تطبيق على المملكة العربية السعودية

الاستبداد وآليات إعادة إنتاجه والسبل الممكنة لمواجهته

 توفيق السيف

 القابلية الاجتماعية للاستبداد (structural limitations) هي استعارة من المرحوم مالك بن نبي الذي طرح فكرة "القابلية للاستعمار" كأداة لتفسير تغلغل الاستعمار في البلدان الإسلامية. كل نظام اجتماعي (بما هو منظومات قيم، وتوازنات، ونمط إنتاج) يسمح بخيارات محددة ويمنع أخرى.

هذه المفاضلة وتجلياتها الواقعية ليست قرارا واعيا ونهائيا، بل هي محصلة موضوعية للتفاعل بين مجموع العناصر التي تشارك في تكوين الحياة الاجتماعية إضافة إلى تأثير العوامل الخارجية. القابلية للاستبداد ضمن هذا المنظور ليست ردة فعل مؤقتة على أزمة اقتصادية أو سياسية خانقة كما تطرحه نظرية الزعامة الكاريزمية مثلا، بل نمط ثقافي-اجتماعي يتمتع باستمرارية وعلاقة تفاعلية مع مجموع العناصر المكونة لظروف المعيشة في مجتمع محدد.

وسوف تركز هذه المقالة على العوامل الثقافية في هذا النمط. الثقافة السياسية لمجتمع ما -حسب وصف الموند– هي بمثابة خريطة ذهنية تحدد صورة الفرد كفاعل سياسي مقارنة بغيره من الفاعلين، كما تحدد صور العلاقة بينهما ونوعية الأفعال وردود الأفعال المتوقعة من جانبهم(1).

خيار الاستبداد في السعودية

خيار السلطة المستبدة يصبح مرجحا عندما يفشل المجتمع في استنباط نظام عمل اجتماعي لإدارة شؤونه العامة. فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فإن العوامل التي رجحت هذا الخيار في الحقبة التاريخية التي شهدت قيام الدولة، هي: ذهنية الخضوع، التفكك، والطرفية.

ذهنية الخضوع:

ونعني بها هنا المستخلصات العامة التي تمثل مرجعية للتفكير الفردي والعقل الجمعي على السواء. رغم التنوع الذي يحفل به تاريخ المسلمين القريب والبعيد، فإن الصورة العامة التي يستذكرها معظم الناس عن علاقة المجتمع بالدولة في معظم العصور الإسلامية هي صورة حاكم فرد ورعية طائعة.

هذه الصورة جرى تعميمها وتبريرها على أساس ديني حينا وأخلاقي حينا آخر(2) في ظل غياب حراك علمي يقوم على المناقشة والنقد ومراجعة الحقائق والمنقولات. فحتى وقت قريب كانت معرفة الجمهور بالتاريخ هي مزيج من نقل الوقائع وتبريرها.

وفي كلتا الحالتين فقد كان النقل والتبرير عملية انتقائية تستهدف تثبيت منهج خاص في العمل السياسي يدور حول تشريع حكم المتغلب. في هذا المنهج يعتبر وجود حاكم مقتدر نعمة إلهية وضرورة لا غنى عنها لحفظ النظام العام، وينظر إلى العامة باعتبارهم غوغاء وغثاء، وإلى تحركهم باعتباره فتنة وخروجا عن الجادة(3).

هذا النوع من الثقافة لا ينظر إلى السلطة السياسية باعتبارها مؤسسة اجتماعية اعتيادية، بل ناديا خاصا لطبقة تختلف عن عامة الناس. الحصول على السلطة هو تطور طبيعي، بل قدر مكتوب لأشخاص محددين بسبب هوية موروثة أو مزية طبيعية أو نعمة غير مترقبة هبطت من السماء.

وبناء عليه فإن العمل السياسي ليس منشطا اجتماعيا عاديا متاحا لكل الناس. كما أن سعي الأفراد العاديين للسلطة ليس من الأمور التي تحظى بالتأييد أو الاستحسان. في حقيقة الأمر فإن الوصول إلى السلطة هو مطمح لكل فرد في هذا النوع من المجتمعات، لكن السلطة في الوقت ذاته بغيضة ومخوفة وهي تكثيف لكل عيوب الدنيا، فالسعي إليها انجراف وراء زخرف الحياة الدنيا وانحراف عن الطريق القويم(4).

التفكك:

تألفت المملكة العربية السعودية من ضم عدد من الأقاليم تمتد بين البحر الأحمر والخليج العربي أفقيا، وبين اليمن وتخوم الشام والعراق عموديا. رغم انتماء جميع السكان في هذه الأقاليم إلى الإطار العربي الإسلامي، فإن كلا منها تأثر بتجربة تاريخية مختلفة كما اعتمد نمطا خاصا في المعيشة، وبالتالي فقد حصل كل منها على شخصية تنطوي على تمايز يمكن اعتباره في أدنى التقديرات درجة من النمو مختلفة.

يستمد التفكك مبرراته أيضا من نمط الإنتاج السائد في مختلف أقاليم البلاد، والذي يتسم بانعدام الفائض الرأسمالي الذي يستدعي قيام علاقة مصالح تفاعلية بين المناطق المختلفة. وهي سمة لاحظها كل دارسي المناطق الشبيهة للجزيرة العربية.

وأظن أن أقرب النماذج التي يمكن مقارنتها هنا هو نموذج الاقتصاد السياسي للمناطق القاحلة كما عرضه المفكر الإيراني هما كاتوزيان(5). هذا النموذج أكثر قربا لواقع الجزيرة عند الأخذ بعين الاعتبار علاقة الاقتصادي بالسياسي ضمن الإقليم الواحد، وضمن حدود معينة إذا أخذ بعين الاعتبار مجموع الأقاليم كوحدة واحدة(6).

تمايزت مناطق الجزيرة العربية عن بعضها بفوارق مذهبية ومعيشية واختلاف في مستويات الثقافة، كما كانت هناك منظومات سلطة محلية شبه مستقلة. وبالتالي فإن الذي جرى تجميعه في الإطار الوطني لم يكن أعدادا من البشر بل منظومات اجتماعية يحمل كل منها هوية خاصة قابلة للمقارنة بالهويات الأخرى(7).

ومن هذه الزاوية فقد كان المؤمل أن يترجم توحيد المملكة في احتواء هذه الهويات الخاصة ضمن هوية جامعة هي الهوية الوطنية. لكن ما حصل فعلا يتراوح بين الإهمال التام لهذه الهويات حينا ومحاولة تدميرها وإحلال الهوية الثقافية للقوة الغالبة حينا آخر(8).

في الوقت الراهن مثلا فإن اللباس الوطني للسعوديين هو اللباس النجدي والفولكلور الذي يعرض في المناسبات الرسمية هو العرضة النجدية(9)، لكن أحدا لا يسمع عن الفولكلور الحجازي الغني بالألوان، أو أهازيج البحارة التي اشتهرت في ماضي المنطقة الشرقية.

الطرفية:

لأسباب تاريخية وموضوعية فإن السياسة كمنشط حياتي تنحصر في المركز وتغيب نسبيا أو تماما في الأطراف. والسياسة المعنية هنا هي بالخصوص الأعمال التي ترتبط بالدولة . ، ولا يغير من هذه الحقيقة وجود أنواع من السلطة في كل قرية أو مدينة. إن وجود الدولة كهيئة سياسية محصور في العواصم.

أما في الأطراف فهي موجودة كقوة أمن. ويترتب على هذا أن الوعي التفاعلي بالسياسة، أي فهمها والتعامل مع الفاعلين فيها وربما محاولة الاقتراب منها وتجريبها، محصور من حيث الإمكانية في العاصمة(10).

عرض الموند وفربا في بحثهما المشهور عن الثقافة السياسية ثلاثة نماذج قياسية هي ثقافة المشاركة، وثقافة الخضوع، وثقافة العزلة. وجرى تعريف النموذج الأول بأنه المجتمع الذي يعي تأثير الدولة عليه وقدرته على التأثير فيها، بينما الثاني هو الذي يعي بتأثير الدولة عليه مع عجزه عن التأثير فيها، أما الثالث فهو الذي لا يشعر بوجود محسوس للدولة في حياته(11).

وثمة ميل واضح بين الباحثين إلى إمكانية تصنيف النوع الأول باعتباره احتمالا قويا في المراكز الحضرية بينما يكون الاحتمال الثاني قويا في الأطراف والثالث في الأرياف أو التجمعات السكنية المعزولة.

ولا تتوفر معلومات كافية لتأكيد أن النوع الثالث على وجه الخصوص كان موجودا بالفعل في الجزيرة العربية، رغم أن وجوده يمثل احتمالا قائما. إلا أنه يمكن القول إن جميع أقاليم الجزيرة العربية التي تشكل الممملكة اليوم، كانت تاريخيا ضمن الأطراف. ربما كان الحجاز هو المنطقة الوحيدة التي شهدت قيام ما يشبه الدولة –بالمفهوم الحديث– لفترة يسيرة. ولهذا وبهذا المقدار تولد فيها وعي بالسياسة والدولة يتجاوز بقية أقاليم الجزيرة. لكن لابد أيضا من بعض التحفظ هنا إذ ان حكومة الحجاز لم تكن مستقلة تماما، فقد كانت تابعة للسلطنة العثمانية مثل بقية الأقاليم.

بقي التصنيف إلى مركز وطرف قائما في ظل الدولة السعودية، إذ انحصرت ممارسة السياسة في عدد محدود من الأفراد يجمعهم نسب وسكن ومذهب، وتجلى الوعي بهذه الحقيقة في التسمية التي سبقت إعلان اسم المملكة العربية السعودية (سبتمبر/أيلول 1932)، حين كانت أقاليم الجزيرة العربية التي أمست خاضعة للعرش السعودي تسمى "سلطنة نجد وملحقاتها".

نحن نتكلم عن الاستبداد في معنى الانفراد بالقرار والاستفراد بقوى الدولة المادية والمعنوية، وهو مفهوم يقابل مفهوم المشاركة أو الاشتراك. إذا أخذنا مفهوم المشاركة باعتباره وعيا يرتبط بتجربة، أي وعيا بالفعل أو ثقافة، فإن إمكانيته محصورة بتوفر إمكانية للحياة السياسية، أما مع انعدامها كما هو الحال في الأطراف، فإن الكلام يصبح غير ذي موضوع.

طبيعة الاستبداد.. النموذج البدوي

شهدت السنوات الأخيرة محاولات جدية من جانب عدد من المفكرين العرب والمسلمين لإعادة تفسير المكون التاريخي للثقافة والنظام الاجتماعي في الشرق الإسلامي، تركزت في إطارها العام على نقد المنظور التاريخي الذي يماثل تطور المجتمع العربي مع الأوروبي، ولا سيما في افتراض أن الأوضاع الحالية هي استمرار أو انتقال من مرحلة ساد فيها اقتصاد سياسي يقوم على الإقطاع كمكون رئيس لعلاقات الإنتاج.

واقترح الجابري مثلا ثلاثة عناصر بديلة لتفسير الحراك التاريخي هي القبيلة، والغنيمة، والعقيدة. ويحاكي هذا المنظور إلى حد كبير النموذج الذي عرضه ابن خلدون، ولا سيما ربطه للملك بالعصبية المدعومة بالدعوة الدينية(12).

في هذا النموذج تمثل القبيلة إطارا مفهوميا للقيم والتراتب الاجتماعي، نظاما للسلطة ورؤية للذات والعالم. وتمثل الغنيمة عنوانا للاقتصاد السياسي، بينما تمثل العقيدة القاعدة الأخلاقية التي تبرر النظام وتوفر المشروعية لديناميات الاستمرار الخاصة به. ويوفر النموذج أداة مناسبة لتفسير الحراك السياسي في الجزيرة العربية خلال القرن العشرين على الأقل.

لا شك أن تأسيس المملكة العربية السعودية هو أهم حدث في تاريخها على الإطلاق. لقد نجح هذا المشروع بسبب التوظيف المتقن للعناصر الثلاثة للنظام البدوي، أي القبيلة والغنيمة والعقيدة. نشير هنا إلى أن العائلة المالكة السعودية ليست قبيلة بالمعنى المتعارف، لكن نظام علاقاتها الداخلية وعلاقتها بالخارج والقيم التي يتحدث عنها أعضاؤها، هي قيم القبيلة المعروفة في الجزيرة العربية. وحديثنا هنا يلحظ هذا المعنى وليس القبيلة في صورتها الشكلية.

النظام البدوي سياسيا: القبلية السياسية –طبقا للنقيب– تنطوي على ثلاثة معان على الأقل

•         أنها توفر أساس العصبية

•         تعمل كمنظم لقواعد الإدخال-الإخراج

•         أنها تمثل قاعدة للعلاقات في الإطار السياسي(13)

ويمكن الإشارة إلى ثلاث صفات مميزة للنظام البدوي السياسي:

1- أنه نظام في ذاته ولذاته

القبيلة في الشرق مثل الطبقة في الغرب هي أساس لهوية خاصة تجمع بين أعضائها وتميزهم عن الغير، لكنها تختلف عن الطبقة الغربية في أن منظومة المصالح ليست هي أساس الهوية، بل الرابطة القرابية التي تقوم عليها لاحقا منظومات مصالح، وهذا يجعل القبيلة –خلافا للطبقة– نظاما مغلقا على الخارج فلا يسمح بالحراك منه إلى الخارج أو من الخارج إليه.

