نقد الذات الشيعية

مقاربة أولية لظاهرة الغلو

 

د. فؤاد إبراهيم

 يلزم القول استهلالاً أن ظاهرة الغلو في الأديان السماوية وتفريعاتها باتت حقيقة غير قابلة للجدل، ولم ينجو مذهب اسلامي من تسرّب أفكار متطرفة، تتفاوت بين التبجيل المطلق والحط من الشأن القريب من الازدراء للأنبياء والرموز الدينيين. إن عملية الفحص في المدونات العقدية للمذاهب سعياً وراء تنقيتها من الاختلاطات العقدية التي تسربت اليها في فترات زمنية ومن قبل فئات إجتماعية إعتنقت مذهب ما فنقلت إليه بعضاً من ماضيها الديني، تبدو عملية شائكة، ولكنها، في الوقت ذاته، جوهرية من أجل اكتشاف الذات الأصلية للمعتقد. إن هذه المهمة تبدو لدى البعض مستحيلة، كونها تتطلب تفكيكاً لبناء عقدي بات جزءا من الممارسة الطقسية اليومية، لا سيما وأنه يشكّل، لدى الأتباع، حصناً دفاعياً منيعاً أمام المعتقدات الاخرى، التي هي الأخرى متورطة، بنفس القدر ربما، في مشكلة الغلو. إن الازدراء الذي يظهره البعض لتراث الاسلام وميراث النبوة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما لدى بعض السلفيين الذين يمجدون في الجانب الآخر وينزهون رموزاً فقهية ودينية، لا يقل شناعة عن الذين يغلون في الأنبياء والأئمة، وبالتالي فإن ظاهرة الغلو تأخذ أشكالاً متعددة، وتسترعي مواجهة صادقة مع الذات. ويلزم الفات الانتباه الى أن هذه المقاربة ليست نفياً للذات بقدر ما هي تصحيح لها، من أجل إعادة اكتشافها، ونأمل أن يُفتح الباب للمدارس الأخرى كيما تضطلع بمهمة مماثلة من أجل الوصول الى نقطة ملتقى قريب.

 الغلو اصطلاحاً هو المبالغة والتطرف، وهو مشتق من الفعل غلا أي تجاوز الحد الصحيح . وفي الاطار التيولوجي الاسلامي، فإن الغلو ينطبق بصورة خاصة على أولئك الذين تجاوزوا الحدود المسموح بها في الدين، فينسبون صفات أو خصائص إلهية أو نبوّية للبشر بصورة عامة ، وبخاصة لأئمة أهل البيت (ع) من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وحتى الامام محمد بن الحسن العسكري (الذي دخل في غيبة كبرى في سنة 329 هـ ـ 942م). وعلى أية حال، فإن القناعة المقبولة عموماً هي أن هناك توافقاً نادراً بين التيولوجيين الاسلاميين على معيار محدد للغلو. وفيما يبدو، فإن بعض المحدّثين السنّة أطلقوا صفة الغلاة على أولئك الذين ينالون من الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، أو الذين ينقلون منكرات الصحابة أو فضائل أهل البيت .

في الاطار التيولوجي الشيعي، فإن مصطلح غلو تعرّض لمتغيرات سيميائية منذ بدأ الميراث العقدي للغلاة بالتوهج داخل نسيج العقيدة الامامية في مراحل لاحقة. وقد لحظ عدد من العلماء المعاصرين بأن ثمة صعوبة بالغة تعترض منهج البحث في مسار تطور حركة الغلو داخل البنية الشيعية، بحيث لم يكن التمييز بين الشيعة المعتدلين والآخرين المتطرفين مهمة سهلة. وبالرغم من أن الشيعة الامامية ناضلوا طويلاً من أجل عزل أنفسهم عن الغلاة وشنّوا حرباً بلا هوادة ضد قادتهم، وعقائدهم المتطرفة، الا أن المصادر الشيعية تمدّنا بدليل صلب على أنها تحتوي على عقائد مغالية، والتي قادت في نهاية المطاف عدداً من المؤرخين الى الاستنتاج بأن مفهوم الغلو لابد أنه شهد تطوّراً.

فقد لحظ هودجسون (M. G. Hodgson) بنجاح أن الشيعة الاثني عشرية المتأخرين الذين يلحّون على تصنيف أنفسهم في خانة المعتدلين يستعملون مصطلح الغلاة ضد كل متشدد تفضي أفكاره الى إحداث زعزعة عنيفة لمتبنياتهم العقدية . ونفس الشيء يقال عن الدراسة التي أعدّها بكلي (R. Buckley) في السنوات الاخيرة حيث أولى إهتماماً خاصاً لترقّي الافكار في الاعمال الشيعية، حيث توصل الى أن الكتّاب الشيعة الذين تعرّضوا للصياغات العقدية المغالية في المراحل المبكرة، (لم يكتبوا من أجل احباط أو تخفيض فائدة المحفّزات العلمية) ولكن من أجل مباركة وتعزيز إيمان الناس ـ الشيعة. بمعنى آخر، إن دراسة الغلو مُزجت بالمحاولات الامامية اللاحقة الرامية الى التقليل (من قيمة الغلو، والتشهير، واخيراً الاعتزال(

كرّس هودجسون وبكلي جهوداً مكثفة لفحص كتب (الفرق والملل والنحل) وعثرا على تناقضات شديدة الوضوح بين الروايات الواردة في هذه الكتب، والمتعلقة بحزمة معتقدات الغلاة. من جانبه، لحظ هودجسون، على سبيل المثال، في رواية حمزة بن عمارة البربري بأن الامامي الحسن بن موسى النوبختي (توفي بين 300 ـ 310هـ/912 ـ 922 م) زعم بأن البربري أسبغ على محمد ابن الحنفية صفة الاله فيما خصّ نفسه بالنبوة. ولكن بعدها مباشرة قال النوبختي بأن البربري إدعى الامامة )وأنه ينزل عليه سبعة أسباب من السماء فيفتح بهن الأرض ويملكها، فتبعه على ذلك ناس من أهل المدينة وأهل الكوفة فلعنه جعفر بن محمد بن علي بن الحسين). وتلقي هذه الرواية ظلالاً من الشك على القول بأن حمزة البربري يعتقد بألوهية إبن الحنفية، وهي، حسب هودجسون، (كانت اجتهاداً برّانياً من المزاعم النبوية الخاصة بشخص البربري) . إن الاعتراف بأهمية الاعمال الخاصة بالفرق والملل التي أعدّها علماء إماميون، باعتبارها مصدراً أساسياً في توفير المادة الخام حول الغلاة، كان حافزاً لدى بكلي كيما يقوم بفحص حذر لتلك الاعمال منتهياً الى خلاصة مفادها بأن ثمة ارباكات وتناقضات حادة في الروايات الواردة في هذه الاعمال. وفي ضوء دراسته، فإن علماء الفرق الشيعة كانوا ينزعون بصورة رئيسية الى عرض المواقف التيولوجية الخاصة بهم عبر مخالفة التفسير الخاص للتشيع لدى الآخرين الذين يخالفونهم.

وبناء عليه، فإن هذا النزوع، على حد بكلي، (أوحى اليهم بإزدراء أولئك الذين يعتبرونهم هراطقة، وأن ينسبوا اليهم عقائد ربما لم يعتنقوها مطلقاً) . وبحسب بكلي فإن الاشعري، على سبيل المثال، يدرج البيانانية والحربية والى حد ما المغيرية في قائمة فرق الغلاة في موضع، ويضعها مرة أخرى في قائمة الفرق المعتدلة في موضع آخر . وخلص من ذلك الى أن المعيارية المتوافق عليها للغلو كما قررها علماء الفرق الشيعة كانت الاعتقاد بألوهية شخص ما غير الله .  ومن زاوية أخرى، فإن هذا يشير الى أن كمّاً كبيراً من معتقدات الغلاة الاوائل قد تسللت الى الوعي الامامي وهيمنت عليه في مراحل لاحقة.

ينضاف الى أعمال الفرق، مصدران رئيسيان متصلان بدراسة تاريخ ومعتقدات الغلاة، وهما علم الرجال الشيعة، ورواة الحديث (رجال الكشي، رجال النجاشي، الخ)، والى حد أقل الاعمال التاريخية (تاريخ الطبري، المسعودي..الخ.

وبالنظر الى مصادر الغلاة فإن بكلي من بين قلة من الباحثين الذين أضفوا أهمية خاصة على اختبار كتب الرجال بغرض العثور على معتقدات الغلاة. وفيما يتصل بكتب الرجال، فقد لحظ بكلي بأن ثمة تناقضات بين المصادر المختلفة التي تصف أحوالهم، تأسيساً على المقارنة بين أعمال النجاشي والكشي. فعلى سبيل المثال فإن (الاثنين وعشرين مغالياً الذي أتى النجاشي على ذكرهم، لم يكن سوى ستة منهم تم تصنيفه في خانة الغلاة من قبل الكشي) . وعليه، وبحسب بكلي، ليس هناك إجماع بين علماء الرجال الشيعة حول معيارية الغلو وطبيعته. ولذلك نرى غالباً تناقضاً بين الروايات حول تعريف شخص أو آخر من الرواة. مثال ذلك، جابر بن يزيد الجعفي (توفي 128هـ/745ـ6م) الذي يعتبر واحداً من الاشخاص المختلف عليهم بين رجال الشيعة، وفيما تنسب بعض الروايات الى الامام الصادق (ع) إشادته وتمجيده للجعفي وفي الوقت نفسه تلعن المغيرة بن سعيد، فإن روايات أخرى في المقابل تنزع الى تضئيل شأنه . وبحسب زرارة بن أعين الذي يعتبر حسب طائفة من الروايات بأنه من الصحابة المقرّبين للامام ويعرّف من قبل أغلبية فقهاء الشيعة بأنه راوٍ ثقة، فإنه سأل الامام الصادق عن جابر الجعفي عقب خلاف نشب داخل المجتمع الشيعي بشأن رواياته، فرد الصادق قائلاً بأنه لم يره قط في بيت والده (= الامام محمد الباقر) سوى مرة واحدة . وفي رواية أخرى عن عبد الحميد بن أبي العلا جاء فيها: دخلت المسجد بعد موت الوليد والناس مجتمعة، وجابر الجعفي كان يقول بأن وصي الاوصياء ووارث علم الانبياء محمد بن علي حدثّني والناس تقول: فقد جابر عقله (مرتين) . وقد ذكر بكلي عدداً من الروايات المتضاربة حول أشخاص لعنهم الائمة ولكنهم رووا أحاديث عن الائمة أو حتى وصفوا بكونهم ثقاة .  بيد أن ما يعجز بكلي عن تفسيره من مجمل القراءة العسيرة لكمية الروايات المتضاربة هو كيف يمكن تفسير هذا التضارب، وماهو انعكاسه على مفهوم وطبيعة الغلو.

