هندسة بريطانية/ أميركية بارعة وغير أمينة لتفكيك نشاط الفقيه

اختفاء (حركة الإصلاح) من مسرح الأحداث لا يحلّ أزمة النظام

 

مرتضى السيد

 

تزامن فتح ملف إغتيال ولي العهد السعودي، في مؤامرة قيل أنها مدبّرة خارجياً، وساهم فيها المعارض السعودي سعد الفقيه، مع فشل مشروع التظاهرات الذي دعا إليه الأخير في 16/1/2004 الماضي، والذي اتخذ مسمّى (الزحف الكبير) الهادف لاجتثاث نظام الحكم القائم في المملكة. فلماذا فتح الملف من جديد، وما هي خلفيات ومستقبل الحدث؟

 

فهل كان فتح الملف القديم الجديد، إحدى نتائج فشل مشروع التظاهرات؟

أم كان الملف سيفتح على أية حال بمجرد أن تنتهي التحقيقات، وهل انتهت هذه التحقيقات فعلاً؟

أم أن الموضوع لا يعدو انتهازية سياسية من قبل الدولتين بريطانيا وأميركا، خاصة الأولى، والتي لم تحصل على صفقات سلاح جديدة، بعد أن حصلت المملكة على وفرة مالية نتيجة تصاعد إيراداتها من النفط، والتي يراد لها أن تستعاد بصورة أو بأخرى وفق النمط القديم: صفقات سلاح تستعيد البترودولار الى دياره العامرة، هي بحد ذاتها مجرد رشوة ـ أو هكذا يُنظر إليها ـ تقدمها العائلة المالكة، كيما يُرضى عنها غربياً؟

هذه التساؤلات يجب النظر اليها في سياق أبعد بكثير من دعوى محاولة اغتيال ولي العهد، إذ لا يمكن فهم الخطوة الأميركية ـ البريطانية الأخيرة بعيداً عن نظرتهما تجاه نظام الحكم في المملكة، وأنواع (المعارضات) التي تستهدف إصلاح أو إسقاط نظام الحكم، والرؤية الاستراتيجية لكلا الدولتين للمنطقة العربية وبالخصوص المنطقة الخليجية والشرق أوسطية بشكل عام.

في أصل المدّعى، وهو التآمر لاغتيال ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، فإنه بحسب الأنظمة والقوانين البريطانية جريمة، ولأنه لم تُنشر حتى الآن أية أدلّة، ولم توجّه للدكتور الفقيه التهمة مباشرة من قبل محكمة محليّة، بل إنه لم يساءل عن الموضوع من أصله طيلة شهور منذ إعلان الولايات المتحدة عن المؤامرة، قبل أن يتبنّاها الموقف الرسمي السعودي.. لكل هذا ستبقى هذه القضية مجرد (تهمة) الى أن تثبتها المحاكم المحلية البريطانية.

وما يدعو للإستغراب عدّة أمور:

1 ـ أن الولايات المتحدة وبريطانيا وبعد الإعلان عن خبر المؤامرة (أماتتا) القضية إعلامياً وسياسياً لعدّة أشهر، بحيث أنه لم توجّه أية تهمة للفقيه طيلة هذه المدّة، مع أنه ليس اللاعب الرئيس ـ إن صدقت الإتهامات ـ فيها. وقد قيل بأن الحكومة السعودية تقدّمت بطلب الى بريطانيا لتسلّمه ومحاكمته، وهذا ما أوحت به وزارة الخارجية السعودية، وإشارات متفرقة في وسائل الإعلام السعودي؛ ما لبث أن تحولت تلك الإشارات الى إيحاءات سعودية رسمية بأن الدولتين ضالعتين في حماية المتآمرين!

2 ـ أن الفقيه نفسه قد تعرض لمحاولة اغتيال قبل عام تقريباً، ثبت لدى أجهزة الأمن البريطانية، أن وراءها أمراء سعوديون، قيل أن إبن الملك، الأمير عبد العزيز بن فهد دبرها، وقد اعتقلت السلطات البريطانية شخصين، وبدل أن تحاكمهما، ساومت الحكومة البريطانية بشأنهما مع الحكومة السعودية لاطلاق سراح بريطانيين محكومين بالإعدام او السجن المؤبد في السعودية، وقد تمّ إطلاق سراح البريطانيين المعتقلين في السعودية على خلفية جرائم قاموا بها هناك.

