اللحى الوسطية تشن هجوما على اللحى المتطرفة

 عبد العزيز الخميس*

 

حينما يختلف الملتحون في بلادي، تسارع الزهور الى الاختباء تحت الأوراق الخضراء، وتبحث الطيور عن أعشاشها خوفا على أطفالها، وتقبل على قريتي الصغيرة سحابة ضخمة من الغبار الذي يملأ الحلوق ويغطي الأعين.

حينما يشتم اهل العمائم بعضهم بعضا، لا يجد طفلي سوى ان يتوارى خلفي خوفا من ان يطاله السباب، ولا أجد انا سوى ان أصر على اسناني، فهم يتحدثون بإسمي، ويدّعون ان هدفهم اصلاح بلادي، بينما لا يعدو الأمر صراعاً بين شلّة من اللصوص الذين خطفوا وطني وقادوه في طريق مظلم، تحفه اشواك الكراهية، وتقطعه سيول من الدم تسيل من سجونهم متسللة الى عيني كي يملأها بالدمع، وقلبي بالحزن.. قلقاً على مصير ابنائي الذين لا ارى لهم سوى سوط جلاد ينتظرهم في شوق لسلخ جلودهم الرقيقة. لكن ما يزيد من غضبي ان هذا الجلاد هذه الأيام غاضب على وضعه، ويريد ان ينال حقوقه كاملة، وأبنائي لا يعرفون من الأمر شيئاً، بل أنني أدس وجهي بينهم واتساءل: هل بقي لي من المعرفة شيء استطيع ان انقله لهم. لقد اختلطت المفاهيم، فلصوص الأمس يتنازعون ـ وفي وسط بيتي وأمام اطفالي ـ أمامي حول حقوقهم في جلدي وتعذيبي وانتهاك حقوقي. هؤلاء الملتحون المتمردون لا يرون في حقوق الانسان سوى حقهم في سومي العذاب، يتمترسون خلف الحقوق الشرعية كي يشرعوا لأنفسهم استئصالي وبتر اعضائي وقطع رأسي أمام قومي.

من هم هؤلاء؟ ولماذا يتباكون علي بينما لا يقدمون لي سوى القمع؛ إنهم يحتجون على ولي أمرهم وينكرونه ويشتمونه ليس من أجل رفع المعاناة عن نفسي، ولا لأن اطفالي في خطر داهم، أو لأن حقوقي مهدرة، وحريتي الشخصية منتهكة، وحياتي على ارجوحة يتفانون في القفز على طرفها الاخر بقوة حتى يهدوا عظامي ويرفعونني ثم يسحقونني ارضا.

هؤلاء الملتحون يبكون من قمع ولي أمرهم وسومه لهم ولا مشكلة لهم معه سوى انهم يريدون ان يضيقوا علي اكثر مما يقوم به ولي أمرهم. لقد اعتبروني نكرة لا صوت لي؛ فما أنا الا من العوام، لا شأن لي، فلا لحية املكها، ولا مسواك.. لذا فأنا خارجي فاسق فاجر منافق! أنا ـ من وجهة نظرهم ـ مشرك شركاً أصغر!، ومتى ما استطابوا قطع رأسي وصموني بالمشرك الأكبر، ومتى ما ارادوا حفلة دموية فأنا كافر مرتد.

ما لهذه اللحى التي تكومت على شاشة تلفازي وأمسكت بشعيرات بعضها البعض في نقاش أعمى محموم تعتبر نفسها المتحدث بإسمي؟ وما الفرق بينها وهي إذ تعتبر نفسها معارضة، وبين ولي الأمر؟ اليسوا كلهم يحكمون باسم شعيرات اللحى أسفل الوجوه ويعتبرون أقصى غاية الدين حفّ الشوارب؟.

ماذا تريد تلك اللحى؟ هل تريد مساجد أكثر، ولحى أطول، وقوة جوية لهيئة أمر معروفها ونهي منكرنا؟! ما لهذه اللحى وحقوق الانسان؟ وهل ستبدأ بنفسها فتتيح لي حقي كمواطن ان اسألها بحق السماء من اين لها هذا الجبروت والتحكم في غطاء رأس زوجتي ولون ثلاجة منزلي والى اين سأذهب في الصيف؟

ما لهذه اللحى المعارضة والشفافية، وهي لا تعرف منها الا درجة شفافية عباءة أختي ومدة حقها في مساءلة أخي الى اين سيذهب في المساء، ولماذا يتجول متأخرا في حديقة حيّنا الخربة؟.