الى جانب المصادر المذكورة سلفاً، فقد سعى محمد أمير معزّي لدراسة التراث العقدي والدغمائي الشيعي في فترة مبكرة من خلال إستعمال كلمات الامام نفسها (الاخبار والروايات) والتي نقلت من الناحية النظرية بين منتصف القرن الهجري الاول/ القرن السابع الميلادي وبداية القرن الرابع الهجري/التاسع الميلادي . وفيما سعى معزّي للتمييز بين تعاليم الامام والافكار التي زاولها المفكرون الاماميون اللاحقون، فإنه وقع في مطب الانتقائية في التعامل مع مصادر الحديث الامامية، وهي مصادر خضعت لمستوى من التحقيق من قبل علماء الشيعة ، بحيث أمكن تهزيل المنهج الذي اتبعه معزّي، وعلى حد كريم  كروه، فإن معزّي توسّل بأحايث مروّية عن أشخاص متهمين بالغلو .

 

الاصول الدينية والاجتماعية للغلو

 ثمة طيف كبير من مؤرخي المسلمين (الطبري، ابن كثير مثالاً) وعلماء الفرق والملل الشيعة (النوبختي، الاشعري مثالاً) والتيولوجيين (ابن حزم وابن الجوزي مثالاً) يردّون بدايات تشكل ظاهرة الغلو الى عبد الله بن سبأ، اليهودي اليمني الذي اعتنق الاسلام، زعماً، في عهد الخليفة عثمان (رضي الله عنه) ونسب الالوهية الى الامام علي (عليه السلام)، الامر الذي أدى الى نبذه من المدينة المنورة. وبحسب رواية الطبري فإن ابن سبأ زعم بأن علياً كان وصي رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنه طاف في بلاد المسلمين من الحجاز الى البصرة، ثم الكوفة وسوريا وأخيراً مصر مبشّراً وداعياً الى ولاية علي كونه الوصي بعد النبي، وأظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم . وفيما تمنّعت سوريا وحصّنت نفسها إزاء مزاعم إبن سبأ بفعل التعبئة الاموية النشطة، فإن انتفاضة تفجّرت في مصر وامتدّت الى المدينة المنورة وقادت في نهاية المطاف الى مقتل عثمان من قبل التيار المتعاطف مع علي وبتوجيهات من ابن سبأ.

وعلى أية حال، فإن البحوث المعاصرة أبدت تحفظاً حيال هذه الرواية الواسعة الانتشار، التي قد تكون حيكت بواسطة علماء القرن الثاني الهجري في مناخات عقدية سجالية تطلّبت صناعة روائية متقنة محمّلة بنزعة وصمية. وقد ألقى باحثون غربيون مثل فلهاوزن وفريدلاندر بظلال من الشك على رواية الطبري باعتبارها مسنودة الى سيف بن عمر التميمي المعروف بالوضع وفبركة الروايات، وأن المهمة المنسوبة لابن سبأ هي ابتكار لاحق. فقد جادلوا بأن سيف فبرك هذه الرواية من أجل تبرئة أهل المدينة من قتل عثمان، اضافة الى أن المصادر التي سبقت الطبري صمتت حيال شخصية ابن سبأ. بالنسبة لكيتاني، الذي قدّم مناقشة شديدة الاحكام فيميل للاعتقاد بأن المؤامرة السياسية ـ الدينية المنسوبة لابن سبا غير معقولة في العالم العربي ببنيته البطركية القبلية سنة 35 هـ، وأن هذه الرواية تتوافق غالباً مع ظروف العهود العباسية المبكرة .

من جانبهم، فإن طه حسين، وعلي الوردي، ومصطفى كمال الشبيبي، ومرتضى العسكري استعملوا تقنيات بحثية مختلفة في تقديم دراسات نقدية لرواية الطبري حول ابن سبأ . يقدّم الوردي، على سبيل المثال، تصويراً نقدياً ممتعاً حول أوجه الشبه بين ابن سبأ وعمار بن ياسر. في نظره، أن قريش تعدّ عماراً رأس الثورة ضد الخليفة عثمان، ولكنها ـ أي قريش لم تكن تجرأ على البوح بإسمه الحقيقي أو القدح فيه وهو الحائز على شهادات الاشادة من نبي الاسلام (ص)، فاستبدلت ذلك بإسم مختلق ـ ابن سبأ للتنديد بدوره الفاعل في الانتفاضة ضد الخليفة . مصطفى الشبيبي عاضد بحماسة عالية هذا الرأي وأضاف اليه بأن أولئك الذين نقلوا رواية ابن سبأ نسبوا اليه معتقدات هامة مثل: الرجعة، أي رجعة النبي محمد (ص) بعد الموت، والوصية بعد النبي والتي تقضي بأن يكون لكل نبي وصي، وأن علياً هو وصي النبي، وشجب السياسة المالية لدى الخليفة عثمان، ونسبة الالوهية الى علي . مع الاشارة هنا الى أن الشبيبي قد يكون هنا ساهم بصورة غير مباشرة في تشييد المخيال الميثولوجي الذي صنعته أيدي المؤرخ والتيولوجي والرجالي (الهيرسيوغرافي) حول شخصية ابن سبأ، فأضفى طلاءً آخر عليه.

وبعيداً عن قصة ابن سبأ، فإن ثمة اجماعاً صلباً بين العلماء المعاصرين على أن الغلو هو ظاهرة عراقية، نشأت في الكوفة ، مركز الحركات المتطرفة، حيث إزدهرت فيها عقائد الغلو .  وعلى أية حال، فإن ثمة اهتماماً ضئيلاً كما يبدو بشأن جذور الغلو في هذا الجزء من العالم الاسلامي، أي الكوفة. ويمكننا تسليط بعض الضوء على ما يمكن وصفه بالجذور المبكرة للغلو في محاولات أولية لاقتفاء آثار هذه الظاهرة، وذلك على النحو التالي:

أولاً: الارث الديني، فما يمكن ملاحظته أن تلك القبائل التي هاجرت من جنوب الجزيرة العربية واستقرت في الكوفة نقلت معها تقاليدها الدينية السابقة، أي غير الاسلامية الى التشيع الناشىء حديثاً. يعتقد مونتغمري وات بأن عدداً كبيراً من رجال قبائل جنوب الجزيرة العربية الذين دخلوا التشيع كانوا على المسيحية المونوفستية، حيث يلقون رداء الالوهية على المسيح. ويذكر وات في هذا الشأن بأن (في ممالك جنوب الجزيرة العربية يعتبر المَلِك قائداً كاريزمياً (بشراً خارقاً) وأن شيئاً ما من الهالة على المُلك قد أُلصقت به على ما يبدو) . وفي تعضيد لوجهة النظر هذه بدليل آخر يمكن تقديم بيان بن سمعان، كمغالٍ بارز في الكوفة مثالاً على ذلك. وقد كان بيان من بني نهد وهي (إحدى قبائل جنوب الجزير العربية التي لعبت دوراً بارزاً في ثورة المختار في الكوفة) .

ثانياً: المتحوّلون من غير العرب الى الاسلام، وبصورة رئيسية الفرس، أي الموالي الذين اعتنقوا التشيع بفعل المظالم الاجتماعية والاقتصادية التي عانوا منها في عهد الخليفة عثمان وما بعدها، وقد نقل هؤلاء معهم ماضيهم الديني الى التشيع. وبحسب بكلي فإن المشاركة الفاعلة للموالي في ثورة المختار فتحت الباب الواسع كيما تتسرب منه (المفاهيم الاسكاتولوجية والميتافيزيقية الجديدة) داخل التشيع الناشىء.  ولذلك، كان هناك أكثر من سبب من أجل ارجاع الافكار المسيحية الانقاذية التي انبعثت من حركة المختار الى أولئك (المتحوّلين الى الاسلام الذين حملوا معهم تعاليمهم الدينية السابقة حين اعتنقوا العقيدة الجديدة) . وفي السياق نفسه، لحظ هالم هينز بأن (الرؤوساء والناطقين بإسم فرقة الغلاة في المدائن والكوفة كانوا تحديداً في الغالب من الموالي من الحرفيين، والتجار الصغار، والصيارفة من غير الأصول العربية) .  ولذلك، فإن العوامل الاجتماعـ ـ اقتصادية، والسياسية والدينية تظافرت في الفعل والفكرة لتشكل الارضية المناسبة للغنوصية.