3 ـ أن رئيس حركة الإصلاح الدكتور الفقيه لم يتوجه الى المحاكم البريطانية ويصرّ على محاكمة المعتدين عليه في منزله بغية اغتياله. هنا أيضاً قيل بأن السلطات البريطانية اتفقت معه أو استمزجت رأيه، بشأن الصفقة مع السعودية لإطلاق سراح رعاياها المعتقلين، وأنه لم يمانع من ذلك، طالما أن الصفقة تحمل بعداً إنسانياً، وطالما أنه ضيفٌ في بريطانيا ويتمتع بحمايتها. وقيل يومها أن الحكومة البريطانية قدّرت له موقفه، حين أسقط حقّه في مواصلة الدعوى القضائية على الحكومة السعودية من خلال محاكمة المعتدين عليه، وقد كان ذلك سلاحاً وورقة قوية بيده لتأجيج الرأي العام المحلي والدولي ضد ممارسات الحكومة السعودية تجاه معارضيها.

في توقيت وطبيعة الإعلان عن المدّعى، وقد جاء متأخراً جدّاً. وهنا بعض الملاحظات:

بين اعلان خبر مؤامرة الإغتيال رسمياً من قبل الولايات المتحدة وبين استصدار قرار من مجلس الأمن يلصق تهمة الإرهاب بسعد الفقيه ويأمر بالحجز على أمواله، وربما سيتم لاحقاً محاكمته أو تسليمه لأميركا أو السعودية، حدثت أمور عديدة بينها:

- أن حكومة المملكة أبدت خلال هذه الفترة تعاوناً كبيراً مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالعنوان العريض المطروح اليوم وهو (مكافحة الإرهاب) تمثل في تواجد مكثّف لعناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي والسي آي أيه في المملكة، لملاحقة (الإرهابيين) ومساعدتها في ملاحقة شبكات العنف المحلي بتقنيات حديثة دفعت وزارة الداخلية أثمانها خلال العام الماضي. هذا التعاون، إضافة الى ما أفرزته حوادث العنف من انطباعات بأن العائلة المالكة هي ضحية للعنف وليس مفرّخة له، قرّب وجهات النظر الأميركية الغربية بالسعودية. ولقد كان الضغط القديم الذي بدأ بأحداث سبتمبر يستهدف فيما يستهدف (تطويع) المملكة للعمل ضمن دائرة مكافحة الإرهاب الدولي بالتفسير الأميركي، وهو أمرٌ لم تكن الحكومة السعودية مستعدّة له من جهة، ولم تكن الولايات المتحدة واثقة من أن السعودية غير مروّجة له. ومثلما اقتربت الحكومة السعودية من التفسير الأميركي للإرهاب، فإن الغرب اقترب أيضاً من تفهّم وجهة النظر السعودية، وأن عناصر العنف الفكري أو السياسي والتي اتخذت أشكالاً معارضة فاقعة تدخل في قائمة التصنيف الغربي للإرهاب، وبينها نشاطات الدكتور سعد الفقيه، ويبدو أن الغربيين لا تنقصهم المؤشرات فضلاً عما قيل عن أدلة وبراهين تثبت تورط حركة الإصلاح في (الخانة الإرهابية). وبدا وكأن الإستمرار في متابعة السياسة الأميركية والتعاون معها، رهين بتحقيق بعض مطالب السعودية بشأن معارضيها في الخارج، وخاصة الفقيه.

