لكيلا يكون مشروع الصلاح يتيماً
ملاحظات حول العمل الإصلاحي في المملكة
فيصل العوامي
الخشية هي أن يتحول خطابنا الإصلاحي إلى سياط لا تجلد سوى
الضحية، في نفس الوقت الذي نتجه فيه لتدعيم مركزية الجلاد من
حيث لا نشعر. لذا لابد أن نضع أيدينا على معوقات الإصلاح
الحقيقية، وأن لا ننفعل بالضوضاء والصراخ الذي سرعان ما يهدأ.
لست مع التشدد في تقويم الفكر المتشدد. ولا مع تجاهل إنجازاته
مهما خفي بريقها. ولا مع تحميله كامل المسؤولية عن تراجع العمل
الإصلاحي. ولا مع اتهامه بركوب الموجة الإصلاحية عبر الأسنة
والرماح. بل ولا مع المبالغة في التخوّف منه والعمل على
إقصائه. إن مشروعنا الإصلاحي لا يبدأ من هنا. فكل ذلك هو ما
يرمي إليه سرّاق الحرية.
أين يكمن الخلل الحقيقي، أهو في ثقافتنا أم سياستنا أم نفسيتنا
الإجتماعية؟ وما هو برنامجنا الفعلي للتقليل من حدّتة على أقل
تقدير؟ وإلى أين نريد أن نصل في مشروعنا الإصلاحي على المستوى
الثقافي والإجتماعي والسياسي.
يبدو لي أن من أهم ما يعيق المشروع الإصلاحي، كونه مشروعاً
فوقانياً لا يتفاعل مع الذهنية الإجتماعية ولا ينهض معها، مما
يجعله سجيناً لذاته، ولعلي أقترب أكثر من التصوير إذا قلتُ بأن
دعاة الإصلاح أقرب إلى كونهم مجاميع شلليّة تحلّق في أفقها
الخاص، من دون أن يكون للمجتمع العريض دراية بها، مما يجعلها
محاصرة في المنعطفات وعديمة التأثير، كما حصل مع الكثير من
التجارب الإصلاحية السابقة، التي تلكّأت وفضّلت العزلة عندما لم
تجد أي نوع من التجاوب ولا حتى التفهّم في الأفق الإجتماعي.
قد يكون في الأفق السياسي اليوم ثمة ما يسيل لعاب المثقف
السياسي، كالتحولات الدولية والإنفتاح الإعلامي والوعود
المحلية، مما يدفعه لصب جهده في هذا الإطار، لكن تناسيه للأفق
الإجتماعي بل وتجاوزه وإن كان بحسن نية سيضعه يوماً أمام امتحان
خطير قد يضيع كل إنجازاته، إذ أن مستوى الإستجابة الإجتماعية
كثيراً ما تكون حاسمة، ولا يمكن لهذه الإستجابة أن تخدم المثقف
السياسي ما لم تكن مفعّلة من السابق، ولا يمكن لأصحاب القرار
السياسي أن ينفتحوا بالمستوى المطلوب إذا كانت الصيحة الإصلاحية
يتيمة اجتماعياً.
لهذا ينبغي لنا أن نعود للوراء قليلاً لنفكر في كيفية تفعيل
الساحة الإجتماعية سياسياً، بحيث تكون متجاوبة مع المشروع
السياسي ومتفهمة له، لكيلا تصبح جهودنا هباء منثوراً في اللحظات
الحاسمة.
الطرح الشعاراتي يشعرنا دائماً بأننا لم ننجز شيئاً يذكر لما
يشوبه من مثالية مفرطة، ينبغي أن نقترب أكثر نحو الخصوصية
المحلية والزمنية ونصوّب أنظارنا باتجاه ما يمكن إحرازه في
اللحظة الراهنة، وإلا فالهموم والتطلعات واسعة.
بصريح العبارة نحن لا نطمح لإصلاحات مفصّلة على مقاس جهات رسمية
معينة، وإنما تغييرات سياسية وإدارية حقيقة تفصَّل على مقاس
الحاجة الشعبية الواسعة المتفاعلة مع متطلبات المرحلة، وإلا
فإننا سنكتفي يوماً بمشاركة صديق في مجلس بلدي، وتعيين جار في
برلمان مقنن، (والطبطبة) على أكتاف (وأدمغة) حاملي العرائض
لإقناع الجمهور بأن كل شئ سيحصل عن قريب وما عليهم سوى الإنتظار
والترقّب، وما أشبه من تلك الإبر المسكّنة.