إن واحدة من أهم الافكار المركزية في الخلفية الدينية لهذه الفرقة كانت ظهور فكرة المهدي، وفيما يفضل سنوك الاصل المسيحي للفكرة تأسيساً على فرضية عودة المسيح، فإن دارميستيتر يلحُّ على اعتبار أن المتحوّلين من الفرس الى الاسلام هم الذين جلبوا معهم الى الاسلام الفكرة الهندوـ أريان  للمنتقى، والمختار، والمهدي، والعائلة المختارة من الله، التي تنقل مجد الله (فاري يازدان ـ Farri Yazdan) من جيل الى جيل لتنجب في نهاية المطاف (ساشويانت   ـ Sashoyant) المنقذ في العقيدة الزرادشتية. في كتابها النفيس، لحظت ميري بويس بأن بعض المقاطع في (الجاثاس ـ هايمنز) الكتاب المقدس لدى الزرادشتية يشي بأن زرادشت، نبي الزرادشتية كان مكتنزاً بمعنى أن نهاية العالم كانت وشيكة وأن الـ (أهورا مازدا) قد فوّض اليه بالحقيقة الموحاة من أجل استنهاض البشرية للانخراط في الجزء الحيوي في الصراع النهائي. ولكن، لابد أن زرادشت قد أدرك بأنه لن يشهد تلك اللحظة كيما يرى فراشو ـ كيريتي (Frasho – Kereti)، وقد علم لاحقاً بأنه سيأتي من بعده (الرجل الذي يكون أفضل من الرجل الحسن) أي الساشويانت، حسب مقطع43.3. وبحسب ميري بويس، فإن المعنى الحرفي لساشويانت هو (الشخص الذي سيأتي بالخير وأنه هو الذي سيقود البشرية في المعركة الأخيرة ضد الشر) . ويزعم برنارد لويس بأن قد جرى اسقاط هذه الفكرة في وقت لاحق على عائلة النبي وعلى علي بوجه خاص .

ثالثاً: انعكاس مذبحة كربلاء السافرة على الصعيد الاجتماعي: وعلى حد جوليوس فلهاوزن فإن أولئك الكوفيين الذين استدرجوا الحسين الى الوحل ثم تركوه وحيداً فإن صقعة ضمير أصابتهم وهم يرون أمامهم نتيجة ما اقترفوا من عمل مشين. وبعد ذلك، فإنهم شعروا بالحاجة الى البراءة من العار والخزي الذي أصابهم جراء موقفهم المتخاذل وأن يغسلوا هذا العار السابق عبر التضحية بالذات، ولذلك أطلقوا على أنفسهم التوابين .  إن من عرّفوا أنفسهم بالتوابين انتفضوا في الكوفة سنة 64 ـ 65/684 ـ 685 كرد فعل على مشاعر الذنب التي انتابتهم وأن يكفّروا عن الاثم الذي صمموا على اقترافه، بما يعرف بالتضحية الذاتية .

في واقع الأمر، أن قصة التوابين تكشف عن أن بعض الممارسات الطقسية المغالية التي أدّاها التوابون قد اندغمت في البناء الرمزي والديني الشيعي الامامي في وقت لاحق. فبعد شهادة الامام الحسين، تجمع التوابون بقيادة شيخ خزاعة سليمان بن صرد حول قبر الحسين ينوحون، ويقرّون بذنبهم الكبير . لقد اصطفوا الواحد تلو الآخر وقفوا للصلاة على القبر، ملتمسين من صاحبه العفو والصفح عن ذنبهم. وأكثر من ذلك، فإنهم احتشدوا حول القبر بكثافة تفوق احتشاد الناس حول الحجر الاسود. إن طقوس النعي والمناحة التي أقامها التوابون على القبر كانت هي التدشين الاولي لشعائر التعزية الحسينية التي باتت جزءا جوهرياً من مراسم عاشورا التي تقام كل عام منذ العهود البويهية. وتفيد التطورات اللاحقة بأن التوابين لم يكونوا مجرد حركة ظاهرية بل على العكس كانت خطوة جوهرية في تحويل مجزرة كربلاء الى قضية دينية محضة .

رابعاً: التقاليد غير الاسلامية السائدة في بلاد مابين النهرين، فقد لحظ بعض الباحثين بأن الحاضرة الساسانية الهيلينية المعروفة بإسم المدائن (لعبت دوراً هاماً في نقل التقاليد السابقة على الاسلام، والتي دلّت عليها حقيقة أن سبعة من الغلاة المشهورين جاءوا من هذه المنطقة) . يقترب من ذلك أهمية كون كافة المراكز الشيعية الاخرى مثل الكوفة وقم وبغداد قد خضعت تحت تأثير المدائن. وبحسب م. موسى، فإن الغلو الذي ازدهر في العراق قد انتشر في تركستان وخراسان وآسيا الوسطى من قبل الدعاة الاسماعيليين .

وكان تكر (W. Tucker) قام بدراسة موسّعة حول تأثير المذاهب الغنوصية في العراق على المجاميع الشيعية، ولحظ بأن الماندائيين  كانوا باعداد غفيرة في العراق في زمان المغيرة، وهكذا في زمن العباسيين، حيث كان لهم نحو اربعمائة كنيسة . كما لحظ بأن ثمة مشتركات عقدية بين المغيرية والماندائيين، من بينها أن الله هو رجل من نور وبتاج من نور على رأسه. فالمندائيون يعرّفون الاله بأنه (ملك من نور) حسب تكر . وهناك تعليم آخر إندسّ في النسيج العقدي لدى المغيرية وهو أن لله جوارح واعضاء والتي تتوافق مع حروف الالفباء العربية. فرجله على سبيل المثال تشبه حرف (الألف)، فيما تشبه عيناه حرف (العين)، وان تعليمات كهذه لها ما يوازيها في التعاليم غير الاسلامية.

وفيما يرى هالم صعوبة تحديد المناحيمية  كمصدر في التأثير على الغلاة، وذلك لأن (ليس النموذج الكوني الانقاذي المسيحي ولا المصطلحات السائدة لدى الغلاة تملك خصائص المناحيمية التي لا لبس فيها ولا غموض) . تكر، في المقابل، يرى بأن تعليماً مثل القسمة الواضحة بين الظلمة والنور في المغيرية هي (استذكار للتعاليم المناحيمية) .  فالنور والظلمة يعرّفان في التعاليم المناحيمية كمترادفين لمعان الخير والشر في التعاليم المغيرية، كما يتم استعمالهما في قصة الخلق. وأكثر من ذلك، فإن عقيدة المغيرة في ماء الفرات تشبه نظيرتها لدى الماندائيين، وهكذا الاعتقاد في ماء الظلام وماء النور والتي تحمل في طياتها تفسيراً رمزياً أي الشر والخير، والتي طبّقها على خلق الانسان. فقد زعم المغيرة بأن محمداً (ص) كان أول من خلقه الله. وفي نهاية المطاف فإن هذه العقيدة قادت المغيرة لعقيدة التفويض، أي أن الله خلق محمداً وعلياً وفوّض اليهما مهمة خلق بقية العالم. وخلاصة الأمر، أن الفكرة اندغمت في التركيبة العقدية للغلاة وأصبحت مرتبطة بغلاة الشيعة ومالبثت ان حظيت الفكرة بدعم الفرق الامامية في أزمان لاحقة.

خامساً: شخصية الامام جعفر الصادق (ع)، او بحسب هالم (الشخصية الكاريزمية) للصادق ، والتي لعبت دوراً مؤثراً في تشجيع تقاليد الغلو، بمعنى أن الامام جعفر أصبح حسب هودجسون (مركز تطلعات الغلاة، أكثر من أي شخصية أخرى). ويخلص من ذلك للقول بأن (شعبية جعفر الصادق كانت تفوق حجم شيعته وتتجاوزهم) بدليل (أنه وأباه الباقر كانا مقبولين في الاسناد السني) . وحيث ان الصادق (ع) لم يكن مهموماً بالسياسة وشؤونها، فإن الحكام العباسيين لم يتدخلوا في النشاطات الدينية الخالصة للامام الصادق (ع). ولذلك، جذب حوله مجموعة من الناس الذي نظروا اليه لاحقاً على أنه مركز توقعاتهم وتطلعاتهم . وقد ثبت بوضوح أن كثيراً من العقائد الامامية مثل (الحجّة) أو الامام الصامت والامام الناطق وأشبابها نشأت من قبل ابو الخطاب والمتحدّرين منه في زمن الامام الصادق .

يجدر التشديد هنا على أن الامام الصادق (ع) أعلن حرباً ايديولوجية لا هوادة فيها ضد الغلاة، وعقائدهم، وقادتهم، نائياً بنفسه عن هذه الظاهرة المتنامية من الغلو. فقد شجب في مناسبات عديدة الغلاة وقادتهم، منكراً أية روايات حول علاقته بالشخصيات البارزة في فرق الغلاة. وقد حلل هودجسون بصورة متقنة هذا الموقف من الامام الصادق وطبيعة العلاقة التي كانت تربط الصادق والغلاة مشيراً الى أن كثيراً من الحماس لدى الغلاة تم توظيفه لخدمة إمامة الصادق وخطه . وهذا يدفع بنا لتسليط الضوء على المسائل الأشد حراجة ومركزية في هذه القضية الشائكة.    

 

التطور التاريخي للغلو

إن ثمة إتفاقاً عاماً على ان التشيع،في تدشينه المدرسي في عهد الامام الصادق (عليه السلام) كان مرتباطاً بصورة وثيقة بالغلو. وقد لُحظ بأن ثمة عناصر محددة كانت تعتبر غير أرثوذكسية قد وجدت في التشيع المبكر، وأنها مهّدت السبيل لـ (التشكل التدريجي للمذاهب بعد زمان جعفر الصادق) .

