العدد  18 يوليو 2004

 

علنيّة المحاكمة تكفي لمعرفة فساد الحكم ورجاله

إتهامات أغرب من الخيال لدعاة الإصلاح في المملكة

 محمد علي الفايز

 لا يوجد سندٌ قانوني لاعتقال دعاة الإصلاح، الدكتور متروك الفالح، والدكتور عبدالله الحامد، والأستاذ علي الدميني.

لم يكن اعتقالهم بصورة قانونية، ولم تكن التهم الموجّهة إليهم سوى (فضيحة) للحكومة السعودية نفسها.

التهم التي وجهت للمعتقلين بالغة السذاجة والطفولية، ولا تعتبر جريمة في الأصل.

من بين التهم التي وجهت للمعتقلين: التشكيك في نزاهة واستقلال القضاء السعودي، فهل هذه تهمة حقاً؟!

ألا يكتب الكثير عن هذا الموضوع بأن القضاء صار لعبة بأيدي الأمراء (السلطة التنفيذية)؟

ألا يعرف المواطنون كم هو القضاء متخلّف في إدارته، وأن النظام الأساسي منح الملك سلطات أعلى من مجلس القضاء الأعلى ومن وزير العدل ومن القضاة أنفسهم، فهو الذي يعينهم وهو الذي يحدد لهم القضايا والتي لا يجب النظر فيها، كما الإمتيازات والرواتب؟

ثم أن التشكيك المزعوم ورد في عرائض رفعت الى المسؤولين، وبعضها أقرها الأمير عبد الله الذي أفاد بأن تلك المطالب مشروعة وصحيحة؟

الأن الإصلاحيين طالبوا بإصلاح القضاء، ضمن ما يراد إصلاحه في البيت الداخلي، وكتبوا ذلك بصورة علنيّة والى المسؤولين، ألهذا يصبح الأمر تهمة، وكأن القضاء السعودي فوق الشبهات، ولا يحتاج الى إصلاح، في حين تقوم الحكومة في هذه الأيام بتلبية طلبات الغربيين ومنظمة التجارة العالمية لإصلاح قضائها؟!

ما هذه الموازين المقلوبة؟ وما هذه التهمة الفاسدة؟ وما هذا القضاء العتيد الذي يعتقل من ينتقده، وما هذه السلطة التي تتصرف فتعتقل بدون إذن قضائي؟!

إن وجود المعتقلين الإصلاحيين لهو دليل على أن القضاء السعودي يحوي الكثير من العلل، شأنه في ذلك شأن السلطة السياسية والعائلة المالكة على رأسها. ومن يقول غير هذا، أو يعتبر نقد القضاء أو المطالبة بإصلاحه تهمة، يصبح أبعد ما يكون عن الحق وعن الإصلاح.

التشكيك في القضاء السعودي ونزاهته، إن تمّ، وهو لم يتم إلا بشكل ضمني وعبر المطالبة بإصلاحه، لا يمثل تهمة، وليثبت القضاء السعودي نزاهته واستقلاله، إن كان كذلك!

ومن التهم الغريبة في مملكة (الإصلاح) السعودي، والتي وجهت للإصلاحيين أنهم أصدروا بيانات وعرائض وسعوا لإقناع الناس بالتوقيع عليها!

فهل هذا سلوك مجرمين! وهل هذه تهمة! ووفق أي نظام شرعي أو أرضي؟!

من العار على الحكومة السعودية أن تعتبر كتابة العرائض تهمة، ومن العار أيضاً أن لا تسمع رأي الناس ومعاناتهم. ومن الغباء أن تغلق هذه الكوّة الصغيرة التي تجعل الباب مسدوداً أمام الإصلاح إلا من العنف!

نحن أمام منطق ملكي غريب، فإذا كان رفع عريضة الى المسؤولين تهمة، وكذلك التوقيع عليها، فلماذا قابلهم الأمير عبد الله المرة تلو الأخرى، سواء بالنسبة لعريضة الرؤية وعريضة الشيعة؟! ثم لماذا لم تقم (العدالة الملكية) بإصلاح الحال والنظر الى الأمور من زاوية إيجابية، حين أكدت العرائض على التمسك بالعائلة المالكة وعلى وحدة البلاد ورفض التدخلات الأجنبية؟

إن العدالة السعودية عوراء، بل عمياء، وهي لا ترى حقاً لمواطن حتى في كتابة شكوى، ولا المطالبة بحق عام، وهي عدالة لا تفرق بين الجريمة وبين الحق الشرعي والقانوني، وهي عدالة مختلّة المقاييس يصبح فيها الباطل حقاً بلا مبرر.

