العائلة المالكة عاجزة عن إدارة الدولة وعلاج مشاكلها الداخلية

علاج الشلل بالصدمات قد يكون حلاًّ

 خالد الرشيد

 الحديث عن أهمية الإصلاح في المملكة لا تحتاج الى مزيد من الإيضاح، ولا ينقص دعاة الإصلاح أتباع ومطالبون ومحرّضون، ولا يوجد ظرف ضاغط مثلما تشهده المملكة اليوم داخلياً وخارجياً. إن كل الظروف وكل الجهات والقوى الفاعلة بل والغالبية من الشعب السعودي تريد البدء بمرحلة جديدة من عمر الدولة السعودية، سماها البعض المرحلة الثالثة في الدولة السعودية الثالثة، اعتبر دخولها مرحلة النضج، ورآها البعض ـ في غياب الإصلاح ـ بداية النهاية لشيء إسمه دولة سعودية، وأنها ستلتحق بما اعتبره المؤرخون دولتين سعوديتين أولى وثانية.

ما الواجب عمله لم يعد أمراً غامضاً أو محفوفاً بالمخاطر، فالتجارب التي يمكن الإستفادة منها من محيط المملكة والعالم كثيرة، وبإمكان القيادة السعودية ـ إن لم يعجبها استنساخ خطوات من تجارب أخرى ـ إبتداع تجربتها الخاصة بها إن أمكنها ذلك. فالمشكلة التي تواجه المملكة ليست سابقة تاريخية، والحلول المجرّبة وآتت بالنفع ليست محل شكوك أيضاً.

ما لذي ينقص إذن؟

إنها عدم توفر الإرادة السياسية لدى القيادة السعودية!

ولماذا لم تتوفر لها الإرادة؟ هل هي عمياء أم متعامية عن قراءة الوضع السعودي الداخلي والأوضاع الدولية والإقليمية؟

كلا.. فهي تقرأ وتعي، ولكنها تبدو مشلولة عن الفعل!

ولكن لماذا هي مشلولة؟

الشلل له أسباب عديدة. البعض يعتقد أنه بسبب وجود جناح متطرف يمثله وزير الداخلية يرفض الإصلاحات ويدعو لمواجهة الإصلاحيين، وبحكم قوته على الأرض، فهو يمثل الحرس القديم، ويعتقد أن أي إصلاحات ستأتي بنهاية النظام السياسي الذي أقامه (الوالد المؤسس!) الملك عبد العزيز.

ولكن.. وكما نعلم، يوجد في كل طاقم سياسي حاكم جناح متشدد، ولكن تمّ التغلّب عليه ووضعه ضمن حدود لا يمكنه من خلالها التلاعب بمصير البلاد. حدث هذا في الأردن وفي اليمن وفي البحرين وغيرها. والحرس القديم الذي تمثله أجهزة الأمن كان دوماً ضد الإصلاح لاعتقاده بأنه سيكون أول ضحاياه!

فلماذا لم تستطع القيادة السياسية تخطي حاجز الحرس القديم؟

الجواب هو أن عدد الحرس القديم كبير وقوته فاعله، وسطوته مشهودة. في حين أن دعاة الإصلاح بين أمراء العائلة المالكة قلّة، ويتحركون على خجل، ويراعون التكتيكات والتفاصيل على حساب الخطط المنهجية والإستراتيجيا. لم يشعر الجناح المعتدل (الإصلاحي الى حدّ ما) الذي يمثله الأمير عبد الله ولي العهد بأن لديه القوة على فرض رأيه وخططه الإصلاحية، ولم يتأكد بأن الشارع السعودي قادرٌ على احتضانه حين يخسر القوى المحافظة (السلفيين تحديداً) والذين هم في مجملهم ضد أي إصلاحات (ديمقراطية) بل مع إصلاحات تزيد حصّتهم من الكعكة السياسية.

مشكلة المملكة اليوم تتمحور حول حقيقة وجود التوازن بين الصقور والحمائم، بشكل أفضى الى تعطيل قدرات الدولة وأجهزتها عن العمل بفاعلية. توازن القوى يبدو جيداً في حال استقرّ المنحى العام للنظام السياسي، أما اليوم فهو لا يخدم الدولة ولا طاقم الحكم نفسه. فالإجماع ـ ضمن التوازن الذي أشرنا اليه ـ جعل كل طرف عاجز عن تبني أي قرار أو مشروع جديد، ولا يوجد والحال هذه سوى تسيير الدولة وفق ما تمّ الإجماع عليه سابقاً دون إحداث تغييرات مطلوبة تتماشى مع المستجدات التي تمر بها الدولة والمنطقة. وهذا هو سرّ فشل كل مشاريع الأمير عبد الله التي تقدم بها خلال الأعوام القليلة السابقة سواء في المجال الإقتصادي أو الإجتماعي (انظر العدد الثاني من شؤون سعودية)، لأن من يعرفون بالصقور كانوا لها بالمرصاد.

