سابقة تاريخية إعلامية في المملكة!
أمير يهاجم مواطناً، والمواطن يردّ!
ظهر الدكتور تركي الدخيل في برنامج للجزيرة (22/8/2003) لمناقشة
السياسة الخارجية السعودية وبالذات ما يتعلق بالعلاقات السعودية
البريطانية، وقد وردت جملة واحدة من الدخيل، الذي لا يمكن تصنيفه
كمعارض أو معادٍ، بل أكاديمي صاحب رأي، وهو ليس ببعيد عن مؤسسة
الحكم نفسها.. وردت جملة جاءت في سياق رد فعل المملكة على الهجمة
الإعلامية البريطانية رغم إطلاق سراح المعتقلين البريطانيين، حيث
قال بأن المملكة تميل في علاقاتها الدبلوماسية الى عدم المواجهة.
هذه الجملة استفزّت أعماق أمير عسير خالد الفيصل، خريج جامعات
الغرب، فردّ في مقالة نادرة تحت عنوان: (بل تواجه.. وتواجه يا
أستاذ العلوم السياسية!) نشرتها صحيفة الوطن في 27/8/2003.
بل
تواجه.. وتواجه يا أستاذ!
الأمير الموتور من عبارة صغيرة تكشف حجم (الإنفتاح) المتوقع من
أبناء الجيلين الثاني الثالث، واستعدادهم بل تحمّلهم للرأي
المختلف حتى ضمن الدائرة (الرسمية) القريبة منهم. بدأ الأمير
بعنوان تهكمي، وبالتذكير بالحملات ضد المملكة المنظمة التي
(تستأجر لها أصوات انتقائية) يجمعها المرض النفسي والعصبي والحقد
على أمن المملكة وحسدها على ما تتمتع به من التحام وروح وطنية،
الى آخر العبارات المعتادة التي وجهها الأمير بصورة اتهامية
للأكاديمي الدكتور خالد الدخيل.
وفي ردّه قال بأن الحكومة السعودية في سياساتها الخارجية لم
تتردد في المواجهة، واعتبر جملة الدخيل هدم لتاريخ أمّة! وكيف
أنه استثير واستنفر فكتب المقالة، وساق أمثلة بعضها صحيح ولكنها
بعضها ينطوي على سذاجة غريبة. فالمثال الأول هو أن الدولة
السعودية الأولى في القرن التاسع عشر، وهي لم تكن دولة قطرية
بالمعنى المتعارف عليه بتاتاً، (واجهت) البدع والخرافات وأعادت
الناس الى الدين الصحيح! وجاء المثال الثاني، ان السعودية
(واجهت) الظلم والقهر والشتات! والمثال الثالث ان السعودية
(واجهت) حرباً اهلية بتمرد الجيش السعودي الإخوان! وهذه كلها
أمثلة ليس لها علاقة بموضوع الدخيل! ولا علاقة لها بالسياسة
الخارجية بل هي أمثلة وقعت قبل قيام الدولة السعودية الحديثة
نفسها.
أما الأمثلة الأخرى في المواجهة السعودية، فهي (مواجهة الشيوعية)
والإشتراكية، ولم يقل الأمير أنها كانت مواجهة في الخندق الغربي.
وزعم أن السعودية (واجهت) العدوان الثلاثي، وهذا مثال غريب
أيضاً، بل أن السعودية (واجهت) في حرب 1967 بالدعم المالي (بعد
نهاية الحرب في مؤتمر الخرطوم!). اما في حرب 1973 فالسعودية
تستطيع القول انها واجهت فعلاً لأنها كانت مساهمة في الحرب بشكل
جادّ عبر حظر النفط. ومن أمثلة المواجهات أنها (واجهت) غزو
العراق للكويت تحت المظلة الغربية! ومنعت تدخل السفير الأميركي
في شؤونها وطالبت بسحبه. حدث ذلك مرتين. وأخيراً (واجهت) الحكومة
(الإرهاب والقاعدة) في حين أنها هي التي صنعتها وهيأت المناخ
لنمو التطرف الديني وصدرته الى كل العالم!
نعم أعرف كل ذلك.. لكنني أختلف معك
وردّ الدخيل بمقالة نشرتها الوطن في 1/9/2003، وهذا يحسب لها،
تحت العنوان آنف الذكر، وبدأ بالإشارة الى الشكوك والنيات
المبيّتة وتغييب حق الآخر في الإختلاف. وعبّر عن دهشته فيما
يتعلق بـ (اللغة التي ساق بها الأمير هذا الاختلاف. وهي لغة عبر
عنها أدق تعبير عنوان مقالته. وهو عنوان يحمل في تضاعيفه سخرية
واضحة مفعمة بروح تحد لا تقل وضوحا. ثم جاءت المقالة كلها لتعبر
عن هذه اللغة، خاصة استعراض الأمير لمجموعة من المواقف السياسية
للدولة السعودية.. وفي نهاية المقالة يسألني الأمير بسخرية: أما
زلت يا دكتور تعتقد بأن بلادك لا تواجه؟ ثم يجيب رغما عني: لا ..
