مطالب ووعود لم تتحقق
الحركة الإصلاحية في السعودية
(1-2)
سعد الجهني
كانت
بريطانيا هي اللاعب الأبرز في رسم الخارطة السياسية في المشرق
العربي وظهور الدول العربية الماثلة الآن، ولا يخرج تكوين
المملكة العربية السعودية عن الأجندة الاستراتيجية التي وضعتها
بريطانيا لهذه المنطقة، وهذا التكوين السياسي المترامي الأطراف،
ما كان له أن يأخذ شكله الحالي لولا القدرات الشخصية لعبدالعزيز
بن سعود، والتناغم بين طموحاته الخاصة في استعادة
(إرث
أجداده)
في إمارتيهم الأولى والثانية، والرغبة أو المخطط الاستراتيجي
البريطاني في إيجاد دولة مترامية الأطراف مركزية الإدارة تقلص
النفوذ العثماني المباشر وتحول بين جنوب المشرق العربي وشماله.
ويدرك المخطط البريطاني من خلال العلوم والخبرات التاريخية
والانثروبولوجية والدراسات التي جمعها الرحالة والمخبرون،
إن هذه الدولة مع اتساع رقعتها الجغرافية غير مهيأة للعب دور
تنويري أو حتى وحدوي يهدد الوجود والمصالح البريطانية، وإنما
يدعمها على المدى المنظور، وكان الهدف البريطاني من دعم
عبدالعزيز آل سعود يتمثل في القضاء التدريجي على النفوذ العثماني
والحيلولة دون إيجاد الأرضية الواقعية لتحقق أحلام الثورة
العربية، ويمهد لها الطريق للتنصل من وعودها للشريف حسين بن علي
في إقامة دولة عربية كبرى تمتد من اليمن إلى حدود تركيا الحالية،
يكون من شأنها إيجاد الأرضية لحركة إصلاحية عربية واسعة، كما أن
عبدالعزيز آل سعود على عكس الشريف حسين بن علي، لا يطمح بأكثر من
دولة خاصة به، فبدا لبريطانيا أنه مأمون الجانب.
فالأجندة البريطانية كانت تهدف إلى تقسيم التركة العثمانية في
منطقة الهلال الخصيب إلى دويلات تصبح أمراً واقعاً ويصعب لم
شملها، واتفقت مع فرنسا على ذلك فيما عرف لاحقاً باتفاقيات سايكس
ـ
بيكو عام
1916م
التي أسفرت عن قيام كيانات قطرية عربية هي العراق والأردن
وفلسطين تحت الانتداب والإدارة البريطانية وسوريا ولبنان تحت
الانتداب والإدارة الفرنسية، وللإبقاء على حال التجزئة عملت
بريطانيا لخلق الكيان الإسرائيلي في فلسطين.
وكانت بريطانيا في نفس الوقت تريد تعميم التجزئة في منطقة الخليج
والجزيرة العربية ليمكنها ذلك من التحكم في هذا الممر الحيوي،
كما كانت
تخشى من تمدد عبدالعزيز آل سعود إلى محمياتها على الساحل الشرقي
من الخليج العربي، لذا حرصت أن تحدد له خط سيره
في تكوين دولته الجديدة، واشترطت عليه عدم التعرض لمناطق نفوذها
المباشر في منطقة الخليج العربي نظير دعمه مادياً وعسكرياً
للتمدد باتجاه الحجاز حيث مركز قيادة الثورة العربية الكبرى،
وامتداد الساحل الشرقي للبحر الأحمر حتى اليمن الحالية حيث تكمن
مخاطر التمدد الإيطالي الفرنسي، عبر الصومال وجيبوتي.
وهكذا التقت طموحات الشاب الحالم باستعادة
ما اعتبره (ملك آبائه وأجداده)
والرؤيا البريطانية للمنطقة العربية، مما أثر لاحقاً على الحركة
الإصلاحية ليس
في السعودية فحسب بل وفي
المنطقة عموماً،
حيث استمرت
حالة الارباك
متصاعدة
في الوطن العربي.
في الجانب الآخر حارب آل سعود فكرة التجديد والحداثة منذ
البداية، وفوتوا الكثير من الفرص، فبقيت الدولة كإقطاعية عائلية
أو قبلية خارج سياق العصر اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وتم
تجنيد إمكانيات وموارد الدولة بعد الحرب العالمية الثانية لخدمة
الاستراتيجية الأمريكية، ومحاربة مطالب ومظاهر التحديث والإصلاح
ووصمها بالأفكار
(الدخيلة)
و(الهدّامة)
و(الملحدة)
وألحقت
تلك الأفكار
بـ(الشيوعيّة
العالمية)،
وجعل
(الوهابيون)
الإسلام نقيضاً للعروبة والقومية العربية، ومولوا تعميم هذا
الفهم.
إحياء الوهابية
بعد
أن تمكن عبدالعزيز آل سعود من الاستيلاء على الرياض ودعم مركزه
فيها، سارع إلى إعادة التحالف التاريخي بين آل سعود وآل الشيخ
(نسبة
إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب مؤسس الحركة الوهابية في الجزيرة
العربية)
بهدف الاستفادة من البعد الأيديولوجي الديني للحركة الوهابية في
توحيد القبائل وسكان القرى النجدية، وضمهم تحت لوائه، وهكذا عمد
(الإمام)
عبدالعزيز آل سعود إلى إحياء الوهابية، وبث
مشايخها
بين القبائل،
وسعى إلى توطينها
في هجر متناثرة في أنحاء الجزيرة العربية، لاسيما في نجد لإضعاف
الروابط القبلية.
وقد
نجح في ذلك مما مكنه من إيجاد جيش شبه مؤدلج
دون تكاليف تذكر، استخدمه في إسقاط الدولة الهاشمية في الحجاز
وإضعاف باقي الكيانات ذات الطابع السياسي في غرب وجنوب الجزيرة
العربية حتى حدود اليمن الحالية، خاصة بعد نهاية الحرب العالمية
الأولى واندحار الدولة العثمانية، فكان بقاء الشريف حسين همّا
أكثر منه عونا
للمخطط البريطاني، وكذلك باقي الكيانات السياسية المطلة على
البحر الأحمر.
ورغم النجاحات الكبرى الذي حققها عبدالعزيز كانت بريطانيا تتعامل
معه ببرود وحذر مستغلة حاجته المادية لها، دون أن تعي أنه يتحرك
على بحيرة من النفط، وإذا اعتبرنا أن إحياء الوهابية قد ساهم
إسهاماً فعالاً في قيام المملكة العربية السعودية كخطوة أولى
تجاه الإصلاح والانتقال من حالة التشتت والصراع القبلي إلى كيان
دولة، فإن هذا التآلف التاريخي بين الأسرة السعودية الحاكمة
والمذهب الوهابي، أنتج دولة أصولية متشددة في تطبيق الشريعة
الإسلامية في أكثر التفاسير ضيقاً وتزمتاً وإضفاء القدسية
الدينية على القيم والعادات القبلية والقروية، ومحاربة كل حديث
وجديد.
