السيطرة على النفط قبل إشعاله من قبل المتشددين
سيناريو التدخل الاميركي في السعودية
عبد الله الراشد
ماذا لو قررت جماعات العنف استهداف المصادر الحيوية للاقتصاد
الوطني، أي نقلت حربها الى عصب السوق العالمية، النفط.. فمن
المعلوم أن إضطراب هذا العصب سيحدث إختلالات على مستويات عدة
محلية واقليمية ودولية، وربما بقدر يفوق بأضعاف ما جرى بعد عام
1973.
قد يدفع تحذير الخارجية الاميركية بأن السعودية مرشحة لهجمات
ارهابية بكثير من الاجانب لمغادرة البلاد، ولكن في الوقت ذاته
هناك إصرار متزايد على ضرورة تطويق بؤر التوتر وحصرها في مناطق
ضيقة بحيث يمكن التعامل معها بسهولة.. واذا ما تم استهداف العنف،
فإن هناك سبباً ضئيلاً للاعتقاد بأن هذا العمل سيؤدي بصورة كبيرة
الى تعطيل شحنات النفط السعودية الى الاسواق العالمية.
وتملك السعودية إحتياطاً نفطياً أكثر من أي دولة أخرى، وبذلك فهي
أكبر مصدر نفطي في العالم، ولكنها في الوقت نفسه تمثل الوطن
الايديولوجي لجماعات العنف. فالحركة الناهضة (المتشددة) في
المملكة تتعاظم على نحو عاجل بنفس القدر الذي تتعاظم فيه صناعة
الطاقة. يبقى أن النشاطات العنفية داخل البلاد ليست السبب وراء
التحذير المتزايد المتصل بانتاج النفط.
إن استراتيجية الجهاديين داخل المملكة كانت تتجه في الغالب الى
تحاشي إستهداف المواطنين والمسؤولين الحكوميين. وكان هدفهم
الرئيسي هو تقليل فرص الاصطدام بقوات الامن، والتركيز على شن
هجمات انتحارية ضد الاهداف الغربية، وهي ذات الاهداف التي تبقي
على حركة قطاع الطاقة المحلي.
وقد أثبتت هذه الاستراتيجية بأنها ناجحة، الا أنه من بين
الهجومين الانتحاريين في الثاني عشر من مايو والتاسع من نوفمبر
2003 كان الثاني يمثل عملية فاشلة بكل المقاييس لأنها استهدفت
حياً سكنياً يقطنه مسلمون عرب. ولذلك يمكن القول بأن عملية
نوفمبر قد ألحقت الأذى بصورة كبيرة بجماعات العنف، ومنذ أن قامت
الحكومة بتطويق قاعدة الدعم الشعبي. ويشمل هذا استنكار الدعاوى
التحريضية على العنف من قبل ثلاثة من المنظرين البارزين لجماعة
العنف في الطبقة الدينية الرسمية. وفي الواقع استغلت الحكومة فشل
أهداف عملية نوفمبر من أجل توجيه ضربة قاصمة لجماعات العنف، حيث
خسرت الاخيرة كثيراً من مصداقية مزاعمها في محاربة (الكفار).
إن تداعيات عملية نوفمبر كانت على قدر كبير من الفشل والاخفاق
بحيث سمح للحكومة السعودية بناء شبكة من المخبرين الذين كانوا
متعاطفين في وقت ما مع جماعات العنف ولكنهم أصيبوا بالهلع من
أعمالها. وبحسب بعض المصادر في الرياض وواشنطن فإن هذه الشبكة
والتي تعتمد بدرجة أساسية على العملاء تتخذ من منطقة القصيم
قاعدة لها وتزوّد بمعلومات استخباراتية، وهذه القاعدة هي التي
دفعت بالولايات المتحدة في الخامس عشر من أبريل الماضي الى اطلاق
نداء تحذيري الى الرعايا الأميركيين في السعودية لمغادرتها
تحسباً لعمليات تفجير محتملة.
وبالرغم من الأهمية الجوهرية لشبكة استخباراتية ممتدة من أجل
اقتفاء أثر الانتحاريين، فإنها أيضاً تقدّم معلومات مريحة فيما
يرتبط بمسألة الاستقرار في صناعة الطاقة بالمملكة. إن الفشل في
اسقاط العائلة المالكة سيحول دون نجاح الجماعات المسلحة في تعطيل
تدفقات النفط من البلاد.
فالمناطق الاكثر انتاجاً للنفط ليست موجودة في المناطق المأهولة
بالسكان أو القريبة منها، بما يقلل فرص الخلخلة الامنية. فالربع
الخالي، يعتبر منطقة معزولة في الجنوب الشرقي بالقرب من حدود
دولة الامارات العربية المتحدة. وحتى حقل الغوار، الحقل الأكبر
في العالم يقع في الغالب تحت صحراء غير مأهولة، بالرغم من تموقعه
بين الرياض والساحل الخليجي المأهول بالسكان في البلاد. وهناك
ثمة ما يستحق التأمل وهو حقيقة أن نجد تقع في منطقة لا توجد بها
حقول للنفط، ولا أنابيب إمداد أو موانىء.
