عقليات تعفّنت لا تتغيّر فابحثوا عن حلول أخرى

 المحاكمات السرية لدعاة الإصلاح

 أرادت وزارة الداخلية أن تكفّر عن فعلتها بأن سمحت بجلسة علنيّة واحدة ألقت خلالها اتهاماتها الشاذّة والغريبة لدعاة الإصلاح بدون إثباتات ولا براهين. واستبشر البعض بأن الأمراء ـ الواثقين من أنفسهم ومن عدالة قضيتهم ضد الإصلاحيين ـ قد سمحوا بأن تكون المحاكمة علنيّة، والعلنيّة واحدة من عناصر المحاكمة العادلة، رغم شذوذ الإتهامات ولا قانونية الإعتقالات.

لكن وزير الداخلية وإخوته اكتشفوا بعد المديح الذي حصلوا عليه بدون حق، أن العلنيّة قد تفضح قضاءهم وعدالتهم المزيّفة، فما كان منهم في الجلسة التالية إلا أن اختاروا صالة صغيرة للمحاكمة ملأوها برجال مباحثهم ولم يسمح حتى للمحامين وعوائل الإصلاحيين المعتقلين بدخولها! فحدث بعض الهرج وسارع القاضي الى إلغاء الجلسة. وبعد أسابيع أرادوا إجراء محاكمة سرية بأمر من وزير العدل المأمور هو الآخر من وزير الداخلية، ولم يبلغ المتهمون ولا محاميهم بوقت المحكمة إلا متأخراً. وكان من المتوقع أن يرفض الإصلاحيون الحديث أمام محكمة مسعودة مزيفة كهذه، فلم يجد القاضي إلا أن أغلق ملفاته وأجل المحاكمة الى أجل غير مسمى، بالرغم من أن الإعتقاد السائد أن حكماً بالسجن سيصدر مهما كان الوضع وحتى بدون محاكمة. فالعلنية لن تعود للمحاكمة، والأمراء العادلون سيصرون كما هي عقليتهم على المضي الى آخر الشوط باستخدام أهوائهم مقابل القانون.

 هدم أربعة من المساجد السبعة

 نفهم أن الوهابيين حسّاسون جداً تجاه القبب والقبور وما يعتبرونه من ممارسات شركية، ونفهم ولا نقبل أن تدمر بيوت الصحابة وبيت الرسول إضافة الى الكثير من الآثار الإسلامية الممتدة الى عصر النبوة وعصور الخلفاء الراشدين، بحجة مكافحة البدع والشرك والخشية من أن تعبد من دون الله!

لكن الذي لا نستطيع أن نستوعبه ونفهمه أو نقبله، أن تمتد يد الجهلة المتطرفين الوهابيين الى المقابر والى مساجد قائمة منذ القرن الأول الهجري، فيتم إغلاقها وتسويرها أولاً، ثم تدمّر وتحول الى أي شيء آخر، بحجة أن المعتمرين والحجاج يتبركون بتلك المساجد، التي عدّت كمساجد ضرار، كما يقول الجاهل المتطرف الشيخ صالح الفوزان!

ولا نفهم ونحن نعاني من التطرف والعنف الوهابيين، أن تطلق يد المتطرفين لتعبث بتراث المسلمين، بل وتراث المواطنين الذي يمكن أن يجتمعوا عليه. لا ندرك المغزى والفائدة التي يجنيها صانع القرار السياسي من الإتيان على ما تبقى من تراث ومساجد أثرية بالتدميرً والتخريب. هل جاءت الموافقة الحكومية بغرض تحويل أنظار الوهابية الى هدف آخر غير السلطة السياسية؟ أم أن ضرورات إعادة التحالف السعودي الوهابي اقتضت تقديم تنازل غير سياسي من قبل الأمراء، فكان العبث بمساجد المسلمين وتدميرها وتحويل بعضها الى صراف عملة عملاً من صميم التحالف.. فإذا كان آل سعود لا يريدون تقديم تنازلات سياسية أو مادية، فليكن لمتطرفي الوهابية مكسب جديد وهو تدمير المساجد، وغداً إن تطلّب الأمر، وهو على ما يبدو آت، يتم فصل قبر رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام عن مسجده، كخطوة أولى لهدمه، وهو هدف الوهابية منذ أن احتلال الأماكن المقدسة في الحجاز منذ 1924.

إن العقلية التي تجد لزاماً عليها هدم المساجد، هي ذات العقلية التي تنشيء العنف، وهي ذات العقلية التي خنقت المجتمع واستعدت العالم عليه.

 انتخابات بلدية، أم بلدية انتخابات؟!

 (بلدية) ونصفها بالتعيين! يا لها من ديمقراطية! لقد كانت الإنتخابات البلدية كاملة في الحجاز حتى قبل أن يحتله السعوديون قبل ثمانين عاماً!

انتخابات بلدية ولا صوت للمرأة فيها! تصور صانع القرار أنه بعدم إشارته للأمر في قانون تنظيم الإنتخابات سيخرج من المأزق! هل هناك انتخابات لا يعرف مواطنون أن لهم الحق في الترشح والإنتخابات أم لا في غير المملكة السعيدة؟!

انتخابات بلدية بدون صلاحيات، ويتحكم فيها وزير الداخلية! ثم يأتي من ينظّر للأمر بأن المملكة السعيدة تسير بخطى حثيثة ـ ولا ينسوا ان يضيفوا كلمة متدرجة ـ باتجاه الإصلاحات، فيما الإصلاحيون معتقلون والصحافة عادت الى مرابضها القديمة منذ الإعتقالات.

قلنا بأن هذا النظام لا يتعايش مع الإصلاحات؛ ورموزه مجبولون على الإنفلات والتحرر من أية ضوابط قانونية؛ وأن آخر ما يتبادر الى ذهنهم أن يعترفوا مجرد الإعتراف بأن للمواطن حقاً في أرضه فضلاً أن يعترف له بحق سياسي.

نحن نتعامل مع نظام لا يؤمن بقيم المواطنة ولا المساواة ولا العادلة. نظام يسير الدولة وفق نظرية (المكرمات).. فكل ما يأتي مكرمة، من رصف الشارع الى بناء مدرسة الى تحصيل وظيفة الى توفير الكهرباء. كل ما يأتي هو مكرمة، وما لا يأتي لا حق للمواطن فيه، إن شاء ولي الأمر أعطى وإن شاء منع.

نحن نتعامل مع نظام لا يتعايش مع التغيير ولا الإصلاح، لا التدريجي ولا الراديكالي.. ولا يقبل لا بإصلاحات طوعية أو كما يقول نابعة من الداخل ولا بضغوط من الخارج. كما لا يؤمن بالتغيير السلمي ولا العنفي. وعليه قد لا يطول ليل المواطنين حتى يطالبوا باقتلاعه بعد أن يفوت وقت إصلاحه.