اما فيما يرتبط ببدايات ظاهرة الغلو في النسق الشيعي فهناك خلاف واسع بين العلماء المعاصرين. هالم وهدجسون وآخرون تبنوا بصورة مضللة رواية الطبري حول ابن سبأ. هودجسون، بالخصوص، تضلل بفعل المصادر التي اعتمدها بشأن (أن التهمة الاولى التي توصم شخصاً بأنه مغالٍ كان القدح في الشيخين بالاضافة الى عثمان )، وبالنسبة لرفض ابن سبأ للخلفاء الثلاثة الذي كان دون شك غلواً . إن هذه الفكرة تبناها وبثّها المخالفون للشيعة مثل ابن حزم الذي يعرّف الغلاة الأوائل بالقدح في الصحابة وبخاصة ابي بكر وعمر .

وكما أسلفنا فإن البحوث المعاصرة قد ألقت أهمية خاصة على قصة ابن سبأ، وبعضها أطاح بصدقية الروايات الواردة في تاريخ الطبري. وبديلاً عن ذلك، فإن حركة التوابين وثورة المختار في سنة 66 هجرية مثّلت نقطة البداية في ظهور لفظة المهدي التي كانت تستعمل في سياق خلاصي على غرار المسيحية. فقد بذل المختار جهوداً مضنية من أجل تعبئة الجماهير المحرومة والمستضعفة المؤلفة بصورة اساسية من الموالي

في أثر هذه الحركة وتداعياتها، زعم المختار في سنة 64هـ/683م بأن محمد بن الحنفية هو المهدي، وقد عيّنه بوصفه الامين والوزير وأمره بمحاربة الكفّار وأن ينتقم ممن قتل أهل بيته وأن يدافع عن المظلومين . وزعم أيضاً بأن ابن الحنيفية هو وصي علي بن أبي طالب وأنه الامام وأن جبرئيل عليه السلام يأتيه بالوحي من عند الله عزل وجل فيخبره ولا يراه .

وبعد موت ابن حنفية في سنة 81هـ/700م ادعّى كثير من المناصرين له بأنه لم يمت وإنما غاب في جبال رضوى بين مكة والمدينة، وأنه الامام المنتظر الذي بشّر به النبي صلى الله عليه وآله أنه (يملأ الأرض عدلاً وقسطاًً) . ويمكن هنا ملاحظة المرة الأولى التي تظهر فيها العقائد الخلاصية مثل الغيبة والرجعة التي ميّزت معتقدات الامامية في المراحل التاريخية اللاحقة.

إن عقائد مثل الغيبة والرجعة وُصِمَت من قبل غالبية المجتمع الاسلامي بالغلو، وأن المعتنقين لها بالغلاة . وعلى أية حال، فإن قمع ثورة المختار لم تضع خاتمة نهائية للحركة. فهناك مصادر تكشف عن أن بيان بن سمعان (توفي 119هـ/737م) والبيانية عموماً بشّرت بإمامة ابي هاشم، ابن محمد بن الحنفية. وبحسب تكر فإن هذا (يلمح الى أن ثمة تواصلاً من نوع ما بين بيان وثورة المختار) .

وكما هو شأن الكيسانية، فإن البيانية زعمت بأن أبا هاشم هو المهدي القائم الغائب وهو ولي الخلق وسيرجع فيقوم بأمور الناس ويملك الأرض ولا وصي بعده . كما ادعى بيان ايضاً بأن ابا هاشم، الذي فوّض اليه ابوه الامامة، قد عيّنه خليفة له. وتفيد روايات أخرى بأن بياناً إدعى النبوة ، بعد وفاة ابي هاشم، وطلب من الباقر ان يقرّ بنبوته. وبحسب نص الرسالة: (إسلم تسلم وترتق في سلم وتنج وتغنم فإنك لا تدري أين يجعل الله النبوة والرسالة وما على الرسول الا البلاغ وقد أعذر من أنذر). وكان جواب الباقر انكارياً وساخراً حيث أمر رسول بيان النهدي، عمر بن أبي عفيف الأزدي أن يأكل القرطاس الذي كتبت فيه الرسالة، وقد قتل بيان على ذلك وصلب .

وكان بيان قد توسّل بشكل أولي في التفسير الرمزي للآيات القرآنية، حيث قرأ الاية الكريمة (هذا بيان للناس وهدى) ـ 4: 138على أنها تنطوي على اشارة الى نبوته وتنصيبه من قبل الله تعالى. وعلى أية حال، فإن هذا النهج في التفسير المنسوب الى الغلاة قد غدا تدريجياً عنصراً جوهرياً في التأويل القرآني الامامي ، هذا ما تكشف عنه بعض كتب تفسير القرآن الشيعية.

العقيدة الاخرى المنسوبة الى بيان هي ادعاؤه معرفة الاسم الأعظم ، والذي يعتبر المفتاح السحري للكشف عن الطلاسم والاسرار، وامتلاك سلطات خارقة. تفيد البحوث المعاصرة بأن استعمال الاسم الاعظم والسري كان حاضراً في الشرق الأدنى للآف السنين، وبالخصوص في الرواية المصرية القديمة، وفي اليهودية (صوفية مركابا اليهودية)، وفي المتمذهبين المزدكيين من الفرس الساسانيين

إن ثمة دليلاً على سطوة أفكار بيان على الشيعة الامامية وهو أن التيولوجيين الشيعة اللاحقين يشددون على أن معرفة الامام مؤلفة من أجزاء ثلاثة من بينها: الاسم الأكبر/الاسم الاعظم .   وعلى أية حال، فإن القرن الهجري الثاني شكّل منعطفاً حاسماً فيما يرتبط بالافراد والجماعات المتشددة المتكاثرة التي بدأت تسبغ على شخصية بارزة أو عدة شخصيات تنتمي للبيت النبوي صفة الالوهية .

ومع اخماد الحركات الشيعية الراديكالية المتفجرة في العراق والتي بدأت بالانتفاضة الكبيرة بقيادة المختار سنة 638م وحتى سقوط الدولة الاموية سنة 750م، انصهر كثير من المغالين داخل التشيع الامامي حيث زرعوا تعليماتهم. وهناك روايات عديدة تظهر بأن الجماعات المغالية روّجت لألوهية الامام جعفر الصادق، والائمة المتحدرين من صلبه. وقد بذل الائمة (عليهم السلام) وحواريوهم المخلصون جهوداً حثيثة من أجل عزل أنفسهم وأتباعهم وبصورة علنية عن الغلاة، منددين بمعتقداتهم، وأفكارهم، ورؤوسائهم، بغرض درء تأثيراتهم على المجتمع الشيعي

ومهما يكن، فإن العديد من الشخصيات المهرطقة التصقت بشدة في الاعتقاد بألوهية جعفر الصادق. ويعتبر إبن الخطاب (ت 138هـ/755 ـ 756م) والذي كان مولى لبني أسد وقتل في مسجد الكوفة خلال السنوات الاولى من الخلافة العباسية أحد المغالين البارزين، وقد زعم بأن جعفر بن محمد هو الله وأنه (= أبا الخطاب) نبي مرسل . وفي مرحلة لاحقة، زعم أتباعه بأن الباقر قد اوحي الى ابن الخطاب بكتاب اسمه (ام الكتاب) يتضمن أسرار الكون، واصلاح الروح البشرية، ويتمثل كنور محبوس في الاجساد. وقيل بأن ابن الخطاب كان يحمل ثلاث أفكار مغالية، الاولى: الاباحة، والتي تعني بأن كل مؤمن يتعمّق ولاؤه للامام يكون معفياً من كافة الاقترافات، وهي عقيدة ربما حملها بعض الشيعة المغالين واندست في البنية العقدية لدى بعض الاتجاهات الشيعية المتطرفة، الذين يرتكبون الذنوب الكبيرة إعتقاداً منهم بالرخصة فيها طالما حظيت بختم البراءة من الامام المعصوم. ثانياً، الاعتقاد بتناسخ الارواح، أي فكرة الرجعة، بمعنى أن انزال الارواح في أجساد مختلفة عقيدة قائمة على الفصل بين الروح والجسد، وبحسب الفكرة المسيحية فإن ما يبقى بعد الموت هو الروح الصافية . وثالثاً عقيدة الحلول، أي حلول روح الله في أجساد الرجال . وهناك كتاب آخر مزعوم عن الامام الصادق بإسم (كتاب الاظّلة)، زعموا بأنه أوحى به الى تلميذه المقرّب الافتراضي المفضل بن عمر، وهو كتاب يعتقد بأن واضعه هو راوٍ مغالٍ كوفي محمد بن سنان (ت 220/835م) وهو زعيم بارز للغلاة في زمان الامام الرضا . إن الفكرة الرئيسية للكتاب هي رفض الوجود الفيزيائي للائمة، بمعنى أنهم كانوا في هيئة أشباح كما في مثال الحسين الذي لم يمت ولكنه (اختفى) ودخل في غيبة. ومن هذه النقطة يمكن دراسة العلاقة بين الغلاة والامامة في ضوء الدراسات الحديثة.

