خيارات النضال السياسي

 

 يقسّم النضال السياسي الى إستهدافات أربعة: إستلام السلطة ضمن العملية الديمقراطية؛ المشاركة فيها بالوسيلة الديمقراطية أو غيرها؛ التأثير عليها، على غرار ما تقوم به جماعات الضغط؛ وأخيراً الاستقلال عن السلطة وإستئصالها، كما تقوم بها الجماعات الانفصالية، أو الثورات الشعبية.

فقد شهدت الدولة السعودية ظهور حركات سياسية تبنت إستراتيجيات عمل وأهداف متباينة، وكانت تتراوح بين الاستهدافات الأربعة سالفة الذكر. ففي الخمسينيات والستينيات كانت التنظيمات السياسية مثل (إتحاد شعب الجزيرة) و(حزب البعث) و(الحزب الديمقراطي الشعبي) ترفع لواء إزالة السلطة بكاملها وإحلال نموذج دولة مصممة وفق أسس أيديولوجية مختلفة. وكانت تقوم رؤية هذه الجماعات على أن الدولة السعودية فاسدة وشمولية ولا يفيد معها علاج سوى إسقاطها سياسياً. وفي مطلع الثمانينات وتصاعد المد الثوري القادم من إيران ومن الجهاد الافغاني ضد الاحتلال السوفيتي ظهرت حركتان ثوريتان هما حركة جهيمان العتيبي و(منظمة الثورة الاسلامية في شبه الجزيرة العربية) قبل تبنيها الخطاب الاصلاحي السلمي. نقرأ في كتابات قائد عملية الحرم المكي، جهيمان العتيبي، أن الدولة السعودية فقدت مقومات الشرعية (وبدرجة أساسية الدينية) الأمر الذي يجعلها غير مؤهلة للبقاء والاستمرار، ولابد من إعادة تأسيس للدولة وفق إعتبارات دينية. الأمر ذاته يقال عن كتابات قادة منظمة الثورة الاسلامية الذين حددوا أسباب عدم مشروعية الدولة السعودية الدينية والاقتصادية والسياسية، وكانوا يتبنون مفهوماً في إسقاط الدولة السعودية يقوم على الثورة الشعبية.

في عقد التسعينيات بدأت التشكيلات السياسية (وليست بالضرورة منظمة بالمعنى الحزبي) تميل الى خيار التأثير في السلطة، رغم وجود إتجاه راديكالي غير متبلور يدعو الى إسقاط الدولة كما ينبىء عن ذلك كتاب (الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية)، والذي تبنته عملياً لجنة الحقوق الشرعية بعد خروج مؤسسيها الى المنفى. في المقابل كان باقي الطيف السياسي يتبنى مواقف أكثر اعتدالاً من حيث التأثير في السلطة، عبر مزاولة دور جماعات الضغط بهدف دفعها للاصلاح السياسي.

منذ عام تقريباً والاتجاه السياسي العام في البلاد يتجه الى رفع سقف مطالبه الى مستوى المشاركة في السلطة، ولعل الايقاع السريع للتحوّلات الداخلية السياسية والاقتصادية والامنية كان يستحث الاتجاه العريض الى تبني خيار من هذا القبيل. إذ لم يعد خيار التأثير هدفاً أساسياً بحد ذاته، في ظل تآكل الثقة في قدرة السلطة الحالية على إدارة دفة الدولة بكافة الأزمات المحدقة بالمجتمع، وبالتالي فإن خيار المشاركة في السلطة بات ضرورياً من أجل إنقاذ المركب.

ولكن المشكلة تبقى قائمة حين لا يحظى خيار المشاركة بقبول أهل الحكم، بل وحين يلّحون على نبذه بكافة الوسائل، بما يجعل الخيارات الاخرى مفتوحة خصوصاً حين تشعر الجماعات السياسية بأن لا جدوى من وسائلها في النضال، وذلك في تواصل مع إنهدام بنى السلطة وتبدد قدرتها على الحل.