إن أبسط تجليات هذا الانغلاق يظهر في تقاليد الزواج، لكنه في المفهوم العام يشمل حتى التساكن (حتى في المدن الكبرى) وتوليف القوة السياسية. مع التطورات التي حدثت في البلاد بعد اكتشاف البترول، فقد واجه نظام القبيلة تحديا خطيرا نتج في المقام الأول عن الهجرة إلى الحواضر الكبرى(14) وظهور نطاقات مصالح اقتصادية غير مرتبطة بالقبيلة إضافة إلى توسع الدولة في التوظيف والتمويل، وهذه كلها مثلت عناصر جذب كان من شأنها إضعاف الرابطة القبلية.

ويبدو أن هذا قد حدث ضمن حدود معينة. لكن على النطاق الأوسع فإن نظام القبيلة خرج من هذا التحدي سالما إلى حد كبير، ويرجع هذا إلى عوامل أخرى ربما يكون من بينها اعتماد العائلة الحاكمة على هذا النظام كإطار للعلاقة مع المجتمع. لكن السبب الرئيسي في رأيي يتمثل في حاجة الجمهور الأوسع -بما فيه الطبقات الحديثة التي ظهرت مع التنمية- إلى العودة إلى قبيلتها كوسيلة للاحتماء والارتقاء مقابل الشعور العام بالفشل في الارتقاء اعتمادا على المعايير المدنية.

ويمكن القول إن القبيلة قد حصلت على دفعة قوة إضافية خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما منذ النصف الثاني من الثمانينات ضمن توجه عام من جانب السعوديين، ذوي الأصول القبلية وغيرهم للعودة إلى مكونات الهوية دون الوطنية(15). عجز الدولة عن ضم الطبقات الجديدة لاحتواء التغير في البيئة الاجتماعية للسلطة والسياسة هو السبب وراء هذا التوجه. النظام البدوي ينظر إلى العصبة القائمة على القرابة الدموية باعتبارها البيئة الطبيعية للسلطة وجودا وممارسة، كما ينظر إلى القوة المتأتية عن استثمار العصبة باعتبارها حقا لأهلها.

بكلمة أخرى فإن تحول القبيلة إلى دولة لم يترتب عليه تخلي القبيلة عن مفهوم العصبة القديم، القوة الإضافية التي حصلت عليها القبيلة من انضمام (أو ضم) مجتمعات جديدة لم يترافق مع انفكاك مفهوم المسؤولية من الأساس القرابي الأصلي وتحولها إلى مسؤولية عن جميع الذين يخضعون لسلطتها، إذ بقي النظام كما كان نظاما في ذاته ولذاته وليس لجميع الخاضعين لسلطانه.

2- أنه نظام عضوي

تعتمد المكانة فيه على النسب لا الإنجاز، خلافا لرأي الدكتور الفالح الذي وصف العلاقة بين الدولة والمجتمع خلال العقود الأولى من تأسيس المملكة بأنه ينطوي على نوع من المشاركة(16)، فإن أي صورة من صور المشاركة التي نعرفها في الحياة السياسية لم تكن قائمة.

مع اتساع النطاق الجغرافي لسلطة القبيلة من حدود القرية الصغيرة في وسط نجد إلى العديد من حواضر وأقاليم الجزيرة العربية فقد انضم الآلاف من أبناء الأقاليم إلى الحكومة الجديدة. وعندئذ نشأ نوع من المشاركة الوظيفية المرتبطة بضرورات المحافظة على نوع من الاستقرار الذي لم يكن بالوسع ضمانه بالعنف العاري. لكن هذا المشاركة لم تتطور أبدا إلى مشاركة في القرار السياسي فضلا عن أن الفرصة لم تتسع لتشمل مجموع الوحدات الاجتماعية التي تضمها المملكة (الشيعة مثلا). يرجع هذا في الأساس إلى فلسفة النظام البدوي، فهو نظام عضوي غير تعاقدي، الأعضاء المرتبطون قرابيا بالنظام هم شركاء طبيعيون، وكل من خارجهم أجانب.

مفهوم الملك والمصلحة وما ينشأ عنهما من علاقات وسلطة ليس مؤقتا أو قابلا للانتقال والتبادل، بل تقوم على أساس تطور طبيعي تنحصر بموجبه داخل النظام الذي يمثل رابطة طبيعية بين أبنائه. إن التوسع الهائل لإدارة الدولة وما فرضه من إشراك عناصر كثيرة من خارج النظام، وما أوجده من أنماط علاقات جديدة لم يؤد إلى تغيير جذري في المفاهيم، ونجد تجسيد هذا المعنى في مظهرين:

•         الأول: أن كل إدارة جديدة تقيمها الدولة فإن أول المرشحين لها هم أعضاء في العائلة المالكة، فإن لم يوجد فمن أهل نجد، فإن لم يوجد فمن المناطق المنسجمة تماما مع تلك الموازين.

•         الثاني: المقاومة الأشد للإصلاح السياسي من جانب العائلة يتركز على الموضوعات التي ترتبط بفكرة التعاقد أو تشير إلى التعاقد كفلسفة حكم، مثل المحاسبة وسيادة القانون والانتخابات العامة.

3- أنه نظام يتحدد مفهوم السلطة فيه بالقهر:

يستدعي تعبير السلطة إلى الذهن صورتها المجردة، أي الإكراه الفعلي أو القدرة على الإكراه في صورة مادية. لكن هذه الصورة نادرا ما تطابق الواقع. إن الإكراه المتحقق من خلال ممارسة السلطة يتمظهر عادة في صور أخرى(17).

في حالة السلطة السياسية، فإن ممارسة السلطة تقوم عادة على نوع من الاتفاق الضمني أو الصريح بين الحاكم والمحكومين على حق الأول في الأمر والنهي والتصرف، الذي يستوجب الطاعة من الطرف الثاني. وهو ما أشار إليه روسو في مقولته المشهورة "الأقوى ليس قويا حقا ما لم يحول هذه القوة إلى حق، والخضوع لها إلى واجب".

يشير مفهوم الشرعية إذن إلى المصدر الذي يستمد منه الحاكم حقه في السلطة، ويبرر بالتالي تصرفه في أنفس الناس وأموالهم. الشرعية في أبسط تجلياتها هي العقيدة المشتركة بين الحاكمين والمحكومين التي تجعل طاعة الفريق الثاني للأول أمرا مقبولا، بل ومحبذا.

ومثل كل النماذج الأخرى، فللنموذج البدوي مفهومه الخاص لشرعية السلطة. لكنه يتمايز عن غيره بأنه لا يخاطب مجموع السكان الخاضعين لسلطته، بل يقتصر على مخاطبة المجموعة التي ترتبط عضويا بهيئة السلطة، أو العصبة حسب التعبير الخلدوني. وبهذا المعنى فإن الشرعية ليست قائمة على العقيدة المشتركة بين الحاكم ومجموع رعيته، بل بينه وبين الأقلية التي يعتمد عليها لإخضاع الأكثرية. ويرجع هذا إلى الصفة الأولى، أي كونه نظاما لذاته.

تجلى هذا المعنى في الأساس المعلن لشرعية النظام السياسي في المملكة، وهو تركيب ثنائي من الدين والنظام العام. بغض النظر عما يثار من شكوك حول فكرة التحالف بين زعماء المذهب الوهابي ومؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود، إلا أن ما يهمنا هنا هو أن الجيوش التي جندها عبد العزيز للسيطرة على المناطق المختلفة في سياق مشروعه لتوحيد الجزيرة العربية تحت سلطانه، لم تكن جيوش دعوة بمعنى أن هدفها لم يكن نشر الدعوة الوهابية في مختلف المناطق، بل ولم يبذل أي جهد يذكر في هذا السبيل، رغم أن تلك القوات قد جرى تحريكها تحت شعار الجهاد.

ولهذا السبب فإن الوهابية لم تسجل أي اختراقات مهمة خارج نجد، إلا في أواخر القرن العشرين وكان ثمرة لجهود متأخرة لم تلعب الحكومة في بعثها دورا كبيرا. وهذا يشير إلى أن الدين الذي اتخذ مبررا لتوحيد المملكة، وبالتالي تعضيد حق العائلة المالكة في الحكم، لم يكن مقصودا به إقناع السكان خارج الإطار الاجتماعي لمنطقة نجد. نشير أيضا إلى أن المشكلة التي ركز عليها الخطاب الوهابي، أي انتشار الخرافات، كانت مشكلة في نجد خصوصا ولم تكن قائمة في الحجاز أو الأحساء على النحو الذي جرى تصويره في الأدبيات الدينية السعودية.

وينطبق الأمر أيضا على مسألة النظام العام التي برر بها توحيد المملكة، فالأمن لم يكن مشكلة كبيرة في المناطق الحضرية، رغم تعرضها أحيانا لغزوات البدو. انعدام الأمن كان مشكلة في نجد في المقام الأول بسبب ضعف القوة العثمانية في تلك المناطق وندرة الموارد ولاسيما في سنوات القحط.

بكلمة أخرى فإن كلا المبررين -الدين والأمن- كانا حاجة للبيئة الاجتماعية التي تنتمي إليها النخبة الحاكمة، وكانت المناداة بها كافية لتوفير قدر من المشروعية. لكن في خارج هذه المنطقة فإن أيا من الفكرتين لم يكن هما عاما، بل إن فرضهما بالمفهوم النجدي قد ولد مشكلات إضافية.

من هذه الزاوية فإن المبررات التي اتخذت أساسا لتشريع سلطة العائلة السعودية في إقليم نجد لم تكن قادرة على لعب دور مماثل خارج هذا الإقليم، الأمر الذي جعل العلاقة بين الإقليم المركزي وبقية الأقاليم التي ضمت إلى المملكة قائمة على القسر في المقام الأول. هذا النوع من العلاقة لم يكن مجرد نتيجة موضوعية للحراك السياسي الأولي، بل تجسد أيضا في سياق وعي محدد بالعلاقة بين النخبة الحاكمة والمواطنين، يجري التذكير به بين حين وآخر كلما صعد إلى السطح سؤال الشرعية(18).

إعادة إنتاج الاستبداد

ما يجعل خيار الاستبداد قابلا للاستمرار في ظروف التحول الاجتماعي هو قدرته على إعادة إنتاج نفسه من خلال تفعيل أو توجيه أو إقصاء العوامل المختلفة التي تؤثر في الحراك الاجتماعي. وهنا تلعب الدولة المطلقة دور الوسيط وتستثمر العوامل الأخرى المتوفرة أو القابلة للتوفير في ساحة العمل لخدمة غرضها المحدد أي تثبيت الاستبداد وترسيخه كنمط اعتيادي للحياة السياسية.

أبرز العوامل التي نجحت الدولة في استخدامها هي العامل الخارجي ونمط الإنتاج الريعي. ارتبط صعود الدولة السعودية بعلاقتها الخاصة مع بريطانيا التي ساعدتها في القضاء على دولة الحجاز أولا، ثم الولايات المتحدة الأميركية التي ساعدتها في ترسيخ استقرارها المحلي ودورها الإقليمي(19). كانت المساعدة البريطانية عاملا هاما في تطوير نظام سياسي يعتمد على الدعم الخارجي على صورة ممول مباشر أو مزود للقوة التي تمكنه من الحصول على تمويل داخلي غير مشروط بمشاركة سياسية(20).

وتعزز هذا الوضع مع تدفق أموال البترول، الأمر الذي يستحق الاهتمام هنا هو دور البترول كعماد للاقتصاد السياسي وكونه عامل ربط بين الداخل والخارج، وهو موضوع نوقش كثيرا من جانب الباحثين العرب في إطار نموذج الدولة الريعية.

نموذج الدولة الريعية

يرتبط التأثير السياسي للاقتصاد الريعي بثلاثة محاور:

1.       أن معظم الدخل القومي لا يأتي عبر نشاط إنتاجي، وبالتالي فإنه لا يوجد موضوع لقوة اقتصادية يمكن تحويلها إلى قوة سياسية.

2.       أن الدخل الوطني هو بالكامل دخل خارجي، أي أن اقتصاد البلد ومعيشة أهله مرتبطة تماما بالعلاقة بين الدولة الوطنية وكبار المستهلكين.

3.       أن طرف العلاقة الوحيد مع الخارج هو الدولة، فهي قناة التمويل للبلد وهي بالتالي العامل الحاسم –أحيانا الوحيد– في توجيه حركة الحياة والسوق.

في ظل هذا النموذج تتحول الثروة إلى وسيلة لتثبيت النموذج السياسي الخاص للمجموعة الحاكمة التي تستعيض عن القمع المباشر والعنيف بشراء الولاء، في الوقت الذي تنعدم فيه المصادر الأخرى أو تنعدم قدرتها على منافسة دخل البترول.

