النخبة السعودية ضحية وأداة بيد العائلة المالكة

من بقي صديقاً للأمراء يحترمونه؟

 فيصل الزامل

  الأمراء لا يرون في الكفاءات المتوفرة تحت أيديهم سوى أدوات قابلة للإستخدام، يقربونها ويبعدونها حسب الظرف والمزاج أحياناً. ومثل هذه الريبة تجعل ممن يوصفون بأنهم أيدي النظام والمقربين منه، وأعمدته أحياناً، يحتقرون الأمراء في دواخلهم، ويشتمونهم في سرّهم، ويستشعرون الإهانة كلّما وقفوا بين أيديهم.

 خارطة الأصدقاء والأعداء غير واضحة المعالم لدى أمراء العائلة المالكة.. فجميع من يعمل مع الأمراء من وزراء ووكلاء ومدراء عامون وصحافيون وإداريون وحتى السفراء ومنسوبي البعثات الدبلوماسية.. معظم هؤلاء يقعون في دائرة الإتهام بالفعل لا بالقول.. إذ تجري مراقبة حركاتهم، وخطوط تلفوناتهم، وما يرد إليهم من رسائل وفاكسات، وتتابع نشاطاتهم في الداخل والخارج، مع من يلتقون وبماذا يتحدثون، وتسجّل عليهم شطحات القول، ولا تُقبل منهم الإعتذارات، ولا يُقدّر ما بذلوه من جهد ونشاط في خدمة الدولة والعائلة المالكة نفسها، فإذا ما حان حينهم، يتمّ طردهم بأبشع صورة وأكثرها إهانة، والأمثلة كثيرة هنا لا نحتاج الى إعادة سردها.

أوضح ما يمكن الإستشهاد به في هذه الأيام فيما يتعلق بعدم قدرة الأمراء على فرز الألوان، وعبثهم السياسي، هو تعاطيهم مع التيار سلفي ورموزه، فمن نستمع إليهم اليوم على شاشات التلفزيون، ومن يديرون الحوار والنقاش، ويدعون للإئتلاف والوحدة، هم خريجو السجون بالأمس، ممن كانوا يوصمون بالتطرّف ـ وقد كانوا في الغالب كذلك ـ والسبب في تحوّل موقف الأمراء منهم، رغم أنهم لازالوا في دائرة الشك والشبهة، هو أن الحكومة لم تعد قادرة على ضبط فلتان التيار السلفي عبر رموزها الرسميين ممن يوصمون بـ (وعاظ السلاطين). وكانت الحكومة قد تعاطت مع التيار الديني المعتدل (بحق) بشيء مبالغ فيه من القسوة وفصلتهم من أعمالهم، في حين أنهم كان يجب أن يكونوا في رأس القائمة التي تتولّى ترشيد الهوس الديني العنفي الجامح. غير بعيد عنّا ما حدث للدكتور المفكر عبد الله الحامد وفصله من عمله، وكذلك فصل الأستاذ حسن فرحان المالكي من عمله، وطرد الأستاذ منصور النقيدان من صحيفة الوطن، وغيرهم. إن سياسة التخلّص من رموز الإعتدال، يجعل الشارع السلفي فريسة للتطرف فكراً وقيادة، ومهما غالى هؤلاء بالعمل تحت مظلّة السلطة وبتوجيهات وزارة الداخلية، فإن الأخيرة قد تنقلب عليهم في أي لحظة.

