السعودية وإيران.. والنجاة فرادى من المستنقع العراقي!

 

في الوقت الذي كانت فيه الجامعة العربية تستعد لصياغة رفضها الإعتراف بشرعية مجلس الحكم المحلي في العراق بإصرار من مصر والمملكة العربية السعودية وإلى حد ما سوريا، كانت إيران ترسل وفداً رسمياً من وزارة خارجيتها الى بغداد ليجتمع مع المجلس ويعلن اعترافه به واستعداده لفتح صفحة جديدة مع العراق.

لقد انهار التنسيق المشترك القديم بين إيران وتركيا وسوريا حول الموقف من العراق والذي تبلور في التسعينيات على شكل اجتماعات دورية لوزراء خارجية هذه الدول، وذلك كنتيجة منطقية لاختلاف الأولويات وتنوّع التهديدات وبالتالي طرق الإستجابة لها.

الدول العربية في المجمل وجدت نفسها بعيد احتلال العراق، أن هذه الأخيرة قد تغيّرت شكلاً ومضموناً كدولة. إنها تعيش مخاض دولة جديدة مختلفة عن تلك التي صنعها البريطانيون في مطلع العشرينيات الميلادية من القرن الماضي. إنها إعادة بناء الدولة العراقية من جديد على أسس مختلفة، بحيث أن وجه العراق ودوره في المنطقة قد يتغيّر بشكل كبير.

السعودية كدولة، رأت في التحوّل العراقي خطراً من زاويتين استراتيجيتين: الأولى ان المملكة تميل الى الإعتقاد بأن استتباب الوضع السياسي والأمني الداخلي في العراق، قد يغري الولايات المتحدة بمغامرة جديدة قد تكون هي المستهدفة فيها. والثانية: إن المملكة تعتقد بأن حكم الأكثرية الشيعية في العراق بالتحالف مع الأكراد، يهندس خطراً جديداً مستقبلياً بأدوات غير عنفية، بحيث سيتحول العراق في أقل الأحوال الى منافس إقليمي قوي قد يعطيه التحالف مع إيران قوة إضافية تستقطع الكثير من المكانة السعودية على الصعيد السياسي والإقتصادي والإستراتيجي.

ويبدو واضحاً اليوم أن المملكة أخطأت في رهاناتها السياسية الماضية؛ فهي لم تقم علاقات مع القوى السياسية الفاعلة في الساحة العراقية، وخاصة الشيعة والأكراد الذي يشكلون نحو ثمانين بالمائة من مجموع الشعب العراقي. وقد حاول قيادات الشيعة والأكراد طيلة التسعينيات إقامة جسر من الودّ مع الحكومة السعودية، ولكن الأخيرة لم تستثمر تلك المبادرات كيما تكون أمامها خيارات أفضل في المستقبل. لقد زارت قيادات حزب الدعوة وحزب المؤتمر والمجلس الأعلى وغيرهم السعودية، وبينهم قيادات هي الآن موجودة في مجلس الحكم، ورجت الحكومة السعودية الوقوف معها، حفاظاً على وحدة العراق وإبعاده عن أنياب الغرب، ولكن قادة المملكة لم يسمعوا، ولم يراهنوا على أحد، وحاولوا هندسة مشاريع خاصة بهم كانت تريد استبعاد الأحزاب السياسية وأصحاب العمائم (كما كان يروج الأمير تركي الفيصل) ولكن مثل هذا المطلب مستحيل التحقيق ثبت أن أميركا بنفسها لا تستطيع تحقيقه! فالعراق بلد الأحزاب، ودور رجال الدين والعشائر لم يكن أحد في تاريخ العراق قادر على تجنّبه.

على صعيد آخر فإن السنّة العرب، والذين كانوا يحكمون العراق تقريباً في عهد صدام حسين.. هؤلاء لم يكونوا أيضاً على وفاق مع السعوديين، وكانوا يستحضرون التجربة التاريخية القديمة والصراع المستديم مع السعوديين منذ قرنين على الأقل، بما يتضمنه ذلك من حساسيات مذهبية، ومنافسات سياسية شهدت أوجها في بداية تأسيس الدولة العراقية وخاصة مع قيادتها الهاشمية، وبقايا ضباط الجيش العثماني وفي مقدمتهم نوري السعيد.