وقد
أشاع المطاوعة مفهوم
الطاعة
والإذعان للحاكم «ولي الأمر» كواجب ديني، وقد
حدّ
هذا كثيراً من
بروز
الوعي السياسي الناضج والمستنير لدى عامة الناس، إلا أن ذلك لم
يمنع من ظهور محاولات ومطالبات إصلاحية خاصة بعد اكتشاف النفط
الذي دفع بالمجتمع في الجزيرة العربية إلى خضم الصراع الدولي
والإقليمي، وساهم في عملية تحديث معقدة تشده إلى الطرف الآخر
للتشدد الداعي للتحديث والانفتاح والتحرر الوطني.
جاء اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية بكميات كبيرة، بعد
أن نجح الملك عبدالعزيز آل سعود من تحويل تحالفه من بريطانيا إلى
تحالف وثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ولهذا قيل أن الدولة السعودية كانت نتاج حربين عالميتين.
وكانت الشركات النفطية الأمريكية قد استطاعت «بطرق ملتوية» من
سحب البساط من الشركات البريطانية والغربية الأخرى واشترت حق
امتياز التنقيب عن النفط في المملكة العربية السعودية، بخمسين
ألف جنيه استرليني ورفدت ميزانية عبدالعزيز الخاوية بآلاف
الجنيهيات، فيما ركزت لندن استثماراتها على نفط العراق وإيران،
واعتبرت أن إمكانيات السعودية النفطية غير واعدة،
وغلب عليها البخل في تمويل ميزانية الدولة الوليدة.
وتضامنت مجموعة من الشركات الأمريكية الكبرى في تأسيس شركة الزيت
العربية الأمريكية التي اشتهرت باسم
(أرامكو)
اختصاراً، لتستطيع مجتمعة
تحمل تكاليف الاستكشافات والبحث عن النفط، وتسديد العجوزات في
الميزانية السعودية، ودعم استقرار المملكة الوليدة التي أعلن عن
قيامها عام
1932.
كان الملك عبدالعزيز آل سعود قد عانى كثيراً من الإنجليز واللف
والدوران في تعاملهم معه، إلا أنه استفاد سياسياً من
تلك
التجربة، واستطاع بفطنته وخبرته ومستشاريه السياسية من اللعب على
التناقضات في الحرب العالمية الثانية، فلم يغضب الألمان
والإيطاليين ومد جسوراً خفية معهم، وكان هتلر قد حاول استمالة
الملك عبدالعزيز وأرسل له رسالة، عبر فؤاد حمزة أحد مستشاري
الأخير، وعده فيها بتنصيبه ملكاً على العرب، إلا أن عبدالعزيز قد
خبر مثل هذه الوعود التي سبق وأن أطلقتها بريطانيا للشريف حسين
بن علي واستقر به المطاف منفياً في قبرص حتى وافاه الأجل عام
1922م.
رفض عبدالعزيز العرض الألماني
وادعى الحياد وعينه على واشنطن، التي وجد فيها حليفاً مهماً
بديلاً للحليف البريطاني الذي بدأت امبراطوريته بالتصدع وقلاعة
بالتهاوي، فيما واشنطن خرجت من عزلتها وأصبحت اللاعب الأهم في
العالم.
وفي الجانب الآخر أدرك مسؤولو
الشركات الأمريكية المالكة لأرامكو أن الظروف المناسبة لاستغلال
حقول النفط في السعودية قد تتعرض للخطر إذا لم يضمن نظام حكم
مستقر موال
لواشنطن في السعودية، ولم تكن جهود هذه الشركات ووسائل الضغط
التي بحوزتها كافية لإبقاء المملكة في الفلك الأمريكي، لذا لابد
من تحريك ماكنة الدولة الأمريكية بكل دوائرها السياسية
والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية، فأعلن الرئيس
الأمريكي فرانكلين روزفلت عام1943م
(إن
السعودية ذات أهمية حيوية للولايات المتحدة)،
مما شجع الملك عبدالعزيز لأن يعلن انحيازه للحلفاء بعد زعم
الحياد، وبدأ في الابتعاد التدريجي عن بريطانيا.
وجاء اللقاء الشهير بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي
فرانكلين روزفلت عام
1945م،
ليرسم منحىً
جديداً في مسيرة العلاقات
السعودية الأميركية،
وكان الملك عبدالعزيز آل سعود يعتمد على عدد واسع من المستشارين
من نجد والحجاز وخاصة أصحاب الخبرة والمعرفة الوافدين من سوريا
والعراق ومصر وليبيا،
إضافة إلى مستشاريه من الإنجليز وأشهرهم عبداللّه فليبي،
الذي انحاز إلى جانب الشركات الأمريكية التي وعدته بعمولات مجزية.
اتضحت الصورة بأن بقاء آل سعود
في
الحكم في منطقة تعج بالتنافس ويعاد تشكيلها، يرتبط بتوثيق
العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
واشنطن كان لها استراتيجيتها المختلفة نسبياً عن لندن، فهي
وضعت ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، دعم الحركات الأصولية
والأنظمة التقليدية في المنطقة المناهضة للتحديث على رأس أجندتها
السياسية، إذ أنها اعتبرت ذلك الدرع الأول ضد ما أسمته
بـ (المد
الشيوعي)
والقومي العربي، في ظل اشتداد الحرب الباردة في العالم، واستطاعت
واشنطن والرياض توظيف الدين والنفط لصالح أجندتهما، وتحول الدين
بقدرة قادر إلى نقيض وعدو للقومية العربية والعلم والتحديث، مما
أثر سلباً على انتشار دعوات الإصلاح حتى تلك الصادرة من أبناء
عبدالعزيز،
وسهل للسلطات السعودية القضاء عليها والحد من انتشارها، كما أن
الإرث الاستعماري البريطاني المتمثل في التقسيم التعسفي للخارطة
السياسية في الوطن العربي ساهم في الخلط بين أطروحات الإصلاح في
الداخل مع الأطروحات والأحلام والشعارات العربية الكبرى.
لقد
اختلط الخاص بالعام وتداخلا بقوة.
إلتماس الشرعية
حاول عبدالعزيز آل سعود إضفاء الشرعية على مساعيه في تأسيس
دولته بالعزف على مقولة (استعادة ملك آبائه وأجداده) إضافة الى
نشر الدين (بنسخته الوهابية)
بالرغم أن المشروعية التاريخية لآل سعود لا تخرج عن الظهور
والاندثار للقوى السياسية الإقطاعية أو القبلية التي استطاعت أن
تستحوذ على نفوذ ما في الجزيرة العربية في إطار الدولة المركزية
في الاستانة أو بغداد ودمشق طوال التاريخ الإسلامي.
واستطاع عبدالعزيز آل سعود من خلال إحياء الحركة الوهابية
كأيديولوجيا
ونجاحه في جدولة تحالفه معها أن
يضفي بعض المشروعية الدينية على سلطانه،
ولكن
آل سعود
فشلوا في
في تأسيس شرعية شعبية وقانونية معاصرة، وبقيت العائلة السعودية
كعائلة إقطاعية أو قبلية اغتصبت السلطة بالقوة وهيمنت على القرار
السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الجزيرة العربية.