وسنحاول هنا تقديم مسح موجز للأفكار الرئيسية التي تتعامل مع المعتقدات الاصلية للغلو وطبيعة تأثير هذه المعتقدات على النظام العقدي الامامي. ونبدأ باطروحة محمد امير معزي حول التركيبة العقدية المبكرة للمذهب الامامي على اساس استعمال الروايات الصادرة (زعماً) عن الائمة، كما هي محفوظة في المجموعات الروائية الامامية. وعليه فإن المنهجية المقترحة من أجل مقاربة المذهب الامامي في مرحلة مبكرة مؤسسة على النص الدغمائي والعقدي وليس النص القضائي/التشريعي/الفقهي .  ويرى معزي بأن التشيع المبكر كان (عقيدة باطنية) وفوق ـ عقلانية، تجحد أي نوع من التميز بين معتدلي الامامية ومتطرفيهم، أي أولئك الذين يطلق عليهم الامامية الباطنيين غير العقلانيين . مع ذلك، وبالرغم من أن الائمة (عليهم السلام) قاوموا بصرامة وعلنية المغالين ورسموا خطاً فاصلاً منذ البدء بين المعتدلين والمغالين فإن هذا الفصل حسب معزّي (يبدو مفتعلاً وزائفاً) . ويرى أيضاً بأن المذهب الامامي قد تحوّل تقليدياً وبمرور الوقت من كونه مذهباً باطنياً الى  مذهب ظاهري، ومن الناحية التيولوجية من التقليدية الى العقلانية على النهج المعتزلي. وعليه، فإن الاقرار بالعقيدة الاصلية، والتمايز الدقيق بين العقائد الامامية المبكرة واللاحقة تتطلب دراسة المجاميع الروائية الامامية. إن الغرض المأمول من وراء هذه الدراسة يكمن، حسب معزي، في تشخيص الروايات الخام الصادرة عن الأئمة والتي تختزن وتحمل العقيدة الاصلية للشيعة الامامية، بمعزل عن نظرات الاصحاب والاعمال التيولوجية الصادرة بعد الغيبة الكبرى. إن مقاربة أمير معزي لدراسة العقيدة الامامية المبكرة تقترح نقطتين رئيسيتين: الاولى مفهوم العقل الامامي في الشكل الاصلي، كما عكسته الروايات الشيعية المبكرة. فبحسب معزي، أن الامامية المبكرة تستثمر المجال الديني للعقل من أجل تحويله الى حجر زاوية في البنية الدغمائية لعلم الامامة. فهو يفسر العقل، تأسيساً على الروايات الامامية، على أنه حدس المقدس (intuition of the sacred). وفي تركيزه على الروايات المتعاطية مع العقل، فإن أربعة أبعاد للعقل قد تم اشتقاقها. الاول: البعد الكوني، حيث العقل، المتنزل من نور الله، كان المخلوق الالهي الاول وأنه النموذج الميتافيزيقي الاول للأخلاقية الانسانية في الحرب ضد اللاأخلاقية الكونية .  الثاني البعد الاخلاقي ـ المعرفي، حيث تكون للعقل قابلية أو قوة فطرية للمعرفة العلوية أو المتعالية. الثالث، البعد الروحي، حيث يكون العقل مصدر الايمان، أو (الحجة الباطنة)، والرابع، البعد الخلاصي الانقاذي (soteriological)، في عملية الحساب يوم القيامة، حيث يخضع بنو البشر للحساب على قدر عقولهم.

ثانياً، المناقشة الدقيقة وتقييم تطور الحديث الشيعي. يجادل أمير معزي بأن التيولوجيين والروائيين الامامية الذين خضعوا تحت تأثير المعتزلة بدوا وكأنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة مع التعاليم غير العقلانية، وبالتالي إضطروا للبحث عن نوع من المصالحة بين (حماية وتأمين المعتقد الاصلي وإهتمامهم بأن لا يدخلوا في مواجهة قاسية مع الايديولوجيات السائدة) . وعليه، فإن أطيافاً مختلفة من الروايات، مندكة في نطاق ميتافيزيقي، وعرفاني (وبالتالي هرطقي)، سلكت طريقاً نحو العقلنة، حيث أن مفكرين مثل المفيد والمرتضى شنّوا حرباً ضد تلك الروايات بإسم العقل . إن مثل هذا التفسير الموجّه خدم عملية المقارنة المعقودة بين أعمال مثل (الصفار، الكليني، ابن بابويه، المفيد، والمرتضى) على أساس مدى استحضار العناصر اللاعقلانية والباطنية في أعمالهم.

بالنسبة لتفسير العقل، فإن أمير معزي يسعى الى توظيف الابعاد الأربعة للعقل التي تؤلف العقل العلوي (Hiero-intelligence) بوصفه المفتاح الرئيسي للعقيدة الاصلية للأئمة الاوائل.

لقد كرّس كريم كرو عرضه النقدي لاطروحة معزي من أجل مسائلة تفسيره لمفهوم العقل في المرحلة المبكرة من التشيع الامامي. فالمصادر التي تناولت مفهوم العقل بحسب شرح معزّي لم تكن مقيدة بالامامية فحسب. فقد لحظ كريم كرو بأن معزي قد درس روايات العقل بمعزل عن الروايات المستفيضة المتوفرة في المصادر الحديثية السنية. الى جانب ذلك، فإن أمير معزي، كما لحظ كريم كرو، يتوسل بنوع واحد من الاحاديث التي هي غير قوية السند أو أنها رويت من طرق ضعيفة او غير موثوقة.

في الاجمالي العام، فإن العقل في الروايات المبكرة لا يرشد أو يعني الاجتهاد الشخصي أو التفكير المنطقي. ويجادل كرو بأنه في القرنين الاوليين اكتسب مصطلح العقل معناه من الاستعمال العربي متظافراً مع تأثير التراث الديني الانجيلي على الاسلام الناشىء، أي بمعنى الحكمة ـ الحكم، ومعرفياً فهم كلام الآخر (إسمع وإعقل) .  وبحسب كرو، فإن الائمة كانوا في حالة خصام ضد استعمال التقييم الجدلي (القياس والرأي والاجتهاد، أصحاب المقاييس)، في موضوعات الحلال والحرام ولا حتى في الموضوعات الثيولوجية. ومن المحتمل، ربما، أن الائمة عارضوا أنواعاً محددة من الاجتهاد على أساس تأثيرها السلبي على الصعيد الاجتماعي، وبالخصوص، تلك الانواع ذات البعد الجدلي، التي تفضي الى (جدليات تيولوجية داخلية انقسامية داخل مجتمع الاتباع) .

وحيث أن أمير معزي لا يرى وجود أي إتجاه عقلاني بين مفكري الشيعة خلال الفترة مابين الصادق والرضا، بما في ذلك مدرسة هشام بن الحكم، ويونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان، ولذلك فإنه تفادى التعاطي مع أفكارهم. ومن الضروري الاشارة الى أن هذه المدرسة لعبت دوراً جوهرياً في (الاسهاب في عقيدة الامامة) وكانت هذه المدرسة (في الغالب على تضاد مع المعتزلة الاوائل، أو كان أصحابها يوصمون بالزنادقة من قبل المدرسة القمية التي تضم التقليديين الشيعة( . وأكثر من ذلك، فإن روّاد هذه المدرسة ناضلوا من أجل تأمين وحماية المجتمع الامامي، حيث عزلوا أنفسهم عن الغلاة. يونس بن عبد الرحمن، على سبيل المثال، والذي كان دائماً ما يحظى بإشادة وتأييد الامام الرضا، قيل بأنه سئل من قبل مجموعة من أصحاب الامام عن السبب الذي يجعله حذراً في رواية الحديث، وانكاره الدائم لكثير من الاحاديث المروية من قبل أصحاب الائمة، فرد قائلاً بأن هشام بن الحكم سمع ذات مرة من أبي عبد الله (= الصادق) يقول: اقبلوا من الحديث ما توافق مع الكتاب والسنة أو له سابقة من أحاديثنا السابقة، فقد وضع المغيرة بن سعيد من الاحاديث بإسم أبي ووضعها في كتب أصحابنا. وأضاف يونس قائلاً: لقيت في العراق نفراً من أصحاب أبي جعفر (الباقر) وأبي عبد الله (الصادق) وسمعت منهم الحديث، ثم اخذت كتبهم وعرضتها على الامام أبي الحسن (الرضا) فأنكر أكثرها، وعقّب على ذلك بالقول بأن لعن أبي الخطاب الذي وضع الحديث بإسم أبي عبد الله مشيراً الى ان أتباعه مازالوا يفعلون ذلك. ثم أوصى الرضا يونس بأن لا يقبل حديثاً يتعارض مع الكتاب أو السنة .

وفيما يتصل بتقييمه لتطوّر الحديث لدى الشيعة، فإن معزّي يصنّف المصادر ضمن تسلسل زمني محدد. ولكن، يبدو أنه كان إنتقائياً الى حد ما، حيث يقيم دعواه على مصادر ما يطلق عليه بـ (الامامية الباطنية اللاعقلانية)، والتي تتألف من الاعمال الدوغمائية لابن بابويه .  وبحسب كريم كرو، فقد كان متوقعاً من أمير معزي ان يتوسل بسجل الاحاديث المجموعة قبل الهجوم على المحدثين الشيعة من قبل الشيخ المفيد (انظر: شرح عقائد الصدوق) والمرتضى (أنظر: الموصليات، التباينات)، والتي يجادل أمير معزي بأنهما بترا التعاليم الامامية الاصلية كنتيجة للنزعة العقلانية لديهما، وإعادة صياغتهما العقدية على أساس محاولة تسكين العناصر فوق ـ العقلانية للنص.

إن ما ترشد اليه اطروحة أمير معزي أن علم الامام يمكن استعماله كمعيار لتحديد الفارزة بين الشيعة المعتدلين والمتطرفين في حياة الائمة، وأيضاً بين الامامية الاوائل والأواخر. يجادل معزي بأنه في المصادر الامامية المبكرة، يراد من العلم ليس العلوم الدينية التقليدية فحسب ولكن أيضاً وبخاصة الجزء الباطني من هذه العلوم والاسرار الخفية لها . إن علم الإمام يشمل الاحاطة بالعالم غير المرئي، والماضي، والحاضر والمستقبل، والتأويل، وكافة اللغات البشرية، ولغات الحيوانات، والطيور، والجمادات، والمسوخ، وعمود النور الذي يمكّن الامام من رؤية ـ إذا ما شاء ذلك ـ أجوبة كل المسائل، والنكت في القلوب، والنقر في الآذان .