وحين سقط نظام الحكم في العراق، لم تكن بيد المملكة أدوات تستخدمها من بين الطبقة الحاكمة أو المهيأة لحكم العراق، كما لم تسارع الى إعادة الوصل معها، بل أنها كانت ـ وربما لاتزال ـ تراهن على الدور الأميركي ـ القدري ـ بأنه مفتاح كل أزماتها، وعنصر قوتها أو ضعفها. واعتبرت الملف العراقي مجرد صفحات ملحقة لملف العلاقات السعودية ـ الأميركية الساخن منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001. والمملكة اليوم تحاول إقناع الإدارة الأميركية بمشروعها القديم بأن هناك خطراً إيرانياً على مصالح المنطقة ومصالح واشنطن نفسها، ونظرت الى مجلس الحكم المحلي وكأنه آلة بيد الإيرانيين، وهو بالقطع ليس صحيحاً، الأمر الذي يمكن أن يؤدي الى توتير علاقات المملكة مع حكومة العراق القادمة، ولا يحل في نفس الوقت أزمتها مع واشنطن.

الإيرانيون أزعجوا بمواقفهم المدروسة الدول العربية الكبيرة التي وجدت نفسها بدون فاعلية او استراتيجية سوى رفض مجلس الحكم، بغض النظر عن النتائج، حاولوا بعدئذ مرغمين ـ ربما ـ تطويره الى قبول مشروط، أو نصف قبول. بشكل مختصر فإن السياسة الإيرانية تجاه العراق هي أيضاً سياسة دفاعية شأنها شأن سياسة المملكة وسوريا. فكل هذه الدول لا تريد وجوداً أميركياً في العراق، والجميع يتمنّى أن يتحول العراق الى مستنقع يخرج منه الأميركيون جرحى فلا يفكرون بعدها بغزو أو حرب أو تهديد أي دولة في المنطقة. وكانت مواقف الدول الثلاث تميل في إعلامها الى التحريض على مواجهة الأميركيين، وإقلاق مضجعهم، بل أن دعوات سعودية ظهرت ولأول مرة تقول بضرورة التحالف بين الشيعة والسنّة في العراق لتحقيق تلك الغاية.

لكن ما اختلف فيه الإيرانيون عن السعوديين والسوريين، هو أنهم لم يكونوا أسرى خيار واحد. وقد استعدّوا وهندسوا خيارهم المفضل والمجرّب في أفغانستان، وهو التحالف مع القوى السياسية في العراق، وهو التحالف الذي كان ولازال السعوديون زاهدين فيه. كان يهم إيران أن لا يتحوّل العراق الى قاعدة انطلاق حرب ضدّها، وليس هناك من حلّ، إلا أن يكونوا على وفاق مع القوى المحلية، فتحالفوا مبكراً مع الشيعة وأقاموا تحالفاً مبكّراً أيضاً وقوياً واستراتيجياً مع الأكراد، ساعدهم في ذلك الضغط التركي من جهة، والإهمال العربي من جهة ثانية. حتى أن السيد جلال طالباني أمضى فترة عصيبة وهو يحاول إقناع السعوديين بدعمه ـ ولو على أساس خلفيته المذهبيّة ـ وكلّ ما خرج به (أبو شلاّل) بعض مساجد بناها السعوديون في كردستان. في حين أن إيران قامت في السنوات الماضية ببناء كامل مدينة حلبجة، وأنشأت مستشفيات ومدارس وشوارع ودفعت أموالاً طائلة لإعادة بناء قوة الأكراد العسكرية والأمنية، وكلّ ذلك ضمن استراتيجية تقول بأن ما يُنفق اليوم لن يكون كبيراً أمام خسائر حرب أو ضربة أميركية للمنشآت والمدن الإيرانية.

ولذلك، وبمجرد أن تغيرت الإستراتيجية الأميركية في يونيو الماضي، وقبلت بمنطق القوى السياسية الفاعلة في العراق، وقام على إثر ذلك المجلس المحلي، وأعلن بريمر استعداد أميركا للرحيل بأسرع وقت.. بمجرد أن حدث ذلك، تحوّل الإيرانيون الى الخيار التالي: وهو دعم القوى العراقية الحليفة على الأرض، وهي قوى وطنية وليست عميلة كما يروج البعض، إن لم يكن كلها فمعظمها، وخفّفت من خطابها التحريضي العلني ضد القوات الأميركية. ووجد الأميركيون الذين كانوا يريدون إبعاد إيران بأي ثمن، وجدوا الإيرانيين ينتصرون مرة أخرى كما في أفغانستان. وجد الأميركيون أن من المستحيل عليهم إلغاء النفوذ الإيراني في العراق، لأسباب مذهبية وسياسية، ووجدوا أنهم لا يستطيعون تحويل العراق الى قاعدة في خاصرة الحكومة الإيرانية، خاصة مع وجود منظمة مجاهدي خلق، بل أكثر من هذا، وجدوا أن (تهدئة اللعب) مع الحكومة الإيرانية ضرورة لتهدئة الوضع العراقي ومنع انزلاق الشيعة في مقاومة مسلّحة ضد المحتلّ. ولعلّ إغلاق مكاتب مجاهدي خلق ومصادرة أرصدتهم في الولايات المتحدة استهدف تعزيز هذا المنحى الإيراني، وتأكيد عدم التدخل في الشأن العراقي بالشكل الذي يزيد من تدهوره.