استمد هذا النظام أسس بقاءه من خلال التحالف مع الدول الكبرى
وشراء الولاء السياسي باستخدام العائدات النفطية الهائلة،
واعتماد سياسة التجهيل والتعتيم الإعلامي والمعرفي، وشعر آل سعود
بالانكشاف والهشاشة بعد تكرار المحاولات الانقلابية، فلجأوا
لإضعاف المؤسسة العسكرية، فأصبحت أشبه بالبروتوكولية، فأحداث مكة
عام
1979
لم يستطيعوا القضاء على زعامتها وأفرادها إلا بالتعاون مع القوات
الخارجية، ثم جاء الاحتلال العراقي للكويت عام
1990
وعدم قدرتهم على صد العدوان والاستعانة بالأجنبي، لتزيد التوتر
الاجتماعي والانكشاف الأمني للنظام السعودي القائم.
كما أن انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 بعد انسحابه من
أفغانستان بعامين أشعر القوى الدينية بنشوة الانتصار، وتحول
ناشطوها إلى الداخل، وبدأوا في تكفير النظام ومحاولة سحب شرعيته
الدينية، فاهتزت أحد أركان النظام.
وفجأة تأتي أحداث 11 سبتمبر
2001،
التي تزعمها ونفذها كوادر أصولية جلهم من المملكة العربية
السعودية، لتربك التحالف بين واشنطن والرياض، وتظهر أصوات مؤثرة
في الإدارة الأمريكية والإعلام الأمريكي تنتقد النظام السعودي
بقسوة،
مما زاد من حالة التوتر والانكشاف للنظام،
فلجأ إلى ما أسماه
(الحوار
الوطني)
وأشهر
جمعية حكومية لحقوق الإنسان.
لو أن المحاولات الإصلاحية السياسية التي ظهرت منذ عام
1954
ومنها محاولات
(الأمراء
الأحرار)
ـ كما
سيرد بيانه
ـ
نجحت في وضع دستور عصري للبلاد والتأسيس لمملكة دستورية حديثة
تتناغم والمنطلقات الشرعية والقانونية للأنظمة المعاصرة،
لأعطى ذلك صلابة شرعية للنظام السعودي، وقلل من حالة الانكشاف
العسكري والقانوني والأزمات المتكررة التي يعاني منها
اليوم.
السنوات الأخيرة من حياة الملك عبدالعزيز
بفضل الزيادة السريعة في استخراج النفط، وتعديل اتفاقيات
الامتياز، ازدادت بعشرات المرات
العوائد النفطية
في السنوات الأخيرة من حياة الملك عبدالعزيز،
ورغم ذلك بقيت المملكة بمثابة إقطاعية عائلية كبيرة، وإجراءات
الملك الرامية
(لتحديث)
الدولة كانت ذات طابع شكلي وسطحي بحت.
كان الملك عبدالعزيز في شبابه وكهولته رجلاً شجاعاً وعملياً رويت
فيه الأساطير، إلا أن مؤسس الدولة السعودية الثالثة، كان وليد
المجتمع القبلي والإقطاعي، وقد
ساهمت التطورات العالمية والإقليمية في أن تحقق له وضعاً فاق كل
طموحاته وتصوراته ولم يكن ليفهم المتغيرات أو يقبل آلية الحكم
وإدارة الشعوب في الزمن الحديث.
في
آخر أيامه وتحديداً في أكتوبر
1953،
أصدر الملك عبدالعزيز مرسوماً
باستحداث
مجلس
للوزراء
ولكنه
لم يشرع بمزاولة أعماله إلا بعد وفاة الملك
نفسه حيث
توفي الملك عبدالعزيز في 9 نوفمبر
1953م،
في الطائف، ونقل جثمانه جواً إلى الرياض، حيث دفن وفق التقاليد
الوهابية.
وفي
التاسع من (نوفمبر)
1953م
أكد العاهل الجديد سعود تعيين شقيقه فيصل نائباً لرئيس الوزراء
ووزيراً للخارجية، واحتفظ لنفسه برئاسة الحكومة.
يقول الزركلي أن عبدالعزيز حينما توفي كان عدد الأحياء من أبنائه
43 ولداً وبلغ العدد الإجمالي لأبنائه وأحفاده وحفيداته
ـ
عدا أبناء بناته
ـ 160 فرداً61،
ويزيد العدد على الثلاثمائة إذا أضفنا ذرية بناته.
أما
الملك سعود المولود عام
1902م فكان
الابن الثاني لعبدالعزيز بعد تركي الذي توفي شاباً بسبب إصابته
بالإنفلونزا
عام 1919.
وأم سعود من آل عريعر وهم شيوخ بنو خالد، وقد توفيت عام
1969،
أي بعد وفاة ابنها
الملك. وكان للملك
سعود
40
ولداً وهو عدد مقارب لعدد أخوته،
أما غريمه فيصل
(المولود عام 1906)
فلم يكن له غير ثمانية أولاد بعث خمسة منهم للدراسة في المدارس
والجامعات الأمريكية وواحداً إلى أوكسفورد وآخر إلى كلية
ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية.
في آذار (مارس)
1954م
أدلى سعود في أول اجتماع لمجلس الوزراء ببيانه السياسي الأولى
بصفته ملكاً، وقد أعلن عن تمسكه بأهداب الدين، وعزمه على مواصلة
سياسة والده وأساليب حكمه؛
وقال إن هدفه الأول هو تثبيت أصول الدين والشرع؛
وذكر أن من مهمات حكومته تعزيز الجيش ومكافحة الفقر والجوع
والمرض وتحسين الخدمات الطبية، وتأسيس وزارات للمعارف والزراعة
والمواصلات.
وتضمن خطاب العرش الذي ألقاه سعود فقرات صارت فيما بعد سمة
ملازمة لكل التصريحات السياسية للحكومة السعودية: التأكيد على
التمسك بأهداب الدين والالتزام بالتقاليد ومراعاتها، وفي الوقت
نفسه الإشارة إلى الرغبة في إجراء تحديث وتطوير في الجهاز
الحكومي.
وهكذا
أسست في
ذلك الحين
ثماني وزارات: الداخلية، الدفاع والطيران، المواصلات، المعارف،
المالية والاقتصاد الوطني، الصحة، التجارة والزراعة، الخارجية.
ونجد بين الوزراء عدداً من الأمراء والأشخاص الذين ستظل أسماؤهم
تتردد طويلاً في الحياة السياسية: فهد بن عبدالعزيز (وزير
المعارف)، سلطان بن عبدالعزيز (وزير المواصلات)، رشاد فرعون
(وزير الصحة).
غير أن الملك كان يتدخل باستمرار في أعمال أخيه ويقيد سلطته وفي
أواخر الخمسينات بلغ الصراع الخفي بينهما حدا جعل الناس تتحدث عن
ازدواجية السلطة في المملكة.
بروز الحركة العمالية
في أواخر الأربعينات ومطلع الخمسينات لاحت في العربية السعودية
البوادر الأولى التي تشير إلى أن قوى اجتماعية جديدة لم يعهدها
البلد من قبل أخذت تظهر على المسرح السياسي، وأن نزاعات اجتماعية
لم يسبق لها مثيل آخذة في التطور، ولأول مرة طرحت الطبقة العاملة
الفتية مطالبها وقضايا إصلاحية أخرى.
شكل عمال أرامكو عام
1952م
لجنة بمثابة نقابة، وفي العام التالي بدأوا كفاحهم بحزم؛
فقد طالبوا بضمان حق التنظيم النقابي وزيادة الأجور وقطع دابر
التمييز العنصري،
وتوفير مساكن جديدة للعمال،
ودفع أجور النقل،
واعتماد اللغة العربية في المدارس.
