مفكرة إعتقال الإصلاحيين

عبد الله الراشد

 في صباح الثلاثاء السادس عشر من مارس الماضي أقدمت الأجهزة الأمنية السعودية على اعتقال 12 من رجال الاصلاح في المملكة من بينهم: المحامي الاستاذ محمد سعيد الطيب، الدكتور عبد الله الحامد، الدكتور متروك الفالح، الكاتب نجيب الخنيزي، الكاتب والشاعر علي الدميني، الدكتور توفيق القصير، الكاتب أمير بوخمسين، المحامي الشيخ سليمان الرشودي، الدكتور خالد الحميد، الدكتور عدنان الشخص، والدكتور حمد الكنهل، وضمّ اليهم لاحقاً المحامي عبد الرحمن اللاحم عقب تصريحات انتقد فيها طريقة الاعتقال، ووصفها بأنها غير قانونية. وقد أحدّثت هذه الخطوة المفاجئة خيبة أمل شديدة للتيار الاصلاحي العريض في المملكة، في وقت كانت الدلائل الظاهرية تشير الى اقتراب موعد الانفراج السياسي الشامل في البلاد، وبدء مرحلة الحوار الوطني الفاعل، وتنفيذ الاجندة الاصلاحية التي طال انتظارها من قبل الشعب.

وكان الاستاذ محمد سعيد الطيب أول من أستدعي من المجموعة وذلك بعيد وصوله من بيروت فجر الثلاثاء السادس عشر من مارس، حيث تم اعتقاله على الفور، ثم أعقب ذلك استدعاء آخرين وايقافهم في الساعات اللاحقة بطريقة استفزازية ومهينة. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية بأن الدكتور الفالح أبلغها في مكالمة عبر هاتفه النقّال بأنه (والحامد والقصير اقتيدوا في الصباح إلى مقر جهاز الإستخبارات للتحقيق معهم)، حيث جرى اعتقالهم بعد أن امتنع هؤلاء عن التوقيع على تعهّدات خطية كانت أجهزة الامن قد أعدّتها قبل الاقدام على خطوة الاعتقال.

وعقب ساعات من الاعتقال أصدرت وزارة الداخلية بياناً مقتصباً أعلنت فيه بـ (أنه تم إيقاف عدد محدود من الأشخاص للتحقيق معهم فيما نسب إليهم من إصدار بيانات لا تخدم وحدة الوطن وتماسك المجتمع القائم على الشريعة الإسلامية)!! ولم يحدد البيان عدد الموقوفين أو أسماءهم، أو سبب الاعتقال. الا أن ما رشح من اجتماع الامير نايف مع عدد من المثقفين والاكاديميين بأن الاعتقال جاء على خلفية تحرك عدد من رجال الاصلاح لانشاء جمعية حقوقية مستقلة على غرار الجمعية الوطنية لحقوق الانسان التي وافقت الحكومة على انشائها وعيّنت أعضاءها، الامر الذي يجعل اقحام عبارات من قبيل (وحدة الوطن) و(تماسك المجتمع) و(الشريعة الاسلامية) سوى مجرد دمغات تقليدية اعتاد البيانيون الرسميون على رصفها لتبرير خطوة تعسفية كهذه.

وكانت المجموعة التي تعرض بعض افرادها للاعتقال قد عقدت مطلع شهر مارس الماضي لقاءً عاماً في فندق الفهد كروان في العاصمة الرياض، للتشاور في مواضيع تخص الشأن الوطني العام، وناقشت خلال اللقاء الذي ضم طيفاً من الناشطين السياسيين والحقوقيين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية فكرة إنشاء لجنة حقوقية وطنية مستقلة وهكذا تنظيم الجهود الاصلاحية. وكانت مصادر خبرية قد أشارت الى أن المجموعة كانت تخطط لإصدار بيان تشكك في مشروعية ومصداقية اللجنة الوطنية لحقوق الانسان بوصفها هيئة غير مستقلة، وإنما هيئة مرتبطة بالحكومة نشأة وتكويناً، وهو تشكيك أثاره كثير من المواطنين عبر وسائل اتصالية مختلفة. وكان الأمير نايف قد أكّد في لقاء مع مجموعة من المثقفين والاكاديميين في الرياض مؤخراً بان اللجنة الوطنية لحقوق الانسان حظيت بموافقة السلطة ودعمها.