ومن الواضح، فإن أمير معزي، كما يبدو، قد رجع الى الى المصادر المتأخرة مثل الصفار في (بصائر الدرجات)، والكليني في (الكافي)، حيث من السهل عليه العثور على روايات مستفيضة تعزز اطروحته. وحقيقة الأمر، أن المناصر البارز لفكرة (النكت في القلوب) وأشباهها كان المفضل الجعفي الذي شاع عنه بكونه خطابياً . وقد نقل الكشي بأن جعفر الصادق قال للمفضّل (أيها الكافر..أيها الوثني..) . وكان يعرّف من قبل علماء الرجال بأنه راوٍ غير موثوق، وغير مخلص، ومتروك أو مهمل وقد أضاف الغلاة روايات كثيرة بإسمه .

وفيما يتصل بالعقيدة الاصلية للامامية، فإن بإمكان المرء الرجوع الى أعمال هشام بن الحكم ويونس بن عبد الرحمن. وبحسب في. مادلونج ( V. Madelung) فإن القسم المتعلق بوصف جماعة الغلاة في كتاب النوبختي (فرق الشيعة) أي (إختلاف الناس في الامامة) مشتق من عمل هشام بن الحكم. إن مقارنة بين كتابي النوبخي، الفرق، والقمي، مقالات، يكشف بناء على مادلونج بأن معلومات إضافية في كتاب القمي مشتقة من كتاب يونس بن عبد الرحمن بعنوان (الرد على الغلاة) . وكما يظهر فإن العقيدة الاصلية للامامية كانت حسب هشام بن الحكم تقوم على أن النبي (ص) أورث علياً العلم الديني المطلوب والذي منه انتقل الى الائمة من بعده.

وهناك روايات موثّقة نقلها مقرّبون من الامام الصادق (ع) تتعارض مع الروايات السابقة والخاصة بمصدر علم الامام. فقد روى عبد الله بن أبي يعفور العبدي (131/748 ـ 49) وكان من حواريي الامام الصادق (ع)، أحاديث حول علم الائمة. وقال بأن الامام يتلقى علمه عن طريق قراءة كتب آبائه .   يقول ابن يعفور أن الصادق قال بأن الله قضى بأن كل إمام يسلّم ما لديه من كتب الى الامام اللاحق . ولكن، يبقى، أن هذه الطريقة في اكتساب المعرفة لم تحل المشكلة بصورة كاملة، والسبب في ذلك، أن هذه المعرفة لا تنطوي على إجابات للحالات التي تحدث في الايام اللاحقة. ولكن بالنسبة لأصحاب هذا الرأي يردون على ذلك بالقول بأن النبي قد نقل للامام علي علم (كل مايحتاج اليه الناس حتى قيام الساعة). ويزيد المناصرون لهذا الرأي على ذلك بالقول بأن الامام قد يلجأ الى الاجتهاد وإعمال رأيه في الموضوعات المستحدثة .  ولكن، مرة أخرى، فإن التفسير العقلي لا يضع نهاية حاسمة للمشكلة. إن مسألة علم الامام قد طُرحت بصورة جدية وجدلية في أيام الامام محمد الجواد. فقال البعض بأن الامام لا يحمل العلم الذي يؤهله لتولي منصب الامامة، وكان صغير السن حين رحل أبوه الامام الرضا (ع) عن دار الدنيا، فلم ينل فرصة التشرب من علم أبيه. وبحسب رواية النوبختي أن أصحاب هذا الرأي (استصبوه واستصغروه) وقالوا: (لا يجوز الامام الا بالغاً ولو جاز أن يامر الله عز وجل بطاعة غير بالغ لجاز أن يكلف الله غير بالغ فكما لا يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ فكذلك لا يفهم القضاء بين الناس ودقيقه وجليله وغامض لأحكام وشرايع الدين وجميع ما أتي به النبي صلى الله عليه وما تحتاج إليه الأمة الى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير بالغ ولو جاز أن يفهم ذلك من قد نُزل عن حد البلوغ درجة لجاز أن يفهم ذلك من قد نزل في حد البلوغ درجتين أو ثلاثاً وأربعاً راجعاً الى الطفولية حتى يجوز ان يفهم ذلك طفل في المهد وذلك غير معقول ولا مفهوم ولا متعارف) . في المقابل، ذهب بعض الامامية للقول بأن الامام قد يتلقى المعرفة التامة للشريعة وقد يُعيّن من قبل الله إمام على الناس حتى لو كان طفلاًُ كما بعث الله عيسى نبياً وهو في المهد، وأن الله أتى يحيى بن زكريا الحكم صبياً، وبحسب النوبختي (كان في حجج الله ممن كان غير بالغ عند الناس) .

 لقد رفض كثير من الامامية فكرة أن يكون الامام قد يحصل على العلم عن طريق مصادر الهية غيبية،  وقد روى المغيرة بأنه ويحيى بن عبد الله بن حسن جاءوا أبي الحسن (الرضا) فسأله يحيى قائلاً: إن هؤلاء (ويقصد بهم بعض الشيعة الغلاة) يزعمون أنك مطلع على الغيب. وقد ردّ الامام الرضا بغضب طالباً من يحيى أن يضع يده على رأس الامام تعبيراً عن الصدمة التي أحدثها كلامه، وعلّق قائلاً إن علمه ليس سوى ميراث النبوة . أي أنه علم توارثه عن آبائه وأجداداه، وقد نقله النبي (صلى الله عليه وآله) الى الامام علي (عليه السلام) ثم انتقل الى الائمة من بعده.

الا أن بعض الامامية المتاخرين، كما سنرى، تبنّوا فكرة المفوّضة، وأن الله فوّض أمر الخلق للائمة. وفي نهاية المطاف، فإن الفكرة بأن إكتساب الائمة للعلم يتم عبر مصادر غيبية الهية، مسنودة من قبل فرقة من الغلاة عرفت بإسم (المفوّضة) لنشر أدبياتها التي ترجع بصورة رئيسية الى المفضّل بن عمر الجعفي، الذي يروي عن الامام الصدق . وكما يفهم مما سلف ذكره، أنه على الضد من إطروحة أمير معزي، فإن الامامية اللاحقين ناصروا عقائد مثل المصادر الغيببة لعلم الائمة، وهي عقيدة رفضها الامامية الأوائل بصورة قاطعة.

وعلى النقيض من اطروحة امير معزي، فإن حسين مدرسي يقدّم اطروحة مختلفة تماماً. يفرّق مدرسي، ابتداءً بين الامام والجماعات والافراد المصنّفين في قائمة الغلاة، ويؤسس اطروحته على أرضية أن هؤلاء الغلاة الذين ظهروا في المجتمع الامامي (ورثوا وتبنوا كثيراً من نظرات الغلاة في مدرسة التشيع الكيساني البائدة والقائلة بالطبيعة الالهية للأئمة) . وفي الوقت نفسه، حسب مدرسي، فإن عقائد الغلاة والتي واجهت استنكاراً صارماً وعنيفاً من قبل الائمة جرى إمتصاصها في الجسد العقدي الامامي في مرحلة لاحقة. على سبيل المثال، إن عقيدة التبجيل المفرط للنبي (ص) وأهل بيته (ع) كانت واحدة من العقائد الرئيسية المتطرفة التي اخترقت المجال العقدي الامامي واندست فيه. ويذهب المفوّضة الى أن النبي والائمة كانوا أول المخلوقات وأن الله خلقهم من طينة مختلفة عن بقية البشر، ثم فوّض اليهم أمر خلق وادارة شؤون الكون، وتالياً ورثوا كل الخصائص الالهية مثل الخلق، الرزق، والموت وغيره

