ثمن الكلاشنكوف!

 

فيصل الزامل

 

هل تريد كلاشنكوفاً صيني الصناعة أم عراقياً أم أصليّاً روسياً؟ أم رشاشاً أميركياً G3؟ أم هل يعجبك مسدساً من أي نوع وحجم، سواء كان مستورداً أم يحمل شارة السيفين والنخلة، من مخازن الحرس الوطني أو الجيش؟ أم تبحث عن شيء مميّز أكثر: مدفع رشاش، قذائف بازوكا، أو راجمات صواريخ صغيرة، أو آر بي جي؟ أم يكفيك بضع (رمانات) قنابل يدوية تكفيك عبء الصيانة؟

كل هذا متوفّر وبأسعار زهيدة، وقد تجدها تباع يوماً عبر الإنترنت للزبائن السعوديين!

المملكة (مخزن كبير للسلاح) بشتى أنواعه حتى الصواريخ، وقيل بأن هناك دبابات للبيع من مخلّفات حرب تحرير الكويت، لاتزال سليمة وموجودة في خيم في الصحراء معروضة للمشترين؟!

يقولون في تبرير وجود هذا المخزن الكبير، بأن المواطن السعودي يعتبر وجود السلاح في يده أحد مظاهر رجولته!

وفي هذا كذبوا بنسبة تفوق الـ 95%!

ويقولون بأن السبب هو تساهل الحكومة السعودية وبالخصوص وزارة الداخلية المعنية بالأمر!

وفي هذا كذبوا بنسبة 100%!

ويقولون أن السبب لا هذا ولا ذاك، بل إغراء الإتجار بالسلاح، وانفتاح الحدود على العراق واليمن، وقيام حروب بالجوار أدّت الى تسرّب الكثير من الأسلحة منها لتغذّي (المنخفض السعودي) التوّاق لها!

وقال آخرون ان السبب هو الشعور بعدم الطمأنينة في بلد يغنّي حكامه معزوفة الأمن منذ عقود، وأن وجود السلاح هو للدفاع عن النفس والمال والعرض في ظل انحسار مهول لسلطة الدولة وازدياد الجريمة بمختلف أشكالها.

وفوق وجود السلاح، هناك الذخائر، وهناك تعليم تصنيع المتفجرات على النت، وكذلك طرق الإختطاف.. وأكثر من هذا هناك العديد من مراكز التدريب في صحارى المملكة. قيل ان الحكومة اكتشفت بعضها، ومن شبه المؤكد وجود مراكز تدريب على العنف في مواقع ما من البلاد الشاسعة ذات المليوني كيلومتر مربع وأكثر!

من سخريات القدر، أن الحكومة التي تحارب (المنشور) وشعارات الجدران، وكتابات (فش الخلق) في المراحيض العامّة.. والحكومة التي تعاقب على قول الكلمة، وتقطع ألسن النقد، وتسحب جواز السفر لأي سبب تافه، وتفصل من العمل من لا تحب. هذه الحكومة المشغولة بهذه التفاهات كيف يمكنها ان تلاحق سلاحاً بهذه الوفرة وبهذا التنوّع؟ وكيف يمكنها الوثوق بأن هذه الأسلحة لن تستخدم ضدّها يوماً ما، إن لم تكن قد استخدمت بالفعل منذ زمن، في حين أن كل الأجواء السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفكرية ملغّمة؟

في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي كان المسدس يباع بأكثر من 12 ألف ريال، في حين كان الكلاشنكوف يباع بعشرين ألف ريال. ويقول الخبراء (السعوديون بالطبع) أن ثمن الكلاشنكوف انخفض عام 1988 الى نحو ستة آلاف ريال (النسخة الصينية منه)، ثم ارتفع قبل حرب تحرير الكويت الى عشرة آلاف ريال.

وما أن انتهت الحرب، حتى صار المعروض أكثر بكثير من الطلب وبيع بـ (500) ريال فقط (أي نحو 130 دولاراً).. ووصلت النسخة العراقية (صناعة عراقية) منه الى (1500 ريال) فقط!

ويقول الخبراء بأن النسخة الروسية الأصلية للكلاشنكوف تباع اليوم في السعودية بثمانية آلاف ريال، أما المزوّرة يمنيّاً فتباع بـ 2800 ريال فقط. ولكن يبدو أن العراقيين ـ بعد سقوط الطاغية صدام ـ وجدوا أفضل وسيلة للرزق من خلال تهريب وبيع الأسلحة الى السعوديين عبر الحدود الطويلة.. لا يتجاوز سعر الكلاشنكوف مع ألف طلقة الألف ريال سعودي.

وظهرت في الآونة الأخيرة في السوق السوداء موضة بيع المناظير التي تقرّب الهدف وتحدد اصطياده بسهولة؛ وكذلك مخازن رصاص كبيرة الحجم. وبالرغم من أن الحكومة حاولت مكافحة السوق السوداء، إلا أنها لم تختف إلا عن أعين البسطاء، أما خبراء السوق فتجدهم في كل مكان، وعلى استعداد لبيع أية كميّة من الأسلحة.

المملكة مخزن سلاح كبير، ربما يكون ثاني أكبر مخزن سلاح في العالم العربي بعد العراق. ونقصد بهذا أن كمية السلاح التي بيد المواطنين فاقت كل الحدود المتوقعة. وهذا ما يدعو للتساؤل حول أهداف حامليه، الذين قد يتقلبون من هدف الى آخر. فمن حماية الذات، الى حماية الجماعة. ومن مصارعة الحكومة كخصم، الى مواجهة المنافس، وهكذا.

لقد فشلت وزارة الداخلية في تنظيم حمل السلاح، بالرغم من المحاولات الكثيرة، والسبب لا يعود بالدرجة الأولى الى مدى رغبة الوزارة بقدر مدى رغبة المواطن. فجمع السلاح ومكافحة المتاجرة به لا يعالجان بالأنظمة والقوانين والعصا فحسب، شأنه في ذلك شأن العنف، وإنما بمكافحة البيئة التي تخلق الحاجة إليه بالنسبة للأفراد والجماعات التي لا تشعر بالأمن الكافي، وقد تشعر بأن البلاد عرضة عمّا قريب الى الإنزلاق في مهاوي العنف الواسع أو الحرب الأهلية.

البيئة السياسية المغلقة، وشياع الفكر المتطرّف، والأوضاع الإقليمية المضطربة، وضعف أداء الدولة الأمني في مكافحة الفساد والجريمة المنظمة والمسلحة.. كلها دوافع تحفّز باتجاه تملّك السلاح وحماية النفس والمال والعرض. وإذا ما فشلت الدولة في توفير البيئة المطمئنة والوضع المعيشي المعقول لمواطنيها، وإذا ما فشلت في شياع الثقافة المتسامحة والمعتدلة، في ظل نظام سياسي منفتح ـ نسبياً على الأقل ـ فإن حصاد كل هذا هو المزيد من العنف والجريمة، وهذا يجرّ الى فشل الدولة وخوف المواطن وتصاعد الطلب على الأسلحة الخفيفة.

مخزون المملكة من العنف الفكري والثقافي يتوازى مع مخزونها من المتفجرات والأسلحة والبارود، ويوازي حجم الإخفاقات والإختناقات السياسية والإقتصادية.. فإذا اجتمع كل هذا، فإنه نذير بتشظّي البلاد وانفجار مكوّناتها الإجتماعية والسياسية.