ليس هكذا تُحمى الأوطان

 

تشكلت الشهر الماضي لجنة عالمية لمقاومة العدوان، تصدّى لها جمع من قيادات التيار السلفي في المملكة.. رآها البعض وكأنها خرجت من تحت عباءة وزارة الداخلية وبالتنسيق معها بهدف تشكيل رأي عام إسلامي داعم للموقف الرسمي السعودي الذي يتوجّس من النوايا الأميركية القادمة. ويبدو أن هذه اللجنة اعتمدت في جوهرها على لملمة شتات السلفيين المدعومين من المملكة في كل أنحاء العالم، وأضافت إليهم عناصر معتدلة من تيارات إسلامية مختلفة ليشكّلوا درعاً أمام التهديدات الأميركية المتوقعة.

كثير من الموقعين، خاصة السعوديين منهم، أخطأوا في قراءة أوليات المقاومة. فالعدوان الأميركي لا يمكن مواجهته ـ كما توضّح الحالة العراقية ذلك ـ بدون مقاومة للعدوان الداخلي الذي يعتبر مفتاحاً أساسياً لتصليب الجبهة الداخلية.

قد يستهوي مواجهة العدوان الخارجي (الأميركي) كثيرين، ولكنهم لن يفعلوا شيئاً ذا بال، لأنهم أنفسهم مقموعين في بلدانهم، محرومين من السفر، محرومين من حرية التعبير.. بل أن كثيراً منهم حرموا وطردوا من وظائفهم، ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم.. وفي مثل هذه الحالة، وهم ضعفاء في مواجهة الطغيان الداخلي، كيف يمكنهم مواجهة العدوان الأجنبي.

نقول هذا ليس من أجل التخذيل والتثبيط.. لكن الحقيقة تبقى أنه حتى في حالة تحشيد الشارع الإسلامي عامّة ضد الأميركيين فإن هذا الحشد لا يستطيع المواجهة، أو قد لا يصدق فيها إن تعرّض لها.

ما نراه ويراه كثيرون غيرنا، هو أن العلّة الداخلية تشكل مفتاحاً لمواجهة العلل التي تريد أن تنفذ من الخارج. ويرى أن مواجهة الإستبداد المحلّي اليوم هو الجهاد الحقيقي، فبه تتحرّر الشعوب، وبحريتها وصيانة كرامتها تتمكن من المقاومة. بدون هذا، فإن العمل الذي اعتدنا على مشاهدته من تشكيلات اللجان، لا يستطيع الصمود أمام تحديات العدوان الأجنبي. ولا بد أن نتذكر دائماً، بأن المواطن المقموع يصعب حشده في الدفاع عن أنظمة نخرة اختزلت الأوطان فيها.

نرجو أن لا يضلّ الأخوة القائمين على اللجنة طريق المواجهة، فمشكلتنا الأساسية في أحشائنا الداخلية لا بالفيروسات القادمة من الخارج. كما ونرجو من الأخوة، خاصة الدكتور سفر الحوالي والدكتور محسن العواجي، وكلاهما تعرضا للسجن والفصل من الوظيفة والمنع من السفر، أن يراهنا على المقاومة المدنية المختزنة في الشعوب، وأن يعملا على إصلاح الوضع السياسي المحلّي، وأن يؤسسا لعمل سياسي تصالحي عقلاني معتدل يمكنه لم شتات المجتمع السعودي ويجعله قادراً وراغباً في الدفاع عن وطنه والنظام السياسي الذي يحكمه.

نعلم ان هناك من يعتدي على حقوق مواطنين آخرين، ويحرض السلطات لممارسة المزيد من الإعتداء على الحريات وحقوق المواطنين، ومثل هؤلاء الذين نتمنى أن لا يكون بين الموقعين أحداً منهم، كيف يمكنهم أن يدرؤوا العدوان الأجنبي؟

نحن في المملكة بحاجة الى لجنة محليّة لمكافحة الطغيان والعدوان السلطوي قبل أي شيء آخر. فمن ينبري لها؟!