وجهات نظر غربية بشأن الإصلاح في السعودية

 جعفر الشايب

 صدرت خلال الفترة القصيرة الماضية ثلاثة أبحاث مهمة ترصد التطور الاجتماعي والسياسي في المملكة واتجاهات الإصلاح المختلفة، وحملت صيغا وتوجهات متعددة: الأول لباحث فرنسي والثاني لأستاذ جامعي أميركي والثالث لمجموعة الأزمات الدولية ببلجيكا.

 أصبح موضوع الإصلاح السياسي في السعودية من أبرز القضايا التي نالت اهتماما كبيرا من قبل الباحثين ومراكز الدراسات في الغرب وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، وذلك لما تمثله السعودية من أهمية إستراتيجية بالغة على صعيد المنطقة وبالنسبة إلى الغرب أيضا. ونظرا لما للتطور في مجال الإصلاح السياسي في السعودية من أثر كبير في سياق العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول الغربية وانعكاساته المحتملة على المنطقة، فقد أولت مراكز البحث الغربية هذا الموضوع اهتماما جادا من حيث عقد الندوات والمؤتمرات وإعداد الدراسات والأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع.

 ظاهرة الإصلاحيين الجدد

 الباحث الفرنسي ستيفن لاكرويكس الذي يحضر رسالة الدكتوراه عن التيارات الفكرية والسياسية في السعودية، ويدَرس في جامعة باريس كان قد زار السعودية وأجرى مقابلات مع العديد من رموز الإصلاحيين في المملكة وفرت له مادة لإعداد بحثه الذي نحن بصدد عرضه والذي نشره في مجلة الشرق الأوسط (Middle East Journal) التي تعد من أبرز المجلات البحثية والأكاديمية عن الشرق الأوسط وذلك في عددها لصيف 2004م تحت عنوان "بين الإسلاميين والليبراليين: (الإصلاحيون الإسلاميون-الليبراليون) الجدد في السعودية".

يلقي لاكرويكس الأضواء في بحثه القيم على ظاهرة جديدة في السياسة السعودية المحلية وهي ظهور كيان جديد يشكل تيارا سياسيا يدعو إلى تحول ديمقراطي في إطار إسلامي ويضم إسلاميين وليبراليين سابقين من السنة والشيعة، وذلك من خلال القيام بمراجعات فكرية وسياسية لمنهجية عملهم ومواقفهم السابقة.

ويوضح الباحث أن التحول بهذا الاتجاه بدأ بعيد حرب الخليج الثانية في ظل غياب أبرز الرموز الدينية المتشددة التي كانت حينها رهن الاعتقال، وأخذ في التبلور بصورة أوضح في منتصف التسعينيات وخاصة لدى الإسلاميين الذين اختاروا خطا وسطيا بين الدعوتين الصحوية والسلفية الجهادية.

 واتبع الباحث منهجية رصد السير الذاتية لشخصيات سعودية بارزة ساهمت ولا تزال في مشروع الإصلاح بمستويات مختلفة -وهي ذات المنهجية التي اتبعها مأمون فندي في كتابه عن المعارضة السعودية- حيث أضفت على البحث بعدا تفاعليا من خلال قراءة التطورات الفكرية والسياسية لشخصيات البحث (عبد العزيز القاسم وعبد الله الحامد وحسن المالكي ومنصور النقيدان ومحمد سعيد طيب وكذلك محمد محفوظ وزكي الميلاد وجعفر الشايب).

ويستنتج الكاتب أن هؤلاء الإسلاميين الليبراليين الذين يتميزون بخطاب سياسي معتدل يجمعون على ضرورة الإصلاح عبر خلق تيار وطني ديمقراطي متعدد الأطياف يعكس التنوع المذهبي والفكري والجهوي القائم في المملكة.

ويؤكد الكاتب أن أحداث سبتمبر/ أيلول أتاحت مناخا مناسبا لهذا التيار للتبلور والطرح العلني عبر الوثائق التي أعدوها وأوصلوها للمسؤولين.

ويستعرض لاكرويكس البيانات التي أعدها الإصلاحيون (على أي أساس نتعايش) و(رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) وظروف إصدارها والعقبات التي اعترضت القائمين عليها وانسحاب البعض نتيجة للضغوط التي تعرضوا لها فيما بعد بسبب التفسيرات المختلفة لهذه البيانات.

ويرى الباحث أن رد الفعل الحكومي على هذه البيانات كان إيجابيا بصورة نسبية عبر تبني بعض المطالب فيها، أما الاتجاه الديني (الوهابي) فقد سببت هذه البيانات تحديا لثوابته التي من بينها عدم الإقرار بالتنوع الثقافي والتشدد في مبدأ سد الذرائع.

كما يعتقد الباحث أن هذا التحالف السياسي يحمل مضمونا مهما أيضا يتعلق بالإصلاح الديني فقد يتحول إلى تيار (ما بعد الوهابية).