وبالرغم من أن أغلب المفوّضة بقوا في الاتجاه السائد للمجتمع الامامي حتى نهاية عصر الائمة، ولكنهم ـ إي الأئمة، والمجتمع الامامي، عارضوا بقوة فكرة الطبيعة الخارقة للامام والتمسك بتوصيف كونهم "علماء أبرار" . وقد كان أبو محمد عبد الله بن أبي يعفور العبدي وهو من الاتباع المخلصين للامام الصادق (ع)، من القائلين بأن الائمة هم (علماء أبرار أتقياء). وهذا القول، بحسب مدرسي، كان مشاعاً بصورة واسعة في فترة أبي يعفور العبدي، يدل عليه وجود حشد واسع من أولئك الذين يحملون أفكاراً مناهضة للغلو في جنازة ابن ابي يعفور، بل وعرفوا من قبل بعض علماء الرجال باليعفورية . على أية حال، فإن قدر هذه الفرقة التواري خلف سطوة المفوضة، التي أصبحت الفرقة المهيمنة في زمان الامام الرضا، كما يدل على ذلك ما نقله يونس بن عبد الرحمن عن علماء العراق المحسوبين على التشيع والذين وضع بعضهم الرواية بإسم الامام الصادق. لقد درس بكلي R. Buckley بقدر من الاهتمام والتركيز على فترة الامام الرضا، ولحظ بأن رسائل (الرد على الغلاة) لم تظهر في أي زمن مضى حتى فترة الامام الرضا (203هـ/818م)، بما يشير الى أن (نشاطاً جدلياً عميقاً ومعقداً ضد الغلاة ظهر في هذه الفترة) .  وقد اضطلع بهذا النشاط ثلاثة من رموز التشيع الامامي وهم: هشام بن الحكم (توفي 179هـ/790م) ويونس بن عبد الرحمن (توفي 208هـ/823م)، وأبو عيسى الورّاق (توفي بعد عام 247هـ/861م). وهذا يدعو للقول بأن هؤلاء أول ثلاثة علماء الفرق في الاسلام، أي الامامية الذين كانوا بصورة رئيسية ضالعين في الحط من شأن الغلاة .  ويمكن ملاحظة أن مناظرات ساخنة انعقدت بين المعتدلين والمتطرفين الشيعة بعد وفاة الامام الرضا، الذي  ترك ابنه الأكبر البالغ سبع سنين، ليبدأ الجدل حول علم الامام بصورة رئيسية. وكما أسلفنا، فإن الامامية المعتدلين يعتقدون بأن الامام الجواد تلقى علمه عن طريق كتب آبائه . ولكن المفوّضة قالوا بأن لدى الامام مصدراً إلهياًَ غيبياً للعلم (نكت في القلوب ونقر في الآذان) . وكنتيجة، فإن الرؤية العقدية لدى المفوضة حظيت بانتشار واسع في المجتمع الشيعي الامامي وأفضت الى (زيادة شعبية فكرة الغلو القائلة بالمكانة الكونية للائمة) . وأكثر من ذلك، فإن الامامية اللاحقين باركوا الفكرة، وضاعفوا جهودهم لجهة الدفاع عنها. وبحسب مدرسي، فإن القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي كان فترة خصبة لانتشار أدبيات الغلاة بصورة عامة والمفوضة بصورة خاصة في المجتمع الامامي . وكمحصلة، فقد نجح المفوّضة في تنظيم انفسهم داخل الاتجاه العام للمجتمع الامامي، بمعنى أن الامامية المعتدلين الذين شعروا بفداحة التهديد والهزيمة فرضوا تدابير عاجلة من أجل احتواء الخطر المتنامي للمفوضة. وبحلول منتصف القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، فإن كثيراً من رواة الحديث الشيعة قد تم طردهم من قم بسبب نقلهم روايات تشتمل على إشارات حول الطبيعة الخارقة المنسوبة للنبي (ص) أو الائمة (ع). في الجهة المقابلة، كان رد فعل المفوّضة على تلك التدابير حازماً حيث وصموا علماء قم ومن يسير على خطاهم بـ (المقصِّرة). يلزم الاشارة الى، كما يلحظ مدرسي، أن منصب الامامة في القرن الثالث الهجري قد عضّد الافكار المتطرفة كيما تحظى بدعم أكبر من قبل المجتمع الشيعي. إن المجتمع الامامي شهد خلافاً حاداً مرة اخرى حول موضوع علم الامام. فقد ذهبت جماعة من نيشابور الى أن (الائمة يتحدثون لغات كل البشر والطيور والحيوانات كما يعلمون بما يجري في الكون مهما كان صغيراً ام كبيراً) .  لقد أنكر معتدلو الشيعة كل تلك المزاعم، ورفضوا فكرة استمرار الوحي ، قائلين بأن الائمة إنما اكتسبوا علمهم عن طريق كتب آبائهم. على أية حال، فإن المفوّضة واصلوا نجاحهم على حساب المعتدلين الذين أصبحوا في موقع ضعيف نسبياً.

وكنتيجة للصراع بين جبهتي المفوّضة والمقصّرة، فإن الاولى عبّرت عن نفسها بوصفها الممثل الحقيقي للتشيع، وأن عقائدها كانت في منتصف الطريق بين الغلاة والمقصّرة. وعليه، فإن مثل هذا الزعم قاد الى فشل جهود خصومهم، بمعنى ان المفوّضة لم يعودوا بعد ذلك مصنّفين كغلاة. من المثير للسخرية، أن المفوّضة شنّوا حرباً لا هوادة فيها ضد خصومهم ـ المعتدلين متهمين إياهم بـ (ضعف العقيدة) ، وقد اكتسبت التهمة تأييداً من أغلبية المجتمع الشيعي. ومن هذه النقطة، فإن أدبيات المفوّضة وجدت سبيلاً ممهداً للسجل العقدي والروائي الشيعي. وكما لحظنا من بعض الرسائل والكتب والمجمعات الروائية، فإن كثيراً من روايات الغلاة والمفوّضة أصبحت مهيمنة، يظهر ذلك، على سبيل المثال، من قيام النوبختي بتعديل موقف موقف الشيعة الاوائل، ومناصرته لفكرة أن الامام يكتسب علمه عن طريق (الالهام)، والنكت والرؤيا والملك المحدث ورفع المنار والعمود وعرض الاعمال وغيرها . وحتى الامامية الذين يحلو لأمير معزي وصفهم بالمعتدلين والعقلانيين مثل الشيخ المفيد والشيخ الطوسي فقد كانوا في مستوى ما مؤيدين للمفوّضة، فقد عرّف المفيد والطوسي المفضل بأنه ثقة وأنه من أصحاب الامام الصادق المخلصين والمقربين .

الآن، إن الدليل الصلب الذي يقدّمه حسن مدرسي هو نتيجة تحقيق لكتاب الكافي للكليني. فالكتاب يضم 16.199 رواية، تشتمل على 9.485 حديثاً ضعيفاً أو مجهولاً .  واذا اضفنا الى ذلك نتيجة التحقيق الذي قام به R. Buckley والذي توصل الى أن ما يربو عن ثلاثة أرباع الروايات الشيعية الواردة في الكافي منسوبة الى الامام الصادق وأبيه الامام الباقر، وبالنظر أيضاً الى أن الامام الصادق وحده، على الضد من باقي أئمة المذاهب الاسلامية الاخرى، الذي يعيش رواة حديثه في الكوفه بينما يقيم هو في المدينة المنورة، بما سمح لعملية وضع الحديث (كما كشف عنها يونس بن عبد الرحمن لاحقاً) ان تتم مهمتها بسهولة، وان تعضد أفكار المفوضة المغالية التي تسربت الى التشيع الامامي وغمرت عقيدته الصافية التي بلّغها الائمة الاطهار.

وكنتيجة، فإن حسن مدرسي توصل من كل ماسبق الى أنه بالرغم من أن المفوّضة يعتبروا، من الناحية النظرية، فرقة انشقاقية هرطقية، من قبل المجتمع الامامي، فإن كثيراً من هرطقاتهم لقيت من يتبناها ويدعمها في الاجيال الامامية اللاحقة . كما اعترض مدرسي بعض الافكار المتطرفة مثل الولاية التكوينية، السائدة في الادبيات الشيعية المعاصرة، والتي تماثل النظرية الكونية للمفوّضة المتعلقة بالخلق الأول .  

وقد شهد المجتمع الشيعي دورة جدل حامية حول الولاية التكوينية في العصورة المتأخرة. وقد خالف السيد محمد حسين فضل الله القائلين بها، وقال بأن (كل القرآن دليل على عدم الولاية التكوينية، لأن القرآن يؤكد أن النبي صلى الله عليه وآله لا يملك من أمره شيئاً، إلا ما ملكه الله). وكان السيد محمد تقي الحكيم قد ذكر في كتابه (سنة أهل البيت ومواضيع أخرى) بما نصه: (الخليفة الشرعي أي الامام، خليفة يستمد سلطته من الله، وهي في حدود السلطنة التشريعية لا التكوينية، لأن هذا النوع من السلطنة هو الذي تقتضيه كمشرع).

وعلى أية حال، فإن الانشعاب داخل المجتمع الامامي على أرضية عقدية كهذه ترتد الى عصور التكوين الشيعي الامامي، يلفت الى أن التعايش بين الاتجاهات المتضاربة داخل المعتقد الواحد يبدو أمراً مألوفاً وأن الانشقاقات الحادة لا تتم الا في حالة نادرة، وهو ما يسمح بفتح قنوات تأثير وتعبير بين هذه الاتجاهات.

ففي مقابل الاتجاه الامامي العقلاني، بدأت سلسلة جديدة من الافكار المغالية والمتطرفة بالترعرع في المجتمع الشيعي، تعود أول مرة الى ادبيات التصوف والفلسفة في المدرسة الشيعية، ثم في انتصار المشروع السياسي الثوري.

 

=============-

 

هوامش

 

   - ابن منظور جمال الدين، لسان العرب، (بيروت 1956) المجلد الخامس ص 2

2 - انظر: الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، (بيروت 1985) المجلد الأول، ص ص 318 ـ 319

3 - see: R. P. Buckley, The Early Shi’ite Ghulah, p.310; Hodgson, Marshall G.S. "How Did the Early Shia Become Sectarian?" Journal of the American Oriental Society, 75, No.1, January-March 1955, P.6

4 ـ M.G. Hodgson, ibid, p.4

5 ـ  R. P. Buckley, op.cit., p.301

6 ـ M. Hodgson, How did the Early Shi’a Become Sectarian, op.cit., p.6;

أنظر ايضاً ابو الحسن النوبختي، فرق الشيعة، (بيروت 1984) ص ص 27 ـ 28

7  R. P. Buckley, The Early Shiite Gulah, Journal of Semitic Studies, Volume 42, Issue 2: Autumn 1997, p. 302 

8 R. P. Buckly, op.cit., p.304-305

9 ibid, p. 305

10 ibid, p.309

11 الحسن الصفار القمي، بصائر الدرجات، الطبعة الثانية (قم، د.ت) ص 238، الشيخ المفيد، الاختصاص (طهران، د.ت) ص 204، الشيخ الطوسي، إختيار معرفة الرجال، (قم، د.ت) الجزء الثاني ص 436.