في ظل النموذج الريعي فإن العلاقة بين الدولة والمجتمع هي علاقة من طرف واحد، فالدولة هي التي تعطي كل شيء وتوفر كل شيء، وبالتالي فإن محور العلاقة بين المواطن والدولة تمحورت حول مقدار ما يحصل عليه من مال أو خدمات توفر مالا، ولم تعد الحقوق السياسية موضوعا للنقاش أو المطالبة. ومع اتفاق الجميع –ضمنيا- على أن ما يسعون إليه ليس حقا مكتسبا بل هو أقرب إلى المنحة، فقد شاعت سلوكيات التقرب والتملق الشخصي لأصحاب القرار ومن حولهم طمعا في ضمان حصة أكبر من الكعكة. هذه وسائل فردية بطبيعتها، خلافا لتلك المرتبطة بالحقوق الدستورية أو المكتسبة التي تستدعي فعلا جماعيا.

وفي تجربة المملكة وجدنا أن كبار المسؤولين يميلون إلى الفصل الحازم بين السعي للحاجات الشخصية والعامة. إن الساعي للمال يجب أن لا يتحدث في شأن عام ولا يطالب به. ولهذا السبب فإن النخبة ووجهاء المجتمع الذين اختاروا طريق الإثراء قد توقفوا إلى حد كبير عن تمثيل مطالب القرى والمدن التي اعتادوا تمثيلها.

رغم وجاهة المعالجة التي يقدمها هذا النموذج التحليلي فإنه لا يجيب على كثير من الأسئلة التي تطرحها العلاقة التي محورها دور الدولة كموزع للدخل الوطني. ويقدم د.غباش إشكالات جدية على النموذج لجهة اعتباره الموارد النفطية ريعا إيجاريا لا موارد وطنية كما هو الحال في دول أخرى تنتج أنواعا أخرى من الخامات. إضافة إلى المبالغة في تصوير الإنفاق العام باعتباره عملية شراء لولاء المجتمع (رغم أنه يؤدي هذا الدور بالفعل)(21).

في ظني أن نموذج الدولة الريعية يقدم تفسيرا مناسبا لاختفاء التوترات (القابلة للتثميرالسياسي) في مرحلة الانتقال من مجتمع الكفاف إلى مجتمع الكفاية، الكفاية يجب أن تعرف هنا بصورة نسبية وضمن شروط البيئة الخاصة. لكنه لا يكفي لتفسير الحراك السياسي في مرحلة الكفاية. بل ربما أمكن القول إنه يفسر سبب اختفاء التوترات ذات المنشأ الاقتصادي البحت في مختلف الأوقات، مثل انتفاضات الخبز في دول أخرى، خاصة مع استمرار قدرة الدولة على التمويل دون ضغوط تضخمية قاسية. لكن خارج الإطار المعيشي البحت، فإنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أيضا أن مرحلة الكفاية توفر فرصا لظهور وعي بالذات لا يمكن فصله عن التطلعات السياسية.

من الناحية الفعلية فإن الخطط التنموية التي طبقت في المملكة بين بداية السبعينيات ونهاية الثمانينيات أوجدت الفرصة لظهور ما يمكن مقاربته بالطبقة الوسطى(22) التي تلاشى عند أفرادها الهم المعيشي في صورته الحدية، وحصلوا على قدر من التعليم وسافروا إلى خارج البلاد وتوفرت لهم فرصة التواصل مع الغير، وهي كلها مقدمات لإعادة التفكير في الذات وصياغة الهوية من خلال المقارنة مع الغير.

نضيف إلى هذا أن الجيل الجديد الذي ولد في مرحلة الكفاية ينظر إلى مستوى المعيشة القائم باعتباره حقا مكتسبا(23)، وبالتالي فإن الصعوبات الاقتصادية الناشئة عن انخفاض عائدات البترول أو عدم مكافأتها للحاجات المستجدة والمتزايدة تتحول إلى دوافع للسخط السياسي عند هذا الجيل، وعندئذ فإن أفكارا مثل التوزيع غير المتساوي للثروة، أو عدم تغيير طاقم الحكم أو خطابه تترجم سريعا إلى سخط سياسي وبحث عن بدائل.

نجد في الوقت الحاضر مثلا أن مشكلة مثل البطالة تعتبر واحدا من أبرز محركات التفارق بين الدولة والمجتمع في المناطق المهمشة والمدن الرئيسية على السواء(24).

وخلاصة القول أن نمط الإنتاج الريعي والدعم الخارجي يمثلان عاملين مهمين في إعادة إنتاج النظام السياسي الاستبدادي. لكن فاعليتهما مشروطة بكيفية استخدام الدولة لهما، وهذا يقودنا إلى حقيقة أن إعادة الإنتاج تتوقف إلى حد كبير على دور الدولة كوسيط لإعادة الإنتاج. هذه الوساطة هي التي تحدد هوية العوامل المسموح لها بالمشاركة في صياغة المراحل التالية، وتلك المهمشة.

مجتمع معطل

هذا يثير سؤالا حاسما: لماذا انفردت الدولة بلعب هذا الدور وعجز المجتمع عنه؟ بكلمة أخرى ما هي أسباب العجز الاجتماعي عن استنباط حالة سياسية مستقلة عن الدولة تسعى لدور في صياغة مستقبل البلاد؟

لقد تكرر مثل هذا السؤال في معظم الدراسات التي تناولت العالم العربي، والحقيقة أن الإحساس بعجز المجتمعات العربية عن استنباط حراك إصلاحي تحديثي قد لفت أنظار الكثير من الباحثين العرب والأجانب على السواء(25).

إن تقارير حال الأمة التي يصدرها المؤتمر القومي العربي كل عام مليئة بالتفاصيل المثيرة للكآبة عن هذا الواقع المتواصل دون تغيير يلفت الانتباه. لكن بالمقارنة بين المملكة وبقية البلدان العربية، بما فيها الدول الخليجية المقاربة لها اجتماعيا واقتصاديا، فإن الوضع هناك هو الأكثر إثارة للدهشة.

للإجابة على هذا السؤال فإنه لابد أولا من تحديد نطاق المناقشة: إن الحراك المقصود هو النشاط الجمعي الذي يتولد في مجتمع ما كظاهرة عامة معبرة عن هموم وتطلعات أغلبية الشرائح الاجتماعية في بلد ما. ويخرج بهذا التحديد المبادرات الفردية أو المحدودة التي لا يمكن اعتبارها تيارا عاما أو ظاهرة نموذجية. على هذا المستوى لم نلاحظ حراكا واسعا ذا مضمون سياسي في المجتمع السعودي، على الأقل خلال العشرين عاما الماضية. أمثلة مثل انتفاضة 1979 وتحركات 1991 كانت موضعية إلى حد كبير.

الإجماع الوطني

الحراك الاجتماعي هو حركة الجماعة، وحينما تكون الجماعة مفقودة فإنه لا يعود ثمة وعاء للحركة. إن علة العلل في المجتمع السعودي –حسب ظني– هي غياب الإجماع الوطني، الأمر الذي أدى إلى العجز عن استنباط منظومات عمل وطنية بديلة عن تلك المنتسبة إلى عصر ما قبل الدولة.

يشير مفهوم الإجماع -حسب سوروتاني- إلى الالتزام الطوعي بمنظومة من الإجراءات العملانية لاتخاذ القرار تعتبر من جانب الجميع -الحكومة والشعب- ضرورية لضمان النظام الاجتماعي، المصالح العامة(26)، مثل هذا حل التعارضات بين المصالح، إضافة إلى طريقة التوصل إلى الأهداف الاجتماعية.

مثل هذا الاتفاق يوفر للنظام السياسي الشرعية في معناها الحركي، التي يماثلها الموند بالروح التي تسري في كل جزء من أجزاء العلاقة الميكانيكية بين المجتمع والدولة، فتضمن كفاءة النظام السياسي في العمل ومتانته في مواجهة التحديات.

الإجماع إذن هو التعبير العملي عن منظومة القيم التي تحدد طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع(27) في مواجهة التحديات، وتؤسس بالتالي لشرعية العمل السياسي. ومن هذه الزاوية فإنه يمثل القاعدة الأساسية لتكوين الإرادة العامة، وإزالة التأزم من العلاقة بين المجتمع والدولة فضلا عن تسهيله للمساهمة السلمية للشعب في الحياة السياسية.

في غياب الإجماع فإن كل فريق في المجتمع ينطلق في مواقفه وعمله من مبررات متفاوتة وأحيانا متعارضة. النظام السياسي الذي يفتقر إلى الإجماع لا يمكن إلا أن يكون فوضويا منعدم السمات وعديم الاستقرار، لهذا فإن ما يميز الأنظمة السياسية المتقدمة –حسب بيندر(28)– هو قيامها على إجماع ثقافي تاريخي وفر الاستقرار والتواصل.

لا شك أن قيام الدولة كان بذاته فرصة لا تعوض لإطلاق تحرك جاد باتجاه توليف الهويات الصغرى التي تمثل انسياق مجتمع ما قبل الدولة في هوية جامعة تمثل المدخل الأساس للإجماع الوطني. كما أن النشاط الاقتصادي الذي شهدته البلاد منذ منتصف الستينات وفر فرصة أخرى للتوحيد. الدولة والاقتصاد كلاهما ينطوي على ديناميات توحيدية، لكن الانتقال إلى الوحدة غير ممكن دون وجود تحرك مقصود يسعى لاستثمار هذه الإمكانية بإقامة البنى الاجتماعية البديلة التي تستوعب مفعول تلك الديناميات.

طبقا للفرضية السائدة –التي تسندها تجارب العديد من البلدان– فإن قيام الدولة يؤدي عادة إلى امتصاص الهويات دون الوطنية من خلال إدماجها في الهوية الوطنية الأوسع، وبالتالي فإن منظومات مجتمع ما قبل الدولة تفقد دورها السياسي المستقل.

من ناحية أخرى فإن التحديث يؤدي إلى تفكيك البنى الاجتماعية التي تقوم ضمنها تلك المنظومات ويفتح الباب أمام منظومات تقوم على أسس قيمية وثقافية مختلفة، يفترض أن تعمل ضمن منظور وظيفي ينتسب للاجتماع السياسي بمفهومه الواسع.

لم يؤد توحيد المملكة إلى ظهور أمة سعودية، فقد بقي الأصل القبلي الإقليمي وليس مفهوم الأمة هو الذي يحدد هوية الجماعة السعودية(29). كما أن تجربة المملكة التنموية هي الأخرى تدل على أن التحول المنشود لم يتحقق بالصورة التي تقدمها نظريات التنمية في البلدان النامية.

والحقيقة أن هذا الفشل قد أثار أسئلة جدية حول الفرضيات التي تقوم عليها تلك النظريات، لا سيما الفرضية القائلة بأن تفكيك البنى التقليدية سيؤدي ميكانيكيا إلى قيام بنى حديثة في محلها، أو أن تفكك تلك البنى هو قدر لا مفر منه إذا بدأ الاحتكاك بينها وبين نظائرها الحديثة(30).

فيما يتعلق بموضوعنا فإن المنظومات القديمة فقدت إلى حد كبير مبررات وجودها بعد قيام الدولة السعودية، كما أدى النشاط الاقتصادي وانتشار التعليم منذ بداية السبعينات إلى هجرة واسعة نحو الحواضر وارتفاع في الحراك الاجتماعي بين الطبقات بصورة غير مسبوقة. وتبعا لهذا فإن نظم العلاقات والتراتب الاجتماعي التقليدي قد تلاشت إلى حد كبير تحت ضغط التغيير الكبير الذي حمله تيار التحديث(31).

الجماعة والحشد

المجتمع الطبيعي - سواء كان تقليديا أو حديثا- هو توليف منظومات يعبر كل منها عن نطاق مصالح محدد يجمع بين أعضائه ويميزه عن الغير. وبينما تتشكل منظومات المجتمع التقليدي على أسس قرابية أو دينية فإن منظومات المجتمع الحديث تتشكل على صورة جماعات مصالح.

في الأبحاث الحديثة حول الديمقراطية يعتبر المجتمع المدني ضمانا للديمقراطية. المجتمع المدني في تعريفه الموسع هو فضاء للحرية يلتقي فيه الناس ليتخذوا مختارين مبادرات جمعية تخدم مصالح أو تعبر عن مشاعر مشتركة(32). رغم أن فكرة المجتمع المدني قديمة نوعا ما فإنها عادت إلى الحياة بعد التحرك الذي قادته نقابة تضامن البولندية في 1990 وأدى إلى إنهاء النظام الشمولي والتحول إلى الديمقراطية.

وقد لفت هذا التطور انتباه الباحثين إلى القدرات الهائلة التي يتمتع بها المجتمع المنظم. ثمة إلحاح على استثناء المكونات المنظومية للمجتمع التقليدي من وصف المجتمع المدني، ربما بالنظر إلى كون القيم المؤسسة لها والحاكمة على حراكها غير مدنية. لكن من زاوية وظيفية فإن منظومات المجتمع التقليدي قادرة على لعب دور مماثل لتلك المدنية ضمن بيئتها الاجتماعية الخاصة.

يتفق الباحثون العرب على أن برامج التنمية في الخليج كانت قاصرة عن معايير التنمية الشاملة المتعارفة دوليا. فقد ركزت على الجوانب الاقتصادية وأهملت مخرجاتها الاجتماعية، كما أهملت تحديث البنى السياسية الذي يعتبر –حسب فرجاني- الطريق الوحيد لقيام اجتماع سياسي مكافئ لحاجات الدولة الحديثة(33).