وامتنعت إدارة أرامكو عن تنفيذ هذه المطالب وأيدتها عملياً
اللجنة الملكية الخاصة، واعتقل 21 عضواً من اللجنة العمالية.
وفي
17
تشرين الأول (أكتوبر) بدأ إضراب شارك فيه زهاء
عشرون ألفاً
من العمال في أرامكو، وأعرب سكان المنطقة الشرقية عن تعاطفهم مع
المضربين.
أعلنت الأحكام العرفية في حقول النفط، ونقل إلى المنطقة الشرقية
بضعة آلاف من الجنود ولكنهم، شأن رجال الشرطة في المنطقة الشرقية،
لم يتحمسوا لتنفيذ الأوامر القاضية بالتحرك ضد المضربين،
بل
أظهروا تعاطفاً معهم ضد أرامكو.
وحينها
بلغ الوضع درجة من الخطورة، حملت إدارة أرامكو
معها
على التفاوض مع اللجنة العمالية والقبول بالكثير من مطالب
المضربين وتوفير وسائط النقل ومنحهم
علاوات، كما
وأطلق سراح المعتقلين من أعضاء اللجنة وأعيدوا إلى أعمالهم، ولكن
العمال لم يحصلوا على حق التنظيم النقابي.
وقد انتهى الإضراب في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) عام
1953م.
بدا أن الإضراب يعني بداية مرحلة جديدة نوعياً في الحركة
العمالية والإصلاحية
في
السعودية.
وبالفعل استمرت في السنوات الثلاث التالية المفاوضات بين ممثلي
العمال والشركات، وتولت لجنة ملكية خاصة النظر في النزاع؛
ولكن السعي للحيلولة دون وجود حركة عمالية منظمة كان القاسم
المشترك بالنسبة للسلطات السعودية والشركات الأمريكية والمحلية.
لقد
شكلت أرامكو ما يسمى بـ
(لجان
الاتصال)،
وكلفت شكلياً بدراسة مطالب العمال لتفادي النزاعات.
أما في الواقع،
فإن هذه اللجان كانت تبحث عن
(العناصر
المريبة)
وتلاحق النشطاء من العمال وتضيق عليهم أو تفصلهم.
وعندما وصل الملك سعود إلى الظهران في 9 (يوليو)
1956م،
استقبلته مظاهرة جماهيرية، وسلمت إلى الملك مطالب العمال وهي:
الاعتراف رسمياً باللجنة التي انتخبوها وزيادة علاوة غلاء
المعيشة، وزيادة الأجور، وتقليص
أيام
العمل، ووقف التسريح الكيفي، والمساواة بين العمال السعوديين
والأمريكان في الحقوق، وإلغاء التمييز العنصري وإصدار قانون يكفل
حقوق عمال أرامكو ويحمي كرامتهم.
بعد مرور يومين، في الحادي عشر من تموز (يوليو)، أصدر الملك
مرسوماً يمنع كل الإضرابات والمظاهرات ويوقع على المخالف عقوبة
الحبس لمدة لا تتجاوز الثلاث سنوات؛
وبدأت
حملة اعتقال وتعذيب العمال النشطاء وفق قوائم أعدتها الأجهزة
الخاصة لأرامكو والأجهزة الأمنية؛
وفي
17
تموز (يوليو) عام
1956م
أعلنت اللجنة المركزية للعمال الإضراب العام،
وكان من بين المطالب التي طرحتها الطليعة الواعية من العمال: سن
دستور للبلاد، إجازة الأحزاب السياسية والتنظيمات الوطنية، ضمان
حق التنظيم النقابي وإلغاء المرسوم الملكي حول حظر الإضرابات،
وإيقاف تدخل أرامكو في شؤون البلد الداخلية،
وإجلاء
القاعدة الأمريكية من الظهران،
وأخيراً
إطلاق سراح المعتقلين كافة.
كان رد السلطات متوقعاً فقد
تم قمع الحركة بعنف،
واعتقل مئات من الأشخاص وعذبوا وصدرت أوامر بسجنهم لمدد مختلفة
أو طردهم من البلاد.
جبهة
الإصلاح الوطني
في مطلع الخمسينات، ظهرت براعم تنظيم ديمقراطي ثوري سري معارض
للنظام؛
وكانت أول مجموعة شكلت بفعل الإضراب العمالي عام
1953م
هي جبهة الإصلاح الوطني التي أسسها شباب سعوديون من منتسبي
القوات المسلحة والموظفين والمستخدمين في أرامكو والذين حصلوا
على نصيب من التعليم.
وأعلنت الجبهة أن أهدافها هي:
تحرير البلاد الناجز من الهيمنة الإمبريالية ومن التسلط
الاقتصادي لأرامكو وشركات النفط الأخرى؛
إعتماد
دستور يكفل الانتخاب البرلماني ويضمن حرية النشر والتجمع وإجازة
الأحزاب والنقابات وحرية التظاهر والإضراب؛
تطوير الصناعة الوطنية وتوفير البذور والأسمدة والآلات الزراعية
للفلاحين بأسعار منخفضة؛
إلغاء الرق؛
إعادة
النظر في الاتفاقيات المعقودة مع شركات النفط وتعديلها بشكل يضمن
حق استثمار ثروات البلد بشكل يكفل تقدمه الاجتماعي والاقتصادي
والثقافي؛
مكافحة الأمية وتأسيس مدارس البنات وتوسيع التعليم العالي
والمهني.
واعتبرت جبهة الإصلاح الوطني نشاطها جزءاً من الكفاح التحرري
الذي تخوضه الشعوب العربية ضد الإمبريالية وفي سبيل التعاون
والوحدة على أساس حر ديمقراطي.
وعلى صعيد السياسة الخارجية دعت الجبهة إلى تعزيز العلاقات
الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية مع البلدان العربية وإقامة
علاقات اقتصادية مع الدول الاشتراكية، واتباع سياسة الحياد
الإيجابي والتعايش السلمي ومناهضة المذاهب والأحلاف الإمبريالية،
والمعلوم
أن
الشركات الأمريكية وأرامكو تحظران
على التجار السعوديين التعامل مع الكتلة الشرقية والدول المناهضة
لواشنطن، بل إنها أحبطت اتفاق نقل النفط بواسطة أسطول المليادير
اليوناني أوناسيس
في منتصف الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي.
أعلنت الحكومة السعودية عام
1956م
عن تصفية جبهة الإصلاح الوطني،
حيث اعتقلت
عدداً
من أعضائها، علاوة على
56
شاباً عرفوا بأفكارهم الديمقراطية؛
وصار عمل الجبهة في الداخل صعباً للغاية؛
ولكن من نجا من أعضائها
واصلوا التبشير بآرائهم في مصر وسوريا ولبنان وفي المحافل الدولية.
كان من أنشط العاملين
في
تنظيم جبهة الإصلاح الوطني الملازم عبدالرحمن الشمراني الذي عمل
بين مجموعة من الضباط الشباب في الجيش النظامي،
وقد
سجن الشمراني مع أربعة ضباط آخرين بتهمة التآمر ضد النظام
القائم، ثم أعدم.