ـ ربما كان من وجهة نظر الحكومة البريطانية، ولدواعي قانونية مختلفة، أن نشاطات حركة الإصلاح لا تعدو ورقة ضغط لحمل الحكومة السعودية لتغيير منهجها السياسي. وطالما أن الرجل وحركته لا يمارسان العنف، فإنهما سيكونا بعيدين عن المساءلة أو الضغط، حتى وإن جاء ذلك خلاف المصالح البريطانية. التقييم الأولي ربما أفاد بأن النشاط المعارض للفقيه لن يعدو إزعاجاً، ولكن في الأشهر الأخيرة تحوّل الى إزعاج مركّز، حين طرح نفسه كبديل للحكم السعودي، حتى أنه بحسب التعبيرات اقترب من دائرة التحريض على العنف وإن لم يقتحمها. وبقدر ما تعاظمت الإثارات التي سببتها قناة الإصلاح والإنزعاج الرسمي السعودي منها، وتكاثر الإحتجاجات السعودية على بريطانيا بهذا الشأن، خاصة فيما ترى أنه تجاوزات على القانون البريطاني نفسه.. فإن السلطات البريطانية بدت وكأنها تريد أن تشهد مآل هذا النشاط من خلال اختباره على الأرض.

وحين فشلت دعوات التظاهر لإسقاط النظام، وتأكد للأميركيين والبريطانيين حجم الحركة الواقعي على الأرض، وجدوا ـ ربما ـ أن ضربها لن يثير موجة غضب أو حتى عنف ضد مصالحهما في المملكة. ولهذا فإن فشل المظاهرات أعطت الدليل على ضعف الحركة على الأرض، كما أعطت إشارة البدء لتصفيتها في لندن، بعد أن سمّمت بنظر المحافظين البريطانيين العلاقات بين البلدين وأثرت سلباً على مصالح الإنجليز الإقتصادية في السعودية.

ـ في الجزء الإقتصادي، حصلت المملكة على إيرادات كبيرة خلال العام الماضي بسبب ارتفاع أسعار النفط. وحيثما تكون هناك مصلحة، تتبعها السياسة. وحين أرسل وفد عسكري بريطاني الى المملكة قبل فترة وجيزة من أجل تمديد صفقة اليمامة أو لعقد صفقات سلاح جديدة تسحب فائض المال السعودي، قيل أن ولي العهد وبّخ الوفد البريطاني، وذكره بموقف بريطانيا من حركة الفقيه التي تريد قتل أعضاء العائلة المالكة، وأبلغهم بأن أية صفقات تسلّح لن تتم مع بريطانيا طالما أنها تحتضنه.

- المخرج من هذا الأمر لم يكن سهلاً. فالبريطانيون جرّبوا سابقاً طرد الدكتور المسعري الى إحدى الجزر البعيدة في الكاريبي، وهذا يعد بمثابة نفي له. لكن المحاكم البريطانية ثبّتت مكانه ومنحته اللجوء السياسي، خلاف رغبة حكومة المحافظين آنئذ. مثل هذه التجربة لم يكن يرد لها أن تتكرر مع الفقيه، الذي خاض هو جولات متعددة ناجحة حيناً وفاشلة حيناً آخر مع أطراف إعلامية وحكومية سعودية. هنا تفتّقت الحيلة البريطانية ـ الأميركية على تحويل الملف الى مجلس الأمن، الذي بدا وكأنه لعبة منه الى مؤسسة دولية محترمة. فتمّ تمرير قرار حجز أموال الفقيه دونما مساءلات أو أدلّة تذكر؛ وكأن الرجل دولة عظمى؛ وما يثير في الأمر هو أن هناك طرفين متهمين بمؤامرة اغتيال ولي العهد، وقد أدين الفرد (سعد الفقيه) ولم يتم التعرّض للدولة (ليبيا) التي تحظى هذه الأيام باهتمام غربي بارز مبني على المصالح العارية.

إن إدانة فرد مقيم أو لاجئ سياسي من خلال أعلى مؤسسة كونية، دون القدرة على محاكمتة في البلد المضيف (بريطانيا) يثير شكوكاً في شرعية الإتهام، ويعطي الرجل مظهراً بحجم دولة. لو لم تكن الأدلة قاصرة لما تم التوجه الى مجلس الأمن، الذي أريد له أن يكون البوابة لتطويع القانون المحلي بشأن محاكمة الفقيه المحتملة.

الطبخة البريطانية ـ الأميركية المشتركة والمتعلقة بالإيقاع المتعمّد بالدكتور سعد الفقيه، قد تكشف عن حذاقة في الأداء، والتوقيت، ولكنها قد لا تكشف عن نزاهة وأمانة؛ وقد ينظر الى ما جرى كنوع من المؤامرة حيكت لخدمة مصالحهما الآنيّة ومصالح العائلة المالكة.