لهذه الأسباب خرج المجتمع السعودي من مرحلة التنمية التي طالت ربع قرن من الزمن متشظيا مفككا، فلا المنظومات القديمة نجحت في استيعاب تحدي التغيير وتجديد نفسها وفقا لمتطلباته، ولا أتيح المجال لقيام منظومات حديثة.

إنه مجتمع الحشد الذي يفتقر فيه الناس إلى التفاهم الضروري لقيام ثقة متبادلة تؤسس للمبادرة الجمعية. وتجد آثار انعدام القدرة على العمل الجمعي –بسبب انعدام عامل الثقة وبالتالي العلاقات المؤسسية– جلية في السوق على صورة عجز عن تجميع رؤوس الأموال الصغيرة في شركات كبرى(34)، وتجدها في السياسة على شكل عجز عن تحويل الاتفاق العام على الإصلاح السياسي إلى عمل مؤسسي منظم.

لابد من الأخذ بعين الاعتبار قيام عدد من المناشط التي يمكن تصنيفها كمؤسسات مجتمع مدني، رغم أنها لا تزال محدودة في الغرف التجارية والجمعيات الخيرية كما لاحظ د.الحلوة(35)، إضافة إلى بعض الجمعيات المهنية التي لا تزال في مراحلها المبكرة. وعلى أي حال فإن جميع هذه المؤسسات تخضع لرقابة دقيقة تشمل التدخل المباشر من جانب الدولة، الأمر الذي يثير التساؤل حول صحة نسبتها إلى المجتمع المدني.

بصورة ملخصة يمكن القول إن المجتمع السعودي خرج من عملية التوحيد والتنمية فاقدا للإجماع الوطني وغير قادر على تحويل همومه الجزئية إلى هموم عامة. بل لقد لاحظ أكثر من باحث أن النزعات القبلية والطائفية والمناطقية لم تنحسر مع انتشار التعليم وتطور نظم الاتصالات والمواصلات -بل لعلها ازدادت- في بعض الأبعاد على الأقل، وهي ظاهرة تنتشر للأسف في كل دول الخليج دون استثناء(36).

وهذا يقودنا إلى الاستنتاج بأن التكوين الاجتماعي المنظومي ليس من الحاجات الإنسانية العارضة التي يمكن إلغاء وظيفتها أو استبدالها. إن فكرة الإجماع الوطني لا تعني وضع المجتمع الوطني في مكان المجتمع العضوي التقليدي، إذ إن سعة الأول وقيام نظامه العلائقي على أسس ميكانيكية تحول بينه وبين الرعاية الشخصية للأفراد وهي الوظيفة التي يوفرها عادة المجتمع الثاني.

الإجماع الوطني القابل للحياة هو ذلك الذي يوفر الفرصة لتفاعل جميع العناصر المكونة للوطن، فهو يعترف بالهويات الاجتماعية الصغرى ثم يضمها جميعا تحت مظلة الهوية الوطنية الجامعة، وعندئذ فإنه يمكن كل عضو فيه من الإحساس بالانسجام بين هويته الاجتماعية والثقافية من جهة وهويته الوطنية من جهة أخرى، أي بما يجمعه بأهله على النطاق القروي وما يجمعه بمواطنيه على النطاق الوطني دون تعارض أو جدل، وهذا ما نسميه التنوع في إطار الوحدة.

المشكلة على المستوى السياسي أن المنظومات الاجتماعية الصغرى المنتمية لمرحلة ما قبل الدولة، لا تستطيع القيام بدور سياسي وطني، بل إن السماح بإقحامها في الحياة السياسية يحولها –بالضرورة- إلى وسيلة فصل لأعضائها عن بقية مواطنيهم، ومن المؤسف أن هذا ما يحصل في أكثر من دولة عربية كما رأينا في العراق أخيرا.

إن إقحام هذه المنظومات في الحياة السياسية الوطنية هو النتيجة الطبيعية لانعدام المنظومات البديلة، أي تلك التي تقوم أساسا لإنجاز الوظائف المتعلقة بالاجتماع السياسي الحديث، أو ما نسميه بمؤسسات المجتمع المدني.

الانشقاق الثقافي:

ربما كانت المملكة هي البلد الوحيد في العالم الذي تعتبر فيه العصرانية والحداثوية تهمة أو عيبا. وفي سبتمبر/أيلول 1988 تدخل وزير الداخلية لوقف جدل عنيف في الصحافة المحلية حول الحداثة(37) بعدما انتقل الجدل إلى المساجد وتحول –عمليا– إلى جدل ذي مضمون سياسي. ويكشف هذا عن واحد من مكونات الانشقاق الاجتماعي الراهن في المملكة(38).

يرتبط الجدل حول الحداثة بمفهوم الصدمة الثقافية الذي دار حوله نقاش كثير في السبعينات. ويفترض القائلون بالصدمة الثقافية أن الانفتاح المفاجئ والمكثف للمجتمع على أنماط الحياة والأفكار الجديدة والأجنبية بعد تطبيق برامج الإنماء الاقتصادي كان بمثابة الصدمة للمجتمع التقليدي. في الوقت الذي انهارت بعض البنى الاجتماعية تحت ضغط التحديث، فإن هذا الضغط حفز مقاومة في بنى أخرى احتمت كالعادة بعباءة الدين والتقاليد الفاضلة(39).

وقد لاحظ الباحث الجزائري نور الدين طوالبي أن التعصب الديني في المدينة يتمايز عن نظيره في الريف بأن الأول مستجد ترتب على التغييرات التي تعرض لها المجتمع بعد التحديث، وليس قديما أو أصليا كما في الريف(40).

في الوقت الحاضر يمثل جدل الحداثة/التقليد أو -الأصالة كما يسميه أصحابه– أحد مبررات الانشقاق البارزة في المجتمع السعودي. وقد تداخل هذا العامل مع عوامل التمييز الأخرى السياسية والعقيدية. إن أبرز سمات الفريق المسمى حداثيا هو ميوله الليبرالية ورغبته في الإصلاح السياسي على المستوى الوطني، بخلاف الفريق الآخر الذي يميل إلى إصلاحات محدودة لا تتضمن اعترافا نهائيا بالتعدد الثقافي والحقوق السياسية المتساوية.

يمثل الانشقاق الثقافي إحدى المشكلات الهامة في طريق تكوين إجماع أهلي بديل عن الإجماع الأوسع بين المجتمع والدولة الذي يبدو عسيرا. وهو مهم خصوصا لتركزه في الوسط الديني الوهابي الذي يمثل المكون الرئيسي للقاعدة الاجتماعية التي يستمد منها النظام السياسي مشروعيته وقوته، ولهذا السبب فإن هذا الانشقاق يلعب دور الكابح للتحركات الإصلاحية التي يحتمل أن تقوم بها الدولة أو بعض أجنحتها(41).

إن الموقف المتشدد للدولة من حقوق النساء والحريات العقيدية والثقافية وتدفق المعلومات بشكل عام هو انعكاس لتلك العلاقة. وفي الوقت الحاضر ورغم تأزم العلاقة بين التيار السلفي والدولة فإن جميع القوى الاجتماعية الأخرى غير السلفية تشعر بالاضطهاد من جانب هذا التيار، وقد جرى التعبير عن هذا الشعور بأوضح صورة في مؤتمر الحوار الوطني في دورتيه وفي الوثائق الإصلاحية(42)، فضلا عن عدد كبير جدا من المقالات الصحفية(43).

نتيجة لانعدام الإجماع الوطني -على المستوى الأهلي أو بين المجتمع ككل والدولة- فإن المقاربات السياسية التي شهدتها البلاد حتى نهاية العقد المنصرم عبرت عن أنساق اجتماعية محددة، قصر أي منها عن تمثل الهم الوطني الشامل، فالشيعة عبروا عن مطالبهم بمفردهم، وكذلك فعل السلفيون الصحويون واليسار.

ومع الإحساس، بل والتألم من العجز عن جمع أكثر من فريق في حركة مطلبية واحدة، فإن أي محاولة لم تنجح بسبب فاعلية عوامل الانشقاق المذكورة. بل إن محاولات التفاهم كانت على الدوام ضحية لصراعات جانبية -بعضها عفوي وبعضها مفتعل- بين مختلف الأطراف. نتيجة لذلك فإن أي فريق لم ينجح في توليد القدر الكافي من الضغط على الدولة لتغيير سياساتها ولا سيما تجاه الحريات العامة والمساواة وحاكمية القانون.

بل على العكس من ذلك فإن قدرة الدولة على حماية التوازنات الموروثة قد مكنها من الظهور بمظهر الجهة الوحيدة التي يمكن الاحتكام إليها عند النزاع، بدل أن تكون الخصم في الجدل حول مطالب وطنية جامعة.

خلاصة الكلام أن عجز المجتمع عن إطلاق حركة شعبية تضع حدا للاستبداد ناجم إلى حد كبير عن انعدام القدرة على تكوين تصور واحد عن الذات والدولة. رغم اقتناع أغلبية القوى الاجتماعية بهذا المعنى فإن هذه القناعة ما زالت تتأرجح بين الصورة الذهنية المجردة وبين التجسد في بنية مفهومية واجتماعية نهائية قابلة لأن توصف بالإجماع الأهلي.

إن قدرة الاستبداد على إعادة إنتاج نفسه تعتمد اعتمادا رئيسيا على هذا العجز الاجتماعي.

التيار الإصلاحي.. مهماته وإمكاناته وحدوده

قدمت هذه المقالة حتى الآن صورة أميل إلى التشاؤم عن أهلية التيار الإصلاحي والمجتمع السعودي ككل لاستنباط حراك فعال يسهم في إنهاء أو تخفيف الاستبداد السياسي.

والحق أنه تصوير غير مقصود من قبل الكاتب، فثمة وجه آخر للصورة قد يؤدي عرضه إلى إعطاء انطباع متفائل عن الراهن والمستقبل. ما أريد قوله أن الوضع العام في المملكة يميل بشكل قوي ويتحرك سريعا نحو تغيير يصب في خانة الإصلاح، وثمة علامات مهمة توضح يوما بعد يوم أن التغيير يكسب مواقع جديدة في المجتمع والدولة معا.

الانطباع المتشائم مرده ربما الوضع الذي كنا فيه والصعوبات العميقة التي تحيط بنا، وعلى أي حال فإن الحديث عن استبداد قائم هو بذاته مدعاة للتشاؤم أيا كان موقف المجتمع منه.

مبادرات تحرك الراكد

خلال العقد الأخير شهد المجتمع السعودي مجموعة من المتغيرات خدمت مسيرة الإصلاح، بعضها نتيجة فعل سياسي وبعضها تداعيات لحوادث محلية أو خارجية. كان الغزو العراقي للكويت في أغسطس/آب 1990 منعطفا بارزا في تاريخ البلاد. فقد كشف الكثير من الأمور التي كانت مغفلة أبرزها ربما هو فشل المملكة في تعبئة الشعب وتوحيده للدفاع عن البلاد.

هذا الحدث كان بمثابة الصاعقة التي نبهت مجتمعا مسترخيا وغافلا عن مشكلاته مما أطلق موجات قوية من الجدل في العلاقة بين المجتمع والدولة لم يسبق لها مثيل. حاولت الحكومة احتواء الجدل الذي فجرته تلك الأحداث بإعلان سلسلة إصلاحات قانونية في مارس/آذار 1992 شملت إصدار النظام الأساسي للحكم، نظام المناطق (اللامركزية الإدارية) وإنشاء مجلس الشورى.

لم يتجاوز وعي المجتمع واهتمامه بالشأن العام الحالة الانفعالية المرتبطة بوقت الحدث، ولهذا فإن قرار الحكومة إصدار الأنظمة المذكورة بصيغتها الفعلية، عبر عن فهم لجوهر المشكلة التي أثارت الجدل، بقدر ما عبر عن تحليل صائب للمدى النهائي الذي يمكن أن يصل إليه المجتمع في ممارسة الضغط.

فالأنظمة الثلاثة تقدم حلولا باهتة لمشكلة عميقة وجذرية. إن التغيير الوحيد الذي أمكن لمس آثاره هو قيام مجلس الشورى الذي كان بمثابة إقرار للمرة الأولى من جانب الحكومة بوجود ما يمكن مقاربته بنخبة سياسية وطنية خارج دائرة الحكم الضيقة التي اعتادت البلاد عليها منذ أوائل القرن.

أطلقت أحداث أغسطس/آب 1990 ثلاث مبادرات هامة:

1- تظاهرة نسائية في الرياض يوم السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1990 تطالب بإلغاء الحظر على قيادة النساء للسيارات.

رغم أن التظاهرة اشتهرت بهذا المطلب فقط فإن التحرك نفسه والمطالب التي عبر عنها لامست صميم مشكلة الحرمان التاريخي للنساء السعوديات، وكشفت عما يمكن وصفه بتيار نسوي في طور التشكل. وقد جرى الاعتراف به أخيرا عبر المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الثاني الذي عقد في مكة (ديسمبر/كانون الأول 2003)، وهي المرة الأولى التي يسمح للنساء بمناقشة الشأن الوطني العام ضمن إطار رسمي ومعلن(44).

