لماذا يقف الغرب ضد الديمقراطية في المملكة العربية السعودية
عبدالعزيز الخميس*
ما هو موقف الغرب من الديموقراطية في المملكة العربية السعودية؟
وهل تقوم دوله بخطوات واضحة وفعلية في هذا المجال مقدمة دعما
لخطوات اصلاحية حقيقية؟
للإجابة على هذين السؤالين يمكنني القول ـ كمواطن سعودي وليس
كمسؤول عن المركز السعودي لحقوق الإنسان فقط ـ انني لم ار يوما
فعلا محسوسا لحكومة غربية من اجل دفع النظام السعودي للعمل من
اجل المشاركة السياسية واتاحة الحقوق السياسية والانسانية
لمواطنيه. بل على العكس؛ فإن ما تقوم به الادارات الغربية لا
يعدو عن تقديم دعم قوي للنظام الديكتاتوري الحاكم في المملكة.
ان الفعل غائب عن ايدي الادارة الامريكية تجاه دمرقطة السعودية،
لكن اقوال هذه الادارة كثيرة ومملة ويمكن ضمها في كتاب كبير
يحوي تمنيات بل واتهامات احيانا؛ واكثر ما تجده في التقارير التي
تنشر من قبل وزارة الخارجية الامريكية، يقصد منها تطمين نواب
الشعب الامريكي في الكونجرس بأن حكومتهم تهتم بالاصلاحات في
المملكة.
العمل الغربي من اجل حقوق الانسان والديموقراطية في المملكة لا
يتعدى تلك الاتهامات التي تخرج من كتاب وصحفيين غربيين تصف
المجتمع السعودي بأنه متخلف وديكتاتوري.
نعم نحن مجتمع متخلف سياسيا ويؤمن عدد منا بالديكتاتورية كوسيلة
استقرار خاصة على مستوى العائلة، مما أدى الى قبول ديكتاتورية
الحاكم والاذعان لما يسمى بولي الأمر. لكن الحقيقة ان معظمنا
الآن بات يتفهم أهمية الديموقراطية وحقوق الانسان كوسيلة رقي
ونمو لمجتمعنا.
العدد الكبير المؤمن بالحريات والديمقراطية اما صامت بسبب آلة
القمع الحكومية او بسبب خوفه من الفتنة والتأثير على استقرار
بلادنا خاصة وهو يرى افعال الحركات الاسلامية المتطرفة والتي
تقوم بما تقوم به الان من تفجيرات واعمال عنف نتيجة لاخفاقها في
التوصل الى اتفاق مع النظام، وتغلب نزعة التطرف على مواقفها
السياسية.
ان مجتمعنا متدين بطبعه وتقليدي ومسالم، استطاع خلال المائة سنة
الماضية ان يهدئ من العنف الداخلي، وانتج جماعات اسلامية معتدلة
هي الاكثر التحاما بالمجتمع وقادرة على تحريك اجزاء كبيرة منه..
لكن هذه الجماعات تم اختطاف بعضها من قبل الانظمة قبل ان يستمر
تطورها وتقبلها لما يطلق عليه الاسلام الليبرالي وتم تدجينها
وتحويلها الى تابع لسياسات النظام تحت ستار الولاء لولي الامر
وعدم معارضته لان ذلك محرما.. او جماعات اخرى تم التضييق عليها
ودفعها الى العنف المضاد، ولم ينتبه الكثير الى ان ما ينقص
مجتمعنا هو ان يكون هناك حوار واسع بين تياراته بما فيها النظام
نفسه.
لقد هلل الكثير من السياسيين والاعلاميين الغربيين لما سمي
بالحوار الوطني في بلادنا ولمسيرة الانفتاح السياسي من قبل
النظام.. لكن الحقيقة ان هؤلاء كانوا بعيدين الى درجة كبيرة عن
فهم ما يحدث، اذ ان الحوار الذي نظم من قبل النظام تم بين تيارات
تطالب بالاصلاح، بينما كان النظام هو الاخ الاكبر الذي يراقب
المتحاورين منبها اياهم بان لا يشطوا عن قاعدة مهمة وهي الولاء
له وعدم معارضته، وان لا حق للمتحاورين سوى ان يختلفوا مع بعضهم
البعض ثم ليتفقوا، اما سياسة النظام فلم تكن سوى الكمال وحده.
وبهذه الطريقة الغريبة والفريدة من نوعها في الحوار السياسي خرج
المتحاورون لا يعرفون لماذا حضروا، وهل كانوا حقيقة يتحاورون حول
مستقبلهم واصلاح النظام، ام انهم فقط ادوا ادوارا مسرحية لمصلحة
تجميل صورة النظام.
حسب اعتقادي، فإنه كان من الواجب على النظام ان يكون على كرسي
الاتهام داخل ذلك المؤتمر، وان يتمكن ابناء الشعب الحاضرين
للمؤتمر من محاورته لا ان يقف مسؤولوه على ابواب قاعة الحوار
بعصاهم الغليظة.