وتحت تأثير إذاعة القاهرة،
وجدت الميول المناوئة للحكومة تربة خصبة بين جزء من الضباط وفئة
المثقفين الناشئة والطلاب وتلاميذ المدارس؛
كما
كانت صحيفتا
(الفجر
الجديد)
و
(أخبار
الظهران)
المحليتان
تنشران مقالات تنتقد الحكومة وتفضح ممارسات أرامكو علناً أو بشكل
غير مباشر.
بيد أن سلطات الأمن اعتقلت
صاحب امتياز
(الفجر
الجديد)
ورئيس تحريرها يوسف الشيخ يعقوب،
كما اعتقلت
الصحفي أحمد الشيخ يعقوب، وأغلقت الصحيفة.
إضافة الى ذلك اعتقلت أجهزة الأمن
رئيس تحرير
(أخبار
الظهران)
عبدالكريم جهيمان وجلد قبل إيداعه السجن.
منظمة طلاب المدارس
عام
1965
أسست لأول مرة في تاريخ نجد منظمة تلاميذ المدارس في مدن عنيزة
وبريدة وشقراء والرس؛
وكان من مطالبها الأساسية حل جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر التي شكلت في العشرينات ووصفوها بأنها
(بؤرة
عفن تشكل خطراً على الأطفال الطامحين إلى العلم).
وطالب التلاميذ بتوحيد أساليب وبرامج التدريس وجعلها على غرار
النظام المتبع في مصر وسوريا، وتأسيس معاهد عليا في البلد.
وجرت في بريدة اشتباكات بين التلاميذ والمتعصبين من جماعة الأمر
بالمعروف والشرطة، اعتقل أثرها عشرات الأشخاص وجلدوا.
خشيت الحكومة أن يؤدي تطور التعليم والدراسة في الخارج إلى ظهور
ما تسميه
بـ (الأفكار
الهدامة)
فقررت منع الدراسة في الخارج؛
وفي نيسان (أبريل)
1955م
أصدر الملك
سعود
مرسوماً يقضي باستدعاء كل الطلبة السعوديين الدراسين في الخارج،
وحرمان المخالف الجنسية السعودية.
واستثنى المرسوم طلبة المعاهد العليا الذين يدرسون الهندسة
والحقوق والطب،
وكان القرار منافياً لاحتياجات البلد، وأبطل مفعوله بعد سنوات.
دور ناصر السعيد
وتعكس رسالة ناصر السعيد إلى الملك سعود التي نشرت عام
1958،
مطالب الإصلاح التي حملتها الحركة العمالية وجبهة الإصلاح الوطني.
وكان ناصر السعيد وهو من الزعماء العماليين في المنطقة الشرقية
الذين اعتقلوا عام
1953،
وأطلق سراحه وآخرين بعد الإضراب العام لعمال أرامكو تلبية لمطالب
المضربين، إلا أنه فصل من أرامكو ونفي إلى منطقة حائل، وعند
زيارة الملك سعود إلى جبل شمر في نفس الفترة، طالبه ناصر السعيد
علناً
بالتالي:
سن دستور عصري للبلاد؛
إجراء انتخابات برلمانية؛
إلغاء مجلس الشورى المعين والصوري ومنح حرية العمل والتنظيم
النقابي.
كما
دعا في رسالته إلى منح حريات ديمقراطية واسعة، بينها حرية
التظاهر والإضراب والصحافة،
اضافة الى
إطلاق سراح المعتقلين السياسيين،
وسن القوانين،
والاعتراف بحرية الشيعة ومساواتهم مع باقي المواطنين،
وحظر الرق، وتحديد نفوذ آل الشيخ والمطاوعة، ووقف الهيئات الخاصة
الأمريكية والمراكز الدعائية لأرامكو.
كما أورد ناصر السعيد عدداً
من مطالب العمال.
ورضوخاً عند مطالب العمال وتدخل الملك أعيد ناصر السعيد إلى
أرامكو، ووضع تحت المراقبة في بقيق ثم في الظهران، إلا أنه
استطاع ومجموعة من القادة العماليين من التحرك النشط بين أوساط
العمال وتدريسهم وتوعيتهم مما مكنهم من القيام بمظاهرات ضخمة
وذلك
أثناء زيارة الملك سعود لمقر أرامكو عام
1956م،
وحينها
تفاجأ الملك سعود بحجم المظاهرات والإضرابات
فسمح
لأمير المنطقة الشرقية للتعامل مع العمال المضربين والمتظاهرين،
حيث رد عليهم بقسوة واعتقل عدداً
كبيراً
من قياداتهم وسجنهم
فيما تمكن آخرون
من الفرار
الى خارج الحدود ومن بينهم
ناصر السعيد الذي لجأ إلى القاهرة وأسس
(إتحاد
شعب الجزيرة)
حيث واصل
نضاله حتى تم
خطفه من بيروت عام 1979 على يد مجموعة فلسطينية،
وانقطعت أخباره، وبقيت أسرته متنقلة بين سوريا وليبيا.
في هذه الأثناء دخل عنصر جديد على محاولات الإصلاح والتغيير في
المملكة وهو الصراع بين أفراد الأسرة الحاكمة،
حيث ظهر
فريق أعلن دعمه للإصلاح وطرح فكرة بناء مملكة دستورية،
وقد اختفى هذا الفريق خلف عباءة الملك سعود، فيما قاوم الفريق
الآخر الإصلاحات
بزعامة ولي العهد آنذاك فيصل بن عبدالعزيز، الذي اتهم شقيقه
الملك بالتدخل في شؤون الحكومة وعرقلة عملها واستمر الصراع بين
كرٍ وفرٍ حتى حسم لصالح فيصل الذي نصب ملكاً على البلاد عام
1964م.
الصراع على السلطة
(1958 ـ 1960)
يقول المؤرخون أن
(العائلة
المالكة كثيرة العدد كانت دائماً غير متجانسة: إذ يتفاوت أفرادها
تفاوتاً كبيراً من حيث المركز الاجتماعي والأموال التي يحصلون
عليها من خزانة الدولة.
غير أن الحزازات داخل العائلة لم تتحول إلى عداء سافر أبان حياة
مؤسس الدولة.
فقد كان الأمراء يخافون ابن سعود لأن بوسعه حرمانهم من المخصصات
كما فعل مراراً مع المتمردين؛
وبعد وفاة ابن سعود انفرطت العائلة المالكة وصارت كتلاً متباينة
يسعى كل منها إلى نيل حصة الأسد من عوائد الامتيازات والثروة
الطارئة وتبوء مناصب حكومية هامة).
جمع ولي العهد فيصل، وهو سياسي محنك وذكي، من حوله أنصاره
المستائين من تزايد نفوذ أبناء سعود في البلاط؛
ودأب على تكوين انطباع بأن الملك غير مؤهل لمهمته؛
كما
حاول فيصل الذي تربطه علاقات قديمة ووثيقة بالأمريكان التظاهر
بأنه من أنصار الإصلاحات والتقارب مع الرئيس عبدالناصر، وبدأ يعد
خفية لانقلاب في القصر؛
حيث
طالب بمنحه السلطة كاملة كرئيس للحكومة وبعدم تدخل الملك في شؤونها،
وكمناورة قدم استقالته.
