تحميل الفشل للغير

الصهيونية، بن لادن، المسعري، الفقيه، وراء حادثة ينبع!

محمد ناصر

 

ربما خان ولي العهد التعبير ـ مرة أخرى ـ حين قال بأن الصهيونية كانت وراء احداث ينبع بنسبة 95%. فالرجل أراد أن يكون دقيقاً جداً في تعبيره، وتحليله، الذي لم يفرق بين الخطاب الموجّه للإستهلاك المحلّي وبين تداعياته الخارجية! ومشكلة التعبير عند ولي العهد ليست جديدة، ولكن ما يهمنا هنا أن هناك منهجاً ملكياً يلقي باللوم على الآخر الخارجي، ولا يبحث عن نقد للذات.. ومشكلة العنف في المملكة ذات جذر محلّي واضح، لا تحتاج الى صهيونية ولا الى غيرها!

المشكلة ان التصريح جاء على الهواء مباشرة، حاولت الصحافة المحلية تفاديه في اليوم التالي، بحجب معلومة الـ 95%! ولكن المواطنين والعالم قد سمع بالأمر، ولم تقصّر قناة الجزيرة التي ركزت على الموضوع ما يقرب من خمس عشرة مرة فقط!

وجاء الذكي الآخر، وزير الخارجية سعود الفيصل، ليخبص الموضوع من جديد، فدبّر له سؤال في مؤتمره الصحافي يوم 4 مايو، وقد كان أول سؤال يعرض عليه، حول علاقة الصهيونية بما جرى في ينبع. فأكد الوزير الأمر وربط بين المعارضة الخارجية (المسعري والفقيه) وبين الصهيونية، مستشهداً بتوحّد الأهداف في الطعن بنظام الحكم، وزعم أكثر من ذلك بأن هناك جهات لها علاقة بالصهيونية تموّل الرجلين!

الكذبة الأولى جرّت الى الكذبة الثانية المتعلقة بالمسعري والفقيه.. فإما أن يكون وراء الحادث صهاينة، وهو ما قاله ولي العهد ونفاه في نفس الوقت في حديثه للتلفزيون السعودي!، وإما أن يكون المعارضون في الخارج وراءه، وإما أن يكون الطرفان مشتركان فيه (أي الصهيونية والمعارضة)، وإما أن تكون القاعدة وراء الاشتباك المسلح وهو ما صرح به نايف في الكويت يوم 4 مايو، خلاف إيحاءات بيان وزارة الداخلية السابق عن تلك الاشتباكات. وإما أن يكون كل ما قاله الأمراء محض افتراء وكذب، وهو الأقرب للحقيقة والواقع!

منذ تفجر العنف في المملكة لم يقل مسؤول سعودي أن وراء ذلك الصهيونية، لا في تفجيرات العليا ولا تفجيرات الخبر منتصف التسعينيات، ولا في تفجيرات الرياض المتكررة.. حتى القاعدة لم يُنسب لها ذلك إلا في التفجيرين الأخيرين، رغم نفيها الأمر.

لكن الذكاء الملكي أراد أن يخلط بين الخطاب الإستهلاكي المحلي وبين تقديم أجوبة للخارج. أرادت أن تضع كل الأطراف التي تختلف أو تعارض منهجها في بوتقة واحدة، حتى الإصلاحيون في الداخل اعتقلوا واتهموا بالعمالة الخارجية وتأجيج العنف. الصهيونية شماعة استخدمها الحكام العرب كثيراً للتنكيل بمعارضيهم وما عادت تنفع ولا توجد لها مصداقية. ثم إن تحميل الخارج مسؤولية أحداث ينبع، ينبئ عن ضيق ذرعٍ بالأصوات المختلفة حتى تلك القادمة من وراء الحدود، ورفع المسؤولية عن الذات فيما يجري داخلياً. وربما يريد الأمراء نقل معركتهم الحقيقية في الداخل الى أطراف في الخارج من أجل توحيد الصف المحلّي. إن افتعال معركة مع المسعري والفقيه، لن يخفف من وطأة العنف، فمصادر الأخير معروفة، وإذا قبلنا منطق أن شخصاً زار لندن قبل عشر سنوات لتحقيق ربط بالتفجيرات، فيحق للعالم كله ربط العنف بالحكومة السعودية التي كانت على علاقة مالية وسياسية مع القاعدة وحكومة الطالبان الى ما قبل أشهر من حادثة سبتمبر المعروفة.

