إعتقال الإصلاحيين يجدد سؤال:
هل النخبة السعودية فاسدة وجبانة؟!
محمد علي الفايز
إبتداءً فهذا السؤال الإتهامي القديم جداً والذي يواجه به
النخبويون السعوديون في الخارج، هو سؤال مشروع. وهو سؤال ملحّ
اليوم أكثر من أي وقت مضى، بالنظر الى موقف النخب السعودية
المتخاذل تجاه الإعتقالات الأخيرة لنشطاء الإصلاح.
المشكلة لدى النخب السعودية لا تأتي إلا من خلال المقارنة
لنظرائها في الدول العربية الأخرى. فمن حيث حجم النخبة المتعلمة
فإن نسبتها في المجتمع السعودي، ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة،
هي من أعلى النسب. ولكنها من حيث الفاعلية السياسية، تكاد تكون ـ
أو هي بالفعل ـ في أدنى السلم. فحتى الآن، لم نرَ في النخب
السعودية مقاومة ولو محدودة، ومجمل نشاطها السياسي المطلبي متأخر
عن كل الدول العربية وغير العربية. وفي حين نرى النخب في دول
الخليج، خاصة البحرين والكويت، تتنادى في الدفاع عن قضايا وطنها
منذ عقود طويلة، فإن النخبة السعودية بقيت نائمة صامتة. بل ان
النخب في دول عربية معروفة ببطشها تحمّلت المعاناة وظهرت على
السطح، وطالبت بالتغيير، دون خوف من الإعتقال. في حين ترى
نظرائهم السعوديين، وهو يعيشون في وسط نصف قمعي من حيث المقارنة،
يجفلون من قولة حق، أو الدفاع عن قضية، ويهربون الى كل قضايا
الكون وينسون قضيتهم، ويكتبون عن كل شيء في هذا العالم عدا عن
وضعهم ووضع مواطنيهم. النادر منهم من اعتقل، ومن النادر من له
استعداد للإعتقال. لماذا؟!
هل هي مسألة جبن، ام عدم نضوج سياسي، أم هناك قدرة ـ غير عادية ـ
لدى النظام السعودي في الإستيعاب لطموحات النخب أو لمصالحها
الخاصة؟!
هل تكمن المشكلة في الجغرافيا السياسية حيث التباعد المناطقي
وأثره على التنسيق بين النخب وبلورة افكارها؟ هل هي أزمة الدين
والدولة، والإستبداد المزدوج الذي يكمم الأفواه؟ هل هي أزمة
كامنة في الخوف من العقاب المجرب بنجاعة الى حد ما والقاضي
بالفصل من الوظيفة والمنع من السفر؟ أم هل هناك منافع خاصة لدى
جمهور النخب يسكبها الأمراء في جيوبهم بحيث تجعلهم حريصين على
الإلتصاق بالسياسة القائمة وبالوضع القائم؟ أم أن الجبن نابع من
(ميراث) شخصي من الأجداد الى الآباء الى الحفدة، ذلك الميراث
الدموي الذي قامت عليه الدولة السعودية الحديثة، فراح كل مواطن
يصيغ أبناءه ويربيهم على الخوف والرعب من السلطة، حتى صارت نفسية
المواطن السعودي في الجملة خائرة خائفة؟ أم هل السبب يكمن في
غياب التراث السياسي منذ تأسيس الدولة، وأقصد بالتراث السياسي
للعمل الوطني، الذي لا تعرف أكثر النخب أبجدياته؟
لا ندري ما هي الأسباب، هل هذه كلها أو بعضها أو غيرها!
ما نعلمه حقاً هو أن مجموعة مركزية من النشطاء السياسيين
اختطفتهم يد المباحث واعتقلتهم، فيما كان أصدقاؤهم وزملاؤهم
يلوذون بالصمت، مع أن الإعتقال وارد جداً في بلدنا، ومع علمنا ان
الإعتقال لن يطول، ومع علمنا أن الضرر محصور ومحدود، ولكن يبدو
أن الأكثرية في لوذها بالصمت خافت على نفسها بأكثر مما كان
متوقعاً. لقد ذهبت بها عريضة، كما يقول المثل!
بل ان الكتاب الذين ما فتئوا يطحنون موضوع الإصلاحات والحوار
الوطني، غابوا عن الصحافة وراحوا يكتبون عن كل الموضوعات السقيمة
والتافهة، خوفاً على أنفسهم، وربما على مصالحهم!
ما هذا الخوف العميق الى حدّ الجنون؟
وما هذا التخاذل غير المسبوق الذي يجعل الألسن تعود الى مواقع
التسبيح القديمة؟
هل نحن أمام دعاة إصلاح أم رجال مصالح؟
كيف يكون الإصلاحي جباناً؟!
وكيف لا يكون الإصلاحي مستعداً لدفع ثمن التغيير في حدوده
الدنيا؟
وكيف نفسّر حالة الإنكماش السريع في هامش المباحات في البلاد،
الى حدّ تحولها الى محرمات، بين ليلة وضحاها؟!
راقبوا الصحافة المحلية بعد الإعتقالات، ستجدون أن لا طعم لها
ولا رائحة!
لقد فشلت النخبة في استصدار بيان يدين الإعتقالات.
وفشلت في تمرير مقالة تدين تجاوز القانون.
وفشلت في الدفاع عن المعتقلين بشق كلمة حق، اللهم إلا القلة
الذين التقوا بنايف وأسمعوه كلاماً يستحقه!
وفشلت حتى في التجرؤ بالظهور على قناة فضائية ـ كان الجميع قبل
الإعتقالات يتسابق اليها ـ لمناقشة موضوع الإعتقالات، بل موضوع
الإصلاحات في إطاره العام.
القيادة لا يمتلكها جبان ولا بخيل!
ومن يريد الإصلاح عليه أن يعي هذا قبل غيره. عليه أن يدرك حجم
التضحيات المطلوبة منه. وهي تضحيات قابلة للتدرج من فقدان
الوظيفة الى المنع من السفر الى الإستدعاء في المباحث للتحقيق،
الى الإعتقال المؤقت او الطويل. فلتقرر النخب التي ركب بعض
افرادها موجة الإصلاح الثمن المستعدة لدفعه.
ربما كان بعضهم قد قفز على موجة الإصلاح حين شعر بالسلامة! وعند
أول بادرة اختبار تراجع واختبأ خلف أسوار منزله.
من إيجابيات الإعتقالات انها ستصفّي التيار الإصلاحي من العناصر
الإنتهازية، التي لها صوت عال وقت (الغنم) وتتفارر من الميدان
وقت (الغرم).
نحن بحاجة الى المزيد من الإعتقالات لنمحص أنفسنا، ونختبر
ذواتنا، كيما نعود الى الميدان أكثر صلابة وإيماناً بحقوق
مواطنينا.
نحن بحاجة الى الإعتقالات، لتبطل دعاوى الإنتهازيين، والمتحالفين
مع السلطان على قمع المواطن وسلبه حقوقه.
النخب في المملكة لا تزال في معظمها جبانة وفاسدة!
(إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم) (وإن
تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).
|