السياسة السعودية، وعلى خلاف السياسة الإيرانية، تميل الى ردود الفعل والمعالجات الآنيّة، وفي كثير من الأحيان تكون أسيرة الخيار الواحد، فضلاً عن أنها سياسة غير مبادرة وغير شجاعة. وبدهي والحال هذه، أن يستشاط السعوديون، كما بعض الحكومات العربية، من النفوذ الإيراني في العراق، وكأنهم يريدون إبقاء الإحتلال الأميركي من أن يُحكم العراق وفق تحصيص الحكم على أثنياته المتنوعة.

والحكومات العربية والإعلام العربي يركز اليوم على اعتراضه فيما يتعلق بتحصيص الحكم حسب النسب المؤية لمكوّنات الشعب العراقي. وهذا الإعتراض الذي يتخذ لبوساً وطنيّاً، أشبه ما يكون بكذبة جرى على أساسها اتهام المجلس بالطائفية. الصحيح أن ما يجري في العراق ما هو إلا تطبيق لنظرية في العلوم السياسية تسمى (الديمقراطية الإجماعية Consociational Democracy). وهذه النظرية مطبّقة في عدد من البلدان الأوروبية، كبلجيكا وسويسرا، وغيرهما إضافة الى ماليزيا، والى حد ما لبنان، وسبق تطبيقها في قبرص قبل الحرب الأهلية. وهذه النظرية تقول بأنه في المجتمعات المتعددة، والمنقسمة كما هو الحال في العراق، ولمنع انهيار الدولة أو تقسيمها، فإن الحكم يحصص حسب النسب، وفي بعض الأحيان تمنح الأطراف الأضعف حق الفيتو في التصويت على القرارات الأساسية للدولة، وفي أحيان أخرى تمنح سلطة أكبر من نسبتها المؤية لطمأنتها وإبقائها ضمن نسيج الدولة. ومن مبادئ هذه النظرية اعتماد الفيدرالية بصورة من الصور، ودمج القوى الوليدة التي تنهض بين الجماعات الأثنية المختلفة في الطاقم السياسي الحاكم.

وفق هذه النظرية الديمقراطية يجري ما يجري في العراق، بعكس ما كان يجري فيه سابقاً أو في دول عربية أخرى، حيث تسيطر الأقليات على الحكم، وتتخفّى وراء أحزاب قومية وشعارات وطنيّة ولكن جوهر الحكم فئوي طائفي يتخفّى وراء الأقنعة. ولهذا فإن الإعتراضات الحقيقية ضد مجلس الحكم والوزارة التي شكلت فيما بعد، إنّما هو اعتراض في جوهر الأمر على احتمال وصول الأكثرية الشيعية الى سدة الحكم. ومع أن الأكراد السنّة وقد كانوا ضحايا النظام السابق شأنهم شأن الشيعة، أكثر عدداً من السنّة العرب، إلاّ أن أحداً لا يتحدث عنهم ولم يدافع أحد عن مظلوميتهم، كما لم ينتبه المدفوعون بالمشاعر الطائفية الى أن أكثرية العراق الشيعية والكردية راضية بقدر كبير عن هذا الترتيب الذي تمّ التسالم عليه منذ مؤتمر المعارض العراقية في بيروت سنة 1991م والذي حضره الأمير تركي الفيصل، وفشل في إملاء شروطه على المشاركين فيه. كما يغيب عن ذهن هؤلاء، الذين يهوّلون احتمالية التقسيم، أن الأكثرية ـ كما تدل أحداث التاريخ الحديث ـ لا تطلب انفصالاً وإنّما الأقليات، التي لا تجد القناة ولا النظام السياسي الحافظ لكينونتها ومصالحها. وإذا كان الشيعة بحكم أكثريتهم لا يريدون انفصالاً، وكذلك السنّة العرب، فإن احتمال انسياق الأكراد وراء أطروحات انفصالية بات غير مطروح البتة اليوم، ليس فقط بحكم واقع السياسة الإقليمية والدولية، بل ـ وهذا هو المهم ـ لأن الأكراد قد ضمنوا بعد سقوط صدام حسين أن وصفة الديمقراطية الإجماعية تلبّي طموحاتهم كأثنية مختلفة.