وفي
24
آذار (مارس)
1958م
قامت مجموعة من الأمراء على رأسها فهد بن عبدالعزيز بتقديم إنذار
إلى الملك يطالبه
بتسليم السلطة إلى فيصل،
وبحماية
بيت المال من النهب وتنحية مستشاري الملك الضالعين في محاولة
اغتيال عبدالناصر التي يقال إن الملك موّلها، ومنح إخوته حقوقاً
مماثلة لحقوق أبنائه.
حاول سعود الاستنجاد بالأمريكان ولكنه لم يلق منهم العون، وتحصن
الملك سعود في قصر الناصرية محاطاً بحرسه الشخصيين،
كما أنه لم يجد ركيزة في الجيش وشعر أن غالبية آل سعود المؤثرين
كانوا ضده،
فاضطر في مثل
تلك
الظروف إلى الاستجابة
والرضوخ.
وصدر في
23
آذار (مارس)
1958م
مرسوم ملكي يمنح رئيس الوزراء
(المسؤولية
التامة للإشراف على تنفيذ جميع السلطات الإدارية فيما يتعلق
بالشؤون الداخلية والخارجية والشؤون المالية)؛
كما أصبح فيصل القائد العام للقوات المسلحة السعودية.
في حينها،
أصدرت جبهة الإصلاح الوطني في السعودية نداء
من
دمشق وجهته إلى فيصل ضمنته مقترحات مماثلة لتلك
التي
وردت في رسالة ناصر السعيد إلى الملك سعود،
إلا أن ذلك لم يغير من الواقع شيئا.
بعد بعض الوقت اتضحت الصورة وصرح وزير الخارجية الأمريكي دالاس
بأن تسلم حكومة فيصل مقاليد السلطة يدل
(على
أن الأحداث تسير في مجراها
الطبيعي)
وأنه
(لن
يحدث تغيرات في العلاقات السعودية الأمريكية).
وفي
نيسان (أبريل) عام
1958م
قررت قيادة جبهة الإصلاح الوطني أن تؤسس، اعتماداً على تنظيمها،
منظمة جديدة باسم جبهة التحرير الوطني في السعودية، وسرعان ما
رفضت هذه المنظمة المعارضة تأييد فيصل ونددت بأعماله.
أدخل المرسوم الملكي الصادر في 11 أيار (مايو)
1958م
بعض التغييرات الجزئية على نظام مجلس الوزراء الصادر عام
1954م،
وفصل بين صلاحيات المجلس وصلاحيات الملك؛
فقد منح رئيس مجلس الوزراء السلطة الإدارية، ولكن السلطة
السياسية ظلت للملك.
وطرح المرسوم مهمة تنظيم المالية ومكافحة الرشوة والفساد،
كما
حظر على أعضاء مجلس الوزراء تولى أي وظيفة جديدة داخل الحكومة أو
خارجها دون الحصول على موافقة رئيس الوزراء،
اضافة الى ذلك
حظر عليهم تملك أموال الدولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأن
يكونوا أعضاء في مجالس إدارة الشركات التجارية.
لم يلق الملك سعود سلاحه، بتنازله عن السلطة الفعلية لولي العهد،
فقد احتفظ بعلاقات طيبة مع الارستقراطية العشائرية وجزء من علماء
الدين، وظل يؤكد على وفائه للتقاليد وصار
يوزع العطايا بسخاء؛
وزار سعود مصر صيف عام
1959م
محاولاً أن يدفع عن نفسه شبهات العداء لعبدالناصر.
وأمضى
سعود عام
1960م
بأكمله متنقلاً في أرجاء البلد، وكان أحياناً يتغيب عن العاصمة
عدة أسابيع، ويقيم الولائم لشيوخ القبائل ويجزل لهم العطاء،
كما
كان يدفع ديون الفقراء فينقذهم من الحبس، ويعطي المرضى مالاً
للتداوي.
وخلال الفترة نفسها وثق الملك ارتباطه برجال الدين وبالمظاهر
الدينية، فصار يشارك باستمرار في غسل الكعبة
عشية موسم الحج،
وتبرع
بأموال لتعمير وبناء مساجد داخل السعودية وخارجها،
كما
وزع باسمه أموالاً لتوفير المياه في البلدات وشق الطرق وما إلى
ذلك..
وظل الملك وأبناؤه يسيطرون على مبالغ طائلة من المال،
إذ كان ابن الملك أو أخاه، إذا لم يكن يتبوأ منصباً رسمياً، يحصل
من بيت المال على عشرة ملايين ريال سنوياً إن كان متزوجاً،
ومليونين إن كان أعزباً،
أما سائر الأمراء فقد كانت مخصصاتهم تتحدد طبقاً لدرجة قرابتهم
من الملك
المؤسس.
الأمراء الإصلاحيون
كان الأمر الحاسم في الصراع بين سعود وفيصل، ظهور مجموعة من
الأمراء السعوديين والداعين إلى الإصلاحات أقام سعود صلات بهم
ووعد، بصيغ حذرة، بمؤازرتهم،
وتحاشى الملك التعهد بالتزامات محددة، لأنه لم يكن
جوهرياً
من أنصار الإصلاح،
ولأنه كان يخشى التيار المحافظ الممثل بمشايخ الوهابية.
وقد ألمح الأمير نواف بن عبدالعزيز
(مسؤول الإستخبارات الحالي)
في تصريح له بالقاهرة في أيار (مايو)
1960م
إلى وجود ميل لإقامة أول جمعية دستورية وإعداد أول دستور للدولة
وتأسيس محكمة عليا ولجنة عليا للتخطيط.
وكان هذا تعبيراً عن رأي مجموعة الأمراء الشباب الذين كان أبرزهم
طلال بن عبدالعزيز،
والذين
أطلق عليهم لاحقاً
لقب (الأمراء
الأحراء).
كان طلال واحداً من الأخوة الصغار لسعود،
وقد كان ترتيبه السادس عشر من حيث العمر، الأمر الذي يجعل دوره
في تسنم الملك بعيداً.
لذا فقد شرع انطلاقاً من طموحاته الشخصية
ـ
وهذا ما أثبتته الأحداث فيما بعد
ـ
يبشر بفكرة الحكم الدستوري أملاً في الاقتراب من السلطة عن طريق
الإصلاحات.
وفي حزيران (يونيو)
1960م
اقترح طلال إقامة نظام ملكي دستوري، فرفض فيصل الاقتراح وأبعد
عنه طلال وجماعته.
وفي
آب (أغسطس) ومطلع أيلول (سبتمبر) عرض الأمراء الشباب مشروع
الدستور على الملك، فرفضه باعتباره متطرفاً ولكنه
حاول الاحتفاظ بصلاته مع المجموعة.
وفي أيار (مايو)
1960
اعتزم فيصل التوجه إلى أوروبا للعلاج وعين الأمير فهد بن
عبدالعزيز وكيلاً له، ولكن سعود رفض المصادقة على هذا التعيين.
أيد عدد من الأمراء فيصل بينما وقف عدد آخر، وبينهم طلال ونواف،
إلى جانب الملك؛
ولم يجرؤ فيصل على مغادرة البلد.
في تشرين الثاني (نوفمبر)
1960م
أخذ سعود يطالب فيصل بإحاطته علماً بجلسات الحكومة، وعدم تعيين
أمراء للمناطق والمدن والبلدات وكذلك
تعيين القضاة
إلا بموافقته، وبأن يمتنع عن نشر الميزانية دون مصادقته عليها،
كما طالب بزيادة نفقات البلاط وأن تدفع لأولاده الصغار مخصصاتهم
كاملة.
