(رُبع) الإنتخابات البلدية في المملكة

حماسة ضئيلة قد تتحول الى فضيحة

 

فاضل حسين

 

في الأسبوع الأول من تسجيل الناخبين في منطقة الرياض، وهي أولى المناطق التي ستجري فيها الإنتخابات البلدية، لم يتقدّم للتسجيل سوى نحو 25 ألف مواطن في مدينة يزيد سكانها على المليونين، ولم تلحظ أية اهتمامات او حماسة لدى الشارع للمشاركة فيها؛ فالمراكز فارغة، وعدد العاملين فيها مشغولين بشرب الشاي وقراءة الجرائد بانتظار (زبائن) يتلطفون على الحكومة بتسجيل أسمائهم في قائمة الناخبين.

السبب الأساس لهذا هو أن هذه الإنتخابات ضئيلة الأهمية، فهي (نصف انتخابات) لأن الحكومة ستعيّن نصف الأعضاء!

وهي نصف انتخابات، لأن المرأة السعودية محرومة من المشاركة سواء كمنتخبة أو مرشحة.

هذا يعني أنها ربع انتخابات!

وهي فوق هذا انتخابات بلا صلاحيات حقيقية، حتى تلك المتعلقة بشؤون البلدية نفسها. فالبلديات مزارع مستوطنة للنهب والتلاعب بالأراضي وبالميزانيات ويشترك فيها كبار القوم من جماعة (عظام الرقبة) ولهذا لن يمنح المنتخبون سوى النزر اليسير من الصلاحيات، وسيقوم المعيّنون بالدور القديم تحت يافطة جديدة!

لهذه الأسباب، فإن الإنتخابات البلدية لا قيمة لها.

ولقد أشرنا سابقاً الى أن قيمتها الحقيقية ـ من وجهة نظر المشاركين فيها ـ تكمن في ما إذا كان بالإمكان الإستفادة من جو الإنتخابات (المفتعل) في تعليم المواطنين وسائل حشد الجمهور، وتربيته سياسياً عبر الإجتماعات ومناقشة البرامج وما أشبه.

هذه فائدة لا تنكر.

ولكن حتى هذه الفائدة المحدودة، تمّ إجهاضها.. ففي المنطقة الشرقية، انتبهت السلطات الأمنية، الى أن المواطنين هناك قد أخذوا موضوع الإنتخابات على نحو جاد! وأنهم شكلوا لجاناً في كل المدن والقرى لتنظيم العملية وتوعية المواطنين، وأنهم بدأوا بإقامة المحاضرات والندوات التي تبين فضائل الإنتخابات وتحضّ على المشاركة فيها وتناقش تطويرها.

هنا، لم يطق السيستم الديكتاتوري الأمر، فاستدعى الكثيرين وأخذ عليهم التعهدات (بأن لا يعودوا لمثلها)!

هذا ونحن نتحدث عن انتخابات مفتوحة!

ويأتي هذا في الوقت الذي خرج فيه ولي العهد على المواطنين ـ خاصة في الرياض ـ يحضّهم على المشاركة!

التفسير المعقول لهذا السلوك المتناقض من قبل المسؤولين، هو أن الحكومة تريد انتخابات (حي الله!) لا تؤدي الى فضيحة حين لا يشارك فيها المواطنون، كما في الرياض، وفي نفس الوقت لا تريد من المواطنين أخذها بشكل جادّ يؤدي في المستقبل الى تبعات شعبية تضغط عليها من أجل انتخابات صادقة كاملة على المستوى السياسي (مجلس الشورى) أو (مجلس المناطق) فضلا عن انتخابات المجالس البلدية.

الحكومة السعودية تريد انتخابات هزيلة تقول من خلالها للعالم ـ وللحليفة أميركا بشكل خاص ـ أنها سائرة في طريق الإصلاح المتدرج، كما قال الأمير سعود الفيصل (30/11/2004).

لكن بعض الكتاب كالأستاذ عبد الرحمن الراشد، ألمح الى أسباب أخرى لغياب الحماس الجماهيري تجاه الإنتخابات البلدية، ورأى ان عامة المواطنين مشغولين بقوتهم وبسوق الأسهم بدلاً من الإنتخابات، ولكنه لم يشر الى السبب الجوهري للعزوف وهو (خواء الإنتخابات من المحتوى).