فوفق أية نصوص شرعية أو نظامية اعتبار كتابة العرائض تهمة؟! أفتونا مأجورين يا قضاة السعودية النزيهين، ويا أحرار العالم المؤمنين بحق الإنسان. لماذا لم تصبح هذه العرائض تهمة من قبل والمواطنون اعتادوا كتابة المعاريض والرسائل الى المسؤولين طيلة عقود. وإذا كانت تلك تهمة، أليس الأمير عبد الله متهماً حين شجعهم واستقبلهم وقال أنه يؤيدهم!

ويصل الإيمان الملكي الى أبلغ حدوده، فبدل أن تصبح الحكومة السعودية متهمة بأنها تحكم بلا دستور وبلا ضوابط قانونية، مثل كل بلاد الدنيا، تُصبح المطالبة بالدستور تهمة (شرعية)!

كيف لا يكون ذلك! وآل سعود يحكمون بالكتاب والسنّة، اللذان يزعم أنهما يمثلان الدستور الرباني الإلهي، وكأن الأمراء يقتلون أنفسهم من العبادة والورع والتقوى!

لقد أراد هؤلاء مجرد التصيّد في الماء العكر، فكلمة دستور غير محببة عند مشايخ الوهابية، وحين توالت الضغوط على الحكومة أصدرت (القانون الأساسي) عام 1992، يعتبر بمثابة دستور مبتور، بلا شروح ولا مواد كافية. وبدلاً من إصلاح الوضع ووضع دستور دائم للبلاد، ووفق الكتاب والسنّة، صارت المطالبة بذلك تهمة! مع أن من طالب بذلك في العريضة الدستورية خصوصاً، إنما طالب بأن يشرف على وضع الدستور نخبة من القانونيين ممن يلمون بالقانون الدستوري والديني.

ولأن المسألة كاذبة من أساسها، ولا تصح أن تصبح تهمة في الأساس، ورغم أن الحكومة السعودية ستجد نفسها مجبرة في يوم ليس بالبعيد على وضع دستور بدلاً من الحكم بالأهواء، فإن من المعلوم أن هناك من لم يوقع على العريضة الدستورية (الأستاذ علي الدميني).

فهل تعني المطالبة بالدستور ـ عند أمراء العائلة المالكة ـ تمرداً على الكتاب والسنّة؟!

ثم من الذي يقول أن العائلة المالكة اليوم لا تخرج عن الكتاب والسنّة، في مسلك أفرادها الشخصي والعام؟!

والأكثر غرابة في قائمة الإتهامات الحكومية (الباطلة والغبية) هي أن المعتقلين الإصلاحيين طالبوا بالسماح بقيام التجمعات المختلفة، ويقصد بذلك مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك مطالبتهم بحق الناس في الإعتصام والتظاهر والتجمع! فهذه من وجهة نظر العدالة الملكية والقضاء السعودي النزيه المستقل، تمثل تهمة عظيمة! لو اطلع عليها العالم لكانت من أكبر فضائح النظام، ومن أكبر دلائل جبروته وطغيانه!

والغريب أن الأمراء الجهلة يعتقدون أن المطالبة بمؤسسات المجتمع المدني لا علاقة لها بالإصلاح!

إذا كان هذا المطلب لا علاقة له بالإصلاح، فما هو الإصلاح إذن؟

هل هو المطالبة بانتخاب مباشر لحاكم للبلاد؟ هل هو المطالبة بمنع تجاوزات العائلة المالكة الأخلاقية والمالية والدينية والإدارية؟ هل هو المطالبة بمحاكمة أمراء العائلة المالكة عمّا ارتكبوه ومحاسبتهم وفق: من أين لك هذا؟ هل نحاسبهم لأنهم أغرقوا البلاد في العنف والديون والفساد وجعلوا الشعب ممزقاً واستولوا على ما في باطن الأرض وعلى ظاهرها وتحولوا الى ملائكة لا يحكم تصرفاتهم عرف ولا قانون ولا دين؟!

إذا كانت المطالبة بمؤسسات المجتمع المدني تهمة في شرعة آل سعود، كما المطالبة بالدستور، كما كتابة عريضة تجأر بالألم والشكوى، فماذا بقي من دائرة (الحلال) في مملكة يراد لها أن تكون مملكة لـ (العبيد)؟!

نحن لا نعول كثيراً على هذه الإتهامات، فقد اتخذ النظام قراراً باعتقال دعاة الإصلاح، وسيسقط كل هذه الإتهامات حين يلبون مطالبه بالتوقيع على أنهم ارتكبوا خطأ ما بحق الأمراء!

وإنما الذي يهمنا هنا، هو أن تكون المحاكمة (علنية)!

لن تكون المحاكمة (عادلة)! فالحكومة تجهد لإخراج الموضوع وكأن المتهمين ضد الدين!

يكفينا منها علنيتها لتكشف لنا، عن أية عقول تسيّر البلاد وتديرها! والى أين ستصل بنا مثل هذه العقلية المريضة.