العدد 17
يونيو 2004
دعاة
الإصلاح في السعودية يردون على الإتهامات الحكومية ويطالبون
باطلاق سراح المعتقلين
الإصلاح الشامل وبأجندة زمنية محددة هو الحل الصحيح لأزمات
الدولة
أصدر
دعاة الإصلاح في المملكة بياناً نددوا فيه باتهامات السلطة
وافتراءاتها على الإصلاحيين الذين تعرضوا للإعتقالات وطالبوا
بإطلاق سراحهم. وقال البيان أن اجراءات السلطة توضح ان العائلة
المالكة غير جادة في الإصلاح وأن العنف وتدهور الأوضاع هو
النتيجة الحتمية التي ستعرض الوطن ووحدته الى الخطر. وهذا نص
البيان:
شنت
الاجهزة الامنية السعودية في يوم الثلاثاء 16 مارس 2004 حملة
اعتقالات منتقاة شملت ثلة من الشخصيات والرموز الوطنية المعروفة
بمواقفها المبدئية والشجاعة، ودفاعها عن قضايا ومصالح الوطن
العليا، والذين عبروا عن تطلعات شعبنا نحو الحرية والاصلاح
الشامل والعدالة، علما ان العديد منهم سبق ان اعتقل في فترات
سابقة وامضوا عدة سنوات في المعتقل ومنعوا من السفر. ولإضفاء بعض
المصداقية على ممارساتها القمعية لجأت السلطات السعودية الى
تلفيق التهم الباطلة ضد المعتقلين في محاولة يائسة لتغطية وتبرير
ممارساتها واساليبها غير الشرعية والتي لا يمكن ان تنطلي على
الرأي العام المحلي والعربي والدولي، ومن بين التهم الملفقة التي
بررت بموجبها السلطة اعتقال الاصلاحيين ما جاء في بيان وزارة
الداخلية (ان المعتقلين اصدروا بيانات لا تخدم وحدة وتماسك
المجتمع القائم على الشريعة الاسلامية) في حين اصدرت وزارة
الخارجية السعودية بيانا ردت فيه على تصريح الخارجية الامريكية
التي انتقدت على نحو خجول هذه الاعتقالات وبررت الخارجية
السعودية الاعتقالات بانها (شأن امني داخلي، وان اعتقال السلطات
في المملكة لعدد من المواطنين كان بسبب مشاركتهم في اعمال تحريض
واستعمال اسماء لاشخاص مرموقين دون موافقتهم) في حين اشار الامير
نايف وزير الداخلية بانه تبين (بأن المعتقلين لهم بعض الصلات
بجهات اجنبية)، واعتبر الامير سلطان وزير الدفاع بان المحتجزين
قد (تمردوا على ابائهم وعلى وطنهم وان عليهم ان لا يتوقعوا
تأييداً من جانب اللجنة الوطنية لحقوق الانسان) وهي اللجنة التي
عينتها الدولة على انها (لجنة اهلية مستقلة) وذلك قبل نحو اسبوع
من الاعتقالات، ووصل الهجوم ذروته من خلال الاتهام الموجه ضد
المعتقلين ودعاة الاصلاح بانهم (الاعداء حقا وان الاصلاح لن يكون
الا بدين الاسلام) كما جاء في تصريح المفتي العام بالمملكة الشيخ
عبدالعزيز ال الشيخ.
هذه الاعتقالات وتبريراتها المفبركة من قبل السلطات السعودية
تعبر عن عمق الازمة والتخبط الذي يعيشه النظام وفشله في مواجهة
المستلزمات والاستحقاقات المؤجلة وكافة التحديات والمشاكل التي
باتت تتحكم وتخترق الاوضاع السياسية والامنية والاجتماعية
والاقتصادية في بلادنا، والتي اثرت بعمق وطالت اثارها مختلف
الطبقات والفئات الاجتماعية وخصوصا الاجيال الشابة التي تشكل 60%
من السكان.