وكان أول رد فعل على إعتقال الاصلاحيين صدر عن وزارة الخارجية الاميركية حيث كان يستعد كولن باول لزيارة الرياض عقب يوم من حادث الاعتقال. وفي اليوم التالي من اعتقال الاصلاحيين أصدرت وزارة الخارجية بياناً انتقدت فيه اعتقال الناشطين الاصلاحيين واعتبرت ذلك (خطوة تراجعية مخيّبة للآمال) من قبل الحكومة السعودية. وقال متحدث باسم الخارجية الاميركية آدم إيرلي بأننا نشعر بقلق بالغ حيال اعتقال عدد من الافراد الذي دعموا بصورة سلمية الاصلاح في السعودية، وعلّق قائلاً بأن الاعتقالات كانت مناقضة للتحركات الايجابية الحاصلة مؤخراً في المملكة، وقال (إنها تتعارض مع نوع التقدم الذي يبحث عنه الناس التواقوّن للاصلاح)، والذي يشمل مشاركة المواطنين، وتشكيل منظمات حقوق الانسان، واعلان الانتخابات البلدية وغيرها من الانشطة السياسية الوطنية. وكانت الخارجية الأميركية قد ذكرت في فبراير الماضي بأن سجّل الحكومة السعودية في مجال حقوق الانسان كان سيئاً، بالرغم من التحسّنات الطفيفة التي حصلت في عدد قليل من الجوانب. وذكر المتحدث باسم الخارجية الأميركية بأنه بالنظر الى التحركات الايجابية الحاصلة مؤخراً فإننا نجد بأن الاعتقالات تعتبر خطوة مخيّبة للامال وسنتداول هذا الأمر مع الحكومة السعودية.

وفي يوم الاربعاء السابع عشر من مارس أفرجت السلطات السعودية عن أربعة من الإصلاحيين وهم: عدنان الشخص، حمد الكنهل، أمير بو خمسين، وخالد الحميد، وذكرت مصادر قريبة من وزارة الداخلية بأن المفرج عنهم تعهّدوا خطيّاً بعدم مزاولة أي نشاط سياسي علني أو عقد لقاءات، أو المباشرة في تشكيل تنظيمات غير مصرح لها رسمياً، فيما ذكرت هذه المصادر بأن بقية المعتقلين تمسّكت بموقفها الرافض للتوقيع على تعهدات بعدم مزاولة النشاط السياسي الاصلاحي العلني، أو التعبير بآرائها في مواضيع متصلة بالشأن العام، وهو حق مكفول من قبل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان.

وفي رد على انتقادات وزارة الخارجية الاميركية، أصدرت الخارجية السعودية بياناً في الثامن عشر من مارس الماضي وصفت فيه الاعتقالات بأنها (شأن أمني داخلي) يرتبط بالمملكة وحدها في الوقت الذي مازالت فيه هدفاً لهجمات إرهابية. وذكر البيان (إننا أُصبنا بخيبة أمل من البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية حول اعتقال المملكة لعدد من المواطنين بسبب تورطهم في أعمال تحريض واستعمال اسماء لأشخاص مرموقين دون موافقتهم) حسب ما ذكر متحدث بإسم الخارجية السعودية. واضاف المتحدث بأن هؤلاء فعلوا ذلك للمراهنة على (خلق إرباك في وقت أحوج ما تكون فيه الدولة الى رؤية واضحة ووحدة وطنية بينما تتعرض لهجمات من قبل الارهابيين). وقال المتحدث (كان من الأفضل ان تتشاور وزارة الخارجية الاميركية معنا لمعرفة الحقائق حول القضية قبل اصدار بيان بهذا الصدد. الى جانب ذلك، فإن حكومة المملكة تعتبر هذا الموضوع شأناً أمنياً داخلياً وتدبيراً خاصاً للحفاظ على الأمن ومصلحة المواطنين، وهما يخصّان المملكة وحدها).

وفي المؤتمر الصحافي الذي عقد في التاسع عشر من مارس بين وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ونظيره الأميركي كولن باول قال الأمير سعود بأن الاعتقالات التي حدثت مؤخراً هي شأن داخلي محض يخص السعودية وحدها، فيما علّّق باول قائلاً: لقد أجرينا مباحثات مع  ولي العهد و وزير الخارجية حول هذا الموضوع وأعربت عن قلقنا تجاه الامر، وليس لدي علم بعددهم ولكن عدداً قليلا منهم قد أطلق سراحه).

واعاد سعود الفيصل تلاوة بيان الخارجية السعودية حيث ذكر بأن (ما حدث يخص هذه البلد وفي الوقت الذي يعمل فيه الجميع نحو الوحدة ورؤية واضحة بالذات في الوقت الذي نواجه فيه تهديداً إرهابياً فإنه ليس هذا الوقت الذي يتم فيه مثل هذا الامر وفعلوا ذلك باستخدام أسماء اشخاص مرموقين ومحترمين من الذين رفضوا بشدة هذا الامر وقرروا إثارة الموضوع على نحو قانوني إعتراضا على تضمين اسمائهم في بيان اذ ليس لديهم الحق في ذلك وطلب من هؤلاء الناس المثول للاستجواب واستجوبنا الذين وعدوا بعدم استخدام اسماء اخرين وهؤلاء اطلق سراحهم فوراً، أما الذين رفضوا فسيتم تحويلهم الى المحكمة الشرعية لنرى ما سيتم بشأنهم ويعتبر هذا امرا داخليا وهذا ما ابلغنا به صديقنا). نشير هنا الى أن تهمة تضمين اسماء مرموقة في بيانات اصلاحية كان جزئية قد جرى استغلالها بطريقة سيئة وابتزازية، حيث جرى حذف الاسماء التي قررت سحب توقيعها مثل عبد الكريم الجبهان والدكتور تركي الحمد وتمت تسوية الموضوع بصورة هادئة، الامر الذي يجعل من إثارة هذه النقطة واعتبارها السبب وراء الاعتقال مجرد محاولة لاخفاء السبب الحقيقي للاعتقال، سيما وأن الامير نايف قد شهر ورقة انسحاب الجبهان في جلسة مع موقعي (الاصلاح الدستوري أولاً) من أجل احداث شرخ داخل المجموعة واثارة البلبلة في صفوها.