في
18
كانون الأول (ديسمبر) قدم فيصل للملك مسودة مرسوم ملكي حول
الميزانية، فرفض الملك توقيعه بحجة أنه لا يحتوي على تفاصيل،
وفي مساء اليوم نفسه رفع فيصل رسالة احتجاج إلى الملك اعتبرها
الملك سعود طلب استقالة.
وهنا بدأت المرحلة الثانية.
عودة سعود الى السلطة 1960 ـ 1962
في 12 كانون الأول
1960،
وافق سعود على
(استقالة)
فيصل، وبالتالي حكومته، وتولى مهمات رئيس الحكومة وعين وزراء
جددا.
وضمت الحكومة الأميرين طلال بن عبدالعزيز ومحمد بن
الملك
سعود اللذين أسندت إليهما على التوالي وزارتا المالية والدفاع.
إضافة الى ذلك تم تعيين
أحد أنصار طلال وهو عبدالمحسن
بن عبد العزيز
وزيراً للداخلية،
بينما عين بدر
بن عبد العزيز
وزيراً للمواصلات؛
وأسندت وزارة النفط والمعادن إلى الوجه القومي المعروف الشيخ
عبداللّه الطريقي.
ولأول مرة في تاريخ البلد استلم أشخاص لا ينتسبون إلى العائلة
المالكة غالبية الحقائب في الوزارة (6 من 11).
إن عودة الملك سعود إلى السلطة في كانون الأول (ديسمبر)
1960
كانت تعني الانبعاث المؤقت للميول المناوئة للغرب التي كانت
سائدة في
تلك الفترة،
وقد اقترنت شكوك سعود إزاء الأمريكان بالنزعة القومية
(للأمراء
الأحرار).
وفي آذار (مارس)
1961م
أعلمت السعودية الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لن تجدد
اتفاقية القاعدة الجوية في الظهران التي كان سينتهي مفعولها بعد
سنة؛
وأعلن الملك سعود أن السبب الرئيسي لذلك هو مساعدة الولايات
المتحدة لإسرائيل.
وفي 2 نيسان (أبريل)
1962
سلمت الولايات المتحدة قاعدة الظهران إلى الحكومة السعودية، وبذا
صار لدى هذه الحكومة واحداً
من أكبر المطارات في العالم،
إلا أن العسكريين الأمريكان عادوا إلى القاعدة بعد ستة أشهر
تقريباً أثر أحداث اليمن.
مجلس وطني منتخب لم يرَ النور
في
25
كانون الأول (ديسمبر)
1960م
أعلنت إذاعة مكة أن مجلس الوزراء وافق على تشكيل مجلس وطني منتخب
جزئياً، وقرر وضع مسودة الدستور؛
ولكن الإذاعة عادت بعد ثلاثة أيام لتنفي الخبر.
كان من الواضح أن الملك سعود لا يعتزم التنازل لحلفائه المؤقتين
من الأمراء الشباب،
ولكن
التلميحات
باتجاهات
الإصلاح أخذت تظهر في الصحافة السعودية
دون وجود نيّة لذلك، كما هو الحال اليوم بعد نحو نصف قرن. فقد
نشرت
(الجريدة)
اللبنانية نص
(مسودة
الدستور)
المؤلفة من مائتي مادة والتي وضعها حقوقيون مصريون بتكليف من
الأمير طلال وزملائه من مجموعة الأمراء الشباب.
ويبدو أن هذه المسودة سربت إلى الخارج عن قصد؛
حيث نفى
مدير الإذاعة والصحافة السعودي الخبر الزاعم بأن الملك هو الذي
عرض مسودة الدستور.
في تلك الأثناء تبلورت
داخل الأسرة السعودية الحاكمة ثلاثة مراكز متصارعة على السلطة.
فقد كان الملك سعود يستند إلى مجموعة من الأمراء وبعض شيوخ
القبائل، بينما يحظى فيصل بمساندة مجموعة أخرى من الأمراء
والكثير من علماء الدين وتجار الحجاز المتنفذين، أما المركز
الثالث فقد تزعمه الأمير طلال المتمتع بتأييد فئة المثقفين
الناشئة من خريجي الجامعات الأجنبية وعدد من الموظفين.
ظل الصراع داخل الأسرة المالكة السمة الرئيسية للحياة السياسية
في البلد طيلة عام
1961؛
وكان الانتقال من معسكر إلى آخر أمراً طبيعياً؛
فعبداللّه
بن عبدالرحمن وعدداً آخر من
أعمام الملك سعود وإخوانه،
سرعان ما انتقلوا إلى جانب فيصل؛
ومن مجموعة
(الأمراء
الأحرار)
انضم طلال وبدر وعبدالمحسن إلى مجلس الوزراء وعين فواز حاكماً
للرياض،
واستقال نواف من منصب وزير الداخلية وظل محايداً، وسرعان ما عين
رئيساً للديوان الملكي.
خلال عام 1961،
أسس الملك لجنة عليا للتخطيط وأصبح طلال أول رئيس لها،
وكان من الواضح أن طلال يرمي إلى تعزيز سلطته مما نفّر منه أبناء
سعود وأقربائه
المقربين.
وفي نفس العام تزايدت
البطالة،
وحاول طلال تنفيذ أشغال عامة لزيادة العمالة، ولكن الاعتمادات لم
تكن كافية.
وفي
الثامن من حزيران (يونيو) أسست وزارة العمل والشؤون الاجتماعية
وحاولت أن تحظر العمل الإضافي وتحد من تشغيل الوافدين؛
وفي
25
تموز (يوليو) صدر مرسوم ملكي بتأسيس المجلس الأعلى للدفاع برئاسة
الملك ويتألف من وزير الدفاع والطيران (نائباً للرئيس) والمفتش
العام للجيش ورئيس الأركان ووزراء الداخلية، والمالية والاقتصاد،
والمواصلات، والخارجية،
وحدد المرسوم مهمة المجلس بوضع سياسة دفاعية طويلة الأمد للجيش
السعودي.
ونظراً
لتنامي المعارضة صدر إيعاز خاص نص على أن تكون عقوبة الجرائم
المرتكبة ضد الأسرة المالكة والدولة الإعدام أو السجن المؤبد،
وصارت عقوبة الإعدام تهدد كل من يحاول تغيير النظام الملكي أو
يتطاول على أمن الدولة أو يسعى لشق القوات المسلحة.
على صعيد آخر،
ركزت مجموعة فيصل هجومها على طلال متحاشية المساس بالملك؛
وأخذ الذين يناصرون فيصل سراً أو علانية يوحون للملك بأن
التجديدات سوف تودي به إلى الهلاك وحذروه من الوزراء الجدد.
وفي الوقت ذاته عمل أنصار فيصل على عرقلة إجراءات
(الأمراء
الأحرار)
الإصلاحية؛
وكان الأمراء المحافظون من آل سعود وكبار الموظفين يتحالفون في
نشاطاتهم مع الأوساط الدينية التي خشيت من أن تؤدي الإصلاحات إلى
الانتقاص من دور علماء الدين في البلد.
