الرهان الخاسر

 من الضروري ان تراهن الحكومة السعودية في مجال صناعة سياساتها والتحديات التي تعترضها على قواها الذاتية المادية والشعبية والمعنوية. لكن هذه الحكومة بالرغم من الإخفاقات الشديدة على أكثر من صعيد، باتت تعتمد على الأحلام وعلى الأوهام، وعلى الحسابات التي لا تمتلك سلطة أو قدرة في التأثير عليها، وفي نفس الوقت تغفل ما بيدها من أوراق صحيحة وقويّة يمكن استثمارها وتفعيلها.

راهنت المملكة على التحالفات مع القوى العظمى، أميركا وقبلها بريطانيا، لتوفر مظلة حماية للنظام السياسي، فصعقت حين تغيرت خارطة التحالفات وصار ينظر الى السعودية كسيجارة انتهى الأميركي من تدخينها. وراهنت على ما تمتلكه من أموال البترول للعب دور سياسي إقليمي فاعل، فإذا بها تنتكس بمجرد أن تراجعت أسعار النفط، وتنحطّ مكانتها بشكل غير طبيعي.

وراهنت على سمعتها الدينية، ولكنها أججت التطرّف في كل مكان وصلت إليه، فأصبحت هي نفسها إحدى ضحاياه، وأصبحت السمعة الدينية ـ بغض النظر عن الممارسات الشخصية للأمراء أو بعضهم ـ في الحضيض. وراهنت الحكومة السعودية على المنتفعين منها: حركات ودول وشخصيات خارجية، أنفقت عليهم أموال قارون، وفي وقت أزمتها لم تجد إلا قلّة تقف معها، كما كان واضحاً في حرب تحرير الكويت.

وعلى الصعيد الداخلي، راهنت الحكومة على القوة الدينية ـ السلفية ـ فأصبحت رهينة لها. وراهنت على الشرعية الدينية، فجاء الدين ليذبحها من الوريد الى الوريد! وراهنت على قوى أجهزة الأمن والعسكر، فإذا بها مخترقة، وإذا بأصحاب الكروش لا يستطيعون الدفاع عن أرض ولا يحمون وطن رغم ميزانيات الدفاع الضخمة. وراهنت على الصراع الداخلي بين التجمعات والأفكار، باعتماد سياسة فرق تسد، واستمرت على ذلك لعقود، وإذا بها أمام أول تهديد خارجي بتقسيم المملكة، ترتعش وتحاول إعادة اللحمة الإجتماعية بين ليلة وضحاها، ولكن أنّى يكون ذلك، والشروخ تتطلّب سنين طويلة للتخفيف منها فضلاً عن إنهائها.

واليوم تراهن المملكة في الحفاظ على وجودها ليس على الإصلاحات وتقوية اواصر الحكم بالجمهور، ولا على منع الفساد، ولا على ضبط تسرب المال العام، بل على احتمالين: ان يخسر بوش الإنتخابات فيأتي الديمقراطيون بعقلية جديدة؛ والثاني أن يتورط الأميركيون أكثر في العراق. والسؤال: ماذا إذا لم يحدث ذلك؟ وماذا إذا حدث ذلك ولم يذهب الخطر عن السعودية؟