(صفقة) الإصلاح

  

واضحٌ أن العائلة المالكة تخشى الإصلاح السياسي، والسبب أنها غير مطمئنة على قدرتها في التحكّم في اللعبة السياسية وضبط أصول التغيير. فقد تتسارع الإصلاحات خارج سيطرتها، وتقتحم معاقل الأمراء وتنزلهم من علوّهم، وتفضي الى محاسبة بأثر رجعي، وتعدي للخطوط الحمراء التي تجعلهم بصلاحيات قليلة.

في الطرف الآخر، هناك بين الإصلاحيين من يتحدث عن إصلاح راديكالي، يشمل أول ما يشمل العائلة المالكة وتقليص نفوذها وامتيازاتها الى أبعد حدّ يمكن الوصول إليه، الأمر الذي زاد من تخوف الأمراء، في وقت يبدو فيه أن هذا التيار الإصلاحي غير قادر على فرض الإصلاحات بفعل سياسي متقدّم وناضج حتى الآن، مثلما هي العائلة المالكة غير قادرة على تفادي الى ما لا نهاية المطالب الإصلاحية المتعاظمة والتي قد تتطور في المستقبل الى المزيد من العنف.

ولذا يرى البعض أن لا مناص من الدعوة لحوار وطني يتم من خلاله عقد (صفقة) تكون بمثابة عقد اجتماعي جديد، يكون أحد طرفيها العائلة المالكة التي تحتفظ بنفوذها ومصالحها من جهة، مع تحديد هذه المصالح، وترسيمها بصورة قانونية، وبين ممثلي الجمهور والشعب، الذي يحصلون على جزء من مطالبهم في الإصلاح. أي أن المطلوب ـ حسب وجهة النظر هذه ـ توضيح حدود الفضاءات السياسية في البلاد، بحيث تشيع إطمئناناً لدى الطرفين: الشعب والعائلة المالكة، وبحيث لا يتعدّى كل طرفٍ على فضاء الآخر رغم ما في ذلك من صعوبات.

ويرى أصحاب هذا الرأي، أن مثل هذه الصفقة ـ العقد قد تمّ تجربتها في الغرب (بريطانيا بين العائلة المالكة والبرلمان) وفي الكويت (بين العوائل التجارية والعائلة الحاكمة هناك) والى حد ما في الأردن والبحرين مؤخراً.

يتطلب هذا الطرح، حسب القائلين به، سيطرة لأمراء الأسرة على الوزارات السيادية (الخارجية والدفاع والأمن/ الداخلية إضافة الى رئاسة الوزراء) وهذا يعني انسحابهم من الوزارات الأخرى جميعاً كوزراء أو وكلاء وزارات أو أي نشاط يدخل ضمن إطار ما تبقى (مثل أجهزة الإعلام والصحف التي يمتلكها الأمراء).

أيضاً يتطلب الأمر تحديد فضاء تقسيم الثروة: ما للشعب وما للعائلة المالكة. إذ يفترض أن يجري تحديد حصّة الأمراء من الميزانية، وليس نهبها كليّاً والتلاعب فيها. كأن تخصص لهم 20% منها، على أن تسحب سيطرتهم فيما يتعلق بالأراضي الحكومية، ويمنع نهبهم لها، وأيضاً أن لا يتدخلوا في مسائل بيع النفط وتحصيصه بين الأمراء كما نشهده اليوم، فهذا له عشرين مليون برميل والآخر له ستين وهكذا.

المشكلة في المملكة أنها أصبحت في عرف الأمراء (ملكاً وتملكاً) خاصاً بأهلها وثرواتها وأراضيها، ولذا لا بد أن يتم (الإعتراف) ابتداءً بأن الناس (اي المواطنين) شركاء في الأرض (الثروة) وفي القرار (السلطة). وإذا ما تمّ هذا الإعتراف وتمّ فضّ الإشتباك بين الفضاءات الخاصة والعامة، فإن المستقبل سيشيع إطمئناناً لدى الأمراء ولدى المواطنين على مستقبلهم ومستقبل أجيالهم. أما احتكار السلطة والثروة بيد العائلة المالكة، فإنه لن يقبل به مطلقاً، ومن له الغنم الكامل سيتحمل الغرم الكامل فيما إذا تعطلت الحلول (الوسطية) المعتدلة، وسيفضي الأمر الى مطالبة راديكالية بتأميم السلطة والثروة مع إقصاء تام للعائلة المالكة وإسقاطها. ومثل هذا الإحتمال ليس بعيداً، وهناك من يروّج له ويدعو إليه، ويعتقد بأن الحلول (المهادنة) لا تفيد.

فهل يقبل الأمراء بأنصاف الحلول؟ أما يقامرون بمستقبلهم ومستقبل الوطن كله؟