خلفية الافراج عن عدد من الاصلاحيين
العائلة المالكة تبحث عن حليف
محمد
الناصر
كانت التوقعات تشير الى أن فترة اعتقال دعاة الاصلاح لن تكون
طويلة، فمن أقدم على هذا القرار التعسفي كان يدرك تماماً بأنه
عاجز عن المضي في سياسة تفضي الى توتير الاوضاع الداخلية، مع
تكاثف الضغوط الداخلية والخارجية.. فقد أفرجت السلطات الأمنية عن
عدد من الاصلاحيين الذين جرى إعتقالهم في السادس عشر من مارس
الماضي في خطوة وصفها البعض بأنها محاولة لاحتواء المعارضة من
خلال تشجيع أولئك الراغبين بالعمل ضمن إطار المعارضة المعتدلة
بما يحفظ مكانة العائلة المالكة.
قد يكون الافراج عن ستة من الاصلاحيين في الدفعة الاولى تم بعد
توقيع على تعهدات بعدم مزاولة نشاط سياسي وحصر مجال مطالبتهم
بالاصلاح السياسي في حدود الحكومة، أما المعتقلون الباقون فرفضوا
التوقيع على اي تعهد أو عقد صفقة مع السلطات السعودية، وهذا ما
عطّل خياراً راهنت وزارة الداخلية على انجاحه من خلال انتزاع
تعهدات خطيّة من دعاة الاصلاح المعتقلين وأملاً في إعطاب عجلة
التغيير. فقد بدد كل من الدكتور توفيق القصير والمحامي سليمان
الرشودي ما تردد عن توقيعهما على تعهّدات خطيّة بعدم مزاولة نشاط
سياسي علني، وأكّدا لوكالة الانباء الفرنسية تمسكهما بالمطالب
الاصلاحية التي رفعوها من خلال العرائض الى القيادة السياسية،
ورفضا الاذعان لقرارات وزارة الداخلية القاضية بحصر مجال
المطالبة في حدود العائلة المالكة وولي العهد على وجه الخصوص.
وبالرغم من إعادة إعتقال الدكتور توفيق القصير مرة ثانية، الا أن
هذا القرار يندرج في سياق المدافعة المستميتة التي تقوم بها
وزارة الداخلية من أجل كسر إرادة الاصلاحيين وللحيلولة دون تحقيق
سابقة في تاريخ هذا البلد بأن يخرق أحد المعتقلين التزاماً
شفهياً او خطيّاً فور خروجه من المعتقل.
الظروف المحيطة بعملية الافراج عن أغلب الاصلاحيين الاثني عشر
تشير الى أن العائلة المالكة واقعة تحت ضغط داخلي، وأنها تقوم
بتغيير موقفها من المطالبة بتعهد الى محاولة إبرام صفقة سياسية
مع التيار الاصلاحي المعتدل. إن الوضع الذي تواجهه العائلة
المالكة في الوقت الراهن غير مسبوق، ليس كونها تواجه مجموعة من
الخصوم المحليين فحسب، ولكنها ولأول مرة تقع تحت تأثير ضغط شديد
من الخارج، وبخاصة من الولايات المتحدة.
فواشنطن التي تستعد من أجل الاعلان عن (مبادرة الشرق الاوسط
الكبير) في قمة الدول الثماني في يونيو المقبل، والتي تتضمن
برنامجاً يدعو الى الاصلاح الشامل في الانظمة السياسية العربية،
تشكّل ضغطاً شديداً على العائلة المالكة في موضوع الاصلاح
السياسي. وكانت قد عبرت كل من السعودية الى جانب مصر وسوريا عن
تحفّظات حول الخطة الاميركية والتي تصوّر دمقراطة واسعة النطاق
في المنطقة.