ما لهذه اللحى والمساءلة القانونية؟ وهل ستسمح لي كمواطن ان اسألها بأي حق تحكمني في كل تفاصيل حياتي، ومن أذن لها ان تصمم لي ماضيّ وحاضري؟

هذه اللحى لا تعتبر رأيي مهماً، فقد حصرت الاختلاف في الرأي والتعبير الحر المعارض لتوجهات النظام بها، وظهر مصلحها الداخلي وهو يحمل رسالة من مصالحه الداخلية كي يقول انه وبضع لحىً أخرى هي وحدها من يحق له أن يختلف مع النظام، أما أنا وغيري من شيعة وليبراليين، فلا نستحق ان نقول رأينا، ولسنا اصحاب رأي آخر؛ وحدهم أصحاب اللحى من له حق الحديث، وحينما يطالبون بحرية التعبير فلا يعنون سوى حقهم في التعبير عن كرههم لي واستئصالهم لدوري في صيانة مصالح اطفالي.

هذا المصلح الذي انهى اجتماعه مع من قمعه ليستلم جواز سفره مقابل ان يشتم اللحى الرفيقة السابقة على العلن، لا يعرف من الاصلاح سوى اصلاح غترته، ولا يفهم من الرأي الاخر سوى رأي قامع آخر مثله، وهو لا يعشق سوى ان يتمكن هو ولحاه المعارضة من ان يطور هيئته ويحولها الى جهاز مسلح بآخر التقنيات.. فبدلا من الاستنتاج بأنني منافق، سيتمكن من اثبات انني كافر. وهو يكره الغرب والشرق، ويعترف بأنه وسطي، لكنه لا يفهم من الوسطية سوى ان يفترش مكانا وسط اللحى الصغيرة محرّضا اياها على كرهي لأنني لم أحف شاربي، ولم أطل لحيتي، ولم أجد لي مكانا وسط حلقته الوسطية.

هل يفهم هذا الملتحي الوسطي انه يبتعد عن الحافة قليلا، وان نقطة الوسط بعيدة عنه بعد سوط الجلاد عن جسد ولي أمره؟ وهل يريد من اطفالي ان يصدقوه وهو يعتبر زملاءهم في المدرسة أنجاس اشرار لأنهم يختلفون عنه في المذهب، بينما يعتبر ذهابه الى قاعة ملحقة بمكتبة كي يتحاور مع آخرين يشهدون معه ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله، منّة من عظمته، وتنازلا خطيرا بأن يضمّه نفس المكان الذي يضم هؤلاء المارقين الجعفريين والحنفيين والشافعيين والمالكيين.

ايها الوسطي الملتحي! هل تعرف ان ابنائي لا يرونك سوى رجلا غريبا، لست من ملتهم ولا تنتمي اليهم، ناهيك عن ان تتحدث عن مستقبلهم. فما تكنّه لهم لا يعني سوى انك تريدهم ان يكونوا وقودا مستقبليا لمحرقتك المليئة بالكره للآخرين، ولا يرون في وسطيتك سوى انك تتوسط شلة كارهي الحرية، ومبغضي السلام؛ فلا انت مع القتل السريع ولا البطيء، بل تؤمن بأن دس السم في العسل افضل لتحقيق الحقوق الشرعية.

كثيرون يستغربون كيف تقضي نهارك في مكتب ضابط أمن الدولة، بينما تذهب في المساء الى التلفزيون لتقول انك ضده، لتعود في الصباح اليه مستشارا وسطيا! يا هذا! هل يعقل انك تعيش في دولة طبيعية تمنحك حق التعبير في المساء، وحق جلد الآخرين في الصباح؟ هل ترى حولك رفاقك بعد ان قادوا مجاهديك الى حتفهم بأشرطة كاسيتاتهم المليئة بالكراهية يتفانون هذه الايام بأداء عمل صائد المكافآت في غرب اميركا، بل ان احدهم ممن تتلوى لحيته على شكل علامة استفهام يفتخر بان سجانه قبل وساطته في سجن احد تلاميذه ممن حرضهم بتعاليمه البغيضة.