2- المبادرة الثانية جرت في مايو/أيار 1991 حين قدم نحو 200 من العلماء والناشطين السلفيين مذكرة إلى الملك تطالب بإصلاحات "لاستعادة الشرعية" التي تضررت بتداعيات أحداث العام الماضي، وتبعتها "مذكرة النصيحة" التي قدمت للملك في يونيو/حزيران 1992.

أبرز ما ميز هذه المذكرة عن سابقتها هو تحديدها الدقيق لتوجه سياسي خاص أدى عمليا إلى بلورة التكوين السياسي للجهة التي تبنتها بصورة متمايزة عن التيار الديني الرسمي، ولا سيما بعد إصدار هيئة كبار العلماء فتوى في سبتمبر/أيلول تفند المذكرة وتشكك في نوايا أصحابها(46).

إن أهم انعكاسات هذا الجدل هو تفكك الإجماع التاريخي على شرعية النظام السياسي ضمن بيئته الاجتماعية الخاصة، وهو تطور ترتبت عليه تداعيات متوالية عند النخبة الحاكمة والجمهور السعودي معا.

3- ترجع المبادرة الثالثة إلى النصف الثاني من 1993 حين جرت مفاوضات بين الحكومة السعودية والحركة الإصلاحية أدت إلى عودة أعضاء هذه الحركة إلى المملكة بعد معارضة طالت نحو عقد ونصف. وتمثل الحركة الشيعة السعوديين، وشكلت خلال سنوات عملها ظاهرة ملفتة على المستوى الإعلامي والسياسي. أدى اتفاق الحكومة مع الحركة إلى ارتخاء سياسي تضمن إطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين وإلغاء أوامر بحظر السفر على عدة مئات من الناشطين السياسيين.

أثمر الاتفاق تخلي الحكومة إلى حد كبير عن القمع العشوائي والتعذيب في السجون الذي كان سائدا فيما مضى. لكن أهميته الرئيسية تتمثل في كونه أول اعتراف من جانب الحكومة بمعارضة سياسية والقبول بمناقشتها سياسيا حول أوضاع البلاد، رغم أنها حاولت دائما حصر النقاش في إطار حقوق الطائفة الشيعية. لقد شجع هذا الاتفاق –إضافة إلى الظروف العامة المواتية– عددا من القوى التي لها مطامح سياسية على التعبير عن نفسها بشكل يقترب من العلنية.

في التحليل النهائي فإن المبادرات الثلاث عبرت عن تغير عميق في المزاج الشعبي، فالتظاهرة النسائية هزت الإجماع السلبي على انتظار التغيير التلقائي. مذكرة النصيحة كشفت عن تغير في دور الدين من عامل تسوير للنظام إلى عامل تفكيك لبيئته الاجتماعية. وكشف الاتفاق بين الحركة الإصلاحية والحكومة عن ميل بين الطبقات الحديثة والأقليات إلى إصلاحات من خلال الحوار مع الحكومة(47).

هجمات 11 سبتمبر ووثائق الإصلاح

كان الهجوم على نيويورك في 11 سبتمبر/أيلول 2001 نهاية لعقد اتسم بالتأرجح بين الحراك الجزئي في المجتمع ومحاولات الدولة امتصاصه عبر الآليات المعتادة، أي تنشيط العامل الديني والمالي بصورة متوازية.

فقد أطلقت تلك الأحداث موجة ضغط أميركية هائلة على الحكومة السعودية، استهدفت خصوصا الجزء الديني من النظام وشملت أحيانا مطالبة بإصلاح سياسي واسع. أقنعت هذه الضغوط الحكومة بالحاجة إلى تحجيم التيار السلفي بشقيه الرسمي والأهلي وإصلاح مناهج التعليم التي نسبت إليها المسؤولية عن استزراع بذور التطرف في البلاد.

الجدل الواسع الذي أثارته تلك الأحداث وتركيز الإعلام الدولي على المملكة أدى إلى تقلص قبضة الحكومة وتضاؤل الشعور العام بهيبتها، وقد ظهرت علامات هذا التحول في الصحافة المحلية التي بدأت في مناقشة قضايا لم يسبق أن طرحت في الوسط العام وبأسلوب نقدي كان حتى ذلك الوقت أقرب إلى الحلم.

وقد تصاعد هذا الاتجاه بعد الهجمات الإرهابية على الأجانب في المملكة خلال العام 2003، مما وفر مبررا إضافيا لنقد التيار السلفي والقيم التي يدافع عنها. وفي ظني أنه ليس من المبالغة الادعاء بأن 2003 خاصة كان العام الذهبي للصحافة السعودية لما شهدته من تحرر غير مسبوق.

المرجع الرئيسي للتيار الإصلاحي المعاصر هو وثيقة "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله" التي وقعها 104 من نخبة المملكة يمثلون مختلف الشرائح والانتماءات الثقافية والسياسية والمناطق. وضعت الوثيقة في أغسطس/آب 2002 وقدمت لولي العهد في يناير/كانون الثاني التالي.

وفي أبريل/نيسان 2003 صدرت وثيقة "شركاء في الوطن" التي مثلت أول خطاب موحد للشيعة السعوديين، وتعتمد نفس منطلقات الوثيقة الأولى. وفي ديسمبر/كانون الأول صدرت وثيقة "الإصلاح الدستوري أولا" التي أعادت تحديد مخرجات الخطاب الإصلاحي وحددته في الدعوة إلى تحويل النظام السياسي إلى ملكية دستورية.

جاءت الوثيقة الأولى على شكل خمسة محاور: يدعو الأول إلى بناء المؤسسات الدستورية، ويقدم الثاني مقترحات لتصحيح الوضع الاقتصادي، والثالث حول إعادة صياغة العلاقة بين المجتمع والدولة، ويدعو الرابع الحكومة إلى إطلاق مبادرة إصلاحية محددة، كما يحدد الخامس الخطوة الأولى في مؤتمر وطني لمناقشة برنامج للإصلاح(48).

ركزت وثيقة "شركاء في الوطن" التي وقعها نحو 450 من نخبة الشيعة على وصف مظاهر التمييز الطائفي، سواء ذلك الذي يقوم على سياسة رسمية أو من جانب رجال الدين الوهابيين. وطالبت بإدماج الشيعة في الحياة العامة والسماح بتمثيلهم في الجهاز الحكومي الإداري والسياسي(49).

 

وضمت وثيقة "الإصلاح الدستوري" التي وقع عليها 116 من ممثلي التيارات المختلفة، مطالب عامة مثل إطلاق الحريات العامة وحرية التنظيم وأخرى محددة تتناول بشكل رئيسي مقومات النظام الدستوري مثل الفصل بين السلطات وانتخاب مجلس الشورى واستقلال القضاء.

ومثل الأولى فقد طالبت هذه الوثيقة بالبدء بخطوات محددة هي إعلان الحكومة التزامها بتطوير نظام الحكم إلى ملكية دستورية، وتشكيل هيئة وطنية مستقلة لإعداد دستور دائم للبلاد يطرح للاستفتاء الشعبي خلال عام، ويبدأ تطبيقه خلال فترة انتقالية لا تتجاوز ثلاثة أعوام(50).

إضافة إلى الوثائق الثلاث المذكورة، صدرت وثائق أخرى خلال العامين 2003 و بداية 2004 لكنها لم تحظ باهتمام مماثل لذلك الذي حصلت عليه الأولى، كما أن تمثيل المطالب والموقعين لم يكن بنفس الدرجة من القوة والاتساع.

يمثل الموقعون على الوثائق الإصلاحية شريحة نموذجية عن الطبقة الوسطى الحديثة التي تعتبر عماد الحياة في المملكة اليوم، ونستعمل تعبير الطبقة الوسطى في معناه الاقتصادي الذي له إيحاءات اجتماعية وإن لم يطابق تعريف الطبقة المتعارف عليه في الأدبيات الاجتماعية.

يقع نحو 70% من الموقعين في الشريحة العمرية بين 40-50 عاما، وتلقى جميعهم تعليما حديثا، وتبدو شريحة الأكاديميين والكتاب الأكثر تمثيلا بما يعادل 35% في الوثيقة الأولى و45% في الثالثة، وامتازت الوثيقة الثانية بتنوع ملفت للموقعين فشملت فنانين ورجال أعمال وأدباء كما تميزت بكثافة تمثيل رجال الدين والنساء.

تكشف الوثائق الثلاث عن اتفاق شبه تام بين المجموعات التي تؤلف التيار الإصلاحي على مجموعة من القضايا. ففي تحليل أسباب الأزمة السياسية والاقتصادية الراهنة، يعتقد أن المشكلات الأساسية التي تواجه البلاد اليوم هي نتاج لعجز الدولة عن تجديد نفسها بالشكل الذي يتناسب والتحديات التي يأتي بها التغيير في البلاد نفسها وفي محيطها الإقليمي والعالم. التجديد المطلوب يتخذ اتجاها محددا هو الانتقال إلى الحكم الديمقراطي. أكثر المقترحات تحديدا هو التحول إلى ملكية دستورية كما عبر عنها في وثيقة (الإصلاح الدستوري أولا).

وبالتالي فإن التيار الإصلاحي يحدد مهماته في:

1.       إعادة تكوين الهوية الوطنية، بما يتضمن إجماعا جديدا على فكرة الدولة، أغراضها، علاقتها بالمجتمع، والسبل المناسبة لتحقيق تلك الأغراض.

2.       تعديل دور الدين في الحياة العامة، طبيعة هذا الدور وانعكاس علاقته ببيئته الاجتماعية الخاصة (نجد) على علاقة الدولة ببقية المناطق، وانعكاساته على وضع الأقليات المذهبية (الشيعة مثلا) والجنسية (النساء) وعلى نظام الموازنة بين المصالح العامة والمعتقدات الدينية، والحياة الثقافية بما هي تعبير عن مجتمع متنوع.

3.       معالجة الأزمات التي تلوح في أفق الاقتصاد الوطني كنتاج لفشل نموذج الدولة الريعية، والتي تتجسد اليوم في صورة بطالة متفاقمة وتباطؤ في الاستثمارات الجديدة وشيوع الفساد المالي والإداري.

4.       معالجة ظاهرة العنف التي تفاقمت في العامين الأخيرين والتي يتلاقى في تأجيجها مجموع العوامل السابقة.

يفترض الإصلاحيون أن بعض تلك المشكلات ناتج عن فلسفة النظام السياسي وهذا يحتاج إلى حلول جذرية، والبعض الآخر هو ثمرة لعيوب إدارية وهو قابل للمعالجة بمعزل عن التغيير السياسي الشامل.

وتخفي سطور وثيقتي "الرؤية" و"شركاء" قلقا عميقا من انعكاسات الوضع الحالي على وحدة البلاد، في إشارة إلى ما تردد من مخاوف حول احتمال انفراطها(51)، بينما تركز وثيقة "الإصلاح الدستوري" على العنف السياسي والقلق من تفاقمه. وثمة اتفاق على أن تلك المشكلات هي مخرجات طبيعية لعلة كبرى في النظام السياسي هي افتقاره إلى الشرعية التي لابد أن تتجسد في قيام الاجتماع السياسي على قاعدة التعاقد، إشاعة الحريات العامة، المشاركة الشعبية، وحاكمية القانون.

إن استعادة الشرعية عندهم ممكن بتحويل النظام إلى ملكية دستورية وإشراك الشعب في القرار والرقابة من خلال مجلس نيابي ومجالس محلية منتخبة. والبديل الدستوري الذي يعرضه الإصلاحيون أقرب إلى الليبرالية منه إلى الديمقراطية، وهو يقارب نموذج الدول المجاورة في الخليج والأردن، فهم يريدون ضمان حصة للمجتمع دون مساءلة دور العائلة المالكة.

والانطباع السائد بين الإصلاحيين وغيرهم أن التحرك إلى ديمقراطية كاملة سوف يستغرق بعض الوقت، لكن البدء بتمكين الشعب من حقوقه السياسية وإقرار المحاسبة وحاكمية القانون سوف يؤدي بالضرورة إلى تطوير الاجتماع السياسي باتجاه الديمقراطية الكاملة.

عدا المشكلات المتعلقة بفلسفة العمل السياسي ومضمون النظام، فإن الإصلاحيين لم ينظروا إلى المشكلات الأخرى على نفس المستوى. فهم يرجعون الأزمة الاقتصادية مثلا إلى عيوب إدارية وقانونية وإساءة استغلال السلطة، لكنهم لا يربطونها على نحو واضح بفلسفة النظام.

ولهذا السبب -ربما– فإنهم يرون إمكانية علاجها بمعزل عن الإصلاح السياسي الشامل. فهم يدعون الدولة إلى المساواة بين المناطق في توزيع الثروة ومشروعات العمران، مكافحة الفساد المالي والإداري واستغلال السلطة، وتفعيل أجهزة الرقابة القائمة. إن الإشارة الوحيدة التي تحمل طابعا جذريا في هذا المجال هي دعوة وثيقة "الرؤية" إلى معالجة الطابع الأحادي للاقتصاد وتنويع مصادر الدخل الوطني. ومن هذا يظهر أن التيار الإصلاحي قد ركز اهتمامه بالكامل تقريبا على الجانب السياسي واعتبره المهمة شبه الوحيدة في الوقت الراهن.

