بيضة وحجر يشجّ الرأس

 

 اللعب بالبيضة والحجر فنّ ولكنه خطر ومحفوف بالمصاعب.

تأتي على الدول أزمات تكون الخيارات أمامها بين السيء والأسوأ، وليس الحسن والسيء، وقد توفق للإختيار الأسهل أو الأقل كلفة.

نحن في المملكة لا نطالب المسؤولين بالمستحيلات، ونعلم حجم الضغوط التي يعانون منها، ولكنها من وجهة نظرنا لا تكفي أن تكون مبررات للفساد والإستبداد الذي نعيشه.

أمام المسؤولين ملفات ومطالب متناقضة التوجهات لم تحسم.. طال تأجيلها منذ عقد الخمسينات وحتى اليوم. والملفات هذه جرى التعامل معها بسياسة البيضة والحجر، ولكثرة الأخطاء تكاد البيضة أن تنكسر، والحجر أن يتلوث أو يشجّ رأس اللاعب به.

لا يستطيع أميرٌ أن يقول بأن دولتنا (سلفية) وأن من لا يعجبه يبلّط البحر أو يشربه إن شاء. تريد دولة سلفية؟ إذن إدفع ثمن ذلك عنفاً وتطرفاً وتناحراً إجتماعياً وتآكلاً في شرعية حكمك، وربما تقسيم (ملكك!).

وتريد من كل مواطن أن يصبح خفيراً، كما يحلو لبعض الكتاب والمشايخ الذين يتقمصون دور رجال الأمن، أو هم كذلك بالفعل.. فهذا لا يكون ولم يكن في التاريخ! ومع هذا فإن المواطن يطلب ثمناً للتعاون معك، هو أن تشركه في المغنم وليس المغرم فحسب. تشركه في صناعة القرار وقت السلم، حتى يتحمّل مسؤوليته وقت الأزمات.

وتريد إصلاحاً بدون تنازلات، وهذا لا يكون. فالإصلاح مصحوب بالتنازل والجراحة والألم، شأنه في ذلك شأن الإنهيارات الأمنيّة، وما يصحبها من معاناة ومآسي. وإذا لم تكن تريد إصلاحاً، أيها الأمير أو المسؤول، فلا تطلب ـ إذن ـ تعاوناً من المواطن، ولا رضاً من العامة، ولا حبّاً قلبيّاً خالصاً، ولا تتوقع عوناً بل شكّاً يبادل شكوكك فيه، واحتقاراً يقابل احتقارك له، وتقزيماً لشخصك مقابل تقزيمك لدوره.

وتريد وضعاً أمنيّاً مكيناً، وأنت لا تنه عن الفحشاء والمنكر (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً) فتأكل حقوق المواطنين وتتلاعب بمقدرات الدولة وتنهب ميزانية الخدمات وتفرض الخوّة على رجال الأعمال، وتجعل المواطن بلا مستقبل تعليمي أو وظيفي. فكيف يأتيك الأمن؟

وحين تطلب الدفاع عن الوطن ضد التآمر أو العدوان الخارجي، فكّر فيما صنعته يداك من تمزيق للشعب، وإهانة لكرامته، واستخفافاً بمعنوياته. فالمواطن لا يستطيع حتى لو أراد أن يدافع عنك. من لا تحفظ كرامته لا يستطيع أن يحفظ كرامة وطنه، أو أن يدافع عن نظامه السياسي الذي لم يكن له خيار فيه.

وبالمختصر المفيد نقول لأمراء العائلة المالكة: عاملوا الناس بمثل ما تحب أن يعاملونكم به. إذ لا تستمر علاقة حب وود من طرف واحد. فمن يحمل العصا بوجه شعبه، يكون أحمقاً إن توقّع يوماً أن هذا الشعب سيرضى عنه وسيدافع عنه وقت أزمته.

نقول لكبار رجال الحكم.. تنازلوا قليلاً لتكسبوا كثيراً. تعلّموا ـ وإن كان التعليم في الكبر كالنقش في الماء! ـ أن تحترموا شعبكم، وأن تهذّبوا تصرفاتكم، وتضبطوا تعديات أبنائكم وصبيانكم الذي يبطشون بالناس ويعتدون على حقوقهم بعصاكم. أروا الناس جديّتكم، وأنكم معهم (في إطار واحد) كما تقولون. فالشعارات لن تجلب قنينة دواء لمحتاج، ولا أن تعيد مظلمة لمعتدى عليه، ولن توفر كرسياً لمتعلم أو وظيفة لمتخرج ومحتاج.

أثبتوا لنا أنكم تحبوننا ـ عملياً ـ لكي نستطيع أن نسامحكم، ونفتح صفحة جديدة معكم، وليخرج حبّنا صادقاً لا نفاقاً نعلنه لكم ونفصح عن خلافه حين نختلي بأنفسنا بعيداً عن أعينكم.

لقد أعمت الثروة والسلطة معظمكم.. ولكن تذكّروا أن الله لم يخلقكم دون سواكم، وأن لو دامت لغيركم ما وصلت إليكم، وإن الإعوجاج إن لم تصلحوه بأنفسكم وبالصادقين من شعبكم، سيوردكم المهالك ويكون في ذلك حتفكم، شأنكم في ذلك شأن الآخرين.

قد تقولون: قديمة، سمعناها ولم تحدث!

هل تضمنون أن لا تحدث؟!