ان استمرار تمركز وتركز واحتكار السلطة والثروة من قبل العائلة
الحاكمة ومصادرة حق الشعب في المشاركة في صنع القرار ومناقشة
كافة قضاياه المتعلقة بحاضره ومستقبله ادى الى استفحال ازمات
قديمة وتوليد مشكلات جديدة وخطيرة مثل الفقر والبطالة وتردي
الخدمات الاجتماعية والى تفاقم الدين العام وتفشي مظاهر الفساد
المالي والاداري والمحسوبية والمحاباة والرشوة في كافة المستويات
والمرافق والوزارات واجهزة الدولة المختلفة.
وفي ظل هذه الاوضاع والازمات الخطيرة والإصرار من قبل النظام على
رفض التعددية ومصادرة الحريات العامة والشخصية لكافة المكونات
الاجتماعية والسياسية والمذهبية والثقافية في بلادنا، ازاء كل
ذلك فان وحدة وتماسك ووجود الدولة والوطن والمجتمع التي تعاني في
الاصل من مواطن خلل وضعف جدية، اصبح في خطر داهم، وما تنامي
مظاهر التطرف والعنف وتصاعد المواجهات الدامية بين الجماعات
المسلحة واجهزة الدولة الامنية والتي وصلت ذروتها في مهاجمة
المؤسسات الحكومية إلا احد المؤشرات الخطيرة الدالة على ذلك، حيث
اصبحنا نواجه حلقة جهنمية من العنف والعنف المضاد دعمها وكرسها
هيمنة خطاب سياسي واعلامي وثقافي استمر لعشرات السنين اتسم
بالاحادية والجمود ورفض الاخر، هذا الخطاب تشكل بتوجيه ورعاية
ودعم من قبل السلطة الحاكمة ومؤسساتها المختلفة مما خلق الارضية
الملائمة لانبثاق وتنفيذ مختلف المشاريع والسيناريوهات التفتيتية
والتقسيمية من خلال استثارة مختلف العصبيات والنزعات القبلية
والمناطقية والمذهبية وخصوصا لدى الفئات والمجاميع الاكثر حرمانا
وتضررا.
هذا التشخيص للحالة السائدة هو ما اكد عليه دعاة الاصلاح وحذروا
منه في العديد من الخطابات والعرائض والنداءات المرفوعة الى
المسئولين بالدولة وفي مقدمتهم ولي العهد بدءا من وثيقة (رؤيا
لحاضر الوطن ومستقبله) مرورا بـ (نداء الى القيادة والشعب معا-
الاصلاح الدستوري اولا) وانتهاءا بخطاب (معا في طريق الاصلاح).
هذه الفعاليات التي وقع عليها المئات من الاصلاحيين ودعاة
المجتمع المدني والمدافعين عن الحريات وحقوق الانسان على اختلاف
مرجعياتهم واطيافهم السياسية والفكرية وضمت أساتذة الجامعات
ورجال الفكر وقطاع رجال الأعمال والمهنيين والمواطنين العاديين،
اشتملت على عناصر اساسية تشكل رؤية استراتيجية متكاملة تغطي كافة
المحاور والقضايا الاساسية التي مثلت ضرورة لا تحتمل التاجيل ولا
التسويف.
والاهم في الأمر أن كافة تحركات الإصلاحيين المطلبية اتسمت
بالطابع السلمي والعلني والتشاروي مع المسئولين بالدولة والتوجه
مباشرة الى القيادة، مبدين كل الحرص على الابتعاد عن كل أشكال
الإثارة والتحريض والاستفزاز. وانطلاقا من شعورهم بالمسئولية
الوطنية وقناعتهم بان الإصلاح شان داخلي، فقد رفضوا التعاطي مع
كافة الدعوات الموجهة لهم من قبل جهات وأطراف أجنبية أعلنت
تفهمها وتعاطفها مع مطالبهم بما في ذلك اللقاءات الشخصية مع من
يمثلهم. ومع كل ذلك فقد انزلقت الأمور إلى مستوى غير مقبول من
حملات التشهير والتحريض ضد رموز الإصلاح وأنصار المجتمع المدني،
بما في ذلك الاعتقال والمنع من السفر، لذا فالأمر يستوجب إيضاح
الحقيقة كاملة، مما يجعلنا نؤكد على الآتي:
أولا: ننفي ما جاء في البيانات والتصريحات الرسمية المفبركة من
قبل السلطة وكبار المسئولين فيها ونعتبرها تخرصات وتبريرات
وادعاءات جوفاء ضد دعاة الإصلاح الشامل والجذري، وأن نهج تدوير
الأزمة ومحاولة ترحيلها من خلال الحلول الترقيعية أو الإجراءات
الأمنية ضد كل الإطراف والقوى نهج مصيره الفشل.
