لا تستبشروا كثيراً

التنفيس وليس التغيير

 

 

انتهى عصر الطفرة النفطية فلم نرَ إلا الفقر والبطالة والتشوّه الإجتماعي وتفاوت الطبقات والإثرة والإستبداد السياسي، ودين عام بلغ نحو 600 مليار ريال، فيما أكثر من هذا الرقم بالدولارات من أموال وجدت طريقها الى مصارف الغرب ومشاريعه الإستثمارية.

وحين اقتحم المواطنون ميدان السياسة بدافع الحاجة الإقتصادية، مطالبين بالإصلاح والمحاسبة والمكاشفة وحفظ أموال الدولة وعدم تحميل الأجيال القادمة وزر وأخطاء الساسة الحاليين، قيل لهم بأن المجتمع غير مهيّأ، وأن الإصلاحات بدعة غربية يستهدف منها سلخ المجتمع عن دينه وقيمه، وكأن القائمين على الدولة يذوبون تديّناً وتقى!

وفيما كان الحراك البدائي باتجاه الإصلاح يشقّ طريقه، اقتحمت مفارز المباحث البيوت واختطفت النشطاء الإصلاحيين وبدأ العدّ العكسي للعودة الى الماضي القريب، ليكتشف الحالمون بأن هامش الحريات القليلة إنما منح (للتنفيس) وليس (للتغيير). وجاءت في هذه المعمعة فرصة نادرة تمثلت بزيادة أسعار النفط الى مستويات غير مسبوقة تجاوزت الخمسين دولاراً للبرميل الواحد، مع إنتاج نفطي هو الآخر ضخم ومتسارع وصل الى ما يقارب من 11 مليون برميل يومياً، الأمر الذي وفّر (فرصة) ثمينة للعائلة المالكة لسدّ منافذ التغيير السياسي عبر ضخّ بعض المال في السوق وتعويض المواطنين عن الإصلاحات.

لكن هذه الفرصة الثمينة والنادرة والتي حذّر أكثر من محلل وسياسي وكاتب سعودي من تضييعها كما فعل الأمراء مع الطفرة النفطية الأولى التي بدأت منتصف عام 1975، لا يرجح لها الإستثمار ولا يعتقد أن يكون لها تأثير واضح وسريع في تخفيف وطأة البطالة وتحسين الخدمات. وما يدعو الى الشك والريبة في هذا الأمر:

ـ غياب الخطط الإستراتيجية التي تعنى بمشاريع البنى التحتية، والتي يمكن لها أن تمتص بعض الفائض من الأموال والتي لم تكن مقررة في الميزانية.

ـ لم يتغير الوضع بالنسبة للإدارة الحكومية فهي أشبه ما تكون بمال مشاع للسراق والناهبين من الأمراء وحواشيهم وكبار المسؤولين.. وهؤلاء قد سال لعابهم أمام الثروات القادمة واستعدوا لها! وفي غياب الرقابة والمحاسبة وتغييب دور الصحافة والرأي العام، ستنتهب الكثير من الأموال بشكل مباشر وغير مباشر.

ـ بسبب الإضطراب الأمني، فقد خصصت الكثير من الأموال للأمن، ورجاله، وزيدت رواتبهم بنسبة 25%، باعتبارهم حماة النظام، كما تمت زيادة مخصصات وزارة الداخلية بشكل غير عادي، قدّرت الزيادة بنحو أربعين مليار ريال! ولا يعقل أن تستخدم كل هذه الأموال في مكافحة ما يسمى بالإرهاب!

ـ وبالنسبة لوزارة الدفاع التي لم يرَ المواطن منها خيراً في الدفاع عن أرض أو عرض، والتي ـ حسب الإحصاءات الغربية ـ تصرف ما معدله سنوياً 30% من ميزانية الدولة فإن الوفرة المالية سيستتبعها الدفع من جانب السعودية لأميركا على شكل صفقات أسلحة لم ولن تستخدم. والغرض هو تحصيل الرضا الأميركي لا أقل ولا أكثر.

ولذا لا ينتظر أن يتحسن وضع المواطن بين ليلة وضحاها، وهذا ما يلقي أعباءً جديدة على العائلة المالكة، التي إن فشلت هذه المرة في إيجاد تحسن ملموس في أدائها، فإن أحداً لن يغفر لها.