 ملف القاعدة والعراق

 خلال الأسابيع الماضية، تداخل الملف العراقي بملف القاعدة والسلفية الجهادية السعودية، بسبب مشاركة سعوديين في أعمال المقاومة في العراق، وظهورهم على شاشات التلفزيون يعلنون وبلهجة سعودية عن أسماء حركاتهم وعن البدء بنشاطاتهم، وأخيراً إشارة أصابع الإتهام الى السعوديين فيما يتعلق بانفجار النجف ومقتل السيد الحكيم.. كل هذا أضاف أحمالاً الى أحمال لاتزال تثقل كاهل السلطة السياسية السعودية التي لم تخرج حتى الآن ـ ولا يبدو أنها ستخرج في المستقبل القريب ـ من دفع فواتير وتبعات أحداث سبتمبر. لاستجلاء هذه القضية، أي الدور السعودي (العملياتي) في العراق، يجب تقرير حقيقة ثابتة في السياسة السعودية، وهي أن الولاء السياسي كان يأتي دائماً على عربة مذهبية؛ فانتشار المذهب الرسمي (الوهابي) والذي نشهده في مناطق واسعة من العالم لم يأت من فراغ، بل هو بوابة عبور سياسي وتأكيد للنفوذ السياسي السعودي عبر البوابة المذهبية.

العراق كان مستثنى من هذه الحالة، فهو تاريخياً بسنّته وشيعته وبحكوماته المتعاقبة من الهاشميين الى البعثيين، لم يكن ينظر إليه إلاّ معقلاً للشرك والإلحاد السياسي والديني! يبدو أن الوضع اليوم تغيّر قليلاً، إذ لا يوجد أمرٌ يستثير الطاقم السعودي الحاكم بأكثر من (المذهبية). ولذلك نشطت الجماعات والمؤسسات والأفراد (لدعم إخواننا السنّة) والمقصود (السنّة العرب فحسب). ويمكن تقسيم النشاط السعودي في العراق الى قسمين: الأول خيري إغاثي، وهو متداخل مع المؤسسة السعودية الحاكمة ولا يمكن فصله عنها، وقسم عنفي متمرد في الأصل على الحكومة، وهو الذي يقوم بدعم المقاومة في العراق. المشكلة أن الفصل بين الألوان صعب للغاية، والصحيح أن الحدود بين الجهات الإغاثية ـ كما توضح من أحداث سبتمبر ـ وبين جماعات العنف مائعة ومتداخلة في كثير من الأحيان، ولهذا بات ينظر اليوم الى النشاط السعودي بشقية على أساس أنه نشاط عنفي.

ويتوقع في الأيام أو الأسابيع القادمة أن تواجه المملكة ضغوطاً كبيرة لضبط حدودها ومواطنيها، ومعاملة النشاط الإغاثي السعودي في العراق ـ وهو قليل على أية حال ـ كبؤرة لدعم العمليات العسكرية. وتقول أنباء أن اتصال جورج بوش الأخير بولي العهد السعودي، جاء على خلفية تصريحات بريمر المتكررة بأن عمليات مقاومة الإحتلال يقوم بجزء منها على الأقل (أجانب جاؤوا من دول مجاورة للعراق). والمقصود ـ ليس إيران كما يتبادر الى الذهن ـ وإنما السعودية بالدرجة الأولى وسوريا بدرجة أدنى. ولكن الحكومة السعودية لا تستطيع فعلاً ضبط النشاط الإغاثي ولا منع مواطنيها من اختراق الحدود، بل ولا تستطيع منع تسريب كميات هائلة من الأسلحة من العراق وبيعها في الأراضي السعودية. ويحتمل وفق هذا التحليل، أن تسوء العلاقات السعودية الأميركية أكثر وأكثر، خاصة وأن المنظمات والجماعات غير الحكومية ـ السلفية ـ تستطيع أن تعمل بدون الحكومة السعودية نفسها، أو لا تلتزم بأوامرها.