وأما المشروع الإصلاحي الأقرب إلى الواقعية المحلية والزمنية
الذي يمكن الدفع باتجاهه وإحراز شئ ملموس بخصوصه مما يشكل همّاً
حقيقياً لكل مواطن، فيمكن تركيزه في محاور أربعة:
1. تفعيل المساهمة الشعبية وإشراكها الجاد في المناطق القريبة
من صنع القرار، عبر الإنتخابات الحرة لبرلمان يستوعب الإرادة
الشعبية ويكون حاكياً عن همومها وتطلعاتها، وليس برلماناً يحكي
هموم الإدارة السياسية ويذيع مشاريعها في الوسط الجماهيري.
2. الإصرار على نزع فتيل التوتر داخل الإدارة السياسية، وكل
العوامل التي كانت وراء الحجب الطويل الأمد للمساهمة الشعبية،
أكانت تلك العوامل أشخاصاً أم قوانين، ومن دون ذلك سنبقى بلا شك
ندور في دائرة مفرغة من دون إحراز نتائج ملموسة.
3. حرية التشكّل الديمقراطي لا أقل على المستوى الثقافي
والإجتماعي، من خلال إعطاء متنفّس لتشييد مؤسسات ثقافية ومراكز
إجتماعية تسهم في تفعيل وتركيز المستوى الثقافي والإجتماعي في
البلاد.
4. التأكيد على حرية الكلمة الدينية والثقافية والسياسية في آن
من غير أن يكون هناك محاذير وتخوّفات تنسحب بنا إلى عصور الظلام
والقهر.
أظن أن هذه المحاور هي الأقرب إلى التصوّر الواقعي الذي ينسجم مع
الخصوصية المحلية والزمنية، ويستجيب للمتطلبات الشعبية
الملحّة.
لكن ما يحول دون تحقيق أي أثر لهذه المحاور عائقان أساسيان:
الأول: تواطؤ في الجهاز الإداري على التبطئة والتسويف مع التقطير
في الإصلاحات الصورية، لوجود اعتقاد بإمكان الإلتفاف على أي
صرخة إصلاحية، كما سبق أن حدث مع العديد من المحاولات.
الثاني: غياب الرأي الجماهيري العام، فالمشروع الإصلاحي في واد
والمجتمع العريض في واد آخر، بل قد ينتاب الإنسان المتابع شعور
في بعض الأحيان أن الهم الإصلاحي ما هو إلا همّ نخبة يراد
إسقاطه في الدائرة الجماهيرية الواسعة، في حين أن الهم الإصلاحي
ينبغي أن يكون ناطقاً ومعبّراً عن التطلعات الشعبية الملحّة.
أعتقد أننا ما لم نحرّك الساحة الشعبية باتجاه المشروع الإصلاحي
بحيث تعتبره معبّراً عنها وعن قضاياها، فإن إنجازاتنا على
الصعيد السياسي ستكون محدودة جداً.. ولعلي أجزم هنا بأن هذا
الأمر من أعقد مشكلات المثقف السياسي على المستوى المحلي.
وللتقدّم خطوات نحو التقليل من هذين العائقين أقترح التالي:
1. الإستفادة من الوسائل الإعلامية والجماهيرية المتاحة لتحريك
الرأي العام وإشعاره بالهم الإصلاحي.
2. إقناع الجهات المؤثرة اجتماعياً كالعلماء والمثقفين
والواجهات الإجتماعية ودفعهم لتبني المشروع الإصلاحي والدعوة
إليه في محيط تأثيرهم.
3. تدوير النشاط الإصلاحي في المحافل الجماهيرية العامة
كالديوانيات والمجالس العائلية وما أشبه.
4. الإعلام عن المساعي الإصلاحية في الوسط العام ـ حتى لا تكون
حكراً على القائمين بها مما يقلل من تأثيرهاـ عبر الإنترنت
والنشرات الخبرية السريعة لإشراك الساحة في صورة ما يجري.
5. تركيز التلاقي مع الجهات المعنية بالقضية الإصلاحية على
المستوى الوطني، لإيجاد مشروع وطني واحد تصب كل القوى جهدها
لتحقيقه.
6. إيجاد نافذة تواصل مع الجهة الرسمية لإشعارها بجدّية
المساعي الإصلاحية.
أما النشاط الإصلاحي المعتمد على اللقاءات مع بعض الجهات
الرسمية والتحاور مع بعض الأطراف ذات الهم الإصلاحي والعرائض
المتكررة، فهو عمل ينبغي أن يجل ويقدر، لكن مع الأسف فإن نهايته
معهودة، فقد ألفنا هذا النوع من النشاط في فترات متعاقبة، وقد
كان ينتهي غالباً بوعود صارخة ولمسات صورية على المستوى الإداري
فقط، فيحبط الناشط الإصلاحي ويتراجع مشروعه، وتفقد الساحة
الجماهيرية الأمل، مما يدفعها إلى التوسّل ببعض الحلول السحرية
المزعجة!
|