إذا لم تستطع العائلة المالكة ان تقرر حقيقة (محلية العنف) و (محلية مصادره المادية والفكرية) و (محليّة رجاله والمنخرطين فيه) وبينهم شباب لم يغادروا السعودية مطلقاً في حياتهم، ومن ثم القيام بألاعيب سياسية تهويشية تبعد التهمة عن البيت السعودي.. إذا لم تستطع العائلة المالكة ذلك، أو انقلبت على حقائق لا تحتاج الى تأكيد ويعرفها القاصي والداني، فإننا أمام كارثة سياسية حقيقية.

فالإعتراف بالمشكلة هي أولى خطوات الحلّ. هكذا يقول الكتاب والمحللون السعوديون في الصحافة المحلية، أو هكذا كانوا الى ما قبل الإنقلاب على الإصلاحيين. وإن رفض هذه الحقيقة يطيل أمد أزمة العنف، ويمنع التواصل مع الحلول الصحيحة لظاهرة الإرهاب المحلي. حتى الآن، يؤكد الأمير نايف أن من قام بأحداث سبتمبر ليسوا سعوديين! وحتى الآن تُرمى الكرة على الفكر الخارجي، مرة الطالباني، ومرة فكر الإخوان المسلمين، ومرة فكر الجهاد والتكفير والهجرة المصريين. هل هذه هي الحقيقة؟!

العنف كان مسار الدولة السعودية قبل وبعد تأسيسها ولم تتخلّ عنه. والعنف ظاهرة ملازمة للفكر الوهابي، قبل أن يعرف الإخوان المسلمون والجهاد وغيرهم. والعنف نتاج بيئة مرض الإنسداد السياسي والغربة الوطنية، والفشل الإقتصادي الذي أدى الى أن يكون 60% من السعوديين تحت خط الفقر، كما أقرت ذلك دراسة نشر ملخصها في الصحافة المحلية.

فلماذا نلقي باللوم على الغير، ولا نريد أن نعترف بأخطائنا؟

العبث كل العبث أن يغلب التكتيك الإستراتيجيا. وحين تتغلب مصالح التكتيك الآنية على الرؤية المنهجية المستقبلية الإستشرافية في النظر الى وقائع الحال السعودي اليوم.

يظن الأمراء أن تصفية حساباتهم مع هذه الجهة أو تلك باستثمار أحداث ينبع وغيرها، شطارة سياسية. لكنهم يتناسون أن أجهزتهم الأمنية مخترقة، وأن المحققين الغربيين متواجدون على أرض المعركة السعودية، وهم لن يصدقوا الإخراج السعودي البائس للحادث.

على الأمراء أن يستقرّوا على رأي واحد، وأن يقدموا أدلتهم.. فإما أن يكون الصهاينة وراء الحادث، وإما أن يكون المسعري والفقيه وراءه، مع اختلاف واضح بينهما!، وإما أن تكون القاعدة وخلاياها المتحفّزة، وإما أن يكون وراء الحادث أفراد لا علاقة لهم بالقاعدة، وإن كانوا يؤيدونها، وهم ينشطون من تلقاء أنفسهم، ويحرضهم على ذلك عناصر محليّة تخرجت على أساس الفكر الديني الرسمي.

ليختاروا واحداً ولا يجمعوا بين المتناقضات.

وليبحثوا عن جذور الظاهرة العنفية، ففيها محاكمة للذات، ومحاكمة للسياسات، وفيها تختزن البداية الصحيحة لحل مشاكل البلاد المتفاقمة.

أما تبرئة الذات فلا تغن عن الحق شيئاً، والأهم أن المواطنين لن يصدقوها. لن يصدق احدٌ أن ما يجري تنفذه (شرذمة) أو (فئة ضالة) أو (خارجة عن الدين) أو (عميلة للصهيونية).. ولن يصدقوا بأن الحكومة قادرة على استئصال هذه الفئة، ولا (اليد الحديدية) التي يهدد بها الأمراء ستأتي بمفعول غير عادي، فنحن جربنا ذلك، وسنجرّبه أكثر، لأن صانع القرار لم يقتنع بعد بأنه مخطئ، وأنه فاشل في سياساته، وأنه يدفع ثمناً لأخطاء سابقة، مثلما سيدفع مستقبلاً ثمناً لأخطائه الحالية.

 

  العدد السادس عشر - مايو 2004