الدين كعامل في الحياة السياسية

كان الدور السياسي للدين موضوعا للعشرات من الدراسات التي اهتمت بالعالم العربي خلال السنوات الأخيرة. وبالمثل فقد مثلت العلاقة بين العائلة السعودية والمذهب الوهابي معينا لا ينضب للدراسات المتعلقة بالمملكة. والفرضية السائدة أن هذه العلاقة تقوم على أرضية تحالف تاريخي يوفر للدولة شرعيتها ويوفر للمؤسسة الدينية السلطة المادية الضرورية لتطبيق متبنياتها العقيدية.

محددات الدور الديني

ثمة محددان لدور الدين في الحياة السياسية السعودية:

1- رغم وجود هيئة دينية رسمية قد توهم بوجود تراتبية هرمية فإن المذهب الرسمي يفتقر تماما إلى مثل هذه التراتبية، بل يمكن القول إن وجود الهيئة الرسمية والتداخل الشديد بين الدين والدولة قد حال دون تبلور تراتبية طبيعية.

ثمة عامل آخر يعيق ظهور تراتبية مؤثرة وهو النهج الإخباري للمذهب الذي يسمح لكل من حصل على قسط ولو بسيط من التعليم الديني بالفتوى في أصغر الأمور وأعظمها، بخلاف المذاهب الأصولية التي تفرض دراسات طويلة جدا قبل حصول المتعلم على أهلية الفتوى. الفارق الزمني يتعلق بدراسة وسائل الاستدلال العقلي التي تستهلك سنوات طويلة قبل إتقانها.

في المذاهب الأصولية فإن الأغلبية الساحقة من رجال الدين الذين لم يصلوا درجة الاجتهاد يكتفون بنقل فتاوى المجتهدين، أما في المذهب الوهابي فإن انعدام التراتبية والإخبارية، قد مكنا كل من قرأ شيئا من التراث من ادعاء الاجتهاد والفتوى اعتمادا على مرئياته الخاصة. وخلال السنوات الأخيرة كان هذا الموضوع مدارا لنقاشات واسعة بين زعماء المذهب بسبب السيولة الهائلة للفتاوى التي لم تحرج مواقف الحكومة فقط، بل أثارت فوضى عارمة في الوسط الديني(52).

2- يلعب المذهب الرسمي (مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب) دورا هاما في تسوير وصيانة التماسك ضمن البيئة الاجتماعية الخاصة بالنظام (نجد). بالنسبة لمنطقة عسير الجنوبية وجبال الحجاز التي حقق فيها المذهب اختراقات خلال السنوات الأخيرة، فإن الوظيفة السياسية للدين ليست مماثلة في كل الأوقات لوظيفته في نجد.

وقد لاحظنا أن هذه المنطقة قدمت أكبر عدد من المشاركين في الهجمات التي نسبت إلى تنظيم القاعدة وأنصاره، كما ينتمي إليها عدد ملحوظ من رجال الدين المعارضين للحكومة. جوهر فكرة التسوير هو مفهوم "الفرقة الناجية" التي يطابق توصيفها هذه الفئة دون غيرها.

في بقية المناطق فإن الوظيفة السياسية للدين محكومة بعوامل أخرى، مثل حركية الهيئات الدينية الخاصة بتلك المذاهب وقدرتها على تثمير نفوذها سياسيا. وهذا هو السبب الذي جعل شيعة المنطقة الشرقية أقدر من غيرهم على استثمار الإمكانات المتاحة، رغم أن هذه الإمكانات كانت على الدوام أكبر في مناطق أخرى مثل الحجاز حيث يسود المذهب المالكي.

وبسبب النزاع بين تلك المذاهب والمذهب الرسمي فإن علاقتها مع الدولة تتغير إيجابا وسلبا ضمن مسار معاكس للعلاقة بين الوهابية والدولة. إن زيادة نفوذ المذهب الوهابي -سواء من خلال المؤسسة الدينية الرسمية أو النشاطات الأهلية- تؤدي بالضرورة إلى تدهور العلاقة بين الدولة وأتباع المذاهب الأخرى.

ومن هنا فإنه يمكن القول إن المذهب الذي تتوسل به الدولة لضمان شرعيتها في نجد، يلعب دورا معاكسا تماما في خارجها.

الدين والإصلاح السياسي

لم تغفل أي من دعوات الإصلاح السياسي التي ظهرت في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة الإشارة إلى مكانة الدين الإسلامي وما يستوجبه من الاحترام. وبالمثل فإن معظم الجماعات الدينية العربية قد ربطت موقفها من الإصلاح السياسي بمدى ما يوفره من دور للدين في الحياة العامة.

وتشكل هذه إحدى المعضلات الحقيقية في الحياة السياسية العربية. فمن ناحية لا يمكن إهمال حقيقة أن الدين هو المكون الأبرز لهوية المجتمع العربي وقد ظهر حتى الآن أنه الأقدر على تعبئة الجمهور، لكننا على الناحية الأخرى نفتقر إلى منظور ديني محدد لفكرة الديمقراطية.

 

إن الافتقار إلى هذا المنظور جعل الموقف الديني أقرب إلى العداء أو على الأقل تجنب تأييد الحراك الديمقراطي. ومن جانبهم فإن الديمقراطيين -جزء مهم منهم على الأقل- لم يزهدوا في تفسير المكون العلماني للديمقراطية باعتباره تهميش الدين أو حتى القضاء على دوره كليا.

في اعتقادي أنه لا يمكن إقامة ديمقراطية مستقرة في أي بلد مسلم دون التوصل إلى حل لذلك المشكل، وأظن أن مشروع التيار الإصلاحي في إيران ينطوي على إمكانات كبيرة لصياغة نموذج محلي للديمقراطية قابل للتنسيج في الثقافة الوطنية ومتناسب مع المعايير المتعارفة للديمقراطية الليبرالية في العالم.

يمكن القول إجمالا إن التيارات الدينية غير الوهابية تتفق جميعا وبدون تحفظ على دعم الحراك الإصلاحي لأسباب كثيرة، أبسطها أن تقدم هذا التيار سيقلص الأحادية التي عانت منها هذه المذاهب حتى الآن. لكن فيما يتعلق بالمذهب الوهابي فهناك ثلاثة مواقف متباينة:

1- موقف المؤسسة الدينية الرسمية وأطرافها، وهو يعارض الدعوات الإصلاحية من نفس المنظور الحكومي، أي لما تؤدي إليه من إضعاف للسلطة. تتمثل رموز هذا الاتجاه في أعضاء هيئة كبار العلماء ومجلس القضاء الأعلى وأعضاء الإفتاء ورؤساء المدارس الدينية، وتجدهم يوميا على منابر الإعلام المحلي بأنواعها.

2- موقف السلفية الصحوية، وهي التي تعتبر التيار الوسط بين السلفيين السعوديين. وهو موقف مؤيد للإصلاح من زاوية تكتيكية في الغالب، لأن هذا التيار مسيس وقد انطلق أساسا من موقف عدائي للدولة قبل أن يميل إلى مهادنتها، فهو يعتقد أن البلاد سائرة إلى إصلاحات ديمقراطية لا محالة، ويرى أن قدرته على ضمان مكان في السياسة رهين بالتمايز عن المؤسسة الدينية الرسمية والحوار مع الغير(53).

لكن هذا الموقف الذي يبدو معتدلا لا يصل إلى حد القبول بحقوق على أساس المواطنة، بل يعتبر المعايير الفقهية هي الأساس في منح الحقوق. إن مذكرة النصيحة التي صدرت في 1992 هي أدق تعبير عن مواقف هذا التيار السياسية(54). أبرز ممثلي هذا التيار هم سلمان العودة وسفر الحوالي ومحسن العواجي.

3- موقف التيار السلفي الجهادي وهو يعارض الحراك الإصلاحي لأن مضمونه غير ديني، ولأن الدولة غير قابلة للإصلاح، والبديل الذي يطرحه هذا التيار هو حكومة دينية صرفة.

وتنسب إلى هذا التيار الذي يوالي أسامة بن لادن معظم أعمال العنف التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة. وهو يستمد قوته من محاكاته للضمير السلفي وسحر فكرة القوة والتغيير الفوري، ولهذا فإنه يحظى بممالأة من جانب شخصيات تصنف ضمن التيار السلفي الصحوي، لا تؤمن به جوهريا بل تسعى إلى استثمار القوة المجتمعية التي يولدها (سفر الحوالي ومحمد المسعري مثلا).

قصور تيار الإصلاح السياسي

عدا هذه المواقف الثلاثة، فهناك تيار ديني مازال صغير الحجم يؤمن بالإصلاح السياسي في معناه الشامل، وشارك هذا التيار في وثيقة "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله" كما تزعم الدعوة لوثيقة "الإصلاح الدستوري أولا"، وساهم ممثلوه بفاعلية في المؤتمر الثاني للحوار الوطني.

ولا يتمتع هذا التيار بنفوذ اجتماعي ملحوظ، سيما بسبب تكوينه النخبوي من ناحية وما يتعرض له من عداء التيارات الثلاثة المذكورة من ناحية أخرى. لكنه –بالنظر إلى مسار الأحداث- ينطوي على احتمالات كبيرة للتوسع والظهور كأحد الممثلين الأقوياء للتيار الديني النجدي.

ويؤكد خطاب التيار الإصلاحي في المملكة على دور الدين في الحياة العامة، لكنه –مثل معظم الحركات المماثلة في العالم العربي– يقف قاصرا عن تحديد موقف قطعي من المشكلات الرئيسية التي يطرحها جدل الدين-الديمقراطية.

ويظهر هذا القصور في أوليات الخطاب، أي اعتبار الدولة الوطنية إطارا قاعديا للسياسة، بما ينطوي عليه من القول بالمساواة بين المواطنين على أساس المواطنة، كما يظهر في أدوات العمل السياسي مثل اعتبار رأي الأكثرية معيارا موضوعيا لشرعية القرار.

ظهر تأثير هذا القصور واضحا في العمل الذي سبق إصدار وثيقة "الإصلاح الدستوري أولا" حين اعترض بعض السلفيين عليها بسبب وجود "عدد كبير" من الشيعة والليبراليين بين الأسماء، واعترض عليها اليساريون بسبب غلبة الطابع الديني على لغتها.

كما أن أول اجتماع سياسي موسع للحركة الإصلاحية (25 فبراير/شباط 2004) انتهى إلى الفشل لعجز المشاركين عن الاتفاق على التساوي بين كل منهم والآخر في الرأي والالتزام برأي الأكثرية.

وقد أكدت جميع الوثائق التي أصدرها الإصلاحيون السعوديون على الدور المحوري للإسلام في الحياة العامة، وقررت وثيقتا الرؤية والإصلاح الدستوري أن الشريعة الإسلامية ورضا الشعب بصورة متوازية هما مصدر شرعية السلطة، وتزيد وثيقة الإصلاح أن التطبيق الأمين للشريعة ممكن فقط في ظل المشاركة الشعبية وضمان الحريات العامة.

لكن كلتا الوثيقتين تتحاشى الإشارة إلى دور المؤسسة الدينية أو طبيعة العلاقة بين الدين والدولة أو المعايير التي تحدد الوصف الديني للدولة.

يبدو حتى الآن أن تصور الإصلاحيين لدور الدين في الحياة العامة، ولا سيما دور المؤسسة الدينية هو العائق الرئيسي أمام انضمام التيار السلفي -حتى الشريحة المعتدلة منه- إلى المسار الإصلاحي. ولا شك أن مثل هذ الخطوة كانت ستضيف -لو حدثت- زخما شعبيا جديدا إلى الحراك الإصلاحي. بل ربما اعتبرها البعض كالدكتورة الرشيد مثلا، المفتاح الوحيد للانسداد السياسي الفعلي(55).

لكن يبدو من التجارب المتكررة منذ أوائل التسعينات على الأقل أن الشخصيات السلفية التي التحقت بالتيار الإصلاحي هي تلك التي انفصلت عمليا عن التيار السلفي ولم يعد لها تأثير يذكر في وسطه. الجدير بالذكر أن اثنين فقط من الذين وقعوا على وثيقة الإصلاح الدستوري كانوا من الموقعين على مذكرة النصيحة.

ينادي التيار السلفي بدور للدين والمؤسسة الدينية يتجاوز ما هو مقبول لدى الإصلاحيين والموالين للحكومة على السواء، وهو لا ينظر إلى حقوق الإنسان الأولية باعتبارها طبيعية -أي سابقة للقانون- ولا يؤسسها على مفهوم المواطنة، بل يستمدها من الفقه التقليدي.

ولهذا السبب –ربما- لم يرد لفظ "الحرية" في كامل "مذكرة النصيحة" التي تبلغ 45 صفحة. وبشكل عام فإنه لا يعتبر الحرية هماّ، بل ربما اعتبر مظاهر الانفتاح والليبرالية القليلة التي شهدها المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة نذير خطر وعلامة على فساد الأخلاق العامة.