بل تواجه .. وتواجه يا أستاذ العلوم السياسية).
وقال الدخيل إن لغة الأمير اتسمت: (بالإملاء الذي لا يترك مجالا
لأي خيار آخر غير القبول بما هو معروض. وعكس ذلك يعني العقوق
للوطن، والجهل بتاريخه. ثم تتجاوز لغة المقالة ذلك لتصبح لغة
اتهامية ومنذ بدايتها وذلك من خلال حديثها عن فضائيات تستأجر
أصواتا مشبوهة. وحيث إنني أجهل أو أتجاهل، كما توحي المقالة،
الحقائق التي استعرضها الأمير، فإن هذا يترك الباب مفتوحا أمام
إمكانية أنني أحد أولئك الذين تستأجرهم قناة الجزيرة لتأجيج
حملاتها ضد السعودية).
واضاف الدخيل بأن مقالة الأمير (تتناقض مع طبيعة الحوار المفتوح
في مرحلة أصبح فيها الحوار ضرورة ملحة ومطلباً على كل لسان.
وأولى منطلقات الحوار المفتوح أنه يحق للمرء أن يختلف، بل يحق له
أن يخطئ). واضاف: (تفترض مقالة الأمير خالد أنني في حاجة إلى
البرهنة على وطنيتي. وهذا افتراض يجانبه الصواب لأنه يجعل من
الوطنية امتحاناً يملك البعض دون البعض الآخر حق تعيين وتحديد
معاييره. في حين أن الوطنية حق طبيعي، وانتماء جمعي سياسي يملك
الجميع حق تعيين طبيعته وتحديد متطلباته).
وحول الجملة مدار الجدل قال الدخيل: (فهم الأمير أنني أصف
السياسة السعودية بشكل عام بالجبن، وتفادي المواجهة حتى عندما
يتعلق الأمر بثوابت المملكة ومصالحها الإستراتيجية، وحتى عندما
يقتضي الموقف حسم الخيارات المتاحة في أتون الصراعات السياسية.
وفي يقيني أن هذا التفسير لا يتفق مع ما قلته ولا مع المعنى
المتضمن فيه).
وبين الدكتور الدخيل بالأمثلة كيف أن السياسة السعودية لا تميل
الى الصدامية، مستعرضاً العلاقات السعودية الأميركية وهجومها على
السعودية دون أن يؤدي الى مصادمات. وفسّر السبب بأن السعودية
تعتمد (في مواجهة مصادر التهديد الخارجية على الأدوات السياسية:
مثل التحالفات الدولية والإقليمية، وتوازنات القوة، والمساعدات
المالية.. الأمر الذي أفقد السياسة السعودية التوازن). وتابع بأن
تفادي الصدام يعود الى حسابات سياسية ويعكس استراتيجية أمنية
استقرت عليها الدولة (وهي إستراتيجية لا تعطي الدولة مساحة كافية
من حرية الحركة). وشكك الدخيل في الأمثلة التي ساقها الأمير حين
وضعها في أُطرها الصحيحة.
وأخيراً دافع عن ظهوره على قناة الجزيرة بالقول: (الجزيرة هي
أفضل محطة إخبارية عربية في مهنيتها، وأنها تستهدف من ضمن ما
تستهدف السعودية. لكن هل يستدعي الأمر مقاطعتها؟ الأفضل هو
التعامل معها واستخدامها كأداة إعلامية جماهيرية. وأفضل من ذلك
تقديم بديل إعلامي ينافس الجزيرة في مهنيتها. وإذا كنا نريد
إعلاما يخدم الدولة، فلماذا نأتي بالجهاز اللازم لهذا الإعلام،
ثم نترك صناعته كخطاب لأناس من خارج الدولة. فضائيات سعودية
وخليجية تنشر وتغذي خطابا لا يشارك السعوديون ولا الخليجيون في
صناعته وتحديد توجهاته. بل إنه خطاب لا يتفق مع سياسات هذه
الدول. لا تتفق الشكوى مع بقاء هذه السياسة. إذا أرادت الدولة أن
يكون لها خطاب سياسي يعبر عنها ويمثلها، فأولى متطلبات ذلك أن
يأتي هذا الخطاب من داخل الدولة ومن صنع أهلها، وليس مستوردا من
خارجها).
|