 من الواضح أن الباحث قد بذل جهدا كبيرا في رصد هذا التطور المهم في المجتمع السعودي من خلال لقاءاته ومقابلاته المتعددة ورصده لهذه الظاهرة، ولكن عمله مع ذلك لا يخلو من ملاحظات منهجية.

من أبرز هذه الملاحظات أنه لم يلاحق التطورات المهمة والمتسارعة التي تمر بها المملكة وخاصة خلال هذا العام 2004 كما أن الشخصيات المحسوبة على الاتجاه الليبرالي لم يسجل لها حضور واضح في البحث مع أن لدى بعضها تحولات فكرية وسياسية مهمة جدا في مجال المصالحة مع الاتجاهات الإسلامية وتوطين الأفكار القومية وغيرها.

ويؤخذ على البحث أيضا الخلط بين من لديهم مراجعات فكرية في إطار المذهب دون أن يكون لديهم مشروع سياسي وبين من يرون ضرورة التحالف السياسي مع القوى الوطنية الأخرى بهدف الإصلاح.

 

مشروع إصلاح دون تطرف

 

في عددها لشهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول 2004م نشرت مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy)، مقالا للدكتور جريغوري كوز (أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت الأميركية ومؤلف كتاب: ممالك النفط) كتبه على صيغة خطاب توصيات موجهة لولي العهد السعودي عنوانه (من أجل الإصلاح في السعودية دون الارتماء في أحضان التطرف).

المقال قوي في صيغته ومباشر في طرحه وشامل في معالجاته، حيث قدم له باستعراض التحديات التي تتعرض لها المملكة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول ومنها أعمال العنف وبطء الإصلاح وارتفاع أسعار النفط والعلاقة مع الغرب حيث الاتهام بتفريخ الإرهاب.

على صعيد السياسة الداخلية، أكد الكاتب أن معالجة التحدي الأمني ينبغي أن تكون له الأولوية من خلال المواجهة الحازمة مع العناصر المسلحة والاستفادة من المؤسسة الدينية الرسمية في سحب الشرعية عنهم وذلك من أجل كسب الحرب الفكرية ضدهم عبر فتح المجال أمام الاتجاهات الإصلاحية التي لا تدعو للعنف والوقوف ضد المواقع الجهادية على شبكات الإنترنت التي تبث الكراهية وتحرض على العنف.

ويرى الباحث في هذا المجال أيضا ضرورة اعتماد التحول الليبرالي المتدرج كالانتخابات التي قد تثير التيارات الدينية المحافظة وتجعلها تنظر إليها كوسيلة لتجريدها من مواقعها السياسية والاجتماعية، كما يرى أهمية توسيع صلاحيات مجلس الشورى من خلال إشراكه في صياغة سياسة الدولة وبالخصوص في مراقبة الميزانية التي تعتبر من القضايا الحساسة لدى المجتمع السعودي ولإضفاء مصداقية أكبر لأعضاء المجلس.

وعلى الصعيد الاجتماعي، يذهب كوز إلى ضرورة توسيع التعددية والتسامح الديني وشرعنة الثقافات المحلية وخاصة في المناطق الطرفية من المملكة لتعكس التنوع القائم فيها، مستشهدا بالخطوات الإيجابية التي اتخذت لإشراك الشيعة والصوفيين في فعاليات الحوار الوطني والسماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية في محرم.

أما في مجال الإصلاح الاقتصادي، فيرى الكاتب أن الإيرادات الضخمة الناتجة عن الارتفاع المؤقت لأسعار النفط ينبغي أن لا تؤدي إلى حالة من الاتكالية والاسترخاء في دفع القطاع الخاص واستقطاب الاستثمارات وخاصة في صناعة الخدمات لاستيعاب العاطلين عن العمل ولتطوير البنية التحتية المتآكلة.

ويلخص الكاتب أبعاد الإصلاح الاقتصادي في محاور ثلاثة هي: ضرورة العمل للحد من النمو السكاني الخارج عن السيطرة كما فعلت إيران ومصر، وتخفيض العمالة الأجنبية التي بلغت ستة ملايين عامل عبر تدريب السعوديين مع وضع ضرائب إضافية على استقدام العمالة، وإدخال برامج التنمية الاجتماعية كقضايا المرأة والتعليم وغيرها ضمن مكونات مشروع الإصلاح الاقتصادي.

وفي ما يتعلق بالعلاقات السعودية-الأميركية يرى الباحث أن محاور هذه العلاقة تتركز في بعدين هما محاربة التشدد وتسهيل وصول النفط، وكلاهما يصبان في مصلحة الطرفين، حيث يرى أن من الخطوات الضرورية إعادة المؤسسات الخيرية الني تعمل في الخارج إلى داخل البلاد لأن أميركا لم تعد بحاجة إلى لجم الاتجاهات الشيوعية السوفياتية أو الشيعية الثورية.

