود مثل تلك الثغرات التي ولج منها أعداء الأمة وحطموها على مر التاريخ). وطالب قينان النظام السعودي والأنظمة العربية بأن (تلتفت إلى الثغرات الموجودة في بناء دولها وأوطانها من خلال إصلاحات سريعة تضع جميع مواطنيها على درجة واحدة من الحقوق والواجبات. قبل أن تنفتح ثغرات لا قبل لها بها).

أيضاً حاورت جريدة الوطن الأستاذ محمد سعيد طيب حول رؤيته فيما يتعلق بمسألة (الوحدة الوطنية) السعودية. قال الأستاذ الطيب أن الحلّ يكمن في مبدأ تكافؤ الفرص. وقال (إذا تحقق هذا المبدأ فإن كل أمورنا ستحل، فحين يشعر الناس في كل الأقاليم التي تتكون منها الدولة أنهم متكافئو الفرص فإن كل شيء بعد ذلك يهون. تكافؤ الفرص يعني أننا متساوون في الحقوق، في التوظيف، في الحصول على عمل، في التقاضي، في الحصول على أي امتياز من الدولة. وهذا يعني أيضاً حسن توزيع الدخل، بين المناطق انطلاقاً من مبدأ تكافؤ الفرص، وإذا تحقق هذا فإن وحدتنا الوطنية بخير وستكون مستمرة ودائمة والجميع سيدافعون عن هذه الوحدة).

وتابع (في ظل أي وحدة حقيقية يجب أن تشيع ثقافة التسامح، لن تنجح أية وحدة تعاني من صراعات مذهبية أو مناطقية أو جهوية، وحين نتحدث عن مبدأ تكافؤ الفرص فإننا نتحدث بطبيعة الحال عن ركيزة ستنهي أي صراع داخلي محتمل، هذا المبدأ يعني أن يتساوى الناس في كل شيء، في الحقوق وفي الواجبات، وبالتالي ينتفي أي صراع حول أي شيء وتحل ثقافة التسامح بدلاً من ثقافة الصراع.

أنا أعول بشكل أساسي على هذا المبدأ لحل جميع مشكلاتنا، ففي ظل تطبيق صارم وأمين لهذا المبدأ لن يجد أي شخص مبرراً للتعصب. إن أعظم الوحدات يمكن أن تنهار وتتداعى، إذا تركت لحفنة من الناس أو مجموعات من طائفة معينة، مهما كثر عددها، أن تتصور أنها ذات امتيازات خاصة، وأن الآخرين ينبغي أن يحرموا منها لأي سبب من الأسباب. ولا يجوز ـ لأي سبب ـ طائفي أو مذهبي أو عرقي أو جهوي أو فئوي، أن يحول بين المواطن وبين الاضطلاع بواجباته أو ممارسة حقوقه المشروعة).