450 موقّعاً على عريضة "شركاء في الوطن"

الشيعة يطالبون بوقف التمييز ويتطلعون الى تمثيل عادل في الدولة

  

أربعمائة وخمسون موقّعاً من بينهم 50 عالم دين، و 42 أكاديمياً، و31 كاتباً وصحافياً وشاعراً، و151 رجال أعمال، 24 سيدة، رفعوا عريضة بعنوان "شركاء في الوطن" في الثلاثين من أبريل الماضي الى ولي العهد الأمير عبد الله، قدّموا فيها رؤية شاملة حول معاناة الطائفة الشيعية في المملكة، إستناداً على "وعي وطني عميق وشامل".

ثمة دلالات هامة حملتها العريضة، تستحق قراءة متعددة الأبعاد للتعرف على المضامين السياسة والفكرية والمديات التي يرمي النص الوصول اليها.

أولاً: أن العريضة تؤكد على إندراجها ضمن نشاط مطلبي عام داخل الإطار الوطني، فالموقعون يشدّون وثاقهم بالمسعى المطلبي الذي دشّنته نخبة وطنية من دعاة الاصلاح في السعودية، وتنطلق من تلك الرابطة الوثيقة في التأسيس على الاستقبال الايجابي لممثلين عن المجموعة الموقّعة على وثيقة "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله" التي كانت رفعت لولي العهد في وقت سابق من هذا العام، ليؤكد الموقعون على عريضة "شركاء في الوطن" إندراجهم ضمن السياق الوطني للاصلاح السياسي الذي بات مورد إجماع عام في الوسطين الرسمي والشعبي.

ثانياً: الانطلاق في إيصال الرسالة المطلبية للطائفة الشيعية من قاعدة الوحدة الوطنية، إيماءً الى أن الموضوع الشيعي هو موضوع وطني بالدرجة الأولى، وأن كونه يطرح من مجموعة شيعية أو يتناول المطالب الشيعية لا يحمل بداخله حسّاَ طائفياً أو فئوياً، بل أن هذا الموضوع يمثل أبرز الملفات الساخنة على المستوى الوطني، تماماً كما أن الشيعة هم من أكثر الجماعات تضرراً من سياسات الدولة القائمة على أساس التمييز الطائفي.

وفيما يعاد إقحام الشيعة مرة أخرى ضمن إطار إتهامي طالما حاولوا إحراقه بمواقفهم الوطنية الصلبة والمعزّزة بمبادرات ذات دلالات مباشرة، وفيما تتنامى الهواجس الطائفية عقب إنهيار النظام السياسي في بغداد يقاسم موقّعو العريضة مخاوف نظرائهم داخل السعودية إزاء التهديد المتعاظم حيال وحدة الأمة من خلال التأكيد على الشعور المشترك بالخطر الخارجي الموجّه بدرجة أولى الى تقويض أسس الوحدة الاسلامية والوطنية.    

ثالثاً: ثمة تطوير تبرزه العريضة فيما يرتبط بالمطالب الشيعية التقليدية من مستوى الاعتراف بالمذهب الشيعي واحترامه أسوة بباقي المذاهب الاسلامية الأخرى، الى مستوى  فتح باب التمثيل أمام الشيعة في المؤسسات الدينية ذات البعد الاممي مثل رابطة العالم الاسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، والمجلس الأعلى للمساجد، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية وغيرها من المؤسسات التي تعنى بالشأن الإسلامي والإنساني العام، وهكذا إرساء أسس التقارب المذهبي إعتماداً على ميثاق الوحدة الإسلامية الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي - قرار رقم 98 (1/11) بتاريخ 25 رجب 1419هـ-  وباستراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية التي وضعها خبراء في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (أيسيسكو).

تؤكد المطالب الواردة في العريضة على إحساس وطني عميق لدى الموقّعين، فهم يؤكدون كما تنص العريضة على "إن المواطنين الشيعة في المملكة هم جزء أصيل لا يتجزأ من كيان هذا الوطن الغالي، فهو وطنهم النهائي، لا بديل لهم عنه، ولا ولاء لهم لغيره".