وفي هذا المجال يرى كوز ضرورة العمل على إعادة رسم السياسة السعودية مع واشنطن عبر وجود مسؤول يهتم بتطوير العلاقات العامة مع المجتمع الأميركي، وإعادة أسعار النفط إلى مستويات معقولة في الأسواق الدولية من خلال ضخ المزيد منه وذلك من أجل طمأنة الولايات المتحدة بالدور المسؤول للسعودية.

لا يخرج البحث عن نطاق المشاريع الإصلاحية المحلية التي قدمت للدولة خلال السنوات القليلة الماضية، مع أنه امتاز بطرح عملي وواقعي في بعض القضايا الأساسية.

وبدلا من تقديم عريضة مطالب مختصرة ووصفات علاج ملخصة، كان من الأولى بالنسبة لباحث أكاديمي متخصص أن يقوم بعمل دراسات ميدانية أكثر شمولا وعمقا لتتبع التطورات السياسية والاجتماعية في المملكة وبحث الخيارات المتاحة في مجال الإصلاح والعوائق التي تقف أمامه، إلا أن تكون هذه الورقة هي جزء من بحث أكثر شمولية وتوسعا في هذا المجال.

 

هل تستطيع السعودية إصلاح نفسها؟

 

أعدت مجموعة الأزمات العالمية (International Crisis Group) التي تتخذ من بروكسل مقرا لها وتعمل على حل ومنع النزاعات والصراعات في العالم بحثا مفصلا عن موضوع الإصلاح في السعودية نشرته في 14 يوليو/ تموز 2004م تحت عنوان: (هل تستطيع السعودية إصلاح نفسها؟)، وحمل الرقم 28 ضمن عدة أبحاث عن الصراعات في الشرق الأوسط.

يحتوي التقرير على سبعة فصول تبدأ بمقدمة عن علاقة العنف بالإصلاح، وخلفية عن المجتمع والمؤسسات السياسية والدينية، وضغوط الإصلاح الخارجية والداخلية، ومطالب الإصلاحيين وسبل عملهم، ورد الفعل الحكومي، الحل الأمثل: الإصلاح والدين والاستقرار وأخيرا الدور الأميركي.

 يعرض البحث في البداية تشخيصا للأزمة القائمة الناتجة عن محاولة الموازنة بين الضغوط الخارجية وبالخصوص من أميركا في مجال مكافحة التطرف الديني وبين الشعور الداخلي بما يمكن اعتباره تدخلا ورضوخا لواشنطن، معتبرا أن هذه الحالة إضافة إلى بروز الجماعات المسلحة وتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تشكل في مجموعها تحد كبير أمام صانعي القرار في المملكة.

 ويرصد التقرير الأساليب والخيارات التي سارت عليها الحكومة السعودية خلال هذه الأزمة ابتداء من اعترافها بالحاجة إلى الإصلاحات السياسية والاجتماعية والتعليمية واتخاذها لإجراءات إيجابية في هذا المجال وانفتاحها على توجهات النخب الإصلاحية التي تطرح بدائل غير قائمة على العنف وليست متعارضة مع الإسلام ومعترفة بالقيادة السعودية.

 وفي المقابل يرى التقرير أن تغيير النهج لاعتماد إستراتيجية المواجهة الأمنية والتمسك بالوضع السياسي القائم الذي أفضى إلى مضايقة الإصلاحيين واعتقال بعضهم ووضع حد للحريات العامة قد يساهم في الحد من الأعمال الإرهابية ولكنه حل قصير المدى.

 ويطرح التقرير العديد من التوصيات التفصيلية ضمن هدفه للحد من تفاقم الصراع بعضها موجه للحكومة السعودية كانتهاج سياسة وطنية واضحة تدعو إلى توسيع مشاركة المواطنين في الشأن العام، وتقوية المؤسسات السياسية كمجلس الشورى، ومحاربة الفساد، والحد من السلطات المتزايدة للمؤسسة الدينية، ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والسماح بتشكيل مؤسسات واتحادات أهلية، وإعطاء حريات أوسع للإصلاحيين الداعين إلى التغيير بالطرق السلمية.

 كما يوجه التقرير أيضا توصيات إلى دعاة الإصلاح بالتأكيد على المصالح الوطنية المشتركة، وتجاوز الحالة الفئوية والجهوية، وتوسيع قاعدة المشاركين في مشروع الدعوة للإصلاح.

 أما فيما يرتبط بالولايات المتحدة فيضع التقرير أمامها بعض التوصيات الداعية إلى حث الحكومة السعودية على تبني الإصلاح والاهتمام بقضايا حقوق الإنسان والابتعاد عن إثارة القضايا الاجتماعية والثقافية الحساسة.

 التقرير يحتوي على مادة وافية عن التطور السياسي والاجتماعي في السعودية ويرصد التحولات فيها بصورة جيدة من خلال اللقاءات المباشرة مع العديد من الشخصيات السياسية والأكاديمية، ويلخص بصورة موضوعية وواقعية السبل الممكنة للحد من احتمال نشوب النزاعات السياسية.