أهداف تغيّرت وقصور متواصل

ما وراء استرخاء الدبلوماسية السعودية

 فاضل حسين

 لماذا ضعفت السياسة الخارجية السعودية ولم تقم لها قائمة منذ 15 عاماً؟ ولماذا سبقت دول صغيرة السعودية في النشاط والنفوذ السياسيين؟ والى متى تبقى الدبلوماسية السعودية نائمة؟ هل هي نائمة حقاً؟

 الإسترخاء الشديد في السياسة الخارجية السعودية طال أمده.

البعض يعتقد أن البيات الشتوي والصيفي للدبلوماسية السعودية، وانحسار النفوذ السعودي المتواصل منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي يعود الى أمرين مهمين:

الأول ـ ان المملكة تعودت ان تستخدم أموال الهبات والمساعدات للأفراد كما للجماعات والدول وسيلة لتقوية نفوذها، فكانت مبادراتها السياسية العربية والإسلامية وحتى الدولية مدينة لما تقدّمه المملكة من مساعدات. وبالرغم من ان بعض هذه المساعدات اتخذ صفة (حمائية) بمعنى أنها كانت تستهدف إغلاق الأفواه عن النقد والتعرض لنظام الحكم، إلا أن تناقص المساعدات الخارجية بشكل كبير بعد احتلال العراق للكويت أفقد السعوديين زمام المبادرة السياسي في العالم العربي، وباتت اطروحاتها ومبادراتها ـ القليلة ـ غير مقبولة.

الثاني ـ ويعود للفتور وربما التوتر في العلاقات السعودية الأميركية، فطالما اعتبرت المملكة (مركز تسويق) السياسات الأميركية، وبالتالي لم يكن ينظر لمشاريعها بشكل مستقل، وإنما كتعبير عن إرادات أخرى. واعتبر البعض ان انسياق العديد من الأنظمة الحليفة لواشنطن وراء السياسة السعودية ليس لذاتها بالضرورة، بل تناغماً مع الموقف الأميركي. وحين بدا الإنفصال بين الطرفين السعودي والأميركي، اصبحت الدبلوماسية السعودية مكشوفة، وهي لا تحظى برضا واشنطن بالضرورة، الأمر الذي جعل الدول العربية والإسلامية الأخرى الحليفة تستقل برأيها وببرامجها أو تتبع محاور سياسية غير سعودية.

ويمكن هنا إضافة سبب ثالث، وهو ان المملكة منذ التسعينيات الميلادية من القرن الماضي، مرت ولاتزال بمخاضات شديدة الألم، الأمر الذي جعلها مشغولة بمشاكلها الداخلية الإقتصادية والسياسية والأمنية والتي انعكست على سياساتها الخارجية وعلى فاعلية تحركاتها باتجاه الخارج. وكأن المملكة لا وقت لديها سوى ترتيب بيتها الداخلي. حتى دول الخليج الصغيرة، حين وجدت الأخ الأكبر غير قادر على حماية نفسه، وأن العالم بدأ ينفضّ عنها، استقلت بالقرار لنفسها، وتعاطت مع الأب الروحي الأكبر (واشنطن) بشكل مباشر.

لكن ما يخفيه هذا البيات الشتوي للدبلوماسية السعودية أكبر مما يظهر:

فمن جهة، إن ما نشهده من تراجع للدور السعودي حتى في محيطه الخليجي، فضلاً عن العربي والإسلامي، لم يكن بقرار، وإنما هو نتيجة عجز وقصور، فاستقلال الدبلوماسية السعودية عن استخدام المال بشكل موسع، وعن التأييد القادم من واشنطن، كشف أن المملكة كالطفل لا يستطيع الإعتماد على نفسه. ورغم مضي سنوات طويلة على انحدار السياسة الخارجية السعودية، لم نلحظ أية نيّة، بل أيّة بادرة قدرة ودفع باتجاه تغييرها وتفعيلها.

ومن جهة ثانية، فإن السياسة السعودية، بدأت تميل أكثر وأكثر الى الأسلوب الحمائي الدفاعي عن النفس، خاصة بعد أحداث 11/9/2001. المملكة اليوم لا تريد أن تتورط في علاقات مع حركات اسلامية أو شخصيات دينية خارجية يمكن أن تصبح (إرهابية) وفق التصنيف الأميركي وبالتالي تحمل المملكة ما لا تستطيع تحمّله. ولا تريد ان تتبنّى مشاريع سياسية عربية أو أجنبية لا تكون مقبولة ابتداءً من واشنطن، أو على الأقل يستهدف منها إرضاؤها (المؤتمر المزمع عن الإرهاب في الرياض).

محور الدبلوماسية السعودية اليوم، ليس كسب نفوذ زائد هنا أو هناك. وإنما بذل كامل الجهد (لإصلاح العلاقات مع الحليف التاريخي الأميركي).

وهذا الهدف تنشط الدبلوماسية السعودية باتجاه تحقيقه، ولكنه غير ظاهر على السطح.

فالمملكة لكي ترضي الولايات المتحدة، تتحرك في بؤر محددة. في الولايات المتحدة بصورة رئيسية أولى، وفي بريطانيا في المرتبة الثانية.

ملخص خطة المملكة، استخدام الحد الأقصى من المال، والحد الأقصى من المهارة في العلاقات وشركات العلاقات العامة وأجهزة الدعاية للتواصل مع النخبة الأميركية والبريطانية، وإقناعها بفضائل النظام السعودي والعائلة المالكة بوجه خاص، وأنها حليف لا بد منه، وأنها تخدم الغرب بنفط رخيص مستمر، وبسياسات معتدلة تكافح الإرهاب.

المملكة تتواصل مع النخب السياسية، وتدفع الأموال لها، كأعضاء برلمانات.

والمملكة تتواصل مع وسائل الإعلام والصحافيين وتدفع الكثير لاصلاح سمعتها المتهاوية.

والمملكة تعمل باتجاه الأكاديميين في الجامعات، فتقدم المعونات وتشتري كراسي الأستاذية، وتنفق الكثير من الدولارات على حملات تستقطب النخبة في اوروبا وأميركا.

والمملكة فوق هذا تجنّد الشركات الغربية المستفيدة من وضعها في المملكة، بغية التأثير على صناعة القرار الغربي حتى لا تفاجأ بحملة عداء تستهدف اقصاء العائلة المالكة عن الحكم. هذه الشركات تقوم بعمل اللوبي الإسرائيلي، لتخفيف الضغط عن السعودية.

وبمختصر القول، إن أهداف السياسة الخارجية السعودية تغيرت، وأدواتها تمحورت وتحددت باتجاهات معيّنة. وبالمجمل فإن الدبلوماسية السعودية تبدو مشلولة على كل المحاور والقضايا العربية والإسلامية، لكنها فاعلة باتجاه هدفها الرئيس اليوم وهو: إصلاح العلاقات مع أميركا والغرب، بما يمنع من تحولهما الى قوة ضغط تزعزع الكيان السياسي السعودي.