كتب اصلاحيون سعوديون عرائض يطالبون فيها النظام وعلى استحياء
بالتغيير وإتاحة المجال للمشاركة السياسية، وبحقوق انسانية
افضل.. الا ان من وقع على تلك العرائض تم احضاره الى ولي الامر
وطولب بالاعتذار والتوقف عن رص الصفوف الاصلاحية.
لم يقم الغرب بأي شيء تجاه هؤلاء، بل ان ادارات حكمه شكرت النظام
السعودي على جهوده واعتبرته شريكا وحليفا وصديقا حميما في
مسيرتها للقضاء على الارهاب. هذه الادارات الغربية التي تأتي
بشكل ديموقراطي الى سدة الحكم تتعامل مع شعوبها بناء على اسس
وطرق ديموقراطية حقوقية، لكنها تستطيب حين يكون الحديث عنا نحن
من يعيش في الشرق الاوسط وعلى الاخص في المملكة العربية السعودية
تستطيب ان تشكر قامعينا وتمجدهم وتصفهم بالمحاربين النبلاء من
اجل القضاء على الارهاب، وتنسى ان من شكرتهم يتفننون في ارهابنا
وقمعنا وملاحقة كل جهودنا الديموقراطية والحقيقية.
يتساءل المواطن السعودي عن الليبرالية، لكنه يخشى منها، فالحركات
الاسلامية المتطرفة مشتركة مع الحكومة السعودية تحذرهم منها، فهي
عندهم ليبرالية امريكية لا تريد الخير لشعبنا بل تريده منحلا
تابعا للغرب متخليا عن ثوابته. ولا يهم هذه الليبرالية المصطنعة
هل تم منح مواطننا حقوقه وشارك في صنع القرار السياسي ام لا.
الديموقراطية التي بشرتنا بها اميركا في رأي معظم المواطنين
السعوديين هي ان تلبس نساؤنا الجنز ويدخن في سياراتهن المكشوفة،
لأن هذا ما يراه مواطنونا من الغرب. فالادارات الحاكمة في الغرب
لم تقم يوما بعمل فعلي من اجل الديموقراطية، فبدلا من ان ترفض
التعامل مع حكوماتنا الديكتاتورية، تقوم بدعمها بالسلاح الذي لم
يستعمل يوما في حروب الا ضد مواطنينا، والتعاون الاستخباري بين
الة قمعنا والاجهزة الغربية واضح للعيان، ولا يمكن اخفاؤه. اما
قصة عدم التعاون السعودي مع اميركا في مسألة "القاعدة" فما حجب
28 صفحة من التقرير الذي عرض على الكونجرس الا دليلا على ان هناك
من يعمل في الادارة الامريكية ويخشى على شعور ديكتاتوريينا من ان
يجرح.
ان الحرب على التطرف والتعصب لا تبدأ من كهوف تورا بورا بل هي من
داخل البيت الابيض، نفسه حيث ان سياسات هذا البيت سوداء مريرة..
فالقاطنون فيه لا ينظرون إلا الى النتائج قصيرة المدى، فهم
يريدون قتل وأسر اعضاء القاعدة، وينسون ان مواطنينا المحرومين من
حقوقهم هم من يزود القاعدة بالرجال، وهم من دمر في 11 سبتمبر ما
اعتبر الجريمة الكبرى التي ترتكب في تاريخ الولايات المتحدة، ولا
يعني هذا مطالبة البيت الابيض باعتقال افراد مجتمعنا، وإعقام
نسائنا، والهجوم علينا بالدبابات، فإن هذا لن يساعد في الامر
بشيء. اننا من يعيش في نجد والحجاز وعسير والقطيف عرب لا نقبل
الاهانة، وما تم في القدس ويتم الان في العراق هو اهانة لنا
جميعا، وبكاء طفلة افغانية يتمها صاروخ امريكي يهمنا جميعا،
ناهيك عن ان يقف صاحب البيت الابيض ليمد يده مصافحا ديكتاتورينا
ومحتضنا ناهبين مالنا العام، ومتحدثا عن صداقته العميقة والحميمة
لهم.
هذا الغرب الديموقراطي المهتم بحقوق الانسان هو من يدعم بقاء
حكوماتنا الديكتاتورية وهو من يربت على اكتاف قامعينا ويصفهم
بالمخلصين الراغبين في السلام.
هذا الغرب الذي يبشر بالديموقراطية في العراق والذي يراقب
مواطنينا ما يفعله هناك يثير السخرية لديهم. فأين هي
الديموقراطية التي وعد بها بوش الشعب العراقي، ففي الوقت الذي
يطالب فيه المرجع الشيعي اية الله السيستاني بالانتخابات، ترفضها
الادارة الامريكية، في الوقت الراهن وتؤخرها، بل وتحفز الامين
العام للامم المتحدة لارسال وفد الى العراق لاقناع ابنائه بان
الوقت غير مناسب للديموقراطية.
