مؤتمر مكافحة الإرهاب في الرياض
وسيلة تقارب ودفع تهمة
حسن عبد الحميد
هدأت الأوضاع الأمنيّة قليلاً في فترة الحج؛ لم يكن ذلك إنجازاً
حكومياً بقدر ما كان ذلك ـ على الأرجح ـ قراراً من جماعات العنف،
ولذا ستبدأ دورة العنف تأخذ مسارها من جديد في وقت تستعد فيه
الحكومة لمؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب.
حين
بشرت الحكومة المواطنين والحجاج بأن وزارة الداخلية السعودية قد
اتخذت كامل استعداداتها للحفاظ على أمن الحجاج، في إشارة منها
بطرف خفي الى ما يمكن أن يقوم به دعاة العنف، فإن المراقب الحصيف
للوضع السعودي يدرك بأن أولئك ليس في أجندتهم ـ على الإطلاق ـ
تخريب موسم الحج، أو تعريض الحجاج الى الأذى، فهذا مخالف
لأيديولوجيتهم، ولم يكن ضمن خططهم.
وفي موسم حج ما قبل الماضي، أشاعت وزارة الداخلية، وكجزء من
الحرب الإعلامية، بأن من أسمتهم بالإرهابيين يخططون للقيام
بعمليات أثناء الموسم بما يعرض الحجاج الى الخطر.
كانت تلك دعاية ساذجة، ربما وجد من يؤمن بها.
واليوم، وبعد أن مضى موسم الحج على خير (تقريباً).. مستثنين من
ذلك حادثة الأمطار الغزيرة التي خلقت سيولاً لم تكن في الديار
المقدسة بنية تحتية تستطيع التخفيف من مآسيها المادية والبشرية
(الحكومة تقول ان القتلى بالعشرات، وآخرون يتحدثون عن قتلى من
الحجاج والمواطنين بالمئات).. فإن الحديث عن دورة جديدة للعنف
ستكون على الأرجح على الأبواب، فما حدث كان مجرد فاصلة لالتقاط
الأنفاس، حدث ما يشبهها في موسم حج ما قبل الماضي.
هذه التوقعات ليست مبنية على فراغ، فوكالات الأنباء والمراقبون
عامة، يتحدثون عن احتمال قيام عمليات عسكرية تستهدف النيل من
الحكومة وأجهزتها الأمنية في فترة انعقاد مؤتمر مكافحة الإرهاب
الذي دعت له الحكومة السعودية في الخامس من فبراير القادم في
الرياض، والذي قيل أن خمسين مؤسسة ودولة ستشارك فيه. وتقول
الأنباء أن الحكومة تخشى أن يهاجم مقر المؤتمر، أو المشاركون
المدعوون اليه، رغم الترتيبات الأمنية الصارمة لإنجاح المؤتمر.
إن أية أحداث عنف ـ حتى وإن لم تستهدف المؤتمر والمؤتمرين ـ يعد
انتكاسة للمؤتمر، وستؤثر على مصداقية توصياته.
بيد أن السؤال المطروح يتعلق بالأهداف السعودية من عقد المؤتمر.
فنحن نعلم أن فكرة المؤتمر الأولى جاءت من مصر، ولكن ما لبث أن
سرق السعوديون الفكرة، وهبّوا لتفعيلها دون استئذان، وقيل أن ذلك
أزعج الحكومة المصرية.
تشعر السعودية أنها في حاجة الى تأكيد مسألتين أساسيتين يمكن أن
تنطلقا من المؤتمر:
الأولى ـ هي أن الحكومة السعودية (ضحيّة) أو إحدى (ضحايا)
الإرهاب، وليست (مفرخة) له، كما اعتبرها الأميركيون. إن عقدة
الذنب السعودية لم تبارح مخيلة صانع القرار منذ ضربة سبتمبر
2001م. وما يجعل الحكومة السعودية مثقلة بهذا الهمّ، وتلك
العقدة، أن السعوديين ـ السلفيين ـ لازالوا يقومون بأعمال في دول
مختلفة عربية وخليجية وإسلامية محمّلين بذلك حكومتهم وزر
أفعالهم، وفكرهم المتطرف، وهم بذلك يشيرون الى أن بيئة المملكة
لاتزال قادرة على تصنيع وتجنيد المزيد من السعوديين ـ السلفيين
لصبغ أماكن عديدة من العالم بالدم.
والثانية ـ أن الحكومة السعودية أصبحت مساهماً (دولياً) في
مكافحة الإرهاب، وأن الإرهاب أضحى واحداً من أهم استهدافات
سياستها الخارجية، تماشياً مع السياسة الأميركية الجديدة.
المملكة تريد أن تقول بأنها قادرة على إحداث تحول جذري في
سياستها الخارجية باتجاه الأهداف التي يريدها حلفاؤها، وليس
بالضرورة خدمة لأهدافها الخاصة؛ فكما كانت حجر الأساس في مشروع
(مكافحة الشيوعية) فإنها تحاول اللحاق بالمنافسين الإقليميين
لتقول لواشنطن بأنها جاهزة لأن تلعب دورها الجديد في مكافحة
الأصولية والإرهاب.
كأن المملكة تريد ان تقول، بأن الذين يراهنون على أن المملكة لا
تريد أو لا تستطيع أن تتحول الى لاعب داعم لحلفائها الأميركيين
في مكافحة الإرهاب، باعتبار ان الإرهاب ينطلق من أراضيها وبدعم
من مؤسساتها، ليس صحيحاً؛ كما أنها تريد ان تقول بأن الأصوات
الصهيونية في أميركا والتي تقول بأن العائلة المالكة السعودية
أدّت دورها القديم، ولم تعد الحليف الذي يقدم فائدة، هذه الأصوات
متحيزة وليست صادقة. المملكة بتبنيها هذا المؤتمر تفصح عن رغبة
لتوسيع (المشترك) بينها وبين حليفتها واشنطن، وتسعى لإيضاح أنها
مازلت ذلك الحليف الذي لا غنى عنه على أكثر من صعيد.
على الأرجح فإن المؤتمر لن يأتي بفوائد عملية ملموسة في مسار
مكافحة الإرهاب، فالقضية لم تكن ولن تكون مسألة فنيّة بحتة، حيث
تتداخل عناصر السياسة والإقتصاد والإحوال الإجتماعية والثقافية
في صناعة الظاهرة الإرهابية، وبالتالي فمكافحتها باتت معروفة
الطريق. والحكومة السعودية تستطيع أن تعلن النيّة والرغبة،
ولكنها حتى الآن لم تستطع أن تقنع حليفها الأميركي الذي يرى بأن
مكافحة الإرهاب على صعيد المملكة بالذات لن يكون مجدياً بدون
خيارات سياسية تتوازى مع الحملة الأمنية. والمقصود هنا البدء
بالإصلاح السياسي.
الحكومة السعودية تعرض تأييداً مفتوحاً للولايات المتحدة في
سياساتها لمكافحة الإرهاب خارج السعودية؛ أما إذا تعلق الأمر
بالسعودية نفسها، فإنها تتجاوب في الجزئية الأمنية الإجرائية،
ولا تتناول الموضوع السياسي الإصلاحي ولا الموضوع الثقافي
والتعليمي. يكفي أن نعرف رد فعل السعودية على دعوة بوش الأخيرة
للحكومة السعودية بشأن المشاركة الشعبية في صناعة القرار السعودي
كدليل على الفاصلة في الرأي بين الطرفين.
|