بدأ الهجوم من رجال الدين وعلى رأسهم مفتي الديار السعودية محمد
بن إبراهيم آل الشيخ ورئيس جماعة الأمر بالمعروف الشيخ عمر بن
حسن.
فقد وجه المفتي رسالة إلى الملك يذكر فيها بحقه في الاطلاع على
كل قوانين الحكومة وإيعازاتها قبل تطبيقها للبت فيما إذا كانت
مطابقة لأحكام الشرع؛
وقال المفتي أنه لا يوافق على قانون العمل لمخالفته روح الإسلام،
وذكر مثلاً أن العامل الذي يصاب بعاهة أثناء العمل يجب أن يحصل
فقط على تعويض عن اليوم الذي أصيب أثناءه، لأن الإصابة قضاء وقدر.
وخلافاً لرأي طلال وزير المالية وافق سعود على رأي المفتي لتهدئة
علماء الدين،
وسرعان ما طالبت جماعة الأمر بالمعروف بغلق ستوديوهات التصوير في
الرياض، واقترح الملك على الحكومة الخضوع لهذا المطلب،
وكان تنفيذ هذا الإيعاز يعني الانهيار التام لهيبة الحكومة، لذا
أقدمت على حل وسط بأن أمرت برفع اليافطات عن الاستوديوهات وإزالة
واجهاتها الزجاجية.
تبدل
في التحالفات
جوبهت محاولات طلال لتنظيم المالية بمقاومة سعود ورجال حاشيته
الذين لم يعودوا إلى السلطة لتقييد جشعهم.
ويقول طلال في مذكراته أن الملك شارك في المضاربة بالأراضي مما
أضر بمالية الدولة، وكانت له حصة من المقاولات الحكومية، وحصل
على مبالغ طائلة بإيصالات مزيفة مستخدماً موظفي وزارة المالية.
ورفض سعود اقتراح طلال بتأميم شركة الكهرباء الأهلية في الرياض
للحصول على واردات إضافية.
واستغلت جماعة فيصل هذه المحاولة لتأليب الأوساط التجارية ضد
طلال وسائر
(الأمراء
الأحرار)
وبثت إشاعات تزعم أن طلال يعتزم تأميم المؤسسات الصناعية
والشركات التجارية.
حاول الملك سعود التوصل إلى حل وسط مع فيصل وجماعته والتضحية
بطلال وفريقه وأصدر في 11 أيلول (سبتمبر) مرسوماً أقال فيه طلال
وبدر وعبدالمحسن من الوزارة.
وفي الشهر نفسه عين الأمير نواف بن عبدالعزيز، الذي كان يعتبر
محايداً، وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني، وأسندت المناصب
الأخرى إلى أبناء سعود.
تدخل عامل آخر في الصراع بين الأخوان، وهو صحة الملك
التي
ساءت إلى حد نقل سعود فاقداً الوعي في
16
تشرين الثاني (نوفمبر) إلى المستشفى الأمريكي بقاعدة الظهران، ثم
اضطر للسفر إلى الولايات المتحدة للعلاج.
وقد يكون للأمريكان ضلع في ترحيله، لأن لهم مصلحة في
إبعاد
الملك الذي لا يرتضونه عن البلد.
وقبيل مغادرة البلد، ونزولاً عند إلحاح كبار أفراد العائلة
المالكة عين سعود في
21
تشرين الثاني فيصل وصياً
على العرش فاستغل غياب الملك للقضاء على خصومه وتعزيز سلطته.
في آذار (مارس)
1962م،
اضطر الملك بسبب تدهور صحته إلى تعيين فيصل
رسمياً رئيساً للحكومة،
فطالب
فيصل بإقصاء عبداللّه الطريقي من مجلس الوزراء،
ووافق
سعود.
تهللت أرامكو
فرحاً
لهذه الخطوة،
إذ أنها كانت تعتبر وزير النفط، كما يقول طلال، عدوها الأول.
وكانت
أرامكو، في التقارير المرفوعة إلى الحكومة السعودية تندد بنشاط
الطريقي وتتهمه بـ
(الشيوعية).
وهكذا عاد فيصل ليستلم السلطة الفعلية بعد خمسة عشر شهراً من
إبعاده
عن رئاسة الحكومة.
ولكن الصراع لم يتوقف إلا ليتحدم من جديد.
أمضى سعود بقية السنة
(1962)
في الولايات المتحدة حيث أجريت له سلسلة عمليات جراحية.
واصل طلال الحديث عن الإصلاحات، فقد دعا إلى إجراء تغييرات في
نطاق الشرع على أساس الاجتهاد، الأمر الذي كان يعني عملياً إدخال
أحكام قانونية جديدة على الشرع لضبط الظواهر الاجتماعية الجديدة.
لم يجد طلال وجماعته دعماً داخل البلاد فهاجروا للخارج؛
وفي
15
آب (أغسطس)
1962
عقد طلال مؤتمراً صحفياً ببيروت،
انتقد فيه
النظام السعودي رغم أنه لم يذكر الملك بالاسم.
وقال الأمير أن هدف مجموعته يتمثل في إقامة ديمقراطية دستورية في
الإطار الملكي
التي حظيت بتأييد
أربعة أمراء هم عبدالمحسن بن عبدالعزيز،
وبدر بن عبدالعزيز،
وفواز بن عبدالعزيز،
وسعد بن فهد.
وخشية من إثارة غضب الرياض،
حاولت الحكومة اللبنانية التخلص من الأمراء الشباب فغادروا إلى
القاهرة، حيث استقبل طلال من قبل الرئيس عبدالناصر.
وأدت ثورة اليمن إلى زيادة نشاط المجموعة وقتياً.
وفي الجملة كان الصراع على السلطة
في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات عرضة لتأثير مختلف الطموحات
والنزعات السياسية؛
فقد كان برنامج مجموعة طلال يجسد الأفكار الإصلاحية الليبرالية
أضفي
عليها الطابع العروبي لكسب التأييد الداخلي والعربي.
ورغم
أن الأسرة المالكة كانت تتنازعها التناقضات، إلا أنه لم يكن
لديها خصوم أقوياء.
فجيل الشباب المتعلمين المنحدرين من
(الفئات
الوسطى)
كان يمثل مجموعة ضئيلة جداً في الإحساء وجدة والقصيم، واقتصر
نشاطها، حسب المعلومات المتوفرة، على توزيع منشورات ونشر رسائل
مفتوحة في الصحافة بالخارج، تحمل روح الإصلاح والتحديث، وكانت
نسبة الأمية في البلاد تصل إلى
95%
مما جعل تأثير جبهة التحرير الوطني، وهي منظمة ديمقراطية ثورية
معارضة محدوداً.
بعد فشل الإصلاحات السلمية
صعدت الجبهة من مطالبها
ودعت الى
إلغاء نظام الاستبداد الملكي وإقامة نظام برلماني، ووضع سياسة
اقتصادية وطنية، وإعادة النظر في كل الاتفاقيات النفطية،
كما دعت
إلى الحياد الإيجابي، ورفض تأجير قاعدة الظهران.
هذه المطالب كانت راديكالية بما فيه الكفاية، وكان المجتمع
المحافظ أقل ميلاً لها خاصة في البيئة التي يسيطر عليها مشايخ
المذهب الرسمي وشيوخ القبائل.
|