حافظة طائفية فاجعة

 النزعة الميثولوجية المتوهجة بذلك الاستدعاء التاريخي المحشو بأوهام القراءة المفلوجة والمسكونة بحس مؤامراتي شرقي يحاول الصحافي البحراني حافظ الشيخ تقديم قراءة ناعية مرجفة لوضع سياسي إقليمي تنخفض فيها قوى وترتفع أخرى ليس للعوامل المحلية دخالة من أي نوع في صياغته أو توجيهه.

رسالة الشيخ الافتجاعية المنشورة عقب سقوط ما أسمته الزميلة (الحجاز) بـ (الزعيم الورقي) في بغداد تعكس ذلك الاضطراب الشعوري الذي حكم حمولة كتاباته الصحافية وخصوصاً حين يغمس قلمه في حبر الطائفية ليخط سيرة ميثولوجية ليست تاريخية ولكنها إبتكار فريد في صناعة الاسطورة، والمحبوسة في قدرية تاريخية مغلقة، ترى بأن ثمة قوى تآمرية قد حاكت في ليل حالك قصة الهيمنة على العالم.

تلك القراءة المدقعة لا تتطلب رداً لولا أن الصحافي حافظ حفظ شيئاً من اللياقة الصحافية حين زجّ باسم الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية بالسعودية ضمن خطوط الوهم التاريخية لفبركة رواية تاريخية رديئة السبك والعبارة والغرض، فيقحم فيها الصحافي الحصيف هذه الطائفة ضمن مخطط الهيمنة المتواطئة مع قوى الصهيونية والإمبريالية الأميركية، إستكمالاً لما أسماه بـ "الاستراتيجية القديمة المستقرة في الفكر الاستراتيجي للدولة الصهوينية" والتي وجدت في إنهيار صنم بغداد الفرصة التاريخية السانحة لتنفيذها ولكن على يد الشيعة في السعودية!!.

استحواذ الحزن العميق على الشيخ بسبب إنهيار السلطة في بغداد، قد تكون إستدرجته نحو الانزلاق الطائفي والتعبير بطريقة منلفته عن مشاعر هي في الاصل مرشحة للانفلات كرد فعل على السقوط المدوّي للنظام البعثي في العراق. أما أن تخرجه تلك المشاعر المنلفته الى حد إتهام الطائفة الشيعية بناء على "مصادر موثوقة جداً" على طريقة مصادر علماء السلف عن الشيعة "حدّثني ممن أثق به" وهي مصادر لا تخلو إما من الكذب او التحامل، وفي كل الأحوال فهي مصادر مجروحة إبتداءُ، إتهام الطائفة بالتواطىء مع الأميركان الذين باغتوهم بالاتصال لتؤدي في المحصلة النهائية الى "مخيفات في المستقبل القريب، تنطلق من العراق سلماً أو حربا، ثم بتاتاً لا تنحصر في المنطقة الشرقية للسعودية".

كنت أعتقد بأن إختلاط حافظ الشيخ بالشيعة سواء في البحرين أو السعودية قد أعانه على تبديد أوهام طالما وردت في تراث  رموز دينيين مقدّسين لديه والتي ترى بأن سقوط الخليفة العباسي تم بمؤامرة  شيعية قادها العلقمي كيما تحتل قوافل المغول تراب المسلمين، ثم تشابكت خيوط المؤامرة، كما يصيغها المخيال الشعبي ذوي النزعة السلفية المدقعة،  خلال الصراع العثماني الصفوي، لتكتمل في سقوط بغداد الثاني في التاسع من أبريل الماضي، وإتماماً لعملية الخداع الذاتي، حيث تنتعش الغريزة المتعطشة نحو ربط الحوادث وفق تركيبة مؤامراتية، يتحقق فيها الربط  على سذاجته بين سقوط بغداد الأول المؤذن بنهاية الخلافة العباسية، وسقوط بغداد الثاني في التاسع من أبريل الماضي ونهاية الخلافة البعثية. أتطلع الى يوم يقرأ فيه هؤلاء التاريخ من غير تراث المقدّسين من رموز السلف والتي تمثل تاريخاً ثانياً للتاريخ، كما أتطلع لأن يقرأ الشيخ تاريخ الدولتين العثمانية والصفوية قراءة غير إنتقائية، حتى لا يتعثر بالاضفاءات الدينية على كل من الدولتين، وحتى لا يلبس العثماني زياً سنياً أو الصفوي زياً شيعياً.

إن نظرة عامة في القراءة المفجوعة للوضع السياسي الراهن وإيجاد مستند تاريخي متوّهم كما يناضل الشيخ ويصر على تحقيق ذلك، وهي قراءة بالمناسبة تلقى إعجاباً وتستجيب لنزعة المخاصمة الطائفية لدى بعض أقطاب التيار السلفي، لا تضيف سوى جرعة حزن أخرى وأسف على إنحدار ساحق في الوعي السياسي والتاريخي.