وهناك محطتان للتصدير رئيسيتان في الخليج وهما راس تنوره (بطاقة
تصديرية تصل الى نحو 6 ملايين برميل يومياً) والجعيمة (بطاقة
تصديرية تصل الى 3 ملايين برميل يومياً) وتقع المحطتان على
الساحل الخليجي، بينما ميناء ينبع (بطاقة تصديرية تصل الى 5
ملايين برميل يومياً) على البحر الأحمر في مدينة لم تشهد حوادث
توتر تذكر. وهذه الموانىء والأنابيب الموصلة بينهما تشكل البنية
التحتية الحقيقية التي تقع بالقرب من مراكز سكانية، وهذه المواقع
في الغالب محصّنة امام الهجمات.
وفيما يبدو فقد بدأت الحكومة السعودية بالتشمير عن ساعدها في
مجال الصناعة النفطية، فمنذ منتصف الثمانينات قامت الحكومة
بالاستثمار في البنية التحتية من أجل مضاعفة طاقة شحن النفط
الخام عبر الجزيرة العربية الى ينبع للحيلولة دون إستهداف العراق
أو ايران للشاحنات النفطية في مياه الخليج خلال ما يعرف بحرب
الشاحنات، بوصفها إحدى جوانب الحرب الشاملة بين العراق وايران
بين عامي 1980 و1988. إن طاقة انابيب النفط تضخ نحو مليوني ونصف
المليون برميل يومياً، ولكن في حال اشتداد الحاجة، فإن بالامكان
مضاعفة الشحنات بسهولة، من خلال نقل شحنات الخام من الشرقية
المرشحة للتوتر الى ينبع الأكثر أماناً.
إن التهديد بالهجمات ضد الغربيين في السعودية هو دون ريب تهديد
جدي وحقيقي، وبالرغم من حقيقة أن قوات الامن السعودية تتحرك ببطء
من أجل مواجهة هذا التهديد، فإن تهديدات كهذه ستبقى قائمة في
المستقبل المنظور. فالهجمات على المجمعات الغربية لم تترجم حتى
الآن الى تدمير كبير لصناعة النفط في السعودية. فمازال لدى
السعودية مبالغ مالية ضخمة للغاية، ولديها من التسهيلات ما يكفي
لحمايتها وعزلها عن المراكز السكنية، ولديها أيضاً حتى الآن على
الاقل خيارات عديدة.
وبعيداً عن مصادر القلق المباشرة الخاصة بالنفط السعودي، فإن
تقريراً صدر في الرابع عشر من أبريل الماضي يذكر بأن انتاج النفط
في البلاد سيزداد في السنوات القادمة. وبحسب دائرة المعلومات
الخاصة بالطاقة (إي آي أيه) التي نشرت مؤخراً توقعاتها بعيدة
المدى حول الطاقة في العالم، حيث جاءت المفاجئة الكبرى في توقعات
العشرين سنة القادمة هي التنبوء بأن السعودية ستزيد من طاقتها
الانتاجية من 10.5 مليون برميل يومياً الى 22 مليون برميل يومياً
في سنة 2025.
وبالتأكيد فإن السعودية لديها القدرة على زيادة انتاجية مرشحة
بهذا الحجم. فالبلاد قد حافظت بنجاح على طاقة انتاجية حالية تصل
الى سقف 10.5 مليون برميل يومياً لربع قرن، وقد اضطرت احياناً
لأن تضخ بكامل طاقتها لاثبات قدرتها على تحقيق المزيد.
وبالرغم من أن عدداً من الحقول النفطية قد شارفت على النضج
والنضب، فإن البلاد لا تعاني من نقص في الحقول. وكما الحال
بالنسبة لأغلب دول الأوبك، فإن السعودية أوقفت عملية التنقيب عن
النفط منذ سنوات عقب تأميم الصناعة النفطية، فكثير من صحاري
البلاد الشاسعة لم يتم التنقيب فيها، بما يزيد في احتمالية وجود
كميات من النفط لم يتم الكشف عنها.
الى جانب ذلك، فإن أغلب الحقول المعروفة وغير المستعملة تقع
بالقرب من البنية التحتية القائمة. وهذا بالتحديد ما هو حاصل منذ
أن بدأت الحكومة بنجاح باغلاق آبار النفط في الربع الخالي.
فالبنية التحتية التي تربط هذه المنطقة الى شبكة الطاقة الأصلية
في السعودية قد خلقت أفقاً واسعاً للبلاد من أجل الانتاج
المستقبلي.
وتبقى هناك قضية العمال، وهكذا التكاليف الخاصة باستعمال عمال
متدربين من خارج البلاد. إن واحدة من الانتقادات الدائمة ضد
الصناعة النفطية السعودية هي بأن الاجانب هم من يقومون بالأعمال
التقنية الصعبة، والسبب الرئيسي في ذلك لأن العمال السعوديين
يفتقرون للتدريب وهكذا المهارات لادارة عمليات التنقيب والشحن
المعقّدة. وهذا لا يعني بطبيعة الحال بأن السعوديين لا يستطيعون
ادارة العمليات الروتينية اليومية، ولكن القصد بصورة محددة بأن
السعوديين لابد لهم من متعاقدين أجانب للقيام بالعمل المتقدم
والضروري لضخ الانتاج.