وفي سؤال للوزير باول حول ما اذا كان يعتقد ان المتحدث باسم الخارجية الامريكيه إيرلي من خلال تصريحه يدعم توجهات هولاء الموقوفين أجاب بقوله: بالنسبة للبيان الذي أصدرناه في واشنطن والمحادثات التي أجريتها مع  وزير الخارجية فان لدينا قلقاً بشأن أناس حاولوا التعبير عن وجهات نظرهم على نحو صريح وديمقراطي، وقد بحثنا هذا الامر وكان لنا مناقشات صريحه وواضحه في هذا الموضوع وان عدداً من الموقوفين سوف يتم إطلاق سراحهم، وما تبقى منهم سوف نرى ما سيتم بشأنهم في الايام القادمة.

وفي مساء يوم الخميس الثامن عشر من مارس أفرجت السلطات السعودية عن الكاتب نجيب الخنيزي، فيما رفض كل من الدكتور متروك الفالح والدكتور توفيق القصير والدكتور عبد الله الحامد والاستاذ علي الدميني اجراءات الاعتقال وطالبوا باللجوء الى القضاء وتعيين محامين لهم للمرافعة ضد اجراءات الاعتقال التعسفي التي اتبعتها وزارة الداخلية بحقهم. في المقابل، تمسّكت الاخيرة بموقفها على انتزاع تعهدات خطيّة من المعتقلين بعدم مزاولة أي نشاط سياسي اصلاحي غير مصرّح له من قبل الدولة، وعدم المساهمة في أية تنظيمات غير مرّخصة من قبل الحكومة، أو حتى مجرد التوقيع على بيانات إصلاحية تصطدم مع السلطة مباشرة، أو تشكك في أهليتها في الإصلاح.

وقد نفى وزير الداخلية الأمير نايف في السابع والعشرين من مارس ما تردد من أنباء حول ضغوط خارجية تعرّضت لها الحكومة السعودية لاطلاق سراح عدد من الاصلاحيين وقال بأنه (لا صحة إطلاقا لما أثير في بعض وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت عن أن إطلاق سراح هؤلاء (..) كان لضغوط خارجية)، مؤكداً (أن الإفراج عن هؤلاء الأشخاص كان قرار اداخلياً لا علاقة له بأي تأثير خارجي مطلقا ..).

وفي التاسع والعشرين من مارس أفرجت السلطات السعودية عن كل من الدكتور توفيق القصير والمحامي سليمان الرشودي. وقال القصير والرشودي إنهما لم يتعهدا بوقف نشاطاتهما المؤيدة للإصلاحات لكنهما تعهدا بالتنسيق مع القيادة السعودية وتوجيه البيانات لها. وأكد القصير أنه أفرج عنه وزميله بعد أن برئا من أي تهمة، وأشار إلى أن السلطات طلبت منهما توجيه البيانات بشأن الإصلاحات إلى (ولي الأمر فقط)، موضحاً أنهما أكدا للسلطات المعنية أن هدفهما الإصلاح، وإذا كان ذلك يتحقق من خلال إرسال البيانات للقيادة فإنه لا مانع للإصلاحيين. من جانبه أكد الرشودي استمرار المطالبة بالإصلاح وبالدستور وبفصل السلطات في المملكة أي بأن تصبح ملكية دستورية تتماشى مع ظروف البلاد والشريعة الإسلامية. وأوضح الرشودي أنه وزملاءه الناشطين شعروا ومازالوا يشعرون بأن القيادة تشاركهم الشعور بضرورة الإصلاح.  وقد زعمت بعض المصادر بأن القصير والرشودي عرضا على هيئة التحقيق والادعاء العام حيث ثبت عدم كفاية الادلة لاعتقالهما على ذمة التحقيق.

وفي الثلاثين من مارس أفرجت السلطات السعودية عن الداعية الاصلاحي البارز المحامي محمد سعيد الطيب، دون معرفة الاسباب التي دعت للافراج عنه، فيما زعمت بعض المصادر المقربة من وزارة الداخلية الى أن الطيب وقّع على تعهد يقضي بعدم المشاركة في كتابة أو التوقيع على بيانات، أو الحديث إلى وسائل الإعلام المحلية والأجنبية بما يمس قضايا الشأن المحلي سلباً. وكان إطلاق سراح الاستاذ الطيب قد اعتبر مؤشراً على احتمال الافراج عن الثلاثة الباقين: الدكتور متروك الفالح، والدكتور عبد الله الحامد، والاستاذ علي الدميني. وتجدر الاشارة الى أن الثلاثة كانوا  ضمن 116 ناشطا وقّعوا عريضة وجهوها في ديسمبر/ كانون الأول إلى كبار مسؤولي المملكة دعوا فيها إلى تحويل السعودية إلى ملكية دستورية.