ما الفرق بين ادارة بوش وحكومة الملك فهد حول الديموقراطية
والانتخابات؟ فبوش يؤخرها في العراق ويرى ان الوضع غير ملائم،
وهذا هو نفس موقف حكومة الملك فهد التي ترى ان الانتخابات
الكاملة والمشاركة السياسية لا تنفع في الوقت الراهن، لأن شعبنا
غير جاهز لذلك؛ وكأن المشاركة السياسية لا تنفع لنا نحن، لأننا
مخلوقات فريدة من نوعها على الأرض.
في العراق الناس الجوعى والعاطلون عن العمل يئنون ويمتلأون غيظا،
بينما افلام العري والانحلال تضمن دخلا جيدا، واصحاب بيوت
الدعارة يتمتعون بحماية عسكرية امريكية حسب تحقيق مجلة نيوزويك؛
وهذا ما يثير فزع المواطن العادي في المملكة ويجعله يوافق اخاه
في العراق على ان وقت ديكتاتور العراق كان افضل للعراقيين.
اين هي الديموقراطية التي اتت بها اميركا للعراق؟ ويا ترى بماذا
ستأتي لنا نحن في المملكة؟
هذا هو تساؤل المواطن السعودي التقليدي، ولهذا نكافح نحن
العاملون في مجال حقوق الانسان والناشطون في مجال الاصلاح
السياسي في رد اسئلة كثيرة يعتقد اصحابها ان العامل في مجال حقوق
الانسان ليس سوى غربي يلبس كوفية ولا هدف له سوى تدمير الحضارة
الاسلامية.
ولا ينسى ان يشعر المواطن بضعفنا لأننا ممنوعون من العمل في داخل
بلادنا والوقوف بجانبه ولا تقوم الحكومات الغربية بأية ضغوط تذكر
على النظام السعودي من أجل ان يسمح لنا بالعمل. لقد تم اعتقال
مئات من الناشطين والمحتجين على انتهاكات حقوق الانسان وتم تهديد
وتقريع الناشطين الاصلاحيين، وكل ذلك يتم تحت نظر حلفاء النظام
من امريكان وغيرهم ممن ذهبوا بجيوشهم لتحرير العراق من طواغيته،
وفي نفس الوقت يبعثون رسائل المودة والمحبة والتضامن لطواغيتنا.
لن ينسى مواطننا الموقف الامريكي من الغاء الانتخابات في الجزائر
عام 1992، وتأييد مخابراتها وحكوماتها لقادة الجهاد في افغانستان
ثم انقلابها عليهم، ولن يغيب عن ذهنه ان اسامة بن لادن كان يشارك
ضابط مخابرات السي أي أيه خيمته بالقرب من تورا بورا التي اصبحت
ملاذ ابن لادن هذه الايام.
لن يصدق مواطننا حتى اشعار اخر ان الولايات المتحدة او غيرها في
الغرب تريد له ديموقراطية وحقوق انسان، فهو يعرف جيدا انها لا
تريد سوى نفطه وخضوعه ومسالمته لمحتلي اراضيه كاسرائيل او غيرها.
بل هو يستغرب من ان بعض الامريكيين يعتقدون انه لو منح حق
الانتخاب فسوف يختار اسلاميين ليحكموه، وكأنه الانسان الوحيد في
العالم الذي كتب عليه ان لا يختار الا ما تختاره اميركا. وفي
الحقيقة نعم سيختار مواطننا اسلاميين لان لا احد امامه سواهم،
فهم مدعومون من قبل النظام الا من جاهد منهم، ولان الليبراليين
لا يعنون له سوى الوجه الاخر لاميركا في الوقت الراهن. بينما لو
منح المواطن الحرية وبدأ يتنفس هواء نقي فسيضطر المتطرفون
الاسلاميون لتهذيب شواربهم وقصها بالطريقة التي يحبها المواطن
وليس العكس.
الرسالة التي يريد مواطننا توجيهها للغرب هي: تعاملوا مع
حكوماتنا بناء على سجلها الحقوقي وسعيها لاتاحة الفرصة للمشاركة
الشعبية وبناء المؤسسات المدنية، وليس حسب انتاجها للنفط
وتسعيرها له وشرائها للاسلحة وقدر مودتها لاسرائيل، وبدون هذا
سيكون هناك اكثر من اسامة بن لادن ولن تنفع الة القمع الحكومية
في منع ذلك.
في النهاية ليست هذه دعوة لحل مشكلاتنا مع انظمتنا عبر دبابات
امريكية او مظليين بريطانيين، بل هي دعوة ان لا تمد هذه الادارات
الغربية يدها مصافحة من ينتهكون حقوق الانسان ويعتبرون
الديموقراطية كفرا وهذا أضعف الايمان.
* كلمة عبد العزيز الخميس المشرف على المركز السعودي لحقوق
الانسان ضمن فعاليات مؤتمر مستقبل الديموقراطية في المملكة
العربية السعودية في 22 يناير 2004
|