يمكن القول بصورة مجملة إذن إن التيار الإصلاحي مثل التيار السلفي لا يقدم حلا واضحا لمشكلة العلاقة بين الدين والدولة. التيار الثاني لا يراها مشكلة على الإطلا ، بينما يقتصر الأول على الدعوة إلى إنهاء الهيمنة الأحادية للمذهب الرسمي.

استنتاجات ختامية

تفترض هذه المقالة أن الاستبداد هو أحد الإمكانات المتوفرة في الحياة الاجتماعية، لكن ترجيحه في فترة قيام الدولة السعودية يرتبط بغلبة عوامل محددة هي:

•         هيمنة ثقافة الخضوع كمستخلص عام من التجربة التاريخية التي تمثل مرجعية للتفكير الفردي والعقل الجمعي على السواء.

•         التفكك وتعدد الهويات الاجتماعية.

•         غياب الحياة السياسية الذي أدى بالضرورة إلى تخلف الثقافة السياسية، بسبب الموقع الطرفي للمجتمعات التي تشكلت منها المملكة.

طبيعة الاستبداد

رغم أن الاستبداد بذاته ذو طبيعة واحدة تتلخص في الانفراد بالسلطة والرأي، فإنه يتمايز في البلدان المختلفة بحسب إطاره العملي. وتقترح هذه المقالة دراسة طبيعة الاستبداد في المملكة ضمن "النموذج البدوي".

في هذا النموذج تمثل القبيلة إطارا مفهوميا للقيم والتراتب الاجتماعي ونظاما للسلطة ورؤية للذات والعالم. وتمثل الغنيمة عنوانا للاقتصاد السياسي، بينما تمثل العقيدة القاعدة الأخلاقية التي تبرر النظام وتوفر المشروعية لديناميات الاستمرار الخاصة به.

سياسيا يتصف هذا النموذج بأنه:

أ- نظام في ذاته ولذاته. إن منظومة المصالح ليست هي أساس الهوية، بل الرابطة القرابية التي تقوم عليها لاحقا منظومات مصالح، وهذا يجعل القبيلة –خلافا للطبقة– نظاما مغلقا على الخارج فلا يسمح بالحراك منه إلى الخارج أو من الخارج إليه.

ب- وهو أيضا نظام عضوي غير تعاقدي، تعتمد المكانة فيه على النسب لا الإنجاز. كما أن مفهوم الملك والمصلحة وما ينشأ عنهما من علاقات وسلطة ليس مؤقتا أو قابلا للانتقال والتبادل، بل تقوم على أساس تطور طبيعي تنحصر بموجبه داخل النظام الذي يمثل رابطة طبيعية بين أبنائه.

ج– أخيرا فإنه نظام يتحدد مفهوم السلطة فيه بالقهر. إن مفهومه الخاص بالشرعية ليس مستمدا من العقيدة المشتركة بين الحاكم ومجموع رعيته، بل بينه وبين الأقلية التي يعتمد عليها لإخضاع الأكثرية. ويرجع هذا إلى الصفة الأولى، أي كونه نظاما لذاته.

إعادة إنتاج الاستبداد

يعيد الاستبداد إنتاج نفسه في ظروف التحول الاجتماعي من خلال تفعيل العوامل التي قام عليها، وتلعب الدولة المستبدة دور الوسيط أو مدير اللعبة الذي يسمح بتنشيط عوامل محددة -موروثة أو مستجدة- ويمنع أخرى.

أبرز العوامل التي نجحت الدولة في استخدامها هي الدعم الخارجي ونمط الإنتاج الريعي. في ظل النموذج الريعي فإن الحقوق السياسية ليست موضوعا للنقاش، العلاقة بين المواطن والدولة تتمحور حول مقدار ما يحصل عليه من مال أو خدمات توفر مالا.

الحراك الاجتماعي

تجادل المقالة في أن ضعف الحراك السياسي الديمقراطي في المجتمع السعودي يرجع إلى عاملين متعاضدين هما:

أ- غياب الإجماع الوطني، أي منظومة القيم والمعايير المتفق عليها من قبل الجميع كقاعدة للعلاقة بين المواطنين من جهة وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى. غياب الإجماع هو مظهر لغياب الهوية الوطنية الجامعة.

ب- العجز عن استنباط منظومات عمل اجتماعية بديلة عن تلك المنتسبة إلى عصر ما قبل الدولة. لقد انهارت البنى الاجتماعية القديمة تحت ضغط التحديث ولم يسمح بقيام منظومات عمل بديلة.

بموازاة هذا الفراغ، فإن ضغط التحديث قد حفز مقاومة في بعض البنى التقليدية احتمت كالعادة بعباءة الدين والتقاليد الفاضلة. في الوقت الحاضر يمثل جدل الحداثة/التقليد أحد مبررات الانشقاق البارزة في المجتمع السعودي. دور الدولة المستبدة في إعاقة الحراك الاجتماعي مفهوم ضمنا، لكن السؤال الجوهري يتعلق بعجز المجتمع عن استنباط بدائله.

التيار الإصلاحي

نتيجة لانعدام الإجماع الوطني فإن المقاربات السياسية التي شهدتها البلاد حتى نهاية العقد المنصرم عبرت عن أنساق اجتماعية محددة، قصر أي منها عن تمثل الهم الوطني الشامل. وقد جرى تجاوز هذا المشكل -جزئيا على الأقل- من جانب التيار الإصلاحي الذي تمثلت فيه جميع الأطياف الاجتماعية تقريبا.

ظهر هذا التيار من خلال الوثائق التي قدمت لولي العهد ثم أعلنت، وهي تتضمن تصويرا للوضع السياسي القائم وطريق الإصلاح السياسي المقترح.

يرجع التيار الإصلاحي بعض مشكلات المملكة الحالية إلى فلسفة النظام السياسي مما يتطلب حلولا جذرية، ويرجع البعض الآخر إلى عيوب إدارية أو قانونية لا ترتبط على نحو واضح بفلسفة النظام، وبالتالي فهي قابلة للمعالجة بمعزل عن التغيير السياسي الشامل.

وينطوي تحليل الإصلاحيين على قلق عميق من انعكاسات الجمود السياسي على وحدة البلاد، كما يرجعون إليه حملة العنف السياسي التي تفاقمت في السنوات الأخيرة. المشكلة الرئيسية التي تعانيها البلاد في رأيهم هي انعدام شرعية الدولة وغياب الأساس التعاقدي للاجتماع السياسي.

يتمتع التيار الإصلاحي بفرص طيبة للنجاح، وهو قد أسهم حتى الآن في تغيير المزاج الشعبي واللغة السياسية المتداولة. يعتقد الكاتب أن الصيغة الحالية للتيار الإصلاحي لن تعمر طويلا وأن المجموعات المكونة للتيار ستتجه إلى بناء نفسها بصورة مستقلة، لكن وثيقة الرؤية ستكون القاعدة المشتركة للجميع.

ويحتاج الإصلاحيون في ظل الأوضاع الراهنة إلى معالجة عدد من الموضوعات الملحة، من بينها موضوع العلاقة بين الدين والدولة ولا سيما استنباط تصور معمق عن نموذج ديمقراطي وطني ينسجم مع الدين الإسلامي باعتباره المكون الرئيسي لهوية المواطنين.

أشير أيضا إلى ثلاث مهمات مثيرة للجدل وأظن أنها قابلة للعلاج دون عناء كبير:

1- التكوين النخبوي المحافظ:

لكي يتحول الحراك الإصلاحي إلى حركة شعبية قادرة على فرض أجندة الإصلاح، فلابد من إزالة الحاجز الزجاجي الذي يفصل النخبة الإصلاحية عن الجمهور الواسع. ومثل هذه الخطوة تتطلب جهدا وتضحية. ومن دون ذلك فإن الزخم الإصلاحي قد يستهلك تحت الضغط الحكومي المتمثل في التجاهل أحيانا والقمع أحيانا أخرى.

الجمهور العام هو القوة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها للانتقال إلى الديمقراطية. يميل أكثرية السعوديين -بمن فيهم الإصلاحيون- إلى نموذج اجتماعي أقرب إلى المحافظة منه إلى الليبرالية(56). في هذا النموذج تصنف المداولات السياسية كعمل يقوم به خاصة المجتمع لا العامة، وهذا أحد الأسباب التي تكمن وراء إهمال –وأحيانا الممانعة من– طرح المطالب الإصلاحية للنقاش الشعبي.

بسبب إهمال مشاركة العامة في الشأن السياسي فإن المفاهيم التي تعتبر مسلمات في العالم مثل الحرية والدستور.. إلخ، ما زالت غريبة الوقع في المجتمع وتحتاج دائما إلى إقناع وتفسيرات. بكلمة أخرى فإن الثقافة السياسية للبلاد ما زالت تنتمي في المجمل إلى المرحلة التقليدية ومحورها هو الإقرار بعلاقة السيد-التابع، وهو عامل يخدم إطالة عمر الاستبداد.

ب- الإجماع الوطني:

رغم الإيمان العميق الظاهر عند شريحة واسعة من الإصلاحيين باعتماد المواطنة أساسا للحقوق العامة، فإن هذا المفهوم العام تعرض أحيانا للتهميش بتأثير المماحكات السياسية بين الإصلاحيين أنفسهم وخلال محاولاتهم لاستقطاب القوى الأخرى.

إن نجاح الإصلاحيين مشروط بقدرتهم على اتقاء هذه العلة، ليس فقط لأن الابتلاء بها يفقد المشروع الإصلاحي مصداقيته كبديل عن نموذج الاستبداد القائم، بل أيضا لأن مثل المسار لن ينجح أبدا في الاستمرار، خاصة إذا عرفنا أن المحرك الأقوى للتيار الإصلاحي في هذه المرحلة هم المتضررون مباشرة من الاستبداد، أي الأقليات والمناطق المهمشة، وهذه ترفض ذلك النوع من التصنيف لما ينطوي عليه من إقرار بالنموذج السياسي الذي تتبناه الحكومة والذي يقوم على تغليب العنصر النجدي-الوهابي.

ج- دور الخارج:

رغم تردد الإصلاحيين في القبول بدور لحلفاء المملكة الأجانب في دعم الإصلاح السياسي، فإن اطلاعي المباشر على المداولات المحلية بهذا الشأن يسمح لي بالقول إن ذلك الاستنكار يخفي وراء قشرته الخارجية ترحيبا متحفظا، تجد بعض مصاديقه حتى بين السلفيين، فضلا عمن يوصفون بالليبراليين(57).

مشكلة الدور الخارجي تكمن في الاختلاط الحاصل بين تحليل الواقعة وتقييمها. التحليل يجيب على سؤال: هل هذا ممكن أم لا؟ وإذا حصل هل يفيد –موضوعيا- أم لا؟ أما التقييم فيجيب على سؤال: هل نقبل به أم لا؟ وواضح أن الأمرين مختلفان. من الناحية الواقعية فإن تدخل الولايات المتحدة كان مفيدا في بعض الأحيان(58).

لقد اقتصرت معالجة الإصلاحيين للموضوع على تحذير الحكومة من احتمال أن يمسي التدخل الخارجي قدرا لا مفر منه إذا لم تبادر إلى تبني مشروع إصلاح وطني. إغفال مسألة كهذه يشير إلى ضآلة الجهد الذي يبذله الإصلاحيون في مناقشة التحديات التي تواجه مشروعهم. إذ لا شك أن بالإمكان وضع تصور عن علاقة مركبة مع الخارج -الأميركي أو غيره- تسمح بالتعبير عن المواقف دون الانزلاق إلى التعميم أو العداء غير المبرر.

________________

باحث ومفكر عربي من المملكة العربية السعودية

المصادر:

1- Almond, Gabriel, Comparative Political Systems, The Journal of Politics, vol.18, issue 3 (August 1956), 391-409: p. 398

2- رضون السيد: الجماعة والمجتمع والدولة، (بيروت 1997) ص412

3- يجدر هنا الإشارة إلى الجهد القيم الذي بذله الجابري في تحليل المسار التاريخي الذي تكون خلاله المنظور العربي للسلطة. محمد عابد الجابري، العقل السياسي العربي، (بيروت 1990).

4- يلاحظ العروي أن المواطن العربي يعاني صعوبة في التعامل العقلاني مع فكرة الدولة بسبب التناقض الذهني بين الدوالة الواقعية والمتخيلة كما يصورها الأب والإمام في المسجد. يتأثر هذا التصوير بالمؤلفات الشرعية التي تتخيل دولة نموذجية يصفها بالطوباويات الإسلامية، وهو يعرف هذه الطوبى بتخيل نظاما أفضل خارج الدولة القائمة ومضادا لها. عبد الله العروي، مفهوم الدولة، (بيروت 1998) ص90

5- Katouzian, Homa, “The Aridiosolatic Society: A Model of Long Term Social and Economic Development in iran”, International Journal of Middle East Studies, vol. 15, no. 2 (May, 1983), 259-281

6- يعتبر الأنصاري تغير موازين القوة بين البادية والمدينة لصالح الأولى نقطة انعطاف في تاريخ العرب السياسي أدت إلى هيمنة البادية كنمط اجتماعي على السياسة في العالم العربي ككل. (محمد جابر الأنصاري، التأزم السياسي وسوسيولوجيا الإسلام، بيروت 1999، ص55). والمنظور الذي ينطلق منه الأنصاري مختلف عن منظور كاتوزيان، فهذا يرى أن المدينة امتصت قوة القبيلة واحتفظت بالسلطة. البادية استعملت كمورد للقوة المحاربة. لكن بالتطبيق على التاريخ الإيراني –سيما في العصور الوسطى- يظهر أن مقولة الأنصاري أقرب إلى ما حدث في الواقع إذ إن السلطة منذ القرن العاشر الميلادي على الأقل كانت تتداول بين قبائل محاربة. انظر بهذا الصدد صادق زيبا كلام: ما جكونه ما شديم : ريشه يابي علل عقب ماندكي إيران (طهران 1996). ويظهر لي أن رأي الأنصاري يعالج بصورة أدق عوامل التحول في السلطة لاسيما في الظروف الثورية، بينما يقدم كاتوزيان تفسيرا أفضل لديناميات الاستمرارية السياسية.

