زيادة مقاعد مجلس الشورى
الإصلاح السياسي الذي يحتاج الى إصلاح!
فاضل حسين
ما وراء اعلان الحكومة عن نيتها توسعة قاعدة أعضاء مجلس الشورى
وبالتعيين؟ بحيث تمثل القبائل وربما الجماعات والمناطق فيه بصورة
أفضل عما كانت عليه في السابق.
هل يعد ذلك خطوة باتجاه الإصلاح، أم خطوة في طريق مقاومته؟
بدل أن تشرع الحكومة السعودية في التحضير لانتخابات مجلس
الشورى، فور الإنتخابات البلدية، واعتماد منهج الإنتخاب بدل
التعيين الذي مضى عليه نحو 12 عاماً.. قالت أنها ستزيد عدد أعضاء
المجلس بنحو ثلاثين عضواً ليصل العدد النهائي الى 150 عضواً،
حاول وزير الدفاع الأمير سلطان أن يطمئن السعوديين أنهم سيمثلون
كل أطياف وقبائل ومناطق المملكة.
وبدل أن تبدأ الحكومة برفع الحظر عن المرأة ومشاركتها في الحياة
الإجتماعية والسياسية، خرج علينا عضو شوروي معيّن ليقول بأن
بإمكان المرأة السعودية المساهمة في مجلس الشورى ولكن (كمستمعة)
فقط!
متحايلة هي العائلة المالكة وذكيّة في تفريغ المفاهيم من
مضامينها؛ وما تقدّمه اليوم يدخل ضمن سلسلة قصيرة من الإجراءات
والسياسات التي تلتف على مطالب الإصلاح السياسي بغرض تأجيلها
قدرما يستطاع إن لم يكن في القدرة إلغاؤها.
لقد سبق للحكومة أن فرّغت موضوعة مؤسسات المجتمع المدني من
مضمونها. رأينا ذلك في (جمعية الصحافيين) ثم في تشكيل لجنة
حقوقية (حكومية) بأمر من الملك! ثم إيجاد نصف انتخابات بلدية،
والآن جيء لنا بتوسيع لمجلس الشورى عبر ذات الآلية المستخدمة وهي
(التعيين).
العائلة المالكة بتوسيع المجلس تريد أن توضح أمراً غاية في
الدهاء.
فهي تريد الفصل بين تمثيل السكان، وبين أن يكون للمثلين ـ عبر
التعيين ـ سلطة حقيقية في مجلس الشورى تمارس من خلالها الرقابة
والمحاسبة وإصدار التشريعات.
تقول العائلة المالكة أنها ستستجيب لمطالب التمثيل مراعية
التنوّع القبلي ـ حسب سلطان ـ وغيره، ولكن عبر طريق التعيين،
الذي يعني أن هؤلاء الممثلين المعيّنين سيكونون بلا سلطة.
فالتنازل من جهة الأسماء والإنتماءات سيكون على حساب المركز
النجدي إسميّاً، فيما تبقى السلطة الفعليّة على حالها.
التنازل من جهة التمثيل الإسمي، قد يكون محبّذاً رسمياً في هذه
المرحلة، كيما تظهر أمام العالم وكأنها بصدد صناعة نظام سياسي
جديد بهياكل وعقلية قديمة، بحيث يمثّل التنوع شكلاً، ويبقي
التفاوتات حقيقة قائمة على الأرض.
إن انفجار الهويات الفرعية في المملكة خلال السنوات الأخيرة بلغ
درجة من الخطورة كان ينبغي احتواؤها عبر إصلاح جذري شامل. ولكن
العائلة المالكة تحاول الإلتفاف على الإصلاحات السياسية بالقمع
والإعتقال، أو بالتحايل كما هو حاصل الآن.