إن التحول في السياسة الاميركية يتجه الى تشجيع العناصر
الاصلاحية بصورة سلمية والمعارضة للنظام الشمولي في السعودية
للبوح بصورة علنية عن مطالبها التي تحظى بقبول عام من العالم
الديمقراطي. إن كثيراً من المعارضين للسلطة العشوائية للعائلة
المالكة والمؤسسة الدينية الوهابية أفادوا من الظروف الداخلية
والاقليمية التي تمر بها السعودية لبدء تحرّك وطني اصلاحي كثيف
يضم مختلف القوى السياسية والاجتماعية في البلاد من أجل الدعوة
الى انتخابات برلمانية، واصلاح دستوري، وحقوق المرأة، ومعالجة
المشكلات الاقتصادية الداخلية، ومحاسبة القيادة.
إن النظام الذي مازال عاجزا عن انزال الهزيمة الساحقة بالجماعات
الجهادية مكره الآن على عقد صفقة مع المعارضة الدينية الحديثة
والتي تنادي من أجل اصلاحات جزئية على طريقتها، مع التأكيد على
القيم الاسلامية المحافظة في البلاد.
وتفرض المعارضة الاصلاحية تحديات ما للعائلة المالكة، وتمثل في
الوقت نفسه طريقاً للحكومة من أجل إضعاف الجماعات الجهادية في
المملكة. وتأمل الحكومة في التفاوض مع التيار الديني المعتدل
طمعاً في تشكيل علاقة ما لمواجهة الجماعات المسلحة السرية،
ولكنها في الوقت نفسه فشلت في حسم موقفها من الاتجاهات الاصلاحية
داخل البلاد.
إن الفكرة التي تفسّر عملية الافراج عن الاصلاحيين هو ظهور
العائلة المالكة وكأنها الصوت الشرعي للاسلام، وهو ممكن في حال
تمكنت من كسب الاسلاميين المعتدلين الى صفها، والذين جرى
الاستعانة بهم في مواجهة جماعات العنف. فالمؤهلات الاسلامية
للنظام تعرّضت لانهيار كبير، مما اضطرها لاكتساب شرعية من خلال
استعمال أساليب اخرى دعائية لدفع المجتمع لاحترام التزامه وحفاظه
على التقاليد الدينية، وثانياً لتأكيد المشروعية الدينية للعائلة
المالكة. من جهة، فإن الحكومة تحاول تعزيز موقفها من المعارضة
المعتدلة على أمل سحب الدعم من جماعات العنف، ولكنها بعد إعتقال
الاصلاحيين وضعت الجميع في جبهة موحدة ضدها.
وحتى لو لم تقدر الرياض على حرف اتجاه عاصفة الجماعات الجهادية،
فإنها تتوهم بامتلاكها المرونة الكافية أو القدرة التي تؤهلها
للقيام بفرض سيطرة على المعارضة المعتدلة، وبالتالي التأثير في
مسار الاصلاحات. والسؤال هنا يدور حول ما اذا كانت العائلة
المالكة قادرة على تأمين صفقات كهذه، وكم هو حجم الدعم الشعبي
الذي يتمتع به المعارضون المعتدلون. من الناحية الفعلية، فإن
العائلة المالكة تخشى من تقوية المعارضة المعتدلة والتي قد تفرض
مشاكل جدية بالنسبة للعائلة المالكة.
فحتى الآن، وبالرغم من نجاحها الظاهري في الحد بصورة كبيرة من
نشاط جماعات العنف ثم مفاجئة التيار الاصلاحي بحملة اعتقالات
طالت رموزه الفاعلين، فإن العائلة المالكة لا تبدو واثقة بأن
هناك من تضع ثقلها عليه أو عقد صفقة معه، أو بناء تحالف من نوع
ما بحيث تكون قادرة على إستعماله في مواجهة خصومها الآخرين. فحتى
طبقة علماء الدين الكبار لم تعد تحتفظ بنفس القدر من النفوذ
والتأثير في الشارع فضلاً عن تحقيق الاصطفاف خلف الدولة.
أمام خيارات معقّدة داخلية وصعوبة الحسم في ترجيح أي منها، تحاول
الحكومة تحقيق أكبر عدد من الضمانات على المستويين المحلي
والعربي لمواجهة مصادر الضغط المحلية والدولية، فهل تخرج سالمة؟
هناك اكثر من سبب للشك في ذلك.
|