بيد أن ملاحظة عبد الرحمن الراشد تستحق التوقف والنقاش فعلاً. فالإنتخابات تأتي والتيار السلفي لا يرى نفسه معنياً بها، رغم أنها تقوم بين حريمه وفي دياره ومواقع نفوذه. فلماذا؟ بعض مشايخ السلفية لا يؤمنون بالإنتخاب أصلاً، وبعضهم الآخر المسيّس لا يرى فيها قيمة وبالتالي فإن الفوز فيها لا يعني شيئاً كثيراً من وجهة نظره. اما التيار الليبرالي الذي ناضل من أجل تغييرات جذرية وحاسمة وشاملة في النظام السياسي السعودي، فإنه في الأصل لم يكن متحمساً لها منذ الإعلان عنها قبل أكثر من عام، حيث رآها دون المستوى، ودون الطموح، وبلا قيمة تحفّز على الدخول فيها، خاصة وأن الإصلاحات تلقت ضربة بتقليص هامش حرية التعبير، والإمعان في إلحاق القضاء بوزارة الداخلية، إضافة الى اعتقال رموز الإصلاح منذ مارس الماضي حتى اليوم.

ولكن تبقى هناك شرائح واسعة من المواطنين، إما فقدت الأمل في النظام السياسي برمته وتبنّت خيار العنف، وإما أنها مشغولة بتحصيل قوت يومها، وهي لا ترى ولا تتفاعل إلا مع واقعها اليومي المجهد والمرير، خاصة وأننا نتحدث عن مجتمع ضعيف من حيث الثقافة السياسية. وهناك شريحة أخرى، قد تكون مخملية ملتصقة بنظام الحكم وبمنافعه، وقد وجدت نفسها منشغلة هذه الأيام بزيادة ثرواتها عبر سوق الأسهم وتحصيل ما يمكن تحصيله من النفقات الحكومية المتصاعدة بسبب تصاعد المداخيل النفطية. هذه الفئة ليست معنية بالموضوع السياسي كثيراً. ولذا لا يبقى إلا بعض فئات الطبقة الوسطى، التي أُشغلت عمداً ـ ربما ـ عن الإنخراط في المشروع الإنتخابي ـ ضئيل القيمة ـ بأمر آخر وفرته الحكومة هذه الأيام عبر سوق الأسهم، وهو ذات الأمر الذي حدث إبان أزمة الخليج الثانية؛ وكأن ارتفاع الأسهم مخطط له لصرف الإنتباه عن الموضوع السياسي كلية.

كل هذه العوامل تجعل من الإنتخابات البلدية ضئيلة الإستقطاب، وهنا يكمن الخطر وليس الإنتصار كما تتصور الحكومة.

فإذا ما فشلت الدولة من خلال المشاريع السياسية المطروحة في حل المشكلات وإقناع الجمهور بأن الأوضاع سائرة الى التغير والإصلاح، فإن الإرتداد سيشتدّ ضد الدولة. إذ ليس مهماً أن تضع مشاريع سياسية، وإنما المهم أن تعالج هذه المشاريع مشاكل حقيقية، وإلا فإن قيمتها لن تبارح الصفر، ولعلّ مجالس المناطق ومجلس الشورى الحالي والنظام الأساسي، نماذج تبين أن العبرة ليس في التبنّي الحكومي، وإنما في قدرتها على إقناع الجمهور بها واعتباره لها مكسباً ذا قيمة في طريق التغيير نحو الأحسن.

نحن نعلم ان الحكومة لا تهتم إلا بالخارج الأميركي والغربي عموماً، وهذا الخارج قد يساير الدولة في نظرته الى التدرج الإصلاحي، لكن الجمهور الداخلي الذي لا تراعي عواطفه ومصالحه المشاريع السلطوية، لن يكون في يوم ما في خدمتها، وستعتبر هذه المشاريع المشوّهة دلائل تضاف على (انتهاء صلاحية) نظام الحكم نفسه، وأن التغييرالشامل يجب أن يطاله.