ثانيا: لقد تصدى دعاة الإصلاح إلى مختلف أنواع الضغوط والتحديات
الداخلية والخارجية التي تعرضت لها البلاد في العديد من المواقف
والظروف الحرجة والتي تصاعدت اثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر
2001 واتخذوا موقفا حاسما إزاء الإرهاب في بلادنا، حيث أصدروا
بيانات بهذا الشأن، وفي كل الحالات أكدوا بان التصدي الناجح
والفعال لمجمل التحديات والأخطار التي يواجهها الوطن يستلزم
الإسراع في اتخاذ خطوات إصلاحية جادة تسحب البساط من تحت أقدام
المتربصين بالوطن من الداخل والخارج.
ثالثا: استبشر دعاة الإصلاح خيرا في ضوء التصريحات واللقاءات
الايجابية من قبل ولي العهد الذي أعلن التزامه وقناعته بالمشروع
الإصلاحي باعتباره الرد الصحيح على مختلف التحديات التي تواجه
الدولة والمجتمع، غير أن حملة الاعتقالات المركزة ضد دعاة
الإصلاح دون مبررات او مسوغات مقنعة بما يتنافى مع الإجراءات
والأنظمة القانونية ومبادئ حقوق الإنسان العالمية بل ويخالف حتى
القوانين السعودية وخصوصا النظام الأساسي للحكم ونظام الإجراءات
الجزائية وهو بالتالي ما يتناقض مع التزام ولي العهد المعلن
بالمشروع الإصلاحي. كما ترتب على هذه الاعتقالات نتائج أخرى، فقد
واكبها وأعقبها تراجع حاد عن بعض المكاسب الايجابية – على
محدوديتها – التي تحققت مع زخم حركة الإصلاح، خصوصا على صعيد
حرية الرأي والكتابة والكلام، حيث استهدفت الأجهزة الأمنية شل
فعاليات الصحف والكتابة مما أدى إلى اعتقال العديد من الفعاليات
الصحفية، نذكر منهم المحامي عبدالرحمن اللاحم والكاتب صالح
الشيحي.
ويصب في هذا الاتجاه التضييق على الديوانيات والملتقيات
والمنتديات الثقافية والاجتماعية والمواقع الحوارية على
(الانترنت).
رابعا: أفصح رموز الجناح المتشدد في العائلة الحاكمة عن حقيقة
مواقفهم المعادية لأي توجه إصلاحي حقيقي، وقد استطاعوا تحقيق
حالة إجماع لدى مختلف الأجنحة المتنافسة في العائلة الحاكمة يؤكد
على أن الخطر الناجم عن الإصلاح لا يقل عن خطر الإرهاب على
مصالحها وامتيازاتها، مما أتاح المجال لضرب حركة الإصلاح والسعي
لترتيب الأوضاع ضمن صيغ مختلفة بينها مد الجسور مع رموز دينية
كانت معارضة في السابق.
ومن ناحية أخرى، اضطرت السلطة تحت ضغوط وشروط منظمة التجارة
العالمية، ولمحاولة تحسين صورتها وسجلها في مجال حقوق الإنسان
على الموافقة على قيام بعض التشكيلات المدنية والأهلية ومن ضمنها
قيام ما عرف بـ (اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان) إلا أن
الحكومة أفرغتها جميعا من محتواها وقلصت مهامها لتصبح هياكل
شكلية مرتبطة بأجهزة الدولة البيروقراطية، وهو ما يؤكد غياب
المصداقية في رغبة السلطة في تبنى الإصلاح. وخير دليل على ذلك
سقوط هذه اللجنة الكرتونية في أول امتحان لها عندما وجدت نفسها
جزءاً من مؤسسات الدولة وعجزت عن ممارسة دورها في الدفاع عن
المعتقلين على اختلافهم تحت مبررات واهية مما جعلها في هذا
السلوك تتنكر لأهدافها المعلنة.
