أحداث سبتمبر تفتح ملفات النشاط الديني السعودي

 

 قضية الموظف السعودي في سفارة السعودية بواشنطن والذي يستظل بالدبلوماسية لتغطية عمله ضمن جهاز الإستخبارات، لا تزال تثير الكثير من الجدل بين واشنطن والرياض. فالحكومة السعودية ترفض تسليم عمر بيومي لواشنطن، إمّا لأن الأدلّة الأميركية غير كافية لإدانته ومن ثمّ تسليمه، أو لأن الإستجابة تشكل خرقاً للسيادة السعودية على مواطنيها، أو عبر محاولة تبرئة نفسها من أن البيومي لا يعمل في الإستخبارات السعودية، حرصاً على رؤوسائه الإمراء (تركي الفيصل بالتحديد)، واستباقاً لوقف تسلسل الإدانة من البيومي الى الأمراء السعوديين، أو لكل هذه الإسباب إضافة الى أن الطلبات الأميركية لن تقف عند حدّ، بل ستزيد مطالبة بأشخاص آخرين من الأمراء أو رجال الأعمال.

مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس، كما الرئيس بوش، طالبا وزير الخارجية السعودي في زيارته أواخر الشهر الماضي لواشنطن بتسليم البيومي، ولم يقبلا ـ حتى الآن ـ بأيّ تنازلات سعودية، قدّمها الأمير بنفسه، حيث أعلن استعداد بلاده بأن يتم استجواب البيومي في السعودية من قبل محققين أمنيين أميركيين سواء من الإف بي آي أو السي آي أيه. وقالت مصادر مطلعة، أن لقاء وزير الخارجية سعود الفيصل مع الرئيس بوش دام 15 دقيقة، وأن الوزير السعودي جوبه برفض حاد وقطعي فيما يتعلق بإطلاع السلطات السعودية على الصفحات الثمان والعشرين التي رفضت الإدارة الأميركية تضمينها لتقرير الكونغرس العلني حول أحداث سبتمبر. وهذه الثمان والعشرين صفحة تحوي اتهامات كثيرة لعمر البيومي وأمراء ومسؤولين سعوديين كبار بتسهيل ودعم نشاطات القاعدة.

ما يهمنا في هذه القضية أمورٌ ثلاثة:

الأول، هو أن الولايات المتحدة كما الحكومة السعودية مسؤولتان بشكل مباشر عن أحداث سبتمبر، فهما من هيّأ مناخ العنف وروّج ودعم الفكر المتطرّف حين كان ضد غيرهما من الدول أو العقائد والأيديولوجيات؛ وهما من موّل الكثير من الحركات الإفغانية وغيرها ابتداءً لمحاربة الشيوعية في أفغانستان، ثم لحسم المواقف ضد هذه الجماعة أو تلك. هذا لا يعني بتاتاً أن أسامة بن لادن أو أفراد القاعدة عملاء للولايات المتحدة أو للحكومة السعودية، فجلّ ما يمكن قوله أن (العفريت) أُخرج من قمقمه، بقرار سعودي وحثّ أميركي ولا أحد من الطرفين يستطيع إعادته إليه، لذا بدءا يوجهان اللوم أحدهما للآخر.

الثاني، بالرغم من أن الحكومة السعودية تحاول إيجاد المشترك بين البلدين أمنياً كما سياسياً واقتصادياً، خاصة بعد أحداث 12 مايو في الرياض، حيث أصبح الحديث يدور حول اختلاط الدم السعودي بالدم الأميركي، ورُفع شعارٌ يقول: معاً في مركب واحد ضد الإرهاب، وغير ذلك.. بالرغم من هذا، لا يبدو أن الإدارة الأميركية قد استوفت غرضها من أحداث سبتمبر، فهناك ثمنٌ لا بدّ للسعوديين من دفعه، مالاً كتعويضات، وتنازلات سياسية وسيادية واقتصادية، وتعديلات هيكلية داخل جهاز الحكم.

الثالث: إن ملف أحداث سبتمبر، بل ملف العلاقات السعودية الأميركية، سيبقى ملفاً ساخناً، يصعب طيّه حتى مع توافر حسن النوايا من الطرفين، وهو أمرٌ غير مؤكد على الأقل من الجانب الأميركي. وكلّما حاول السعوديون طيّ الموضوع، ظهر آخر، بالنظر الى تشعّب القضيّة، وفتح ملفات مضى عليها خمسة عشر عاماً؛ إذ أن موضوع التمويل السعودي للنشاط الديني ضخم وهائل وتقف وراءه جهات وأطراف ومؤسسات متنوعة ، وفتح ملفاته يسبب صداعاً هائلاً للمسؤولين السعوديين، ظنّوا أنها قد أودعت في (الأرشيف). وبلا شك هناك جهات أميركية تحرّك الملف السبتمبري لأغراض متعددة، كلها لا تصب في خدمة صانع السياسة السعودي.