12 ـ الشيخ  الطوسي، إختيار معرفة الرجال، المصدر السابق، الجزء الثاني ص 436

13 الطوسي، إختيار معرفة الرجال، المصدر السابق الجزء الثاني ص 437

14 ـ Buckly, op.cit., p.308-9

15 Mohammed Ali Amir Moezzi, The Divine Guide In Early Shi’ism, Translated by David Streight, (New York, 1994), p.5

16-  في التحقيق الذي قام به الشيخ محمد باقر المجلسي صاحب موسوعة (بحار الانوار) ظهر بأن كتاب الكافي للكليني يشتمل على 9,485 رواية مشكوكة وموضوعة، وتمثل هذه ثلثي الروايات الواردة في الكافي وعددها 16،199. أنظر: Hossein Modaressi Crisis and Consolidation in the Formative Period of Shi’ite Islam, (New Jeresy, 1993), p.47

 17 ـ Carim Crow, Review Article, Tahqiqat Islami, Tehran, p.22

81 ـ ابو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك (القاهرة 1939) الجزء الثالث ص ص 378 ـ 379، ابن النوبختي، فرق الشيعة، مصدر سابق ص 22

91ـ see: Bernard Lewis, The Origins of Ismailism, (Cambridge, 1947), p.25

20- انظر: طه حسين، الفتنة الكبرى، (القاهرة 1947) ص 128ومابعدها، مرتضى العسكري، عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى، (النجف الاشرف 1956) ص 29، والعسكري، مائة وخمسون صحابي مختلف (بيروت 1968) ص 11 ومابعدها

21- علي الوردي، وعاظ السلاطين، (بغداد 1954) صص 151، 247 ـ 248

22- كمال الشبيبي، الصلة بين التصوف والتشيع (بغداد 1963) الجزء الاول ص ص 36 ـ 40

23- Heinz Halm, Shi’ism, (Edinburgh 1991), p.156

24  See: G. Hodgson, How did the Early Shi’a become Sectarian, op.cit., p.3.

25 - William M. Watt, Islam and the Integration of Society, (Great Britain 1961), pp.104-106

26- Willian F. Tucker,(‘Bayan B. Saman and the Bayaniyya: Shi’ite Extremists of Ummayad Iraq), The Muslim World, October 1975, No.4, p.241

27 - R. P. Buckly, The Early Shi’ite Ghullah, op.cit., p.317

28 - H. Heinz, Shi’ism, (Edinburgh 1991), p.157

29- M. Boyce, Zoroastrians, (London 1979), p.42

30 - Bernard Lewis, The Origins of Ismailism, pp.24-25

31 - J Wellhausen, The Religo-Political Factions in Early Islam, (ed) Richard Vaughan (Netherlands 1975), p.121

32 - G. R. Hawting, The Tawwabun, Atonement and Ashura, JSAI 1994, P.167

33 - كان سليمان بن صرد الخزاعي وزعماء الكوفة قد كتبوا رسائل الى الحسين يدعونه فيها للتعجيل بالقدوم الى العراق، واعلان الحرب ضد الخليفة يزيد، ولكنهم نكثوا وعودهم بنصرته. انظر: نصر بن مزاحم المنقري، وقعة صفين، (القاهرة 1962)، ص 65

34 - G. Hodgson, How did the Early Shia Become Sectarian, p.3

35 -H. Halm, Shi’ism, op.cit., p.157

36 -Matti Mossa, Extremist Shiite, (New York 1988), xx

37 - الماندائي هو عضو في مذهب غنوصي صغير الحجم نشأ في الاردن وعاش في العراق يعتقد بأن البابا هو المسيح المخلّص.

38 - W. T. Tucker, al-Mughira and The Mughiriyaa, Arabica, Issue No.22, 1975, pp.39-40

39 - ibid, p.39

40- المناحيمية دين عالمي تأسس على يد شخص يدعى ماني، وقد انتشرت في انحاء العالم المعروف في الألفية الاولى قبل الميلاد من اسبانيا وحتى الصين. ولكن هذا الدين اختفي من الغرب في القرن العاشر الميلادي ومن الصين في القرن الرابع عشر الهجري  وهو الآن دين ممحو لا وجود له. وتعتبر المناحيمية المثال الأبرز على الغنوصية، ومن اهم متبنياتها العقدية الثنائية، وأن العالم نفسه وكافة المخلوقات هي جزء من صراع بين الخير الممثل في الخالق والشر ، والظلام الممثلة في القوة المدفوعة بالاهواء والشهوات. وفي عقيدة المناحيمية ان غالبية البشر خلقوا من مادة من السلطة السيئة، ولكن في داخل كل واحد كان هناك نور سماوي بحاجة الى تحريره من المادة المظلمة للجسد.

41 - H. Halm, Shi’ism, op.cit., pp.156-57

42 - W. T. Tucker, Al-Mughira, op.cit., p.41

43 - H. Halm, op.cit., p.29

44 Hodgson, How did the Early.., op.cit., p.9

45 - ibid, p.9

46 - ibid, p.13; Bernard Lewis, The Origins of Ismailism, op.cit., p.33

47 - Hodgson, ibid, p.13

48-ibid, p.4

49 - H. Halm, op.cit., p.157; Hodgson, p.6

50 -  R. P. Buckley, The Early Shiite Ghulah, op.cit., p.305

وانظر ايضاً: ابن حزم الفصل في الملل والاهواء، الجزء الخامس

51 ـ أحمد بن داود الدينور، الاخبار الطوال، تحرير سعيد عبد المنهم أمير، القاهرة ص 288

52- ابن مخنف، مقتل الحسين، (قم 1987) ص ص 259، 280 وأنظر أيضاً: اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، الجزء الثاني ص 258

53- النوبختي، فرق الشيعة، مصدر سابق، ص 23، وأنظر ايضاً: ابن مخنف، مقتل الحسين، مصدر سابق ص 280

54- النوبختي، فرق الشيعة، ص 29

55- Hossein Modarresi, Crisis and Consolidation In the Formative Period of Shi’ite Islam, (New Jersey 1993), p.20; Wedad al-Qadi, The Development of the Term Ghulat in Muslim Literature, p.295-300

56 - W. F. Tucker, Bayan.., op.cit., p.244.

57- النوبختي، فرق الشيعة، مصدر سابق ص ص 33 ـ 34

58- المصدر السابق ص 34

59-W. T. Tucker, Bayan.., op.cit., p.251

60- الاشعري القمي، المقالات والفرق، (طهران 1316هش) ص 66

61- W. Tucker, Bayan.., op.cit., p.249; Tucker, Rebel Gnostics, alMughira.., op.cit., pp.44, 45

62 - M. Amir Mozzei, The Divine Guide In Early Shi’ism, New York 1994, p.78

63 -Houssein Modarressi, Crisis…, op.cit., p.21

64- النوبختي، فرق الشيعة، مصدر سابق ص 42

65 - H. Hodgson, op.cit., p.8

66- Bernard Lewis, The Origins of Isma’ilism, p.35; H. Halm, Shi’ism, p.156

67 - H. Halm, Shi’ism, p.157

68- M. A. Moezzi, The Divine Guide in the Early Shi’ism, op.cit., p.5

69 - ibid, p.130

70 - ibid, p.129

71 Ibid, p.7-8

72 -ibid, p.18

73 - ibid, p.18-19

74 - Karim Crow, Review Article, Tahqiqat Islami, p224

75 -ibid, p.223

76 - ibid, p.222

77- اختيار معرفة الرجال، الجزء الثاني ص ص 489 ـ 490

78-A. Moezzi, p.19

79-A.Moezzi, p.69

80- A. Moezzi, p.16

 81 إختيار معرفة الرجال، الجزء الثاني ص 436

 82 الكشي، رجال الكشي ص 206 -

83-     جامع الرواة، الجزء الثاني ص 258، وتهذيب المقال الجزء الثالث ص 527، وخلاصة الأقوال، ص 258

84  ـ وداد القاضي، الكيسانية، ص ص 16، 21 نقلاً عن

V. Madelung, Der Imam al Qaism Ibn Ibrahim S. 229

85 H. Modaressi, p.32

 86 المجلسي، بحار الأنوار، الجزء 23 ص 278

87 H. Modaressi, p.32

88النوبختي، فرق الشيعة، ص 88

89النوبختي، فرق الشيعة، ص 90

90اختيار معرفة الرجال، الجزء الثاني ص 587

91 H. Modaressi, p.33

92 H. Modaressi, p.157

93 H. Modaressi, p.142

94-H. Modaressi, p.29

95 - H. Modaressi, p.31

96 - R. Buckley, The Early Shi’ite Ghulat, p.319

97 - R. Buckley, p.319

98 ـ الفضل بن شاذان، العدة، المطبعة الحيدرية، النجف 1962 ص ص 463، 472

99- أنظر: حسن الصفار، بصائر الدرجات، قم ـ الطبعة الثانية ص ص 316، 319، وانظر ايضاً: المفيد، الاختصاص، ص 278

100- H. Modaressi, p.33

101 - H. Modaressi, p.34

102 - H. Modaressi, p.38

103 ـ ذكر الفضل بن شاذان بأن أبي الجحفه سأل علياً هل ترك لك النبي (ص) شيئاً غير القرآن، فرد عليه قائلاً: لا، سوى ما وهبه الله للانسان من ادراك، أنظر: الفضل بن شاذان، العدّة، مصدر سابق ص 463

104 - H. Modaressi, p.43

105 ـ النوبختي، فرق الشيعة، مصدر سابق ص 90

106 ـ أنظر: الشيخ المفيد، الارشاد، الجزء الثاني ص 208 والطوسي، الغيبة، ص ص 346، 347

107 - H. Modaressi, p.47

108 H. Modaressi, p.48

109 H. Modarressi, p.49

110 ـ الامام الشيرازي، فاطمة الزهراء عليها السلام، طبعة 1999 وانظر ايضاً الامام الشيرازي: فاطمة الزهراء عليها السلام امتداد النبوة.

111 ـ  الامام الخميني، النداء الأخير: الوصية الالهية السياسية، الصادرة عن مؤسسة الامام الخميني، طهران 1992