إننا في إطار التصدي للقضايا المتأزمة في بلادنا، نرى أن التناقض
الرئيس وجوهر الصراع في هذه المرحلة التاريخية هو بين دعاة
الإصلاح وأنصاره على اختلاف انتماءاتهم الفكرية ومنحدراتهم
الطبقية والفئوية وبين أعداء الإصلاح ومناهضيه على صعيد السلطة
والعائلة الحاكمة ومراكز القوى وبعض التيارات على اختلاف
مرجعياتها المستفيدة من بقاء الأوضاع على حالها. لذلك وفي هذه
المرحلة الدقيقة والحرجة التي تمر بها بلادنا نتوجه بنداءاتنا
الى كافة المنظمات واللجان الحقوقية والإنسانية والإتحادات
المهنية والنقابات المختلفة في البلدان العربية والعالم بما في
ذلك المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، ونطالبها بضرورة
الضغط على السلطات السعودية وكشف ممارساتها القمعية ضد دعاة
الاصلاح ونشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الانسان في
بلادنا، وقبل كل شيء ينبغي العمل على تامين الافراج الفوري عن
جميع معتقلي الرأي وسجناء الضمير ومن بينهم د. عبدلله الحامد،
والشاعر على الدميني، ود. متروك الفالح، مع ضمان عدم تعريضهم لاي
شكل من أشكال الضغط والإكراه الجسدي والنفسي او مساومتهم على
حريتهم وإعادتهم إلى أعمالهم. كما نطالب السلطات السعودية
باحترام حقوق الانسان وايقاف كافة الاجراءات والممارسات التي
يتعرض لها المفرج عنهم مؤخرا، حيث يخضع بعض هؤلاء إلى المراقبة
والملاحقة والتضييق والمنع من السفر والحظر على مشاركاتهم في
الشان العام مثل اصدار البيانات وتنظيم اللقاءات والاتصال بقنوات
الاعلام المختلفة، وأن هناك المئات من المعتقلين في السجون
السعودية الذين نرى انه لا بد من احترام آدميتهم ومراعاة كافة
الاجراءات القانونية العادلة ازاءهم .
إن المخرج المناسب والسريع لكل هذه الاحتقانات يتمثل بمبادرة
السلطة للعمل مباشرة على رفع الحظر على تشكيل منظمات المجتمع
المدني السياسية والاجتماعية والنقابية والحقوقية المستقلة وضمان
حرية التعبير والرأي والتفكير لجميع مكونات المجتمع دون استثناء.
وهذه الإجراءات وغيرها لن تتحقق الا من خلال اعلان الدولة
التزامها الصريح والواضح بتنفيذ عناصر مشروع الاصلاح الشامل الذي
طرحته الفعاليات والنخب في البيانات والنداءات السابقة وأصبح
مطلبا شعبيا واسعا يحظى بتأييد ودعم الغالبية الساحقة من
المواطنين وذلك من خلال وضع أجندة زمنية لتحقيق الاصلاحات
الدستورية. ومجمل الإصلاحات المطروحة لا تتعارض إطلاقا مع
مصالحنا الوطنية وقيمنا الدينية والاجتماعية على الرغم من
محاولات رموز الدولة تضخيم المصاعب والتحديات. إن متطلبات
الإصلاح تشكل الضمانة الوحيدة لوحدتنا الوطنية واستقلالنا الوطني
الناجز وبناء مستقبلنا الزاهر مهما قيل في ذلك من مخاوف وتبريرات
غير حقيقية ولا منطقية.
عاش وطننا حرا دائما.
دعاة
الإصلاح في السعودية
|