لقد توقفت عجلة الإصلاح، بل لم تعد أجهزة الدولة قادرة على تحقيق الإنسجام بينها، ولم تعد تعمل وفق الأنظمة التي وضعت لها، وأصبح أداؤها هزيلاً يتجه الى الإنحدار يوماً بعد آخر.

والسؤال لماذا لا يستطيع الأمير عبد الله أن يأمر فيطاع؟ والجواب لأن كل وزير له مرجعية مختلفة ليس بينها مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء (الملك العاجز) أو النائب الأول له وهو ولي العهد باعتباره طرفاً في الصراع. الوزراء السعوديون يتبعون من أتى بهم الى المجلس، فقد جرى تحصيص المجلس بين كبار الأمراء، بعضهم يتبع عبد الله، وبعضهم سلمان، وبعضهم نايف وبعضهم سلطان، ولا يستطيع أحدٌ أن يقيل إلا وزراءه، ولا أن يفرض سياسة إلا إذا ارتضاها من أتى به. ومن هنا فإن أي أمرٍ يصدره عبد الله لا تطبقه أجهزة الدولة بالضرورة إلا بأمر من الأمراء الكبار، ولأن هؤلاء مختلفون تتوقف الحركة ويوضع القرار أو الأمر على الرف.

يجب أن يحسم شأن الحكم الداخلي، سواء لصالح الصقور أو الحمائم، فالدولة يمكن أن تسيّر وفق الديكتاتورية الى حين.. أما الحال الذي نحن عليه، فإن الإصلاحات ليست وحدها ضحية، بل مصالح المواطنين أنفسهم أيضاً.

طريقة الحسم تتخذ واحداً من صفتين: أن يحشد الأمير عبد الله الشارع السعودي الى جانبه في عملية التغيير، ورغم أن كل أمير له حاشية مثقفين يأتمرون بأمره، فإن الغالبية اليوم هي مع من يقود البلاد نحو الإصلاح. وقوة الشارع مفيدة في حال وجدت القيادة الحاسمة والجريئة والمستعدة للتبعات، والأمير عبد الله لم يبد ـ حتى الآن ـ حزماً ولا قوة، بل هو يميل الى أسلوب المصالحة والموازنة، وهنا مقتل النظام والدولة والمجتمع.

لن تحل الأزمة بدون عزل الملك لأنه عاجز عن ممارسة عمله، وتعين ولي العهد ملكاً، وبسلطته المعنوية يستطيع أن يبدأ في عملية التغيير، اضافة الى السلطة المادية التي يمتلكها (قوة الحرس الوطني).

الطريقة الأخرى للخروج من المأزق: هي انتظار أن يرشد الأمراء، وأن يتفقوا بينهم على ترتيب البيت الداخلي. ولكن ما يعيق هذا الحل، هو أن الزمن لم يعد عاملاً مساعداً في هذا الأمر، فالأحداث المتسارعة التي تتطلب قرارات حاسمة تزيد من الشقّة بين الطرفين وتجعل كل واحد يتخندق في مواقعه أكثر فأكثر. خاصة في غياب شخصية كبيرة تستطيع فرض سطوتها وهيبتها على الجميع. لم يعد هناك شخصية بوزن فيصل ولا أبو الشرين، ولو كان الملك فهد بعافيته لربما ما وصلت البلاد الى ما وصلت إليه. في حين أن التيار السديري لا يريد أن يمنح ولي العهد الفرصة إن لم ينتزعها هو ويثبت من خلالها قدرته على إدراة الدولة وفرض ذاته على العائلة المالكة قبل الشعب السعودي نفسه.

المملكة في مأزق، وسيستمر هذا المأزق إما الى الإنهيار أو حتى وقوع حدث كبير يلغي خارطة التوازنات داخل العائلة المالكة. قد يصنع الحدث: الشعب السعودي نفسه، أو الحليف الأميركي، أو كلاهما. اما العائلة المالكة فسيبقى العجز عن اتخاذ القرار الشجاع حليفها الى أن توجه لها صدمة تفيقها مما هي فيه.