نرجوكم..
أخرجونا من الدائرة!
نجيب الزامل
هامش الحرية الصحافية انهار منذ منتصف الشهر الماضي، تاريخ
اعتقال رجال الإصلاح في المملكة، فقد بدا أن الكثير من الصحافيين
يخشون من توجيه النقد، وبات رؤساء تحرير الصحف ميالين الى العودة
الى الخنادق القديمة وتضخم دور مراقب الداخلية في الصحافة، لمنع
ما يكتب. قليل من الكتاب امتلك الجرأة فكتب شيئاً عن الإعتقالات،
ولكن لم يمنع أن يوجد أصحاب الكلمة، من تمرير آرائهم في غفلة من
الرقيب. ما نشرته صحيفة الإقتصادية يوم 26/3/2004 محاولة خائفة
لقراءة ما حدث من اعتقالات تلقي اللوم على هذا حيناً وعلى ذاك
حيناً آخر:
(عندما تعامل الناس كمتهمين، فلا تستغرب عندما يجرمون!)
لقد آن الأوان، أن نخرج من دائرة الشيطان، وإن لم نخرج الآن
فإننا لن نبقى فيها حبيسين، ستتوالى الأمور حتى تتساقط أعضاؤنا،
وتتبخر عقولنا.. وننتهي.
آن ألأوان أن نبدأ بالسماع لمن لم يتكلم بعد، وأن نسمع جيدا، وأن
نعطي الضوء الأخضر لتمر الأفكار، وكنا قد حذرنا من تجاوز السرعات
في الطرق السريعة، والآلية التي صارت في الحوارات كانت عبارة عن
مركبات انطلقت بكل سرعتها في مساراتها الخاصة بها، بعد أن أبقيت
طويلا خارج الطريق، سرعة تعدّت العداد القانوني، وفي السرعة لا
يمكنك أن ترى إلا أمامك حتى لا تفلت العربة، وتضغط على دافعة
الوقود إلى حدّها النهائي لأنك تريد أن تصل إلى هدفك قبل
الآخرين. لم يكن هناك تأنٍ لينظر السائقون في المسارات الأخرى،
ويسمحوا بتبادل المسارات، والوقوف عند التقاطعات.. فانقلبت كل
المشاهد الحوارية إلى فوضى من السرعة، إلى الطرق الخاطئة..
المحزن، أنه بعد كل السرعات وإنهاك الأعصاب واستنفاد الزمن،
وصلنا إلى النقطة التي بدأنا بها.. اكتشفنا أننا في طريقنا
السريع كنا ندور في دائرة لم نشعر بها من فرط السرعة، وربما من
فرط الحبور عندما ارتفعت حواجز الطريق، ومن التوجس من طرف الآخر
من السرعة في رفع حواجز الطريق.. وأمر آخر أكثر غموضا، وهو من
أعطى إشارة بدء السباق.
لقد بدأت دائرة لم نحبذها أيضا ولم نشارك بها، على أننا كنا
متفهمين أن هذا سيحصل مادام أن الحوار كان بلا وجه تطبيقي، كان
مجرد انفجارات كتمت في الصدور لأزمان، ثم انفجرت ودوت مرة واحدة
فضج المكان، فسمعنا ضجيجا، ولم يصغ أحد إلا لنفسه. ولأن الباب
فتح فلا نتوقع ألا يخرج الناس ليتنسموا الهواء طلقا، وعلينا أن
نتوقع أن بعض الذين خرجوا لن يعودوا. وهنا تتفاقم الأمور ترن
الصافرة ليعود الجميع من الساحة، فبعض يطيب له التفسح الجديد فلا
يعود في الميعاد، ويأتي ربما بعد عناد، والبعض يهرب لساحات
أخرى.. ولكن الساحات الأخرى تريد رسم الدخول، وهو أن تجأر بحالك
عن الساحة التي كنت بها تلك التي كانت حول بيتك.. يفرح أصحاب
الساحة الجديدة بالغنم الموجود، ويغضب أصحاب الساحة القديمة
للأصل المفقود، ونضيع في منطقة ليست حتى بين المنطقتين.. شأننا
دائما، نبقى طويلا بلا تأمل، ثم لظرفٍ عاصف نفكر سريعا في ظرفنا
الذي نواجهه وننسى أن نعد أنفسنا لتوابعه المنطقية، والنتيجة
أننا نفاجأ ونرتبك ونتصرف بغضب، والغضب في مكان واحد سقف متى
وقع.. وقع على الجميع!
كنا نقول وما زلنا أن الأمور لا تسوى بالغضب، وأن النار إذا هبت
لا يجب أن يسكب عليها اللهيب، فنبقى نهرا جهنميا ينبع ويصب،
وينبع ويصب من ماء الجحيم. حتى الآن لم نعرف كيف نصل إلى الناس
الذين يريدون الخير للوطن، لأنهم عاقلون ومدركون ويحسبون
الوقائع، هم يعرفون أن أية محاولة للمساهمة في إعادة الالتحام
الوطني، وإطفاء النيران، قد تكون رقصة خطيرة، مع نذير أخطر.. هو
الغضب. لذا يبقون صامتين، ويأسفون لحال من يدور بالعرائض،
ويأسفون للحال الذي أوصلهم، وأوصلنا إلى ذلك.
كان التأديب الإسلامي في النصيحة ما زال هو الصحيح رغم كل شيء،
على أن الناس تعميهم الشمس إن أرادوا، وتضيء لهم الطريق إن
شاؤوا، ولا تلام الشمس. إنني أقولها بوضوح، لا أحب العرائض ولا
أشارك بها، ولكنني أتساءل لم ظهرت في الأصل؟! لو كان هذا الجواب
حاضرا لما جاءت العرائض، لأن الماء لا يفيض إلا إذا حاولنا حكر
ممراته.. والمعاريض هي هنا الماءُ يفيض من الجنبات ولكن ليغور
إلى الأبد، لا بقيَ في مساره، ولا روى الأرض.. وهكذا تـُهدر
عقولنا.. ومقررات وجودنا.
هناك من لا يتكلم، ولكن البحث عنه صعب، وهناك من يقول الحق عاليا
ولكن في ساحته ولا يبوح بكلمة في الساحات الأخرى لأنه يعلم أنه
لن ينتهي إلا مجرد ناشر غسيل لبيته. ولكنه لن يكف عن البحث عن
مساحة الحق في حدوده، لا في مشاعات الآخرين. هذه الأصوات في مجرى
النهر، اسمعوها، قد لا يكون الكلام معزوفات من المديح والتزلفات،
فهذا إعماء للعيون.. المحبون هم من يضحون حتى بقبولهم من أجل
النصيحة الحقة، الحب الحقيقي.
هناك شيء ضائع في الأمة.. وكدنا نصير مثل قطع الألعاب المفككة،
هيكل معروف وأجزاء منثورة. والحل هو: التعرف على كل قطعة وإعادة
رصها لتأخذ الشكل النهائي الدائم.. على أننا نحتاج إلى أضراس
التداخل في هذه القطع.. أي أننا لا نتشابه تماما ولكن لا نتنافر،
قد لا تتوازى مصالحنا ولكن يجب أن تتقاطع ولا تتصادم، أن لا نتحد
بالضرورة كتلة صماء ولكن نتماسك من خلال الأجزاء.. وأمران لهذه
الأمة، ألا نغضب.. وأن نبحث عن ضالتنا الآن..الثقة!
أن نطالب، وأن نعاقب من يطالب، ثم يغضب آخرون لأننا عاقبنا..
هكذا تدور دائرة الشر نرجوكم أن تخرجونا منها.. إن أردتم!
|