من المؤكد لو أن سيناريو الأحداث اتخذ وجهة بريطانية محضة، فقدمت الأدلة الى المحاكم واقتيد الدكتور الفقيه إليها، لوجد قليل أو كثير من يتفهمها على أنها خرق للقانون البريطاني؛ أما وأن القضية حوّلت الى مجلس الأمن ـ ذي السمعة السيئة ـ لدى عموم الشعب السعودي كما العرب والمسلمين، لتفادي حكم القانون، فإن الموضوع يظهر وكأنه مؤامرة أكثر من كونه تطبيقاً للقانون.

حتى أولئك الذين يعتبرون أنفسهم مختلفين مع الفقيه أو منافسين أو خصوماً سياسيين له ـ عدا الحكومة السعودية ـ سيعزّز ما جرى وجهة نظرهم، بأن الإنجليز والأميركيين لا يهمهم حكم القانون حتى في بلادهم إن كان (الضحية) المستهدفة ليس مواطناً من مواطنيهم.. فكيف سيقتنع هؤلاء وجمهور الشارع السعودي، بأن الدولتين يهمهما في الأصل حكم القانون وترويج الديمقراطية، وغير ذلك.

إن الآلة الإعلامية السعودية، وخفافيش الإنترنت من رجال المباحث، والذين دأبوا على الترويج بأن الفقيه ما هو إلا مجرد (عميل وصنيعة) بريطانية وأميركية لتشويه سمعته، سيزغردون لهذا الإنتصار السعودي الكبير، على شخص واحدٍ أو بضعة أشخاص أقضّوا مضجع نظام بوسيلة إعلام بسيطة بل بدائية حين المقارنة بما يمتلك النظام من نظيراتها.

قد تكون الحكومة قد كسبت الجولة في النهاية، ولكنها لم تكسب قلوب مواطنيها..

وقد تكون بريطانيا قد تخلصت من شخص نُظر اليه على أنه وتّر علاقاتها مع حليفها القديم، وحرمها من (خيرات) الصفقات والسمسرات مع النظام السعودي. ولكن سيكون هذا على حساب سمعة بريطانيا، بل هو يؤكد ما لدى شرائح واسعة من الجمهور السعودي بأن هذه الدولة ـ كما أميركا ـ لا تهمهما سوى مصالحهما، وأنهما لن يجدا حليفاً أفضل من العائلة المالكة بإمكانها أن تخدمهما، وأن مدّعيات حكم القانون والنظام واحترام حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية والتي تتناول عادة بريبة في الوسط العربي الجماهيري كما النخبوي، ما هي إلا شعارات جوفاء تستخدم كسلاح ضد الأنظمة المعادية للغرب، أي ضد أنظمة بعينها، أما إذا ما كانت الديمقراطية لا تحافظ على نسق المصالح (الذي هو أشبه ما يكون بهدر لمقدرات البلاد) فإنها غير مرغوبة ويمكن تأجيلها الى ما لا نهاية.

في هذا الوقت، وحتى في حال العودة الى المحاكم المحلية البريطانية، لإعادة إدانة الفقيه بناء على قرارات مجلس الأمن، أو بناء على طلبات من أميركا لتسليمه إليها.. فإن إخراج القضية قد تلوّث بكل أنواع الريبة والشك.

يمكن الزعم بأن الفقيه لم يكن أثيراً لدى الجمهور السعودي، وأنه لم يكن فارس التغيير، ولا يمثل الحلم بالتغيير والإصلاح.. ولربما كانت له الكثير من الأخطاء السياسية، بل ربما يكون قد تجاوز القانون البريطاني نفسه.. ولكن الأمر الذي غاب عن الأميركيين والبريطانيين، هو أن الجمهور السعودي عبّر من خلال قناة الإصلاح عن كرهه لنظام الحكم واشمئزازه منه، ويأسه من إصلاحه، بأكثر مما عبّر عن تأييده لحركة الإصلاح ورئيسها.