هذا الاحساس الوطني لدى الموقّعين هو الذي يخلق حافزاً لدى الموقعين للتطلع نحو المساواة أسوة بباقي المواطنين.

وقد كشفت العريضة عن أن التغييرات المأمولة في الوضع الشيعي منذ حوار المصالحة بين المعارضة الشيعية الممثلة حينذاك في الحركة الاصلاحية والحكومة السعودية في سبتمبر 1993 لم تتزحزح، فمازالت قائمة الشكاوى لم تتغير في مجال التوظيف في المجال العسكري والأمني والدبلوماسي، بل التمييز في التعيين الوظيفي يكاد يمتد الى كافة أجهزة الدولة وحسب العريضة "ومما يؤدي إلى الإحباط والألم عدم تمتع الكفاءات الشيعية بتكافؤ الفرص مع أمثالها التي تشق طريقها إلى مختلف المواقع والمناصب في الدولة، حيث يهمش هؤلاء بسبب انتمائهم المذهبي".

رابعاً: أن العريضة هذه وخلافاً لاجمالي العرائض السابقة التي رفعت من قبل وجهاء الطائفة الشيعية الدينية والاجتماعية، ترقّت بخطابها المطلبي الى مستوى المطالبة بالتمثيل السياسي في الجهاز التنفيذي للدولة، إضافة الى المطالبة بزيادة نسبة التمثيل الشيعي في مجلس الشورى وهكذا في الوزارات والجهاز الدبلوماسي عموماً.

خامساً: أن العريضة أعادت فتح الملف الأمني الذي كان من المقرر إقفاله أولاً بعد صدور النظام الأساسي في مارس 1992 بناء على المواد الضامنة لحقوق الانسان حيال تعديات أجهزة الأمن بخصوص حرية التنقل والسفر وعدم الخضوع للمراقبة والمساءلة الأمنية بدون الاستناد على أساس قانوني وثيق، وثانياً بعد الاتفاق مع المعارضة الشيعية في سبتمبر 1993 حيث كفل قرار ملكي بالعفو عن جميع العائدين الى البلاد، وإقفال الملف الأمني الخاص بكل فرد من أفراد المعارضة، الا أن ما حصل أن العائدين خضعوا للمراقبة والاستجواب والتوقيف عند الحدود وفي حالات أخرى تعرض بعضهم للإعتقال بناءً على إتهامات سابقة على عودتهم.

سادساً: أن سياسة التمييز الطائفي ضد الشيعة لم تتوقف حتى بعد المصالحة بين الحركة الاصلاحية والحكومة والوعود التي قطعها الملك نفسه في لقائه مع وفد الحركة عام 1993. فقد إستعادت العريضة شكوى  الحظر المفروض على الشيعة فيما يتصل ببناء المساجد والحسينيات وهكذا التمتمع بقدر كاف من الحرية على المستوى الثقافي، وبخاصة فيما يتصل بطباعة الكتب ودخولها أو إقامة مؤسسات ثقافية أو دينية. وفي السياق نفسه يطرح الموقّعون قضية المحكمة الشيعية في القطيف والاحساء ذات الصلاحيات المنقوصة نتيجة تدخل المحاكم الشرعية الكبرى. كما سلّطت العريضة الضوء على سياسة التمييز الطائفي المتبعة من قبل الدولة ضد الشيعة في المدينة المنورة، والذين لم يجدوا طيلة عقوداً وسيلة للتعبير عن سخطهم إزاء المضايقات غير المبررة التي مازلوا يخضعون لها.

مضامين العريضة فيما يتصل بهذا الجانب الخاص بالحقوق الدينية للطائفة الشيعية في السعودية تؤكد على أن التمييز الطائفي ضد الشيعية لا تفرضه جهات دينية فحسب بل ثمة إتجاه في الدولة يسند هذه السياسة ويغذيها.

وبطبيعة الحال، فقد كثّفت العريضة صورة السياسة الطائفية لدى المؤسسة الدينية المنعكسة في فتاوى تحريضية، وكتب ونشرات وخطب ومحاضرات والتي تؤدي في مجملها الى "خلق أجواء من الكراهية والنفور بين أبناء الوطن الواحد، مما يثير القلق على مستقبل الوحدة الوطنية، والسلم والأمن الإجتماعي".