زمن الخصب.. زمن الحيرة والعاطلين عن العمل

 كان العامان الماضيان من أخصب الأعوام التي مرّت في تاريخ المملكة الحديث على صعيد حرية الرأي ونقاش القضايا الجادّة الإجتماعية والسياسية بمشاركة أعداد ضخمة من المثقفين والإصلاحيين، وبمتابعة شعبية قلّ نظيرها. المجتمع السعودي اليوم يختلف عن مجتمع ما قبل 11 سبتمبر. لقد بدأ هذا المجتمع المحكوم بالثقافة الواحدية يكسر الأطواق واحداً بعد الآخر، ويطالب بموقع له على خارطة التغيير القادم.

وإزاء هذا الإنقلاب في الفكر والمزاج والتطلعات الشعبية، تبدو قيادة السفينة في بحر متلاطم من العنف الداخلي والإنحدار الإقتصادي والتهديدات الخارجية، غاية في الصعوبة.

لا النخبة المثقفة الإصلاحية قامت بدورها كما يجب حتى الآن في تأطير تلك التطلعات، ولا السلطة السياسية قادرة ولا راغبة في تقليص الفجوة الذهنية بينها وبين جمهورها الذي سبقها بمراحل ومراحل.

وفي حين تتضخم الآمال الشعبية، وفي كثير منها كاذبة، كالحلم بالرخاء الإقتصادي، وكالحلم بالإصلاح السياسي السلمي الإختياري الهيكلي السريع! تطوف الآمال والأحلام نوافذ قصور الأمراء، وتطوف مخاوف الأمراء نوافذ البيت الأبيض، وتحوم على تلك القصور أرواح من فجّروا وقتلوا ودمّروا، كما صور الرعب التي صنعوها خلال العامين الماضيين. بين الحلم والحقيقة مجرد قرار لم يفرج عنه الثلاثي: سلطان ونايف وعبد الله! وبين الخيال والواقع تستمر طوابير البطالة في كل شيء، وينتشر التشاؤم وتزداد الرغبة في الخروج من أسوار المملكة الى حيث الرخاء في الخارج، عملاً وهجرة.

نحن في زمن الحيرة!

المسؤول في حيرة ويقف في منتصف الطريق لا يلوي على شيء، وليس قادراً على فعل شيء او اتخاذ قرار شجاع بحسم الموقف.

والنخبة في حيرة بين التصعيد الخطير على الذات!، والسلمية المفترضة في الدعوة الإصلاحية. لا تريد ان تحرك الشارع، وقد لا تستطيع إلا بنحو يسير. وهي محتارة بين القبول بوعود المسؤولين التي يعلمون انها كاذبة، وبين وعود أميركية بالعون يزعمون أنهم لا يرغبون فيها!

أما المواطنين، فهم بين رافض للإصلاح مؤمناً بالعنف، ونشر الدمار؛ وبين فاقد للأمل في تحققه؛ وبين مصدق ومكذب معاً تجره الإشاعات والدعوات يوماً الى اليمن ويوماً آخر الى ذات الشمال! تغريه الوعود حيناً ملكية أو أميركية، وتغويه الصحافة والصحافيون حيناً آخر.

كل الطوائف والجماعات المذهبية والسياسية والمناطقية تقف اليوم بدون رؤية للمستقبل.

ماذا إذا فشل طريق الإصلاح السلمي؟

هل تسقط المحرمات الأخرى؟

ماذا إذا تصاعد العنف، ماذا سيكون الموقف إن تعنتر صاحب القرار السياسي، وشجّع برفضه الإصلاح الأميركيين على اقتحام (خصوصيتنا) التي نغني بها وعليها ولها؟!

ماذا بعد دعوات الإصلاح وعرائض الإستجداء؟

ماذا بعد مؤتمرات الحوار الأهلي؟

ماذا سيحدث لو تخيلنا ـ مجرد تخيّل غير مستبعد الوقوع ـ لو أن البورصة السعودية التي تقفز مجنونة بلا مبررات عقلية او منطقية، انطرحت وفقدت ثلث او ربع قيمتها؟ كيف سيكون الهياج الشعبي؟ كيف سيتدبر المسؤول حالة الأمن، وكيف سيقف المواطن وهو يرى ثروته قد ضاعت هباءً؟!

نحن في وضع قابل للكسر في أي لحظة وفي أي موضوع تقريباً. لا تسندنا ثقافة وطنية، ولا مصالح مشتركة واضحة، ولا مستقبل نرنو إليه بعين واحدة.. اقتصادنا كسيح، وثقافتنا مريضة، فكيف يمكن لهذا الشعب أن ينهض ـ كما يريد الإصلاحيون ـ للمطالبة بحقوقه؟ وكيف يمكنه ـ كما يريد آل سعود ـ أن يدافع عنهم تحت مدّعى الوطن والوطنية؟

نحن جميعاً في حيرة.. لا المسؤول بأعلم من السائل كيفية الخروج منها؟!

لنتركها فإنها مأمورة..

قد تكون دولة تسير الى حتفها!

وقد يتلطف الرب، وخارج إطار سننه تعالى، فيقلب الأوضاع لصالح الجمهور بأقل الأثمان!

أمان، وأحلام.. هي كل ما لدى العاطلين عن العمل!