7- For details, see Eleanor A. Doumato, “Gender, Monarchy, and National Identity in Saudi Arabia”, British Journal of Middle Eastern Studies, vol. 19, no. 1. (1992), pp. 31-47.

8- حمزة الحسن ،الشيعة في المملكة العربية السعودية، (بيروت 1993) ج2، ص219

9- مي يماني، هويات متغيرة، ترجمة إبراهيم درويش، (بيروت 2001) ص69

10- قارن مع بالانديه الذي يرى أن الحياة السياسية تولد مع الدولة ولهذا فإنه لا توجد حياة سياسية قبل ظهور الدولة الحديثة. جورج بالانديه، الأنثروبولوجيا السياسية، ترجمة علي المصري، (بيروت 1990) ص153

11- Almond, G., & Verba, S., The Civic Culture: Political Attitudes and Democracy in Five Nations, (Princeton 1963), p. 79.

12- حول هذه المناقشات، انظر محمد جابر الأنصاري، تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية، (بيروت 1995) ص129

13- خلدون النقيب، صراع القبلية والديمقراطية.. حالة الكويت، ص 19 (بيروت 1996).

14- في التعداد الأول لعام 1962 شكل الحضر نسبة 24% من السكان ارتفعت إلى 46% في التعداد الثاني لعام 1974 وتجاوز معدل النمو الحضري بين 1974 إلى 1984 نحو 7.4% سنويا. محمد إبراهيم أرباب، تطور النظام الحضري السعودي، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، ع97، أبريل/نيسان 2000.

15- يتفق هذا مع تحليل الرميحي لحالة الكويت، انظر محمد الرميحي، معوقات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعات الخليح العربي المعاصرة، (الكويت 1977) ص137

16- متروك الفالح، المستقبل السياسي للسعودية في ضوء 11/9. www.gulfissues.net/mpage/derasat/alfalih.htm

17- موريس دوفرجيه، علم اجتماع السياسة، ترجمة سليم حداد، (بيروت1991) ص132

18- تكررت نسبة عبارات مثل "ملكناكم بالسيف.. السيف مازال في أيدينا" إلى الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود. انظر مثلا أمين الريحاني، ملوك العرب، ج2، ص576. وخلال السنوات الأخيرة تكررت نسبة تعبيرات مماثلة إلى بعض كبار الأمراء، من بينها مثلا ما نسب إلى وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز في اجتماع مع ممثلي التيار الإصلاحي في 23 مارس/آذار 2004 (الآباء والأجداد بنوا هذه الدولة بالسيف وبدمائهم لحفظ الدين ولن نسمح لكائن من كان أن يدمر هذا الكيان أو يضعفه وسننزل بالسيف للدفاع عن الدين)، القدس العربي (لندن 29 مارس/آذار 2004) . تفاصيل أخرى عن هذا الاجتماع في شؤون سعودية، ع15 (أبريل/نيسان 2004) ص6-9

19- Safran, Nadav, Saudi Arabia: The Ceaseless Quest for Security, (London 1985), p. 57

20- مسعود ظاهر، المشرق العربي المعاصر من البداوة إلى الدولة الحديثة، (بيروت 1986) ص308

21- محمد عبيد غباش، سلطة أكثر من مطلقة.. مجتمع أقل من عاجز.. الدولة الخليجية، (موقع قناة الجزيرة 27/2/2004) http://www.aljazeera.net/in-depth/Requirements_enhancement_gulf_countries/2004/2/2-27-3.htm

22- يميل كثير من الباحثين إلى نفي وجود انقسام طبقي واضح في المجتمعات العربية. واعتبر الفضيل مثلا أن البنى الطبقية في معظم البلدان العربية في حالة تحول مستمرمنذ الحرب العالمية الثانية تعاد خلالها صياغة الأوزان النسبية للقوى الاجتماعية والعلاقات الطبقية، ولهذا فإنه لا يمكن الحديث بعد عن خريطة طبقية مستقرة لكل بلد على حدة أو لكل البلدان العربية مجتمعة. محمود عبد الفضيل، التشكيلات الاجتماعية والتكوينات الطبقية في الوطن العربي، (بيروت 1988) ص 108

23- يماني، المرجع السابق، ص71

24- في أبريل/نيسان 2004 استحدثت وزارة مستقلة للعمل، قال وزيرها غازي القصيبي إن مهمته الرئيسية هي القضاء على مشكلة البطالة بين السعوديين. الوطن (أبها 19/4/2004) www.alwatan.com.sa/daily/2004-04-19/economy/economy03.htm . والمعدل الرسمي للبطالة بين السعوديين الذكور هو 9.6% لكن الرقم محل شك بين الخبراء وفي قطاع الأعمال. عكاظ (جدة 4/9 2003) www.okaz.com.sa/okazArchive/Data/2003/9/4/Art_23665.XML

25- انظر مثلا الانطباعات التي عبر عنها المشاركون في كتاب غسان سلامة (محرر)، ديمقراطية من دون ديمقراطيين، (بيروت 1995)

26- Tsurutani, Taketsugu, “Stability and Instability”, The Journal of Politics, vol. 30, no. 4. (Nov., 1968), pp. 910-933: p. 911

27- Almond, G., “A Developmental approach to Political Systems”. World Politics, vol. 17, issue 2, (Jan., 1965) pp. 183-214: P. 192 28- Binder, Leonard, Islamic Liberalism, (Chicago, 1988) p. 41

29- جوزيف كوستنر، العربية السعودية من القبلية إلى الملكية، ترجمة شاكر سعيد (القاهرة 1996) ص293.

30- Apter, David, The Politics of Modernization, (Chicago 1965), pp. 66-8

31- الفضيل، المرجع السابق، ص181

32- سعد الدين إبراهيم، المثقفون العرب والتخريب الحالي لمصطلح المجتمع المدني (الحياة 31/3/2001 ) www.democracy-egypt.org/saadweb/articles/morearticles/hayat1.htm

33- نادر فرجاني، هدر الإمكانية (بيروت 1980)، ص70.

34- يبلغ عدد الشركات المساهمة المدرجة في البورصة السعودية 71 مقابل 324 في إيران، 111 في الكويت، 161 في الأردن، و868 في مصر. (صندوق النقد العربي 10/5/2004) www.amf.org.ae/vArabic

35- محمد إبراهيم الحلوة، المجتمع المدني في المملكة العربية السعودية (الشرق الأوسط 10/12/2003) www.asharqalawsat.com/default.asp?page=leader&article=206825&issue=9143

36- خلدون النقيب، المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية، (بيروت 1987)، ص173 . فيما يتعلق بالمملكة لاحظ الكاتب في العام 1994 أن حوالي 30% من مدراء المدارس أو وكلائهم في المنطقة الشرقية كانوا ينتمون إلى قبيلة واحدة، هي قبيلة مدير التعليم في المنطقة. فيما يتعلق بالطائفية فقد لاحظ أن عدد الموظفين الشيعة في مجموع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والعدل والحج والأوقاف، لم يتجاوز 70 فردا. وهناك كليات بأكملها وفروع في بعض الكليات تخلو تماما من أي طالب شيعي.

37- Article 19 (organization), Silent Kingdom: Freedom of expression in Saudi Arabia, (London, Oct., 1, 1991)

38- صدر خلال هذه الفترة العديد من الكتب والرسائل والفتاوى تربط فكرة الحداثة بالغزو الفكري الأجنبي والمؤامرة على الإسلام، من بينها مثلا "الحداثة بين التعمير والتدمير" لحسن بن فهد، "الحداثة في ميزان الإسلام" لعوض القرني، "الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها" لسعيد بن ناصر الغامدي، "إبراهيم البليهي مدافعا عن تركي الحمد" لأبي عبد العزيز النجدي، "تركي الحمد في ميزان أهل السنة والجماعة" لسليمان الخراشي وغيرها. وجميع الكتب المذكورة نشرت بدعم هيئات دينية رسمية.

39- حول كيفية فهم الشباب السعودي لفكرة الحداثة وعلاقتها بالتقاليد، انظر يماني، المصدر السابق، ص43

40- نور الدين طوالبي، الدين والطقوس والتغيرات، ترجمة وجيه البعيني، (بيروت 1988)، ص256

41- يماني، المرجع السابق، ص89. لاحظ أيضا تصريح وزير الداخلية الذي قال إن رفع الحظر الرسمي على قيادة النساء للسيارات "يعود للمجتمع السعودي بأكمله وهو المعني به"، الحياة (لندن 30/8/2003) ص5

42- عادل خضير: "الحوار الوطني السعودي يفتح أبوابه لتعددية الآراء" ،الحياة (لندن 2003/12/31) www.daralhayat.com/special/issues/12-2003/20031230-31P08-01.txt/story.html

43- انظر مثلا مقالات عبد الله بن بجاد العتيبي

(http://daralnadwa.com/homepage/bjad/article.html)، منصور النقيدان

(http://www.daralnadwa.com/homepage/mansour/article.html)

44- حول أبرز مطالب النساء السعوديات، انظر سهيلة حماد، اقتراح محاور لمؤتمر حوار وطني سعودي موضوعه المرأة، الحياة (لندن 27/2/2004) www.daralhayat.com/opinion/02-2004/20040226-27p10-01.txt/story.html

45- نص المذكرة، موقع الحركة الإسلامية للإصلاح. www.islah.tv/documents/islahdocs1.htm

46- الجزيرة العربية، العدد 21 (لندن، أكتوبر/تشرين الأول 1992)

47- For an historical approach to the transformation of Shi‘ite opposition, see Madawi al-Rasheed, “The Shia of Saudi Arabia: A Minority in Search of Cultural Authenticity”, British Journal of Middle Eastern Studies, vol. 25, no. 1. (May, 1998), pp. 121-138.

48- نص وثيقة "رؤية.." شؤون سعودية، العدد2، (لندن، مارس/آذار 2003)، ص 14. www.saudiaffairs.net

49- نص وثيقة "شركاء.." السفير (بيروت 22/5/2003)

50- نص وثيقة "الإصلاح.."، موقع الإسلام اليوم (25/12/2003) www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?artid=3201&catid=76

51- حول العلاقة بين الجمود السياسي والقلق على الوحدة الوطنية، انظر متروك الفالح، المرجع السابق

52- انظر بهذا الصدد رأي عبد الله التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، جريدة الزمان www.azzaman.com/azzaman/articles/2002/03/03-14/789a.htm

53- انظر مثلا مقابلة محسن العواجي في إيلاف (14/5/2004) www.elaph.com. ويمكن الحصول على معلومات أكثر عن مواقف هذا التيار على موقع الإسلام اليوم www.islamtoday.net الذي يشرف عليه سلمان العودة وموقع الوسطية الخاص بالعواجي www.wasatyah.com

54- نص مذكرة النصيحة، موقع مركزالحرمين (12/5/2004) www.alhramain.com/text/payan/alnseha/1.htm

55- مضاوي الرشيد، الملكية الدستورية غير ممكنة والتحالف الوطني هو الحل، القدس العربي (لندن 14/1/2004)

www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2004\01\01-14\a52.htm

56- On the major characteristics of Conservatism, see Andrew Heywood, Political Ideologies, (New York 1998), p.66

57- انظر مثلا الطريقة التي عالج بها أبو السمح الدور الأميركي في العراق. عبد الله أبو السمح، "المزايدون الضالون"، عكاظ (جدة 19/7/2003) www.okaz.com.sa/okazarchive/data/2003/7/19/Art_8270.xmL

58- أشير هنا مثلا إلى إعلان وزارة الخارجية الأميركية عن خيبة أملها بعد اعتقال الزعماء الإصلاحيينCBS News, (March, 21, 2004) . www.cbsnews.com/stories/2004/01/29/world/main596614.shtml وهو موقف وفر للمعتقلين دعما سياسيا مهما أدى إلى منحهم معاملة مثالية بالقياس إلى معتقلين من التيار السلفي –بينهم علماء- في نفس الوقت، حرموا من أية حقوق قانونية. لبعض التفاصيل عن هذه الاعتقالات انظر شؤون سعودية، ع15، (لندن، أبريل/نيسان 2004) www.saudiaffairs.net/webpage/issue15/article15r/issue15rt9.htm