ولن يسمح السعوديون للمستثمرين الاجانب للعمل في حقل إنتاج
النفط، والسبب في ذلك أنهم يعتقدون بأن السيطرة على النفط تماماً
كما السيطرة على المدينتين المقدستين مكة والمدينة، تعتبر حقاً
سماوياً. وهذا يجعل دفع الاجانب لأداء بعض العمل، وهي استراتيجية
سيطرت على الصناعة النفطية السعودية طيلة الجيل الماضي.. ولكن
يبقى السؤال حول التكلفة.
فبالرغم من توليدها لأعلى مداخيل نفطية في العالم، فإن المملكة
تعتبر دولة رفاهية مثقلة بدين يفوق 170 بليون دولار، اي نحو 100
بالمئة من الناتج القومي الاجمالي. وهذا يطرح سؤالاً حول معقولية
أن تقوم الرياض بتحمّل أي شيء باهض الثمن بدون مساعدة خارجية (أي
إستثمار أجنبي)، ولكن كل الدين تقريباً يعتبر محلياً ويمكن
تغطيته من الصادرات النفطية المستقبلية. ولذلك، فلا العمال ولا
المال يعتبر مشكلة.
النفط
والتدخل الأميركي
مع تزايد الحديث الأميركي عن احتمالات تعرّض منابع النفط في
السعودية الى هجمات إرهابية كجزء من مخطط ضرب المصالح
الاستراتيجية للغرب وللولايات المتحدة بصورة محددة، يجري الحديث
أيضاً عن سيناريوهات دفاعية او خطط استباقية لدرء أي أخطار يمكن
أن تتعرض لها حقول النفط لعمليات تخريب واسعة قد تؤدي الى وقف
تدفق شحنات النفط أو تخفّضها بدرجة كبيرة.
إن فكرة السيطرة على حقول النفط السعودية ليست جديدة، فقد كانت
مطروحة منذ استعمال النفط كسلاح سياسي في حرب 1973، ولكن هذه
المرة تبدو الفكرة أكثر جدية تبعاً لخطورة التهديدات وتأثيراتها
المدمّرة على المصالح الاستراتيجية الأميركية.
وتنبّه الميول الراديكالية المتصاعدة لدى التيار الديني المتشدد
الى احتمالات اندلاع حركة شعبية ثورية يقودها رجال الدين واعضاء
من العائلة المالكة.. إن الهجوم الانتحاري الذي تعرض له مبنى
ادارة الامن العام في الحادي والعشرين من أبريل الماضي قد أسقط
قوانين المواجهة السابقة، حيث كانت المصالح الحكومية خارج أجندة
النشاطات المسلحة لجماعات العنف، الأمر الذي يجعل من امكانية
دخول هذه الجماعات الى منطقة كانت تعتقد الحكومة بأنها مأمونة
امراً وارداً. إن ثمة ما يجعل مخاوف الاميركيين جديرة بالاهتمام
تماماً كما أن فكرة السيطرة على حقول النفط ايضاً يصح حملها على
محمل الجد.
وبالرغم من تخفيض الولايات المتحدة اعتمادها على النفط السعودي
والذي يشكل أقل من 15 بالمئة من الاستهلاك الاميركي الا أنه ظل
يحتفظ بتأثيره المزدوج كونه يغطي حصة استراتيجية من سوق النفط
العالمية الى جانب كونه يوفّر جزءا حيوياً من الحاجة الاميركية
لهذا العنصر الحيوي.
وبالرغم من أن الادارة الاميركية مازالت تنظر الى السعودية
بوصفها حليفاً استراتيجياً الا أنها في الوقت ذاته تعتقد بأن هذا
البلد يبطن أكبر مخزون للكراهية والتهديد للولايات المتحدة، وهذه
الثنائية في النظرة تتوافق تماماً مع الصورة المزدوجة للسياسة
السعودية، فبينما يمثل الامير عبد الله الوجه الاصلاحي فإن
الامير نايف يعكس الوجه الراديكالي من خلال تأكيده على التحالف
الاستراتيجي مع رجال الدين.
وزارة الدفاع الاميركية كانت قد وضعت خططاً للسيطرة على حقول
النفط في المنطقة الشرقية في حال تعرض المصالح الاستراتيجية
الاميركية للتهديد من قبل جماعات متشددة محلية، ولكن هذه الخطط
ينظر اليها في الوضع الراهن ونتيجة للصعوبات الكبيرة التي
تواجهها القوات الاميركية في العراق بأنها غير قابلة للتحقيق.
على أن هناك من يرى بأن المجازفة العسكرية ممكنة وبقوة طالما أن
الثمن هو السيطرة على النفط، بوصفه عصب الحياة والسياسة في
الولايات المتحدة.
العدد السادس عشر - مايو 2004
|