ورغم العلاقات الحسنة بين إيران والسعودية، ورغم الخطر المشترك الذي يتهددهما، إلاّ أن السعوديين ما انفكوا ينظرون الى النشاط السياسي الإيراني وكأنه نشاط مذهبي يشبه ما هم عليه بالفعل. ولذا افتعلوا أزمة أعضاء القاعدة ـ السعوديين ـ المعتقلين في إيران. الحكومة الإيرانية وجدت أن ملف هؤلاء المعتقلين ملتهب، لا يمكن الحفاظ عليه ولا استثماره سياسياً، فرأت تسليم المعتقلين الى بلدانهم، ولكن هذه الدول ـ وبينها السعودية والكويت ومصر ـ رفضت استلامهم، بعضهم بحجة أن جنسياتهم أُسقطت، وبعضهم تلكّأ في استلامهم. والسبب هو أن هذه الدول لم ترد المجازفة بتوتير العلاقة مع واشنطن أكثر وأكثر، ففضلت أن يترك مواطنوها لمصيرهم، بدل أن يعودوا فيطلب الأميركيون منهم ترحيلهم الى الولايات المتحدة أو فرض مطالب لا تستطيع هذه الدول القبول بها. هنا، أعلنت إيران الأمر وقررت محاكمتهم، طالما أن تسليمهم لواشنطن أمرٌ غير وارد بتاتاً. ولأن التهم الموجهة لهؤلاء المعتقلين ليست واضحة أو صغيرة أو ضعيفة، عادت واشنطن وطلبت من السعودية بأن تستلم مواطنيها الذين أسقطت جنسيات بعضهم، خشية أن تطلق إيران سراحهم، أو تجري لهم محاكمة صورية وتعتقلهم لفترة مؤقتة وتطلقهم.

عادت السعودية من جديد، وطلبت من إيران تسليمها مواطنيها، بمن فيهم أولئك الذين سحبت جنسياتهم! ولم يُفهم المسوّغ القانوني بالحرمان من الجنسية ولا بالمطالبة بإعادتهم، وهذا ما يوقع المسؤولين الأمنيين السعوديين في حرج كبير مع مواطنيهم ومع العالم، الذي لا يعترف بشيء إسمه حرمان مواطن أصيل من الجنسية.

 النجاة فرادى

 في ظل التهديدات الأميركية لإيران والسعودية وسوريا وربما مصر أيضاً، تسعى كل دولة لتوفير الحماية لنفسها بنفسها. لكن هذه السياسة أثبتت حتى الآن فشلها، كما فشلت هذه الدول في انتهاج سياسة حمائية مشتركة أمام الطغيان الأميركي.

لكن الحكومة السعودية بلورت خلال الأشهر الثلاثة الماضية ـ وبعد أن ضاقت بها السبل ـ سياسة تنشيط المحاور الإقليمية، واستجماع الدعم الدولي تحسباً لقادم الأيام.

زيارة الأمير عبد الله لدمشق والقاهرة، بدت وكأنها تريد تنشيط هذا المحور العربي الضامر، الذي تآكل منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، كما أن زيارة الأمير عبد الله لموسكو تستهدف إيجاد بعض المكابح للأميركيين، وإيجاد حلفاء بدائل ما أمكن. ويضاف الى هذا، أن المملكة تسعى لتوثيق علاقاتها مع بريطانيا ـ الحليف التاريخي للمملكة ـ وأحد المؤثرين في صناعة القرار الأميركي في الشرق الأوسط، عبر نشاط يقوم به السفير السعودي الجديد تركي الفيصل، وعبر إيجاد (لوبي سعودي) يمكنه التأثير على القرار البريطاني بحيث يتمكن من (عقلنة) السياسة الأميركية تجاه السعودية.

المملكة حائرة، ونشاطها السياسي متأخر، وهي لم تدرك حتى الآن أن الولايات المتحدة لم تعد حليفاً، بل هي الى العدو أقرب.

ما تحتاجه المملكة اليوم، هو صياغة علاقة جديدة داخلية مع شعبها، تتضمن إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة وهيكلية، بحيث تستطيع إيقاف الإبتزاز الأميركي للمملكة، وتعيد شيئاً من التوازن في العلاقات بين البلدين، وتوفر قدراً من الحماية لنظام الحكم السعودي، عبر سحب أوراق الضغط المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والمناهج ومشكلة الأقليات.

المطلوب من المملكة كثير، ولكنها ـ على الأرجح ـ ستواجه قدرها بنفسها دون عون كبير يؤمل على الخارج.