مسؤولون جميعاً عن التغيير

ليحلّ الملف الشيعي ضمن البوتقة الوطنية

 مرتضى السيد

 هناك من يشكك وربما يرفض ما يأتي في خانة الحاجة الى (الديمقراطية) أو (حقوق الإنسان) ويراها مجرد لعبة بيد الغرب فحسب. ولكن هذا الصنف ـ المحسوب عادة على العائلة المالكة ـ يزعم ـ ولا يطبق ـ بأن مبادئ الحرية والديمقراطية ليست من الإسلام في شيء، بل هو يراها نقيضاً له. فالإسلام الذي يتم تبنيه اليوم في السعودية، هو إسلام من نوع مختلف: إسلام لا يؤمن بالحرية الفردية، ولا يؤمن بالتعددية، ولا يؤمن بأن للمواطنين حقوقاً أنّى كانت. إنه إسلام يرفع شعار (البيعة لولي الأمر) مع أن الأكثرية لم تبايع! فإذا كان الملك قد وصل الى الحكم سنة 1982، وسلّمنا بأن من هم آنئذ في سن الرشد قد بايعوا (أي من كانت أعمارهم 15 سنة فما فوق) فإن هذا يعني أن جميع السعوديين من ذوي الأعمار 25 سنة فما دون وهم يصلون الى 65% من سكان المملكة لم يكن لهم رأي في البيعة ولا في أي شأن سياسي.

لقد تم تشويه الإسلام، ووضع في تناقض حاد مع الحريات ومع حقوق الإنسان ومع التعددية. وهذا شأن أنظمة الإستبداد دائماً.

اليوم هناك مفردتان تزعجان السعوديين كثيراً: حقوق الأقليات، وحقوق المرأة. ومع أن الرجل كما المرأة في المملكة لا حقوق لهما في مملكة الإستبداد، فإن مقاييس الغربيين لتطور المجتمعات تقول بأن المرأة في المملكة تتعرض أكثر من أي أمرأة في العالم لانتقاص الحقوق. وبغض النظر عن صدق هذا من عدمه، فإن حقيقة أن المرأة السعودية منقوصة الحقوق لا تحتاج الى جدال، سواء وفق مقتضيات الشرع الإسلامي أو شرائع الأرض.

أما موضوع الأقليات، الذي اكتسب زخماً في العقود الأخيرة، فإن المملكة ابتداءً هي بلد الأقليات المناطقية والمذهبية. بعضها حاكم، وبعضها مشارك، وأكثرها مهمّش سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وإذا اعتبرنا الشيعة في المملكة أقلية مضطهدة، فإن ذلك مجرد تماشياً مع الجو العام، وإلاّ فإنّ الحقيقة تقول بأن المملكة لا تعاني من انقساماً شيعياً سنيّاً، بقدر ما تعاني من انقسام سلفي/ وهابي/ نجدي في جانب مقابل بقية السكان بمختلف مذاهبهم ومناطقهم، فهؤلاء هم المضطهدون المنهوبة حقوقهم في المجالات كافة.

والمواطنون الشيعة ما اكتسبوا أهمية كبرى نظراً لأنهم يشكلون 15-20% من عدد السكان فحسب، بل لكونهم يقطنون أهم منطقة في المملكة ويصنعون ثروتها الهائلة، ويعانون أكثر من غيرهم من أبسط حقوق المواطنة. لهذا اكتسب الملف الشيعي أهمية داخلية وخارجية، واعتبره كثيرون واحدة من أهم بوابات التغيير القادم في المملكة، أو أحد مؤشرات النوايا الحكومية فيما يتعلق بالتغيير والإصلاحات السياسية.

والغربيون ـ خاصة الأميركيين ـ الذين اكتشفوا الشيعة بعيد الثورة الإيرانية، وأعادوا اكتشافهم بعد سقوط النظام العراقي، تنبّهوا الى الكتلة الشيعية الملتهبة في المنطقة الشرقية السعودية، وهي كتلة قابلة لإعادة التصنيع والتثمير في ضغوط مباشرة على النظام السياسي السعودي الذي يتسم بالجمود، ويمارس الحكم بطريقته التقليدية التمييزية منذ نشأته.

بين النخب السياسية الفاعلة في المملكة، هناك من يراقب عن قرب ما يجري في المنطقة الشرقية، ويسلط الأضواء على نشاطات المواطنين الشيعية السياسية، وما إذا كان هناك من تغيير (اختياري) داخلي أو ضغط (خارجي) تكون ساحته تلك المنطقة. ويرى هؤلاء بأن المواطنين الشيعة هم أكثر تمرّساً وتنظيماً في المعارضة، كنتيجة طبيعية للقمع الذي طالهم منذ سنوات، وهم الأكثر تحفّزاً للتغيير (الوطني) كما أنهم وضمن الوضع القائم، إحدى أوراق الضغط الخارجية.

ومع أن المواطنين الشيعة أعلنوا مراراً عن رغبتهم في رؤية تغيير ضمن البوتقة الوطنية يمنحهم حقوقهم المبدئية كمواطنين، فشاركوا بشكل فاعل في وثيقة الرؤية وأكدوا ذلك في الوثيقة التي سلمت لولي العهد حديثاً المطالبة بإلغاء التمييز الطائفي على مختلف الصعد، رغم هذا فإن غياب توجّه محلّي رسمي لنزع الفتيل الشيعي قد يؤدي الى تغيير راديكالي في التفكير في كيفية (الخلاص) من مواطنة الدرجة الثالثة.. وهو أمرٌ يفتح الطريق لأي قوى إقليمية أو دولية لإستثمار ورقة (الأقلية) رغم عدم تعبيرها الصادق عن الحقيقة، في تدمير أُسس الدولة السعودية عبر التقسيم.

القوى الوطنية مطالبة بتكثيف الجهد لحلّ المشكل الشيعي ضمن بوتقة المواطنة والإصلاح الوطني العام المنشود. فالملف بأكمله ملف سياسي يدخل في صلب القضايا الوطنية ويؤثر عليها جميعاً. هنا لا بدّ أولاً من النظر الى الملف كقضية وطنية وليس خاصاً بطائفة أو جماعة نظراً لتداعياته على الجميع. ومن جهة ثانية نرى أن الإصلاح الوطني السريع ـ وبضغط من القوى الوطنية عامّة ـ يعجّل من سحب الملف ومعالجته خارجياً لأغراض لا تخفى، بحيث لا تستطيع القوى المعادية للمملكة كوطن ومصالح عليا من تحقيق غاياتها عبره.

وإننا كمواطنين أولاً وأخيراً.. من خلال هذا المنبر، نناشد عقلاء أمراء العائلة المالكة، بأن يتقوا الله في مواطنيهم ووطنهم الذي يحكمونه، وأن لا يضيعوا الوقت فهو ثمين وغال كما الوطن. لقد جاءت العريضة التي قدمها الشيعة في الثلاثين من الشهر الماضي (أبريل) وكلّها إصرار على حل الملف الشيعي ضمن بوتقته الصحيحة داخل الوطن وبيد قيادته، وكل من وقع على تلك العريضة كان يستشعر الخشية من انتقال الملف من يد ولي العهد الى أيدٍ خارج الحدود تعيث فيه وفي الوطن فساداً ودماراً.

الآمال كبيرة.. رغم أن الأجواء خانقة وتوحي بالأسوء.