إذا ما صدق وتمّ تمثيل شرائح المجتمع السعودي جميعاً بنسب تمثل
عدد السكان في كل منطقة أو جماعة أو حتى قبيلة كما وعد سلطان،
وزير الدفاع، فقد يُنظر الى ذلك كخطوة ذات فائدة في تقريب النسيج
الإجتماعي المتشظّي بعضه الى بعض، فالهياكل الخاوية لا تلغي
حقيقة أن البلاد بحاجة الى أية بادرة للبدء بالدمج الإجتماعي
والسياسي الذي بات يشكل هاجساً للنخب في المملكة المرعوبة من
إمكانية تقسيم البلاد.
لكن هناك من يرى بأن عرض التمثيل القبلي الواسع، وربما المناطقي
والمذهبي، لا يستهدف حكومياً غير تعطيل مسيرة الإصلاح السياسي،
وإن هذا التمثيل المزمع لو كان قد بدء به مع انطلاقة مجلس الشورى
المعيّن لكان ذا فائدة حقيقية، ولقلّص هامش المناورة أمام
العائلة المالكة التي تريد الهرب من استحقاقات العملية
الإصلاحية.
قد يعطي إشراك فئات إجتماعية مهمّشة في مجلس الشورى شعوراً
(قصيراً) بالرضى.. لكنه لا يحل مشكلة حقيقية في جهاز الدولة.
فالإنتخابات التشريعية وما تتضمنه من صلاحيات تشريعية ورقابية هي
أهم الأدوات لخروج الدولة والمجتمع من المأزق الحالي. ونقصد به
مأزق عدم الإستقرار السياسي، ومأزق الفساد والمحسوبية، ومأزق
الإنفصام المتسع بين الدولة والمجتمع، ومأزق الشلل غير المبرر في
أداء الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى.
وكما لم تحل جمعية الصحافيين أزمة التعبير المملكة.
وكما فشلت (الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان) ـ والتي أسستها
الحكومة كهيكل تعتقد أنها به ستستطيع تضليل الرأي العام المحلي
والعالمي ـ في تحقيق أهم هدف لها وهو منع التعدي على حقوق
المواطن، فلم تعدل من ممارسات وزارة الداخلية وتعدياتها (وأبرز
مثال لذلك ما جرى للمعتقلين الإصلاحيين الذين لم يقدموا لمحكمة
مختصة بعد أكثر من عشرة أشهر من اعتقالهم)..
وكما فرّغت الحكومة الهيئات العمالية (النقابات) من مهامها.
فإنها ستمضي في سياسة تفريغ مجلس الشورى من مضامينه، سواء زاد
عدد الأعضاء الى 150 او الألف!
وهذا يعني باختصار: تعطّل فاعلية مثل هذه المؤسسات في خدمة
المواطن ورفع بعض الأعباء عن الدولة.
في هذه الحالة ماذا ستجني الحكومة من عملية الإلتفاف وتفريغ
مضامين مؤسسات المجتمع المدني وكذا المؤسسات السياسية بل وحتى
مفاهيم الوحدة والحرية والإنتخاب وحقوق الإنسان وغيرها؟
يتبادر الى الذهن أن الغرض مجرد كسب الوقت، عبر المهدئات
المؤقتة، ولربما قصد من ذلك استحداث رؤى وأساليب جديدة تستمر مع
النظام السياسي الى ما شاء الله، دون أن يتنازل الماسكون بزمام
الأمر عن أي من صلاحياتهم حتى التافهة منها.
والحقيقة فإن الهدف الإستراتيجي لا يمكن تحققه. فالمجتمع السعودي
يصعب اللعب عليه بسهولة بسبب جرعة الوعي الكبيرة التي امتصها في
مرحلتين متعاقبتين: بعد غزو العراق للكويت، وبعد تفجيرات 11/9.
وشعب المملكة المطوق بتجارب العالم يقرأ عنها ويشاهدها في
التلفاز ويتحدث عنها في الإنترنت لا يمكن بهذه السهولة تضليله.
والمرجح أن يعتبر المواطنون خطوة الحكومة مؤشراً على إمعانها في
رفض خيار الإصلاحات. وهذا سيقود الى الإعتقاد بأن تحققها لن يتم
إلا عبر الخوض في المزيد من التطرف والعنف واستدعاء العامل
الأجنبي، وتجربة العراق قريبة وحاضرة.
|