بدأت رموز اللحى تتهاوى واكتشف المواطن السعودي انه بين لحية مبغضة لولي الأمر، ولحية مهادنة تدعي انها وسطية في قول الحق، بينما لا وسط في العدل، ولا يوجد نصف حق ونصف ظلم.

تلوم اللحى الوسطية غيرها بأنها خرجت الى بلاد الكفار كي تعارض وتجهر بالحق، بينما نسيت ان بلاد الكفار هي من يطبق الوسطية حقا، اما ولي أمره فلا يوجد لديه وسطية سوى ان يقع سوطه على وسطية اجساد الضعفاء. ولا تجد اللحى المصفقة الا ان تعلن احتجاجها ومعارضتها لولي الأمر، فهو لم يجلد جيدا، وبدأت ضرباته تميل عن الوسط الى الطرف. لذا لا يمتلك اصحاب اللحى منهجاً سياسياً سوى ان يعود السوط الى الوسط، وهنا تتحقق العدالة. اما الليبراليون والجعفريون والمالكيون والحنفيون والشافعيون والاسماعيليون وغيرهم من الملل والنحل فلا رأي لهم ولا حق، إنهم مجرد أنعام ملّكَ الله أهل اللحى اياهم! فلنجلدهم جميعاً ـ إذن ـ ولكن بطريقتنا الوسطية.

 

*المشرف العام على المركز السعودي لحقوق الإنسان

 

 

المركز السعودي لحقوق الإنسان يعد قائمة عن

المعتقلين تعسفيا وينظم ورشة عمل سعودية

 

ينظم المركز السعودي لحقوق الإنسان حملة دولية من أجل تسليط الضوء على اختراقات وانتهاكات الأجهزة الأمنية في المملكة العربية السعودية لحقوق المعتقلين في سجونها خاصة ممن تم احتجازهم بتهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير. ودعا المركز في بيان له كافة من يمتلكون معلومات تفصيلية عن حالات اعتقال تعسفي ابلاغها للمركز متضمنة اسم المعتقل وعمره ومكان اعتقاله وسبب الاعتقال ومدى قانونية استمراره محتجزا. ويعتقد المركز ان اكثر من الفي مواطن سعودي يقبعون في زنزانات الاجهزة الأمنية المختلفة دون جريمة ارتكبوها سوى انهم عبروا عن آرائهم بحرية.

 ونبه المركز الى ضرورة عرض هؤلاء على القضاء في اسرع وقت، واحترام آدميتهم وحقوقهم. وتمنى المركز على من يملك المعلومات ارسالها الى البريد الإلكتروني التالي:

ak@saudihr.org  او الى فاكس رقم 00442087408175 او الاتصال هاتفيا على 00442087400680.

من ناحية اخرى انهى المركز اولى حلقاته التدريبية، حيث نظم ورشة عمل لمجموعة من المتطوعين والمتطوعات من ابناء المملكة للعمل كناشطين حقوقيين. واشرف على ورشة العمل متخصصون في حقوق الانسان قاموا بتزويد المتدربين والمتدربات سلسلة من الارشادات التي تتيح لهم ممارسة العمل بسلامة والتزام بمواثيق حقوق الانسان. وركزت ورشة العمل على توضيح ما تحض عليه الشريعة الاسلامية من مطالبة بإزالة الظلم وإظهار الانتهاكات للحد منها، والبعد عن التعصب والتطرف، والتمسك بالتسامح والقبول بالاختلاف.

وأشار المشرف العام على المركز عبد العزيز الخميس الى ان المشاركين في ورشة العمل من شباب وشابات المملكة، ابدوا قدرات حقوقية عالية وتفاعلوا بشكل يثير الفخر لدى المواطن السعودي الشريف بوجود امثال هؤلاء ممن قدموا أطروحات ومشاركات شجعت كل من تابعهم خلال الورشة على التفاؤل بمجتمع مؤسسي يهتم بحقوق افراده، ويقبل بالاختلاف متسامحا مع غيره، نابذا للعنف، مقبلا على الحياة برغبة قوية نحو بناء وطن متسامح يضم الجميع دون تفريق او إذلال أو خنوع.