ولهذا فإن اصطفاف الدولتين ـ بريطانيا وأميركا ـ وبهذه الطريقة الملتوية، مع الحكومة السعودية، يجعلهما عدوّتين بنظر شرائح عديدة من المجتمع السعودي، وهي عودة غير محمودة لدعم الديكتاتوريات تحت مسميات تتغير بين الفينة والأخرى (محاربة الشيوعية، محاربة الأصولية، محاربة الإرهاب).

إن اختفاء الفقيه من المسرح السياسي الإعلامي، لن يغيّر من المعادلة السياسية المحلية السعودية شيئاً يذكر. فمن جهة لا يخدم الإختفاء العائلة المالكة، التي ظهرت في هذه القضية كحلقة وتابع في معسكر الغرب، بعد أن بنت لها بعض التعاطف من أن الغرب يحاول تغييرها. وهو لن يفيدها في مكافحة العنف، كون منشئه محلّي خالص، بدأ قبل أن يولد الفقيه أو تولد حركته، وهو لا يتغذّى على ما تقوله قناة الإصلاح بقدر ما يتغذّى على فكر العنف المنتج محلياً وعلى الفساد والأخطاء الداخلية والإنغلاق السياسي والقمع الثقافي وغيرها من الأمور. كانت قناة الإصلاح مجرد تنفيس (كلامي) لم تستطع أن تؤسس عملاً على الأرض. ولربما كان من صالح آل سعود أن تبقى هذه القناة حيّة للتنفيس على الأقل، بدل أن تتفجّر بوجه الدولة والمجتمع. وإننا على يقين بأن إغلاق منافذ التنفيس المحلّي، واستتباعها بالخارجي، هو خطيئة في هذا الظرف السياسي الحساس الذي تعيشه المملكة.. وإن كان لنا أن نخمّن ما ستؤول إليه الحال في قادم الشهور، فهو القول بأن العنف السياسي قد دخل مرحلة جديدة وحادّة وصارخة وعلى مساحة أوسع بكثير مما شهدناه في السنوات القليلة الماضية، وعلى السعوديين مواطنين وحكومة أن يهيئوا أنفسهم لمرحلة مظلمة قد تطول كثيراً.

بالطبع ليس إغلاق قناة الإصلاح، وربما اعتقال الفقيه هو السبب الأساس، ولكن اللعبة السياسية المحلية ابتعدت عن كل ما هو عقلاني في معالجة هذه الظاهرة من جذورها. لقد أُغلقت كل الخيارات وكل منافذ التغيير السلمي، بل حتى منافذ التنفيس الكلامي والكتابي.. ولهذا اقترب قدر الضغط من الإنفجار بوجه (الشيف السعودي/ الأميركي/ البريطاني)، ومن المرجح أن يكون الإنفجار مدوياً بأعظم مما سمعناه منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م.

العضلة الأميركية تحكم العقل الأميركي.. ربما لهذا السبب حدث انسجام سريع بين العقلية الحاكمة في المملكة مع منهج القبضة الحديدية الأميركي. فمن لا يريد تقديم تنازلات سياسية، أو يقدم على إصلاحات هيكلية في بنية الإقتصاد، أو في الخدمات الإجتماعية، أو ربما هو غير قادر او مهيّأ في الأساس لإنجاز مثل هذه الأمور، لا يكون أمامه من وسائل سوى العنف العاري، المدعومة بعقلية الكاوبوي، وبنزعة التغالب والغلبة، لكسر الطرف الآخر ـ المعادي ـ وإن كان هذا المصنف معادياً: الشعب السعودي نفسه وقواه المخلصة الحريصة على استقرار البلاد ومصالح المواطنين.

اختفاء سعد الفقيه من المسرح السياسي، قد لا يزيد في ظاهره عن اختفاء لقناة مشاغبة. ولكن المدلولات السياسية تعني دفع أثمان من السمعة والهدر مما تبقى من الشرعية، وتشير الى طريقين لا ثالث لهما: الصمت والإنعزال بالنسبة للقوى الوطنية المعتدلة والسلمية؛ أو الإنفجار والإنخراط في مزيد من العنف والعنف المضاد مع الدولة وأجهزتها.