إن التيار السلفي ـ وكما هو واضح من تاريخه ـ يفرز بين الآونة والأخرى نسخته المطوّرة من العنفيين المتطرفين، ومع الزمن يتحول هؤلاء الى معتدلين (بالمقياس السلفي السعودي طبعاً!).. فيأتي غيرهم ويؤسس لمرحلة راديكالية جديدة قائمة على نفس المنهج والفكر. يكفينا أن الشيخ ابن باز كان ينظر اليه على أنه أحد رموز التطرف في الخمسينات، فأصبح مفتياً ومدافعاً عن النظام بعد أن كان يتعرّض له بالنقد والتجريح الشديد، الى حد تهديده بالقتل من قبل الملك عبد العزيز كما هو معلوم ومنشور. وجاء جهيمان بنسخة جديدة من التطرف تمّ بترها، ثم جاء في التسعينات من يصنفون اليوم كرموز للصحوة، فكانوا شباباً شديدي العنف والتطرف، مثل: عائض القرني، وسلمان العودة، وسفر الحوالي، وناصر العمر، وعبد المحسن العبيكان وغيرهم. وبعد السجن والمراجعة أصبحوا يميلون الى الهدوء، فظهر مكانهم آخرون، في نسخة متطرفة جديدة: ناصر الفهد، وعلي الخضير، وحمود العقلاء، وأحمد الخالدي، وغيرهم. وإذا ما انتهى هؤلاء بتراً (كما أعلن مؤخراً عن احتمال مقتل بعضهم) أو اعتقالاً، فسيظهر توجّه جديد.

هذا يقودنا الى حقيقة أن الفكر السلفي المتواجد بين أيدينا هو الذي يصنع أمثال هؤلاء. وإذا كان هناك من إصلاح فليتوجه الى هذا قبل محاربة ناتجه. بيد أن السلطات الأمنية يهمّها معالجة الإنشقاقات العنفية، ولم يظهر حتى الآن أنها بصدد مواجهة المنبع، فهذا يخيفها كثيراً، خاصة وأن الدولة قامت على ذات الأساس الأيديولوجي المتطرّف، ومن المحتمل فقدانها لشرعيتها في حال وقعت المواجهة.

ويبقى أن العائلة المالكة لا تنظر الى رجال الدولة من خارجها أو أي رموز إجتماعية إلا بعين الشك وتعتبر تصاعد سمعتهم انحطاطاً لها، في وقت لا يراد أن يعلو إسم غير إسم الأمير الفلاني والعلاني.. وبهذه الرؤية تؤسس العائلة المالكة لنفسها موقع النقيض تجاه كل هؤلاء، وينتفي الحبّ بينها وبينهم، وتتقلّص العلاقة الى مجرد مصلحة مشتركة قابلة للنقض في أي لحظة. ومع أن مشاعر الغيظ بين رجال الدولة لا تظهر على السطح إلاّ في المناسبات، إلاّ أن كثيراً من الوزراء والمسؤولين يتحدثون بسخرية عن العائلة المالكة وفسادها وطغيانها، مما يرجح أن انقلابهم عليها سيكون مؤكداً حين تساء معاملتهم أو يقذفون خارج وظائفهم بدون مبررات واقعية ووفق المزاج الشخصي.

اليوم نحن أمام حالة عامّة ساخطة ضد رجال الحكم الأساسيين، تشمل القريب والبعيد من دائرة صنع القرار، بعضها لأسباب عامّة وأخرى لأسباب شخصيّة.. وهذا يزيد من الحواجز النفسية والعملية بين العائلة المالكة ونخبة المواطنين الذين تحوّل الكثير منهم الى خصوم يرفعون الصوت مطالبين بالإصلاح.

ومع أن التفجيرات الأخيرة قد لا تلقى قبولاً كبيراً في الشارع السعودي، إلاّ أن شيئاً من الرضا الداخلي ينتاب النخب السعودية وكأنّها جاءت للإنتقام من أجلهم، وعلى أمل أن تضعف تلك التفجيرات صقور العائلة المالكة، وتكثّف الضغوط الأميركية ـ الغربية ضدّهم، وتالياً تؤدي الى إحداث فرجة تنفّس الإختناق السياسي التي تعيشه البلاد في مخاض سياسي طال أمده لم يسفر حتى الآن عن تغيير سياسي إو إصلاح إجتماعي.